بسم الله الرحمن الرحيم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فهذه فوائد وقواعد وأصول وضوابط من كتاب: "الصواعق المرسلة" لابن قيم الجوزية رحمه الله، أقدمها إلى طلبة العلم لما فيها من الفائدة المنهجية الضرورية، التي تعين قارئها على التعرف على قواعد تفسير النصوص الشرعية، وأسس دلالات الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة، كما تحصنه من سبل التحريف والتأويل التي سلطها المخالفون لمنهج أهل السنة والجماعة على النصوص قديماً وحديثاً. وقد سلكتُ في استخراجها أسلوب الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، الذي سار عليه في كتابه النفيس "طريق الوصول إلى العلم المأمول".
وقد أسميتها "الفوائد المحصلة من الصواعق المرسلة".
وقد جعلت لهذه القواعد والأصول والضوابط أرقاماً متتابعة، وذكرت في آخر كل واحدة منها رقم الصفحة التي وردت فيها أصل الكتاب، ليسهل على القارئ الكريم مراجعتها عند الحاجة إلى ذلك. كما اعتمدت في استخراجها على النسخة المحققة من الكتاب، سائلاً المولى عزَّ وجلَّ أن ينفع بها طلبة العلم، وأن يجعلها في موازين الحسنات. آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
جمال بن أحمد بادي
وفيما يلي ذكر تلك القواعد والضوابط والأصول:
1. ولقد شهد سبحانه لمن يرى أن ما جاء به رسوله (صلى الله عليه وسلم) من عند الله هو الحق لا آراء الرجال بالعلم، فقال تعالى: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [سـبأ:6].
وقال تعالى: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ﴾ [الرّعد: 19].
فمن تعارض عنده حقائق ما جاء به وآراء الرجال فقدَّمها عليه، أو توقف فيه، أو قدحت في كمال معرفته، وإيمانه به، لم يكن من الذين شهد الله لهم بالعلم. (ج1/ ص155،156).
2. وبالجملة فالتأويل الذي يوافق ما دلَّت عليه النصوص وجاءت به السنة ويطابقها هو التأويل الصحيح. والتأويل الذي يخالف ما دلَّت عليه النصوص وجاءت به السنة هو التأويل الفاسد. (ص187).
3. أنواع التأويل الباطل:
أ- ما لم يحتمله اللفظ بوضعه. (ص187).
ب- ما لم يحتمله ببنيته الخاصة من تثنية أو جمع، وإن احتمله مفرداً كتأويل قوله تعالى:
لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [صّ:75]. بالقدرة. (ص188).
ت- ما لم يحتمله سياقه وتركيبه، وإن احتمله في غير ذلك السياق، كتأويل قوله تعالى:
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ﴾ [الأنعام: 158] بأن إتيان الرب إتيان بعض آياته التي هي أمره. (ص188).
ث- ما لم يؤلف استعماله في ذلك المعنى في لغة المخاطب، وإن ألف في الاصطلاح الحادث، وهذا موضع زلَّت فيه أقدام كثير من الناس، وضلَّت فيه أفهامهم. (ص189)، كما تأوَّلت طائفة قوله تعالى: فَلَمَّا أَفَلَ ﴾ [الأنعام: 76] بالحركة، وقالوا: استدلَّ بحركته على بطلان ربوبيته. (ص190)، وكما تأوَّل بعضهم قوله تعالى:﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الأعراف: 54]: أي بمعنى أقبل على خلق العرش.
ج- ما ألف استعماله في ذلك المعنى لكن في غير التركيب الذي ورد به النص، فيحمله المتأوَّل في هذا التركيب الذي لا يحتمله على مجيئه في تركيب آخر يحتمله، وهذا من أقبح الغلط والتلبيس، كتأويل اليدين بالنعمة، وتأويل قوله تعالى: إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة:23] بالانتظار.
فلا يلزم من صلاحية اللفظ لمعنى ما في تركيب، صلاحيته له في كل تركيب. (ص192-196).
ح- اللفظ الذي اطرد استعماله في معنى هو ظاهر فيه ولم يعهد استعماله في المعنى المؤوَّل، أو عهد استعماله فيه نادراً، فتأويله حيث ورد وحمله على خلاف المعهود من استعماله باطل، فإنه يكون تلبيساً وتدليساً يناقض البيان والهداية نحو قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً ﴾ [النساء: 164]، وقوله (صلى الله عليه وسلم): "إنكم ترون ربكم عياناً" فإنها قد حفَّت بالقرائن والمؤكَّدات بما ينفي عنها تأويل المتأوَّل. (ص 197،196).
خ- كل تأويل يعود على أصل النص بالإبطال فهو باطل، مثل حملهم قول النبي (صلى الله عليه وسلم) "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليَّها فنكاحها باطل" على الأمة. (ص198).
د- تأويل اللفظ الذي له معنى ظاهر لا يفهم منه عند إطلاقه سواه، بالمعنى الخفي الذي لا يطلع عليه إلا أفراده من أهل النظر والكلام، كتأويل لفظ الأحد بالذات المجردة عن الصفات. (ص199).
ذ- التأويل الذي يوجب تعطيل المعنى الذي هو في غاية العلوّ والشرف، ويحطه إلى معنى دونه بمراتب كثيرة، وهو تأويل فاسد كتأويل قوله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾ [الأنعام: 18]، وقوله تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ﴾ [النحل: 50] بأنهم فوقية الشرف كقولهم: الدرهم فوق الفلس. (200).
ر- تأويل اللفظ بمعنى لم يدلّ عليه دليل من السياق ولا معه قرينة تقتضيه. (ص201).
4. لما كان الكلام نوعين: خبر، وطلب، كان المقصود من الخبر تصديقه، ومن الطلب امتثاله، كان المقصود من تأويل الخبر هو تصديق مخبره، ومن تأويل الطلب هو امتثاله، وكان كل تأويل يعود على الخبر بالتعطيل وعلى الطلب بالمخافة تأويلاً باطلاً. (ص206).
5. وقد يكون معنى النص بيَّناً جلياً، فلا تختلف الأمة في تأويله، وإن وقع الخلاف في حكمه لخفائه على من لم يبلغه، أو لقيام معارض عنه، أو نسيانه، فهذا يعذر فيه المخالف، إذا كان قصده اتباع الحق ، ويثيبه الله على قصده. (ص207).
6. وقد تكون دلالة اللفظ غير جلية فيشتبه المراد به بغيره، فهنا معترك النزاع بين أهل الاجتهاد في تأويله، ولأجل التشابه وقع النزاع فيفهم هذا منها معنى فيؤوَّلها، ويفهم غيره معنى آخر فيؤولها به. وقد يكون كلا الفهمين صحيحاً، والآية دلَّت على هذا. (ص207)،
وقد تنازع الصحابة في تأويل قوله تعالى: أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ﴾ [البقرة: 237] هل هو الأب أم الزوج. (ص208).
7. ولم يتنازع الصحابة في تأويل آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد، بل اتفقت كلمتهم وكلمة التابعين بعدهم على إقرارهم، وإمرارها، مع فهم معانيها، وإثبات حقائقها، وهذا يدل على أنها أعظم النوعين بياناً، وأن العناية ببيانها أهم، لأنها من تمام تحقيق الشهادتين، وإثباتها من لوازم التوحيد. (ص210).
8. ولم يعرف عن أحد من الصحابة قط أن المتشابهات آيات الصفات، بل المنقول عنهم يدل على خلاف ذلك، فكيف تكون آيات الصفات متشابهة عندهم وهم لا يتنازعون في شئ منها، وآيات الأحكام هي المحكمة، وقد وقع بينهم النزاع في بعضها؟ (ص213).
9. والتحريف: العدول بالكلام عن وجهه، وصوابه إلى غيره، وهو نوعان: تحريف لفظه، وتحريف معناه. (ص215).
10. والمقصود أن التأويل يتجاذبه أصلان: التفسير، والتحريف. فتأويل التفسير هو الحق، وتأويل التحريف هو الباطل.
11. المعاني المفهومة من الكتاب، والسنة، لا تردُ بالشبهات، فيكون ردها من باب تحريف الكلم عن مواضعه، ولا بترك تدبرها، ومعرفتها، فيكون ذلك مشابهة للذين إذا ذكروا بآيات ربهم خروا عليها صماً وعمياناً. ولا يقال هي ألفاظ لا تعقل معانيها ولا يُعرف المراد منها، فيكون ذلك مشابهة للذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني. (ص229).
12. لازم الحق حق، وما لزم من إثبات كمال الرب ليس بنقص. (ص263).
13. لازم نفي صفات الكلام عن الله عزَّ وجلَّ، وصفه بأضدادها من العيوب والنقائص تعالى الله عن ذلك. (ص263).
14. تقول العرب: اضرب أعناقها، واقطع ألسنتها. وهذا أفصح استعمالهم، وتارة يفردون المضاف فيقولون: لسانهما وقلبهما وظهرهما، وتارة يثنونه كقولهم: ظهراهما مثل ظهور الترسين، والقرآن إنما نزل بلغة العرب لا بلغة العجم والطماطم والأنباط الذين أفسدوا الدين، وتلاعبوا بالنصوص وانتهكوا حرماتها، وجعلوها عرضة لتأويل الجاهلية، وانتحال المبطلين. (ص267،266)، وإذا كان من لغتهم –أي العرب- وضع الجمع التثنية لئلا يجمعوا في لفظ واحد بيد تثنيتين ولا لبس هناك فلأن يوضع الجمع موضع التثنية فيما إذا كان المضاف إليه مجموعاً أولى بالجواز. (ص268).
15. الفعل قد يضاف إلى يد ذي اليد والمراد الإضافة إليه، كقوله تعالى: بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ﴾ [الحج: 10]، وقوله تعالى: فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [الشورى:30]. (ص270).
16. لما كان الأصل في الكلام هو الحقيقة والظاهر، كان العدول به عن حقيقته وظاهره مخرجاً له عن الأصل، فاحتاج مدعي ذلك إلى دليل يسوغ له إخراجه عن أصله، فعليه أربعة أمور لا تتم له دعواه إلا بها. (ص288).
الأول: بيان احتمال اللفظ للمعنى الذي تأوله في ذلك التركيب الذي وقع فيه، وإلا كان كاذباً على اللغة منشئاً واضعاً من عنده.
فائدة: اللفظ قد لا يحتمل ذلك المعنى لغة، وإن احتمله فقد لا يحتمله في ذلك التركيب الخاص. (ص289).
وليس لأحد أن يحمل كلام الله ورسوله على كل ما ساغ في اللغة أو الاصطلاح لبعض الشعراء، أو الخطباء، أو الكتاب، أو العامة، إلا إذا كان المعنى بذلك اللفظ مما يجوز وتصلح نسبته إلى الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) لاسيما والمتأوَّل يخبر عن مراد الله ورسوله. فإن تأويل كلام المتكلم بما يوافق ظاهره أو يخالفه إنما هو بيان لمراده، فإذا علم أن المتكلم لم يرد هذا المعنى وأنه يمتنع أن يريده، وأن في صفات كماله ونعوت جلاله ما يمنع من إرادته، وأنه يستحيل عليه من وجوه كثيرة أن يريده، استحال الحكم عليه بإرادته، فهذا أصل عظيماً تجب معرفته. (ص290).
الثاني: وعليه أن يبين تعيين ذلك المعنى ثانياً، فإنه إذا أخرجه عن حقيقته قد يكون له معانٍ، فتعيين ذلك المعنى يحتاج إلى دليل. (ص292).
الثالث: إقامة الدليل الصارف للفظ عن حقيقته وظاهره. (ص292).
الرابع: الجواب عن المعارض، فإن المدعي الحقيقة قد أقام الدليل العقلي والسمعي على إرادة الحقيقة.
أما السمعي فلا يمكنك المكابرة أنه معه.
وأما العقلي فمن وجهين:
عام: وهو الدليل الدال على كمال علم المتكلم، وكمال بيانه، وكمال نصحه.
خاص: فإن كل صفة وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله فهي صفة كمال قطعاً، فلا يجوز تعطيل صفات كماله وتأويلها بما يبطل حقائقها. (ص293).
17. لقد جمع المعطلة والمؤولة بين أربعة محاذير:
الأول: اعتقادهم أن ظاهر كلام الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) المحال الباطل، ففهموا التشبيه أولاً ثم انتقلوا عنه إلى:
الثاني: وهو التعطيل، فعطلوا حقائقها بناء منهم على ذلك الفهم الذي يليق بهم، ولا يليق بالرب جلَّ جلاله.
الثالث: نسبة المتكلم الكامل العلم، الكامل البيان، التام النصح إلى ضد البيان والهدى والإرشاد، وإن المتحيرين المتهوكين أجادوا العبارة في هذا الباب، وعبروا بعبارة لا توهم من الباطل من أوهمته عبارة المتكلم بتلك النصوص، ولا ريب عند كل عاقل أن ذلك يتضمن أنهم كانوا أعلم منه، أو أفصح منه، أو أنصح للناس.
الرابع: تلاعبهم بالنصوص وانتهاك حرماتها. (ص296، 297).
18. لما كان المقصود بالخطاب دلالة السامع، وإفهامه مراد المتكلم بكلامه، وتثبيته ما في نفسه من المعاني، ودلالته عليها بأقرب الطرق كان ذلك موقوفاً على أمرين:
الأول: بيان المتكلم.
الثاني: تمكن السامع من الفهم.
فإن لم يحصل البيان من المتكلم، أو حصل له ولم يتمكن السامع من الفهم لم يحصل مراد، فإذا بين المتكلم مراده، بالألفاظ الدالة على مراده، ولم يعلم السامع معنى تلك الألفاظ، لم يحصل له البيان فلابد من تمكن السامع من الفهم، وحصول الإفهام من المتكلم، فحينئذ لو أراد الله ورسوله من كلامهما خلاف حقيقته وظاهره الذي يفهمه المخاطب، لكان قد كلفه أن يفهم مراده بما لا يدل عليه، بل بما يدل على نقيض مراده. (ص310).
19. في بيان أن تيسير القرآن للذكر ينافي حمله على التأويل المخالف لحقيقته وظاهره، فتيسير القرآن للذكر يتضمن أنواعاً من التيسير:
أحدها: تيسير ألفاظه للحفظ.
الثاني: تيسير معانيه للفهم.
الثالث: تيسير أوامره ونواهيه للامتثال. (ص331).
20. قال الأخطل النصراني:
إن البيان من الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً
وحرفه المتكلمون إلى:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جُعل اللسانُ على الكلام دليلاً
(ص344، 345).
21. والمقصد أن العبد لا يعلم ما في ضميره صاحبه إلا بالألفاظ الدالة على ذلك، فإذا حمل السامع كلام المتكلم على خلاف ما وضع له، وخلاف ما يفهم منه عند التخاطب، عاد على مقصود اللغات بالإبطال، ولم يحصل مقصود المتكلم ولا مصلحة المخاطب، وكان ذلك أقبح من تعطيل اللسان عن كلامه. (ص435). ولهذا كان التأويل الباطل فتحاً لباب الزندقة والإلحاد، وتطريقاً لأعداء الدين على نقضه. (ص347).
22. إذا تأمل المتأمل فساد العالم، وما يقع فيه من التفرق والاختلاف، وما دفع إليه أهل الإسلام، وجده ناشئاً من جهة التأويلات المختلفة المستعملة في آيات القرآن، وأخبار الرسول صلوات الله وسلامه عليه التي تعلق بها المختلفون على اختلاف أصنافهم في أصول الدين وفروعه، فإنها أوجبت من التباين والتحارب وتفرق الكلمة، وتشتت الأهواء، وتصدع الشمل، وانقطاع الحبل، وفساد ذات البين. (ص348). ومن أعظم آفات التأويل وجنايته أنه إذا سلط على أصول الإيمان والإسلام اجتثها وقلعها. (ص365).
23. أن فتح باب التأويل في أسماء الله وصفاته فتح الباب أمام القرامطة والباطنية لتأويل نصوص الأحكام ونصوص الحشر والميعاد. (راجع ص366-370).
24. وقد قيل: إن طرد إبليس ولعنه، إنما كان بسبب التأويل، فإنه عارض النص بالقياس وقدمه عليه، وتأول لنفسه أن هذا القياس العقلي مقدم على نص الأمر بالسجود. (ص370).
25. والقائل: إذا تعارض العقل والنقل قدمنا العقل، من هاهنا اشتق هذه القاعدة وجعلها أصلاً لرد نصوص الوحي التي يزعم أن العقل يخالفها كما زعم إمامه. (ص371).
26. ومن جنايات التأويل ما وقع في الإسلام من الحوادث بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وإلى يومنا هذا. (ص376). وذكر ضرب الإمام مالك وأحمد، وقتل أحمد بن نصر الخزاعي، وما جرى للبخاري. (راجع ص376 –381).
27. لما كان وضع الكلام للدلالة على مراد المتكلم، وكان مراده لا يُعلم إلا بكلامه، انقسم كلامه ثلاثة أقسام:
أحدها: ما هو نص في مراده لا يحتمل غيره. وهذا القسم يستحيل دخول التأويل فيه، وتحميله التأويل كذب ظاهر على المتكلم، وهذا شأن عامة نصوص القرآن. (ص382).
الثاني: ما هو ظاهر في مراده وإن احتمل أن يريد غيره. (ص382). وهذا القسم يقبل التأويل، ولكن ينظر في وروده، فإن اطرد استعماله على وجه واحد، استحال تأويله بما يخالف ظاهره، لأن التأويل إنما يكون لموضع جاء نادراً خارجاً عن نظائره منفرداً عنها، فسيؤول حتى يرد إلى نظائره. (ص384). والقصد أن الظاهر في معناه إذا اطرد استعماله في موارده مستوياً امتنع تأويله وإن جاز تأويل ظاهره ما لم يطرد في موارد استعماله. (ص385) ومثال ذلك: اطراد قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طـه:5].
الثالث: ما ليس بنص ولا ظاهر في المراد، بل هو مجمل يحتاج إلى البيان (ص382)، أو الخطاب المجمل الذي أحيل بيانه على خطاب آخر... فهذا أيضاً لا يجوز تأويله إلا بالخطاب الذي بينه، وقد يكون بيانه معه، وقد يكون منفصلاً عنه، والمقصود أن الكلام الذي هو عرضة للتأويل، قد يكون له عدة معانٍ وليس معه ما يبين مراد المتكلم، فهذا للتأويل فيه مجال واسع، وليس في كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم – من هذا النوع شئ من الجمل المركبة، وإن وقع في الحروف المفتتح بها السور. بل إذا تأمل من بصره الله طريقة القرآن والسنة وجدها متضمنة لرفع ما يوهمه الكلام من خلاف ظاهره، وهذا موقع لطيف جداً في فهم القرآن. (ص389) ثم ذكر أمثلة على ذلك (ص389-397 وهي آخر صفحة من المجلد الأول).
المجلد الثاني:
28. معلوم أن العلوم إنما قصد بها مصنفوها بيانها وإيضاحها للمتعلمين، وتفهيمهم إياها بأقرب ما يقدرون عليه من الطرق، فإن سلط التأويل على ألفاظهم وحملها على غير ظواهرها، لم ينتفع بها وفسدت وعاد ذلك إلى موضوعها ومقصودها بالإبطال. (ص399).
29. كل فرقة من الفرق تأولت في الشريعة تأويلاً غير التأويل الذي تأولته الفرقة الأخرى، وزعمت أنه الذي قصده صاحب الشرع حتى تمزق الشرع كل ممزق، وبعد جداً عن موضوعه الأول. (ص416).
30. انقسام الناس في نصوص الوحي إلى أصحاب تأويل وأصحاب تخييل وأصحاب تجهيل وأصحاب تمثيل وأصحاب سواء السبيل. (ص418-434).
31. وهكذا طوائف الباطل لم يرضوا بنصوص الوحي فابتلوا بزبالة أذهان المتحيرين وورثة الصابئين وأفراخ الفلاسفة والملحدين. (ص434).
32. في الأسباب التي تسهل على النفوس الجاهلة قبول التأويل مع مخالفته للبيان الذي علمه الله الإنسان وفطره على قبوله:
الأول: أن يأتي صاحبه مموهاً بالألفاظ ملفف المعاني مكسواً حلة الفصاحة والعبارة الرشيقة، فتسرع العقول الضعيفة إلى قبوله واستحسانه، وتبادر إلى اعتقاده وتقليده. (ص436).
الثاني: أن يخرج المعنى الذي يريد إبطاله بالتأويل في صورة مستهجنة تنفر عنها القلوب وتنبو عنها الأسماع. (ص438).
الثالث: أن يعزو المتأول تأويله وبدعته إلى جليل القدر، نبيه الذكر من العقلاء، أو من آل البيت النبوي، أو حل له في الأمة ثناء جميل ولسان صدق ليحليه بذلك في قلوب الأغمار والجهال. (ص441).
الرابع: أن يكون ذلك التأويل قد قبله ورضيه مبرز في صناعة من الصناعات أو علم من العلوم الدقيقة أو الجليلة. (ص444).
الخامس: الإغراب على النفوس بما لم تكن عارفة به من المعاني الغريبة التي إذا ظفر الذهن بإدراكها ناله لذة من جنس لذة الظفر بالصيد الوحشي الذي لم يكن يطمع فيه، وهذا شأن النفوس، فإنها موكلة بكل غريب تستحسنه وتؤثره وتنافس فيه. (ص449).
السادس: تقديم مقدمات قبل التأويل تكون كالأطناب والأوتاد لفسطاطه، فمنها ذم أصحاب الظواهر وعيبهم والإزراء بهم. (ص450).
ومنها قولهم: إن أدلة القرآن والسنة لفظية وهي لا تفيد علماً ولا يقيناً، والعلم إنما يستفاد من أدلة المعقول وقواعد المنطق. (ص451).
ومنها قولهم: إذا تعارض العقل والنقل قدم العقل على النقل. (ص451).
33. في بيان أن أهل التأويل لا يمكنهم إقامة الدليل السمعي على مبطل أبداً. (ص452-499).
34. ولهذا كان فتح باب التأويل على النصوص يتضمن عيبها والطعن فيها وعزلها عن سلطانها، وولاية الآراء الباطلة والشبه الفاسدة. (ص457).
35. في الأسباب الجالبة للتأويل وهي أربعة أسباب: اثنان من المتكلم واثنان من السامع، فالسببان اللذان من المتكلم:
إما نقصان بيانه.
واللذان من السامع:
إما سوء فهمه.
وإما سوء قصده.
فإذا انتقلت هذه الأمور الأربعة انتقى التأويل الباطل، وإذا وجدت أو بعضها وقع التأويل. (ص500 وانظر الشرح الطيب ص 500- 513).
36. في أنواع الاختلاف الناشئة عن التأويل وانقسام الاختلاف إلى محمود ومذموم. (ص514).
37. الاختلاف في كتاب الله نوعان:
أحدهما: أن يكون المختلفون كلهم مذمومين وهم الذين اختلفوا بالتأويل، وهم الذين نهانا الله سبحانه عن التشبه بهم في قوله: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) [آل عمران: 105]. وهذا النوع هو الذي وصف الله أهله بالبغي، وهو الذي يوجب الفرقة والاختلاف وفساد ذات البين، ويوقع التحزب والتباين. (ص514).
الثاني: اختلاف ينقسم أهله إلى محمود ومذموم، فمن أصاب الحق فهو محمود، ومن أخطأه مع اجتهاده في الوصول إليه فاسم الذم موضوع عنه، وهو محمود في اجتهاده معفو عن خطئه، وإن أخطأ مع تفريطه وعدوانه فهو مذموم. (ص515).
38. والاختلاف المذموم كثيراً ما يكون مع كل فرقة من أهله بعض الحق فلا يقر له خصمه به، بل يجحده إياه بغياً ومنافسة، فيحمله ذلك على تسليط التأويل الباطل على النصوص التي مع خصمه، وهذا شأن جميع المختلفين بخلاف أهل الحق، فإنهم يعلمون الحق من كل من جاء به، فيأخذون حق جميع الطوائف ويردون باطلهم. (ص515).
39. فمن هداه الله سبحانه إلى الأخذ بالحق حيث كان ومع من كان، ولو كان مع من يبغضه ويعاديه، ورد الباطل مع من كان، ولو كان مع من يحبه ويواليه، فهو ممن هدي لما اختلف فيه من الحق. فهذا أعلم الناس وأهداهم سبيلاً وأقومهم قيلاً. وأهل هذا المسلك إذا اختلفوا فاختلافهم اختلاف رحمة وهدى، يقر بعضهم بعضاً عليه ويواليه ويناظره، وهو داخل في باب التعاون والتناظر الذي لا يستغني الناس عنه في أمور دينهم وديناهم بالتناظر والتشاور، وإعمالهم الرأي وإجالتهم الفكر في الأسباب الموصلة إلى درك الصواب، فيأتي كل منهم بما قدحه زناد فكره وأدركته قوة بصيرته، فإذا قوبل بين الآراء المختلفة، والأقاويل المتباينة، وعرضت على الحاكم الذي لا يجوز وهو كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم – وتجرد الناظر عن التعصب والحمية، واستفرغ وسعه، وقصد طاعة الله ورسوله، فقل أن يخفى عليه الصواب من تلك الأقوال وما هو أقرب إليه، والخطأ وما هو أقرب إليه، والخطأ وما هو أقرب إليه، ومراتب القرب والبعد متفاوتة. وهذا النوع من الاختلاف لا يوجب معاداة ولا افتراقاً في الكلمة، ولا تبديداً للشمل، فإن الصحابة - صلى الله عليه وسلم – اختلفوا في مسائل كثيرة من مسائل الفروع، فلم ينصب بعضهم لبعض عداوة، ولا قطع بينه وبينه عصمة، بل كان كل منهم يجتهد في نصر قوله بأقصى ما يقدر عليه ثم يرجعون بعد المناظرة إلى الألفة والمحبة والمصادقة والموالاة من غير أن يضمر بعضهم لبعض ضغناً، ولا ينطوي له على معتبة ولا ذم، بل يدل المستفتي عليه مع مخالفته له، ويشهد له بأنه خير منه وأعلم منه.
فهذا الاختلاف أصحابه بين الأجرين والأجر، وكل منهم مطيع لله بحسب نيته واجتهاده وتحريه الحق.
وهنا نوع من الاختلاف وهو وفاق في الحقيقة، وهو اختلاف في الاختيار والأولى، بعد الاتفاق على جواز الجميع. (ص516-518).
40. ووقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لابد منه لتفاوت إراداتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم، ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه، وإلا إذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباين والتحزب وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله، لم يضر ذلك الاختلاف، فإنه أمر لابد منه في المنشأة الإنسانية، ولكن إذا كان الأصل واحداً والغاية المطلوبة واحدة، والطريق المسلوكة واحدة، لم يكد يقع اختلاف، وإن وقع كان اختلافاً لا يضر، كما تقدم من اختلاف الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. (ص519).
41. أسباب الخلاف الواقع بين الأمة بعد اتفاقهم على أصل واحد تحاكمهم إليه وهو كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم.
أ- أن كل واحد من العلماء بشر ينسى كما ينسى البشر، وقد يحفظ الرجل الحديث ولا يحضره فيفتيه بخلافه. (ص521).
ب- وقد يذكر العالم الآية والسنة، ولكن يتأول فيهما تأويلاً من خصوص أو نسخ أو معنى ما، وإن كان كل ذلك يحتاج إلى دليل. (ص526).
ج- وقد يبلغ الرجل ممن ذكرنا نصان ظاهرهما التعارض، فيميل إلى أحدهما بضرب من الترجيحات، ويميل غيره إلى النص الآخر الذي تركه بضرب آخر من الترجيحات. (ص537).
هـ- وقد يتنبه بعضهم في النصوص الواردة إلى معنى، ويلوح منه حكم بدليل ما ويغيب عن غيره. (ص539).
و- أن لا يكون الحديث قد بلغه، ومن لم يبلغه الحديث لم يكلف أن يكون عالماً بموجبه. (ص542).
ز- أن يكون الحديث قد بلغه لكنه لم يثبت عنده. (ص555).
ح- اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خلفه في غيره. (ص556).
ط- اشتراط بعضهم في خبر الواحد العدل شروطاً يخالفه فيها غيره. (ص559).
- كاشتراط بعضهم أن يكون الراوي فقيهاً إذا خالف ما رواه القياس.
- واشتراط بعضهم انتشار الحديث وظهوره إذا كان مما تعم به البلوى.
- واشتراط بعضهم أن لا يكون الحديث قد تضمن زيادة على نص القرآن.
ي- عدم معرفته بدلالة الحديث. (ص561).
ك- ومن هذا الخلاف العارض من جهة كون اللفظ مشتركاً أو مجملاً أو متردداً بين حمله على معناه عند الإطلاق، وهو المسمى بالحقيقة، أو على معناه عند التقييد، وهو المسمى بالمجاز. (ص565).
ل- أن يكون عارفاً بدلالة اللفظ وموضوعه، ولكن لا يتفطن لدخول هذا الفرد المعين تحت اللفظ، إما لعدم إحاطته بحقيقة ذلك الفرد، وأنه مماثل لغيره من الأفراد الداخلة تحته، وإما لعدم حضور ذلك الفرد بباله، وإما لاعتقاده اختصاصه بخصيصة يخرجه من اللفظ العام، وإما لاعتقاد العموم فيما ليس بعام، أو لإطلاقه فيما هو مقيد، فيذهل عن المقيد كما يذهل عن المخصص. (ص573).
م- اعتقاده أن لا دلالة في ذلك اللفظ على الحكم المتنازع فيه. (ص574).
ن- اعتقاده أن تلك الدلالة قد عارضها ما هو مساوٍ لها، فيجب التوقف، أو ما هو أقوى منها، فيجب تقدمه. (ص576).
42. الإمامية وإن كانوا مخطئين مبتدعين في أمر الصحابة فلا يوجب ذلك الحكم عليهم كلهم بالكذب والجهل، وقد روى أصحاب الصحيح عن جماعة من الشيعة وحملوا حديثهم، ولم يزل الفقهاء ينقلون خلافهم، ويبحثون معهم، والقوم وإن أخطؤوا في بعض المواضع لم يلزم من ذلك أن يكون جميع ما قالوه خطأ( )¬. (ص617).
43. إنه لم يزل أئمة الإسلام يفتون بما يظهر لهم من الدليل، وإن لم يتقدمهم إليه أحد. (ص617) وذكر أمثلة.
44. حكم الطلاق بالثلاث. (ص619-628).
45. في ذكر الطواغيت الأربعة التي هدم بها أصحاب التأويل الباطل معاقل الدين وانتهكوا بها حرمة القرآن، ومحوا بها رسوم الإيمان. وهي:
أ- قولهم إن كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم – أدلة لفظية لا تفيد علماً ولا يحصل منها يقين.
ب- وقولهم: إن آيات الصفات وأحاديث الصفات مجازات لا حقيقة لها.
ج- وقولهم: إن أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم – الصحيحة التي رواها العدول وتلقتها الأمة بالقبول، لا تفيد العلم، وغايتها أن تفيد الظن.
د- وقولهم: إذا تعارض العقل ونصوص الوحي، أخذنا بالعقل ولم نلتفت إلى الوحي. (ص632).
46. التحاكم إلى من لا يفيدك كلامه علماً ولا يقيناً لا يحصل به المقصود. (ص635).
47. معرفة مراد المتكلم تحصل بالنقل المتواتر، كما حصل العلم بأنه قال ذلك اللفظ بالنقل المتواتر. (ص635).
48. كما بلغ الرسول - صلى الله عليه وسلم – ألفاظ القرآن للأمة، بلغهم معانيه، بل كانت عنايته بتبليغ معانيه أعظم من مجرد تبليغ ألفاظه. (ص636),
49. حفظ المعنى أيسر من حفظ اللفظ، وكثير من الناس يعرف صورة المعنى ويحفظها، ولا يحفظ الناس. (ص636).
50. إذا حصل المقتضى التام لزم وجود مقتضاه. (ص637).
51. يضبط الناس من المعاني المتكلم أكثر مما يضبطونه من لفظه، فإن المقتضى لضبط المعنى أقوى من المقتضى لحفظ اللفظ، لأنه هو المقصود واللفظ وسيلة إليه، وإن كانا مقصودين، فالمعنى أعظم المقصودين، والقدرة عليه أقوى، فاجتمع عليه قوة الداعي وقوة القدرة، وشدة الحاجة. (ص637).
52. الطاعن في حصول العلم بمعاني القرآن شر من الطعن في حصول العلم بألفاظه، ولهذا كان الطعن في نقل بعض ألفاظه من فعل الرافضة، وأما الطعن في حصول العلم بمعانيه، فإنه من فعل الباطنية الملاحدة. (ص638).
53. قول القائل: الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين، دهليز إلى مذهب هؤلاء ومرقاة إليه. (ص639).
54. التعريف بالأدلة اللفظية أصل للتعريف بالأدلة العقلية، والعلم بمدلول الأدلة اللفظية أسبق. (ص643) فالقدح في حصول العلم بمدلول الأدلة اللفظية قدح في حصول العلم بمدلول الأدلة العقلية.
55. إن الله سبحانه هدى البهائم والطير، أن يعرف بعضها بعضاً مرادها بأصواتها. (ص644). فكيف لا يعلم الآدميون مراد بعضهم من بعض؟
56. إن أبلد الناس وأبعدهم فهماً يعلم مراد أكثر من يخاطبه بالكلام الركيك العادم للبلاغة والفصاحة، فكيف لا يعلم أذكى الناس وأصحهم أذهاناً وأفهاماً مراد المتكلم بأفصح الكلام وأبينه وأدله على المراد، ويحصل لهم اليقين بالعلم بمراده. (ص644).
57. القول بأن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين: يستلزم الطعن والقدح في بيان المتكلم وفصاحته، أو في فهم السامع وذهنه أو فيهما معاً. (ص645).
58. إن دلالة قول الرسول - صلى الله عليه وسلم – على مراده أكمل من دلالة شبهات هؤلاء العقلية على معارضته بما لا نسبة بينهما. فكيف تكون شبهاتهم تفيد اليقين، وكلام الله ورسوله لا يفيد؟! (ص647).
59. أنواع السفسطة ثلاثة:
أحدها: التجاهل، وهو: لا أدري، وأصحابه يسمون اللاأدرية.
الثاني: النفي والجحود.
الثالث: قلب الحقائق، وهو جعل الموجود معدوماً والمعدوم موجوداً، إما في نفس الأمر، وإما بحسب الاعتقاد.
60. التفريق بين نفي العموم "ليس كل دليل لفظي يفيد اليقين لا خلاف في ذلك" وبين عموم النفي "كل دليل لفظي لا يفيد اليقين" مكابرة للعيان ومجاهرة بالكذب. (ص650).
61. أن القول بعدم إفادة الأدلة السمعية لليقين قدح في بيان الرسول - صلى الله عليه وسلم – وقدح في فصاحته. (ص652).
62. إن جميع ما ذكروه من الوجوه العشرة يرجع إلى حرف واحد، وهو احتمال اللفظ لمعنى آخر غير ما يظهر من الكلام. (ص657). وهذا نسبته قليلة جداً، فلا يصلح أن يكون قاعدة كلية.
63. الاشتراك في المعلومات الضروريات غير واجب ولا واقع، والواقع خلافه. (ص660).
64. أهل العلم والكتاب والسنة متيقنون لمراد الله ورسوله، جازمون به، معتقدون لموجبه اعتقاداً لا يتطرق إليه شك ولا شبة. (ص663).
65. حيرة المتكلمين والفلاسفة وتخبطهم واختلافهم وشكوكهم. (ص663-669).
66. ألفاظ القرآن والسنة ثلاثة أقسام (ص670):
الأول: نصوص لا تحتمل إلا معنى واحداً، فهو يفيد اليقين بمدلوله قطعاً، كالأعداد "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْن"ِ [النساء: 92].
الثاني: ظواهر تحتمل غير معناها احتمالاً بعيداً مرجوحاً. ولكن اطردت في موارد استعمالها على معنى واحد، فجرت مجرى النصوص التي لا تحتمل غير مسماها. وهذا القسم يفيد اليقين والقطع بمراد المتكلم أيضاً. (ص681).
الثالث: ألفاظ تحتاج إلى بيان، فهي بدون البيان عرضة للاحتمال. وهذا القسم إذا أحسن رده إلى القسمين قبله عرف مراد المتكلم منه. (ص681).
فالأول يفيد اليقين بنفسه.
والثاني يفيده باطراده في موارد استعماله.
والثالث يفيده إحسان رده إلى القسمين قبله. (ص672).
67. إن الذي حال بين هؤلاء وبين استفادتهم اليقين من كلام الله ورسوله أن كثيراً من ألفاظ القرآن والسنة قد صار لها معانٍ اصطلح عليها النظار والمتكلمون وغيرهم، وألف ذلك الاصطلاح، وجرى عليه النشء، وصار هو المقصود بالتخاطب، وإليه التحاكم، فصار كثير من الناس لا يعرف سواه، فلما أرادوا أن يطابقوا بين معاني القرآن وبين تلك المعاني التي اصطلحوا عليها أعجزهم ذلك، فمرة قالوا: ألفاظ القرآن مجاز، ومرة طلبوا لها وجوه التأويل، ومرة قالوا: لا تفيد اليقين، ومرة جعلوها وقفاً تتلى في الصلاة ويتبرك بقراءتها ولا يتحاكم إليها. (ص672) انظر أمثلة ذلك: (ص672-676).
68. لا يعارض السمع الصحيح الصريح إلا معقولاً فاسداً تنتهي مقدماته إلى المكابرة أو التقليد أو التدليس والإجمال. (ص679).
69. دلالة الدليل لا تتوقف على معرفة الإعراب والتصريف. (ص680) ولا تتوقف على العلم بعدم التخصيص والإضمار. (ص681).
70. إن القدح في دلالة العام باحتمال الخصوص وفي الحقيقة باحتمال المجاز والنقل والاشتراك، يبطل حجج الله على خلقه بآياته، ويبطل أوامره ونواهيه وفائدة أخباره. (ص683).
71. الوجوه التي تنقسم إليها معاني ألفاظ القرآن عشرة أقسام. (انظرها ص684، 685) وأنواع ألفاظها ثلاثة. (ص686).
72. فعليك بحفظ العموم فإنه يخلصك من أقوال كثيرة باطلة. (ص689).
قال السرخسي: "إنكار العموم بدعة حدثت في الإسلام بعد القرون الثلاثة". (ص690).
73. إن الله سبحانه إنما علق الثواب على الأفعال المقتضية له اقتضاء السبب لمسببه، وجعلها عللاً لأحكامها، والاشتراك في الموجب يقتضي الاشتراك في موجبه، والعلة إذا تخلف عنها معلولها من غير انتقاء شرط أو وجود مانع فسدت، بل يستحيل تخلف المعلول عن علته التامة وإلا لم تكن تامة. (ص691).
74. خطأ الوعيدية والمقابلين لهم في فهم نصوص الوعيد. (ص691).
75. هذه الأفعال سبب لما علق عليها من الوعيد، والسبب قد يتخلف عن مسببه لفوات شرط أو وجود مانع، والموانع متعددة، منها التوبة النصوح، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، والصدقة، والشفاعة، والدعاء.. إلخ. (ص691).
76. الشيء النادر المتظرف يحل محل الإعجاب، وتتحرك الهمم لسماعه واستفادته لما جبل عليه الناس من إيثار المستظرفات والغرائب، وهذا من أكثر أسباب الأكاذيب في المنقولات والتحريف لمعانيها. (ص693 أمثلة لذلك 694-698).
77. قد يقع في كلام السلف تفسير اللفظ العام بصورة خاصة على وجه التمثيل لا على وجه تفسير معنى اللفظة في اللغة بذلك، فيغتر به المعنى، فيجعله معنى اللفظة في اللغة. (ص699). أمثلة:
- ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر:8] قيل: الماء البارد في الصيف، لم يرد به أن النعيم المسؤول عنه هو هذا وحده.
- وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7] القدر والفأس والقصعة؟ فهذا كله من التمثيل للمعنى العام ببعض أنواعه. (ص700).
78. ونظير هذا ما يذكره كثير من المفسرين في آيات عامة أنها في قوم مخصوصين من المؤمنين والكفار والمنافقين، وهذا تقصير ظاهر منهم وهضم لتلك العمومات المقصود عمومها. (ص700).
وكذلك الحال في أحكام وقعت في القرآن كان بدوّ افتراضها أفعال ظهرت من أقوام، فأنزل الله بسببها أحكاماً صارت شرائع عامة إلى يوم القيامة، فلم يكن من الصواب إضافتها إليهم، وأنهم هم المرادون بها إلا على وجه ذكر سبب النزول فقط، وأن تناولها لهم ولغيرهم تناول واحد. (ص700).
79. ومن تأمل خطاب القرآن وألفاظه وجلالة المتكلم به وعظمة ملكه، وما أراد به من الهداية العامة لجميع الأمم قرناً بعد قرن إلى آخر الدهر، وأنه جعله إنذاراً لكل من بلغه من المكلفين لم يخف عليه أن خطابه العام إنما جعل بإزاء أفعال حسنة محمودة، وأخرى قبيحة مذمومة، وأنه ليس منها فعل إلا والشركة فيه موجودة أو ممكنة، إذا كانت الأفعال مشتركة كان الوعد والوعيد المعلق بها مشتركاً. (ص704).
80. باب الإضمار لا ضابط له، فكل من أراد إبطال كلام متكلم ادعى فيه إضماراًً يخرجه عن ظاهره. (ص711).
81. إن الإضمار هو الإخفاء، وهو أن يخفي المتكلم في نفسه معنى، ويريد من المخاطب أن يفهمه، فهذا إما أن يجعل له عليه دليلاً من الخطاب أو لا. فإن جعل له عليه دليلاً من السياق، لم يكن ذلك إضماراً محضاً، بل يكون قد أظهره له بما دله عليه من السياق، [ودلالة اللفظ قد تحصل من صريحه تارة، ومن سياقه، ومن قرائنه المتصلة به]، فهذا لا محذور فيه إذا كان المخاطب قد دل السامع على مقصوده ومراده، وإن لم يجعل له عليه دليلاً، فإنه لم يقصد بيانه له، بل عدل عن بيانه إلى بيان المذكور، فلا يقال: إن كلامه دل عليه بالإضمار، فإن هذا كذب صريح عليه، فتأمله فإنه واضح. (ص714).
82. في كلام العرب المقدم مقدم والمؤخر مؤخر، وحيث قدموا المؤخر، وأخروا المقدم فلابد أن يجعلوا في الكلام دليلاً على ذلك لئلا يلتبس الخطاب. (ص715).
وانظر نوعي التقديم والتأخير المخل وغير المخل. (ص717).
83. لو كان كلام الله ورسوله لا يفيد اليقين والعلم، والعقل معارض للنقل، فأي حجة تكون قد قامت على المكلفين بالكتاب والرسول؟ (ص737).
84. طمأنينة قلوب أهل الحق. (ص741، 742).
85. دلالة القرآن والسنة على معانيها من جنس دلالة لغة كل قوم على ما يعرفونه ويعتادونه من تلك اللغة. (ص742).
86. دلالة اللفظ هي العلم بقصد المتكلم به. (ص73). ويراد بالدلالة أمران: نقل الدال، وكون اللفظ بحيث يفهم معنى. فالمتكلم دال بكلامه، وكلامه دال بنظامه. وذلك يعرف من عادة المتكلم في ألفاظه، فإذا كانت عادته أنه قصد بهذا اللفظ هذا المعنى، علمنا متى خاطبنا به أنه أراده من وجهين:
أحدهما: أن دلالة اللفظ مبناها على عادة المتكلم التي يقصدها بألفاظه، فإذا عرف السامع ذلك المعنى، وعرف أن عادة المتكلم إذا تكلم بذلك اللفظ أن يقصده، علم أنه مراده قطعاً.
الثاني: أن المتكلم إذا كان قصده إفهام المخاطبين كلامه، وعلم السامع من طريقته وصفته أن ذلك قصده، لا أن قصده التلبيس والإلغاز، أفاده مجموع العلمين اليقين بمراده، ولم يشك فيه. (ص743).
87. إن معرفة مراد المتكلم تعرف باطراد استعماله ذلك اللفظ في ذلك المعنى، في مجاري كلامه ومخاطباته. (ص743).
88. من المعلوم أن أهل اللغة لم يسوغوا للمتكلم أن يتكلم بما يريد به خلاف ظاهره إلا مع قرينة تبين المراد، والمجاز إنما يدل مع القرينة بخلاف الحقيقة، فإنها تدل على التجرد. وكذلك الحذف والإضمار لا يجوز إلا إذا كان في الكلام ما يدل عليه. وكذلك التخصيص ليس لأحد أن يدعيه إلا مع قرينة تدل عليه. (ص752).
89. وقد اتفقت اللغة والشرع على أن اللفظ المجرد إنما يراد به ما ظهر منه، وما يقدر من احتمال مجاز أو اشتراك أو حذف أو إضمار ونحوه إنما يقع مع القرينة، أما مع عدمها فلا. (ص753).
90. الأسماء الموجودة في القرآن ثلاثة أنواع:
نوع بيانه معه، فهو مع بيانه يفيد اليقين بالمراد منه.
ونوع بيانه في آية أخرى، فيستفاد اليقين بالمراد من المجموع الاثنين.
ونوع بيانه موكول إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم – فيستفاد اليقين من المراد منه ببيان الرسول - صلى الله عليه وسلم. (ص754).
91. إن مراد المتكلم يُعلم من لفظه المجرد تارة، والمقرون تارة، ومنه ومن لفظ آخر يفيدان اليقين بمراده تارة، ومنه ومن بيان آخر بالفعل أو القول يحيل المتكلم عليه تارة. وليس في القرآن خطاب أريد منه العلم بمدلوله إلا وهو داخل في هذا الأقسام. (ص754).
92. أنواع الدلالات:
أ- دلالة الأدلة السمعية على مدلولها.
ب- دلالة الآيات المعينة على مدلولها (دلالة الدخان على النار، وضوء الصبح على الصباح).
ج- الأدلة القياسية العقلية (وهي أضعف أنواع الدلالات).
93. الدليل القياسي التمثيلي أقوى وأظهر دلالة من الدليل القياسي الشمولي. (ص764).
94. دلالة المقال أكمل من دلالة الحال، ودلالة الحال المعينة أكمل من الدلالة الكلية المنطقية، ودلالة كلام الله أكمل من دلالة كل كلام، وإفادته اليقين فوق إفادة كل دليل اليقين بمدلوله. (ص765).
95. إن هذا القانون مضمونه جحد الرسالة في الحقيقة، وإن أقر بها صاحبه بلسانه، بل مضمونه أن يترك الناس بلا رسول يرسل إليهم خير من أن يرسل إليهم رسول.
96. إن الله سبحانه قسم الأدلة السمعية إلى قسمين: محكم ومتشابه، وجعل المحكم أصلاً للمتشابه، وأما له يرد إليه. (ص772).
97. إن حاصل كلام أرباب القانون يدور على ثلاث مقدمات:
الأولى: أن العلم بمراد المتكلم موقوف على حصول العلم بما يدل على مراده.
الثانية: أنه لا سبيل إلى العلم بمراده إلا بانتفاء هذه الأمور العشرة.
الثالثة: أنه لا سبيل إلى العلم بانتقائها. (ص779).
فهذه ثلاث مقدمات، الأولى منها صادقة، والأخريان كاذبتان.
• اضطراب أهل الكلام والمنطق والفلسفة في "العقل" الذي يعارض النقل أشد الاضطراب. (ص781-791 فانظر نماذجه).
• إن الله سبحان دعا إلى تدبر كتابه وتعلقه وتفهمه وذم الذين لا يفهمونه ولا يعقلونه. (ص791).
• أدلة القرآن والسنة نوعان:
أحدهما: يدل بمجرد الخبر.
الثاني: يدل بطريق التنبيه والإرشاد على الدليل العقلي. (ص793) انتهى المجلد الثاني
المجلد الثالث:
98. إذا تعارض دليلان سمعيان أو عقليان أو سمعي وعقلي، فإما أن يكونا قطعيين، وإما أن يكونا ظنيين، وإما أن يكون أحدهما قطعياً والآخر ظنياً.
فأما القطعيان فلا يمكن تعارضهما في الأقسام الثلاثة. وإن كان أحدهما قطعياً والآخر ظنياً، تعين تقديم القطعي، سواء كان عقلياً أو سمعياً. وإن كان جميعاً ظنيين صرنا إلى الترجيح، ووجب تقديم الراجح منهما سميعاً كان أو عقلياً. (ص797).
99. ما هو ثابت في نفس الأمر ليس موقوفاً على علمنا به، فعدم علمنا بالحقائق لا ينفي ثبوتها في نفس الأمر. (ص799).
100. الشرع المنزل من عند الله مستغن في نفسه عن علمنا وعقلنا، ولكن نحن محتاجون إليه، وإلى أن نعلمه بعقولنا، فإذا علم العقل ذلك حصل له كمال لم يكن قبل ذلك، وإذا فقده كان ناقصاً جاهلاً.
101. ما كان شرطاً في الشيء امتنع أن يكون منافياً له.
102. ليس له ما يعرف بالعقل يكون أصلاً للسمع ودليلاً على صحته، فإن المعارف العقلية أكثر من أن تحصر، والعلم بصحة السمع غايته أن يتوقف على ما به يعلم صدق الرسول من العقليات. (ص800).
103. ليس القدح في بعض العقليات قدحاً في جميعها، كما أنه ليس القدح في بعض السمعيات قدحاً في جميعها، فلا يلزم من صحة المعقولات التي يبنى عليها معرفتنا بالسمع صحة غيرها من المعقولات، ولا من فساد هذه فساد ذلك. (ص801).
104. من علم صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم – استحال أن يكون عنده دليل يعارض ما أخبر به. (ص802).
105. الدليل لا يترك لما ليس بدليل. (ص805، 854).
106. إذا كان الدليل السمعي صحيحاً في نفسه، ظاهر الدلالة بنفسه على المراد، لم يكن ما عارضه من العقليات إلا خيالات فاسدة ومقدمات كاذبة. (ص805).
107. يكفيك من العقل أن يعرفك صدق الرسول، ومعاني كلامه، ثم يخلي بينك وبينه. وقيل: العقل سلطان ولى الرسول، ثم عزل نفسه. (ص807).
108. إن الدليل الدال على صحة الشيء أو ثبوته أو عدالته أو قبول قوله، لا يجب أن يكون أصلاً له بحيث إذا قدم قول المشهود له، والمدلول عليه على قوله، يلزم إبطاله. (ص809).
109. إن العلم بالدليل أصل للعلم بالمدلول، فإذا حصل العلم بالمدلول لم يلزم من ذلك تقديم الدليل عيه في كل شئ. (ص809).
110. لابد للعقل من التسليم والانقياد لحكم الشرع والإذعان والقبول، وهناك يسقط "لم"، ويبطل "كيف"، ويزول "هلا"، ويذهب "لو" و "ليت" في الريح. (ص811).
111. ونحن نعلم قطعاً أن الرسل لا يخبرون بمحال العقول، وإن أخبروا بمحارات العقول. (ص829، 830).
112. إنه لا يعلم آية من كتاب الله، ولا نص صحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – في باب أصول الدين اجتمعت الأمة على خلافه، ومن له خبرة بمذاهب الناس، وأقوال السلف يعلم أن الأمة اجتمعت على القول به قبل ظهور المخالف. (ص833).
113. إن الأدلة السمعية هي الكتاب والسنة والإجماع. (ص834).
114. إن أهل البدع حاصل ما مع أكثرهم حسن الظن بإمامه الذي سلك طريقه، وتقليده في أصوله، وهو يرى بعقله خلافها، ويستشكلها، ويقر بأنها مشكلة جداً، ثم ينكس على رأسه ويقول: هو أعلم بالمعقول مني. (ص836).
115. كتاب مقالات غير الإسلاميين. (ص836).
116. قال ابن رشد في "تهافت التهافت": "ومن الذي قال في الإلهيات شيئاً يعتد به" (ص841). وقال المحقق: لم أقف عليه بلفظه. وقد وقفت عليه، ولكن عبارة ابن رشد بلفظ مختلف يسيراً. (2/547، ط. دار المعارف الثانية، بتحقيق د. سليمان دنيا).
117. أدلة الحق وشبه الباطل لا تتكافأ حتى يتكافأ الضوء والظلام. (ص843).
118. إن طالب الهدى في غير القرآن والسنة، قد شهد الله ورسوله له بالضلال. (ص846).
119. إن أصحاب القرآن والإيمان قد شهد الله لهم، وكفى به شهيداً بالعلم واليقين والهدى، وأنهم على بصيرة وبينة من ربهم، وأنهم أولو العقل والألباب والبصائر. (ص850).
120. إن الله سبحانه اقتضت حكمته وعدله أن يفسد على العبد عقله الذي خالف به رسله، ولم يجعله منقاداً لهم، مسلماً لما جاءوا به مذعناً له. (ص861)، وانظر الأمثلة: (ص862-864)، وبالجملة، فما عصى الله بشيء إلا أفسده على صاحبه. (ص865).
121. بيان أن الإيمان الجازم لا يستقر في قلب من عارض الشرع بالعقل. (ص869).
122. المشروط بالشيء يعدم عند عدمه. (ص869).
123. ولا يكون الرجل مؤمناً حتى يؤمن بالرسول - صلى الله عليه وسلم – إيماناً جازماً، ليس مشروطاً بعدم معارض. (ص870، 900).
124. طرق العلم: الحس والعقل والمركب منهما. (ص870).
125. المعلومات ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يعلم بالعقل.
والثاني: ما يعلم بالسمع.
والثالث: ما يعلم بالعقل والسمع.
وكل منها ينقسم إلى ضروري ونظري، وإلى معلوم ومظنون وموهوم. فليس كل ما يحكم به العقل علماً، بل قد يكون طناً. وقد يكون وهماً كاذباً، كما أن ما يدركه السمع والبصر كذلك. (ص870)، فلابد من حكم يفصل بين هذه الأنواع ويميز بين معلومها ومظنونها وموهومها.
126. إذا اتفق العقل والسمع والعقل والحس على قضية، كانت معلومة يقينية. وإن انفرد بها الحس عن العقل كانت وهمية.
127. وكذلك حكم السمع قد يكون كاذباً، وقد يكون صادقاً ضرورة ونظراً، وقد يكون ظنياً، فإذا قارنه العقل كان حكمه علماً ضرورياً أو نظرياً، كالعلم بمجرد الأخبار المتواترة، فإنه حصل بواسطة السمع والعقل، فإن السمع أدي إلى العقل ما سمعه من ذلك، والعقل حكم بأن المخبرين لا يمكن تواطؤهم على الكذب، فأفاده علماً ضرورياً أو نظرياً. (ص871).
128. وكذلك الوهم، يدرك أموراً لا يدري صحيحة هي أم باطلة، فيردها إلي العقل الصريح، فما صححه منها قبله، وما حكم ببطلانه رده. فهذا أصل يجب الاعتناء به ومراعاته، وبه يعلم الصحيح من الباطل. (ص872).
129. ولو التفتنا إلى كل شبهة يعارض بها الدليل القطعي، لم يبق لنا وثوق بشيء تعلمه بحس أو بعقل أو بهما. (ص873).
130. ما يدرك بالسمع أعم وأشمل، وما يدرك بالبصر أتم وأكمل، فهذا له القوة والتمام، وذلك له العموم والإحاطة. (ص874).
131. ليس العلم في الحقيقة إلا ما أخبرت به الرسل عن الله عز وجل طلباً وخبراًَ، فهو العلم المزكي للنفوس، والمكمل للفطر، المصحح للعقول، الذي خصه الله باسم العقل، وسمى ما عارضه ظناً لا يغني من الحق شيئاً. (ص876).
132. إن الله سبحانه جعل الوحي إماماً والعقل مؤتماً به، وجعله حاكماً والعقل محكوماً عليه، ورسولاً والعقل مرسلاً به، وميزاناً والعقل موزوناً به، وقائداً والعقل منقاداً له. (ص890).
133. إن العقل تحت حجر الشرع فيما يطلبه ويأمر به، وفيما يحكم به ويخبر عنه. (ص894).
134. ما علق على الممتنع فهو ممتنع. (ص900).
(ميراث التعصيب ص901)
135. الأدلة السمعية نوعان:
أ- نوع يدل بطريق التنبيه والإرشاد على الدليل العقلي فهو عقلي سمعي، ومن هذا غالب أدلة النبوة والمعاد والصفات والتوحيد.
ب- نوع دل بمجرد الخبر.
136. ليس في القرآن صفة إلا وقد دل العقل الصريح على إثباتها لله. (ص909).
137. تأويل الكلام الطلبي هو نفس فعل المأمور به والمنهي عنه، كما قال ابن عيينة: "السنة تأويل الأمر والنهي". (ص923).
138. وأما تأويل ما أخبر الله به عن نفسه، وعن اليوم الآخر، فهو نفس الحقيقة التي أخبر الله عنها، وذلك في حق الله هو كنه ذاته وصفاته التي لا يعلمها غيره. (ص923).
139. أصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة، والمعاني المشتبهة، ولاسيما إذا صادفت أذهاناً مخيطة. فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى وتعصب؟ (ص927).
الإجمال في اللفظ: يتكلم بلفظ له معنيان: معنى صحيح ومعنى باطل، فيتوهم السامع أنه أراد المعنى الصحيح ومراده الباطل.
الاشتباه في المعنى: فيكون له وجهان، هو حق من أحدهما، وباطل من الآخر، فيوهم إرادة الوجه الصحيح، ويكون مراده الباطل. (ص926).
أمثلة على ذلك (ص929-953)، وتراجع للأهمية، وفيها كلام عن الدعاية السيئة ضد أهل السنة!!
(وصف دقيق للأطوار التي يمر بها الإنسان في تعلمه ص957-959).
140. لا يتم الدين بإطلاق الألفاظ الفارغة عن المعاني. (ص971).
141. إن هؤلاء المعارضين للوحي بالعقل، بنوا أمرهم على أصل فاسد، وهو أنهم جعلوا أقوالهم التي ابتدعوها، جعلوها أصول دينهم، ومعتقدهم في رب العالمين هي المحكمة، وجعلوا قول الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم – هو المتشابه الذي لا يستفاد منه علم ولا يقين. (ص990).
• القواعد التي بنى عليها أهل السنة أصولهم في موافقة العقل للنقل. (ص992).
• بيان منهج أهل البدع في التضليل على الناس. (ص995) (قولية).
بيان أن إبليس أول من قدم العقل على النقل. (ص998-1000، ثم الرد عليه إلى 1008).
142. القياس إذا صادم النص وقابله كان قياساً باطلاً، ويسمى قياساً إبليسياً، فإنه يتضمن معارضة الحق بالباطل، وتقديمه عليه. (ص1002).
143. العقل إنما يدل على نفي الشيء إذا علم ثبوت نقيضه، فيعلم حينئذ أن النقيض الآخر منتف. (ص1010).
144. كل كمال ثبت للمخلوق لا نقص فيه فلا يستلزم نقصاًَ، فمعطيه وموجده أحق به وأولى. (ص1018).
(ليس كمثله شئ، وليس له سمي سبحانه ص1019-1022).
145. إن الله سبحانه إنما نفى عن نفسه ما يناقض الإثبات، ويضاد ثبوت الصفات والأفعال. (ص1023-1029).
146. إن النفاة جمعوا بين التشبيه والتعطيل، فسموا تعطيلهم تنزيهاً، وسموا ما وصف به نفسه تشبيهاً وجعلوا ما يدل على ثبوت صفات الكمال وكثرتهم دليلاً على نفيها، وتعطيلها، وراج ذلك على من لم يجعل الله له نوراً. (ص1030).
(بيان المثل الأعلى وحقيقته ص1030-1036).
147. قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] وقوله: وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى [الروم:27] من أعظم الأدلة على ثبوت صفات كماله سبحانه. (ص1032).
(حال أهل البدع في المناظرة وسماع الحق. ص1036-1038، 1039-1040).
148. المجانيق الأربعة التي نصبها أهل البدع على حصون الوحي:
1- أنها أدلة لفظية لا تفيد اليقين.
2- أنها مجازات واستعارات لا حقيقة لها.
3- أن العقل عارضها فيجب تقديمه عليها.
أنها أخبار آحاد، وهذه المسائل علمية، فلا يجوز أن يحتج فيها بالأخبار. (ص1039).
149. أصل العداوة البغض، كما أن أصل الولاية الحب. فكل من أبغض شيئاً من نصوص الوحي ففيه من عداوة الله ورسوله بحسب ذلك، ومن أحبها ففيه من ولاية الله ورسوله بحسب ذلك. (ص1041).
قال ابن مسعود: "لا يسأل أحدكم عن نفسه غير القرآن، فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله، وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله".
150. أخبر سبحانه أن كل حكم خالف حكمه الذي أنزله على رسوله فهو من أحكام الهوى، لا من أحكام العقل، وهو من أحكام الجاهلية، لا من حكم العلم والهدى. (ص1046).
(إذا خفيت السنة ظهرت الأهواء، عبد الله بن المبارك ص1048).
(قل من نظر في الكلام في قلبه غل على الإسلام، الإمام أحمد: 1039).
151. أن من عارض نصوص الوحي بالعقل لزمه لازم من خمسة لا محيد له البتة: إما تكذيبها، أو كتمانها، وإما تحريفها، وإما تخييلها، وإما تجهيلها وهو نسبة المصدقين لها إلى الجهل: إما البسيط وإما المركب، وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم. (ص1048).
152. إن المعارضين للوحي بآرائهم خمس طوائف:
أ- طائفة عارضته بعقولهم في الخبريات، وقدمت عليه العقل، فقالوا لأصحاب الوحي: لنا العقل ولكم النقل.
وطائفة عارضتهم بآرائهم وقياساتهم، فقالوا لأهل الحديث: لكم الحديث ولنا الرأي والقياس. ج- وطائفة عارضته بحقائقهم وأذواقهم، وقالوا: لكم الشريعة ولنا الحقيقة.
د- وطائفة عارضته بسياساتهم وتدبيرهم، فقالوا: أنتم أصحاب الشريعة ونحن أصحاب السياسة.
هـ- وطائفة عارضته بالتأويل الباطن فقالوا: أنتم أصحاب الظاهر ونحن أصحاب الباطن. (ص1051).
153. سؤالات الصحابة رضوان الله عليهم للنبي - صلى الله عليه وسلم – عن الجمع بين النصوص التي يوهم ظاهرها التعارض. (ص1052-1064).
154. تاريخ نشأة الفرق. (ص 1068 -1080) "مهم".
155. بيان ثبوت صفات الكمال لله تعالى بالعقل والنقل. (ص1080-1086).
156. الأصناف الثلاثة التي ذكرها الله تعالى في كتابه في سورة العنكبوت:
أ- صنف يجادل في الله بغير علم، ويتبع كل شيطان مريد، مكتوباً عليه إضلال من تولاه، وهذه حال المتبع لأهل الضلال.
ب- صنف يجادل في الله بغير علم، ويتبع كل شيطان مريد، مكتوباً عليه ليضل عن سبيله، وهذه حال المتبوع المستكبر، الصاد عن سبيل الله.
ج- ثم ذكر حال من يعبد الله على حرف، وهذه حال المتبع لهواه الذي إن حصل له ما يهواه من الدنيا عبد الله، وإن أصابه ما يمتحن به في دنياه ارتد عن دينه، وهذه حال من كان مريضاً في إرادته وقصده، وهي حال أهل الشهوات والأهواء. (ص1088).
157. إن العقل ملزوم لعلمنا بالشرع ولازم له، ومعلوم أنه:
إذا كان اللزوم من أحد الطرفين لزم من وجود الملزوم وجود اللازم، ومن نفي اللازم نفي الملزوم، فكيف إذا كان التلازم من الجانبين؟
فإذا هذا التلازم يستلزم أربع نتائج.
إذ يلزم من ثبوت هذا الملزوم ثبوت لازمه. ومن ثبوت لازمه المساوي ثبوته، ومن نفي اللازم نفي ملزومه، ومن نفي ملزومه المساوي نفيه، وهذا شأن كل شيئين بينهما تلازم من الطرفين. (ص1091).
فالمتلازمان يلزم من ثبوت كل منهما ثبوت الآخر، ومن انتفائه انتفاؤه. (ص1093).
158. إن الله سبحانه نصب على الحق الأدلة والأعلام الفارقة بين الحق والباطل، والنور والظلام، وجعل فطر عباده مستعدة لإدراك الحقائق ومعرفتها، ولولا ما في القلوب من الاستعداد لمعرفة الحقائق لم يكن النظر والاستدال والخطاب والكلام والفهم والإفهام. (ص1112، 1113).
159. إن الأعمال الصالحة والفاسدة نتائج الاعتقادات الصحيحة والباطلة. (ص1117).
160. إن تجويز معارضة العقل للوحي يوجب وصف الوحي بضد ما وصفه الله به. (ص1122).
161. إن الله سبحانه ضمن الهدى والفلاح لمن اتبع القرآن، والضلال والشقي لمن أعرض عنه، فكيف بمن بمعقول أو رأي أو حقيقة باطلة أو سياسة ظالمة أو قياس إبليس أو خيال فلسفي ونحو ذلك. (ص1128).
162. إن الله سبحانه وصف المعرضين عن الوحي المعارضين له بعقولهم وآرائهم بالجهل والضلال، والحيرة والشك والعمى والريب، فلا يجوز وصفهم بالعلم والعقل والهدى. (ص1131).
163. إن ما وقع في هذه الأمة من البدع والضلال كان من أسبابه التقصير في إظهار السنة والهدى. (ص1133).
فإن الجهل المركب الذي وقع فيه أهل التعطيل والنفي في توحيد الله وأسمائه وصفاته كان من أعظم أسبابه التقصير في إثبات ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم – عن الله، وفي معرفة معاني أسمائه وآياته، حتى إن كثيراً من المنتسبين إلى السنة يعتقدون أن طريقة السلف هي الإيمان بألفاظ النصوص والإعراض عن تدبر معانيها وتفقهها وتعقلها. (ص1133).
164. طريقة السلف هي إثبات ما دلت عليه النصوص من الصفات وفهمها، وتدبرها وتعقل معانيها، وتنزيه الرب عن تشبيهه فيها بخلقه، كما ينزهونه عن العيوب والنقائص. (ص1134).
ولذلك طريقة السلف أعلم وأحكم وأسلم وأهدى إلى الطريق الأقوم. (ص1134).
(وصف بليغ لكلام الله، ص1139، 1140).
165. المعارضون للوحي بعقولهم جمعوا بين ثلاثة أمور: الكذب على الله، وأضلوا الخلائق، والصد عن سبيل الله، وبغيها عوجاً. (ص1142).
أهل الباطل قلبوا الحقائق، وأفسدوا الطرائق، وأضلوا الخلائق، وعطلوا الخالق. وانظر مزيداً من التفصيل في عكسهم للحقائق. (ص1149).
166. بطلان اللازم يستلزم بطلان ملزومه. (ص1150 وانظر تطبيق القاعدة إلى ص115).
167. للرسالة مقصودان عظيمان:
أحدهما: تعريف العباد ربهم ومعبودهم بما هو عليه من الأسماء والصفات.
الثاني: محبته وطاعته والتقرب إليه.
(تناقض أهل البدع، ص1158).
168. إن كل من لم يقر بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم – إلا بعد أن يقوم على صحته عنده دليل منفصل من عقل، أو كشف )وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ)(الأنعام: من الآية124)، أو منام، أو إلهام، لم يكن مؤمناً به قطعاً، وكان من جنس الذين قال الله فيهم: "وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ" [الأنعام: 124].(ص1168).
169. الرازي يجعل من الطرق الضعيفة في الاستدلال: "والرابع هو التمسك بالسمعيات". (ص1170). وانظر: المصدر الأصلي هناك. وانظر كلامه الباطل. (ص1170-1177).
عاب أهل البدع على أهل السنة بأنهم مقلدون، وقلب الأمر عليهم. (ص1180-1181).
170. إن الدين تصديق الرسول فيما أخير، وطاعته فيما أمر. (ص1185).
والتصديق والطاعة لا يكون إيماناً حتى يكون مطلقاً، فإذا تقيد فأعلى أحواله- إن سلم من الشك- أن يكون إسلاماً ويكون صاحبه من عوام المسلمين لا من خواص المؤمنين. (ص1186).
171. إن السمع حجة الله على خلقه، وكذلك العقل، فهو سبحانه أقام عليهم حجته بما ركب فيهم من العقل وبما أنزل إليهم من السمع. (ص1187).
وحجج الله وبيناته لا تتناقض ولا تتعارض، ولكن تتوافق وتتعاضد.
• الأصل الذي بنى عليه أهل البدع دينهم، (ص1188).
• ولم يقيض لهم من يبين لهم فساد هذا الأصل وبطلانه ومخالفته لصريح العقل. (ص1189).
• من لوازم طريقتهم. (ص1191، 1192).
• الاستدلال بمقدمات النبوة ومعجزات الرسالة (ص1196).
عظيم دلالة القرآن. (ص1199-1206)، وهي آخر صفة من المجلد الثالث.
المجلد الرابع:
172. إن الكلام في الدين نوعان: أمر وخبر، فما عارض الأمر كان من باب الهوى الذي يأمر به الشيطان والنفس، وما عارض الخبر كان من باب الظن والخرص الذي هو أكذب الحديث. (1210).
173. إن هؤلاء المعارضين لا يتم لهم ما ادعوه من المعارضة إلا بأربعة أمور، يستلزمها قولهم، بل هذه الأربعة هي قواعدهم التي يبنون عليها:
أ- لبس الحق بالباطل.
ب- فإذا وقعوا في هذا اللبس ترتب عليه ضرورة كتمان الحق.
ج- والتكذيب به.
د- والتصديق بالباطل. (ص1213، 1214).
174. أنه ما من حق وباطل إلا وبينهما اشتراك من بعض الوجوه، ولو في أصل الوجود، أو في أصل الإخبار، أو في مجرد المعلومية، بأن يكون هذا معلوماً مذكوراً، وهذا معلوماً مذكوراً، ولكل واحد منهما خصائص يتميز بها عن الآخر، فأحظى الناس بالحق وأسعدهم به الذي يقع على الخصائص المميزة الفارقة، ويلغي القدر المشترك فيحكم بالقدر الفارق على المشترك ويفصله به. وأبعدهم عن الحق والهدى من عكس هذا السير، وسلك ضد هذا الطريق، فألغى الخصائص الفارقة، وأخذ القدر المشترك وحكم به على القدر الفارق.
وأضل منه من أخذ خصائص كل من النوعين فأعطاها للنوع الآخر، فهذان طريقا أهل الضلالة اللذان يرجع إليهما جميع شعب ضلالهم وباطلهم. (ص1216) .
175. إنك إذا أخذت لوازم المشترك والمميز، وميزت هذا من هذا صح نظرك، ومناظرتك، وزال عنك اللبس والتلبيس، وذلك أن الصفة يلزمها لوازم من حيث هي هي، فهذه اللوازم يجب إثباتها، ولا يصح نفيها، إذ نفيها ملزوم كنفي الصفة. (ص1218).
واجعل هذا التفصيل ميزاناً لك في جميع الصفات والأفعال، واعتصم به في نفي التشبيه والتمثيل وفي بطلان النفي والتعطيل. (ص1219).
176. إن الأصل الذي قادهم إلى النفي والتعطيل، واعتقاد المعارضة بين العقل والوحي أصل واحد، وهو منشأ ضلال بني آدم، وهو الفرار من تعدد صفات الواحد، وتكثر أسمائه الدالة على صفاته، وقيام الأمور المتجددة به. (ص1220).
177. قول أئمة أهل البدع: إنه ليس في العقل ما يوجب تنزيه الرب سبحانه وتعالى عن النقائص، ولم يقم على ذلك دليل عقلي أصلاً كما صرح به الرازي وتلقاه عن الجويني وأمثاله. (ص1228).
178. إن الله سبحانه عاب آلهة المشركين بنفس ما وصفتهم الإله الحق سبحانه به، فعابها أنها لا تتكلم ولا تسمع ولا تبصر. (ص1232).
179. إن اللوازم التي تلزم المعطلة النفاة شر من اللوزام التي تلزم المشبهة المحضة. (ص1234).
180. وليس لمبطل بحمد الله حجة، ولا سبيل بوجه من الوجوه على من وافق السنة ولم يخرج، حتى إذا خرج عنها قدر أنملة تسلط عليه المبطل بحسب القدر الذي خرج به عن السنة، فالسنة حصن الله الحصين الذي من دخله كان من الآمنين، وصراطه المستقيم الذي سلكه كان إليه من الواصلين، وبرهانه المبين الذي من استضاء به كان من المهتدين، فمن وافق مبطلاًَ على شئ من باطله جره بما وافقه منه إلى نفي باطله. (ص1255).
181. إن أئمة الإسلام لما عرفوا أن طرق المتكلمين إنما تنتهي إلى هذا تنوعوا في ذمها وذم أهلها. (ص1264).
(انظر ص1264-1274 حيث أورد آثاراً عن الأئمة والعلماء في ذم الكلام).
182. والإنسان له حالتان: إما أن يكون ناظراً وإما أن يكون مناظراً. (ص1274).
وكل منهما ينقسم إلى محمود ومذموم. (ص1275).
فالنظر المحمود: النظر في الطريق الصحيح ليتوصل به إلى معرفة الحق.
والنظر المذموم نوعان:
أحدهما: النظر في الطريق الباطل وإن قصد به التوصل إلى الحق، فإن الطريق الباطل لا يفضي إلى الحق.
والثاني: النظر والفكر الذي يقصد به رد قول خصمه مطلقاً حقاً كان أو باطلاً، فهو نظراً يرد به قول من يبغضه ويعاديه بأي وجه كان.
فأما المناظرة فتنقسم إلى محمودة ومذمومة: والمحمودة نوعان، والمذمومة نوعان.
وبيان ذلك أن المناظر إما أن يكون عالماً بالحق، وإما أن يكون طالباً له، وإما أن لا يكون عالماً به ولا طالباً له، وهذا الثالث هو المذموم، وأما الأولان فمن كان عالماً بالحق فمناظرته التي تحمد أن يبين لغيره الحجة التي تهديه إن كان مسترشداً طالباً للحق أو تقطعه أو تكسره إن كان معانداً غير طالب للحق، ولا متبع له، أو توقفه وتبعثه علي النظر في أدلة الحق إن كان يظن أنه على الحق وقصده الحق. (ص1275، 1276).
183. لمناظرة المبطل فائدتان:
إحداهما: أن يرد على باطله ويرجع إلى الحق.
الثانية: أن ينكف شره وعداوته ويتبين ويتبين للناس أن الذي معه الباطل. (ص 1276).
184. الجهمي يقول: قال لي عقلي، وملاحدة المتصوفة يقول قائلهم: قال لي قلبي، وزنادقة الباطنية يقولون: لكل شئ تأويل وباطن يعلمه أهل الباطن وينكره أهل الظاهر، وخونة الولاة يقولون: لا تستقيم أمور الرعية إلا بهذه السياسة ولو وكلناهم إلى الشريعة لفسدت أمورهم. (ص1342).
185. والناس إلا القليل منهم عبيد رغبة أو رهبة. (ص1389).
والرغبة والرهبة من وسائل أهل الباطل لنشر باطلهم. (ص1389-1391).
(انظر حول الدعاية السيئة ضد أهل الحق ص1393، 1434).
186. إذا كانت الأصول فاسدة كانت الفروع أفسد. (ص1423-1429).
187. كل من وضع رأياً، أو نصب مذهباً، لابد له من أصل يقرر به رأيه، وأصل يبطل به قول مخالفه. (ص1432).
188. كل ما ينزه الرب تعالى عنه، إن لم يكن متضمناً لإثبات كماله ومستلزماً لأمر ثبوتي يوصف به لم يكن في تنزيهه عنه مدح ولا حمد. (ص1443، 1452).
189. متى علمنا أن أحدنا إذا كانت إرادته جازمة وقدرته تامة وجب وجود الفعل منه مقترناً بإرادته وقدرته، ولا يتأخر الفعل إلا لعدم كمال القدرة أو لعدم كمال الإرادة. (ص1470).
190. إن أعقل الخلق على الإطلاق الرسل، وأتباعهم بعدهم أعقل الأمم. (ص1514).
191. رد أهل البدع ما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول على أصلين هما:
المنع والمعارضة. منع دلالة ما جاء به على تلك المسألة، ومعارضة الدلالة بما يمنع اتباعها. (ص1522).
192. درجات معارضة النصوص ثلاثة:
1- أن يعارض المنقول بمثله، ويسقط دلالتهما، أو يرجح دلالة المعارض. (ص1531).
2- معارضة النص بالرأي. (ص1534).
3- المعارضة بالتقليد واتباع الآباء والمشايخ والمعظين في النفوس. (ص1535).
193. يستدل بوجود الملزوم على وجود لازمه، وبانتفاء اللازم على انتفاء ملزومه.
فمع التصديق الجازم يمتنع وقوع المعارضة والممانعة. (ص1535).
194. إن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله على التسليم وعدم الأسئلة عن تفصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع. (ص1560).
وإن قدم الإسلام لا تثبت إلا على درجة التسليم. (ص1561).
وذلك يوجب تعظيم الرب تعالى وأمره ونهيه، فلا يتم الإيمان إلا بتعظيمه، ولا يتم تعظيمه إلا بتعظيم أمره ونهيه. (ص1561).
195. أول مراتب تعظيم الأمر التصديق به، ثم العزم الجازم على امتثاله، ثم المسارعة إليه والمبادرة به رغم القواطع والموانع، ثم بذل الجهد والنصح في الإتيان به على أكمل الوجوه، ثم فعله لكونه مأموراً به. (ص1561).
196. إن المعترضين على الرب سبحانه قسمان: قسم اعترضوا عليه في أمره ونهيه، وقسم اعترضوا عليه في قضائه وقدره، وربما اجتمع النوعان في حق المعترض، وقد ينفرد أحدهما، وإبليس ممن جمع النوعين. (ص1562).
197. إن الأمر والقدر تفصيل للحكمة ومظهرها، فإنها خفية فلابد لظهورها من شرع يأمر به وقدر يقضيه ويكونه، فتظهر حكمته سبحانه في هذا وهذا. (ص1563).
198. إن الرب سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى، وأسماؤه متضمنة لصفات كماله، وأفعاله ناشئة عن صفاته، فإنه سبحانه لم يستفد كمالاً بأفعاله، بل له الكمال التام المطلق، وفعاله عن كماله. وأسماؤه الحسنى تقتضي آثارها، وتستلزمها استلزام المقتضي الموجب لموجبه ومقتضاه، فلابد من ظهور آثارها في الوجود.
"أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ " [الأعراف: 54] فخلقه وأمره صدرا عن حكمته وعلمه، وحكمته وعلمه اقتضيا ظهور خلقه وأمره. (ص1563، 1564).
199. إن الله سبحانه وتعالى فطر عباده حتى الحيوان البهيم على استحسان وضع الشئ في موضعه، والإتيان به في وقته، وحصوله على الوجه المطلوب منه، وعلى استقباح ضد تلك وخلافه، وأن الأول دال على كمال فاعله وعلمه وقدرته وخبرته، وضده دال على نقصه وعلى نقص علمه وقدرته وخبرته. (ص1565).
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (19)
الفوائد المحصلة من الصواعق المرسلة
قواعد وضوابط وفوائد
من كتاب
"الصواعق المرسلة" لابن القيم
الفوائد المحصلة من الصواعق المرسلة
قواعد وضوابط وفوائد
من كتاب
"الصواعق المرسلة" لابن القيم
(تحميل الكتاب)
جمال بن أحمد بادي
قام بنشره
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
جمال بن أحمد بادي
الأستاذ المساعد بقسم أصول الدين
بكلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية
بالجامعة الإسلامية العالمية – ماليزيا
بكلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية
بالجامعة الإسلامية العالمية – ماليزيا
قام بنشره
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فهذه فوائد وقواعد وأصول وضوابط من كتاب: "الصواعق المرسلة" لابن قيم الجوزية رحمه الله، أقدمها إلى طلبة العلم لما فيها من الفائدة المنهجية الضرورية، التي تعين قارئها على التعرف على قواعد تفسير النصوص الشرعية، وأسس دلالات الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة، كما تحصنه من سبل التحريف والتأويل التي سلطها المخالفون لمنهج أهل السنة والجماعة على النصوص قديماً وحديثاً. وقد سلكتُ في استخراجها أسلوب الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، الذي سار عليه في كتابه النفيس "طريق الوصول إلى العلم المأمول".
وقد أسميتها "الفوائد المحصلة من الصواعق المرسلة".
وقد جعلت لهذه القواعد والأصول والضوابط أرقاماً متتابعة، وذكرت في آخر كل واحدة منها رقم الصفحة التي وردت فيها أصل الكتاب، ليسهل على القارئ الكريم مراجعتها عند الحاجة إلى ذلك. كما اعتمدت في استخراجها على النسخة المحققة من الكتاب، سائلاً المولى عزَّ وجلَّ أن ينفع بها طلبة العلم، وأن يجعلها في موازين الحسنات. آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
جمال بن أحمد بادي
وفيما يلي ذكر تلك القواعد والضوابط والأصول:
1. ولقد شهد سبحانه لمن يرى أن ما جاء به رسوله (صلى الله عليه وسلم) من عند الله هو الحق لا آراء الرجال بالعلم، فقال تعالى: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [سـبأ:6].
وقال تعالى: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ﴾ [الرّعد: 19].
فمن تعارض عنده حقائق ما جاء به وآراء الرجال فقدَّمها عليه، أو توقف فيه، أو قدحت في كمال معرفته، وإيمانه به، لم يكن من الذين شهد الله لهم بالعلم. (ج1/ ص155،156).
2. وبالجملة فالتأويل الذي يوافق ما دلَّت عليه النصوص وجاءت به السنة ويطابقها هو التأويل الصحيح. والتأويل الذي يخالف ما دلَّت عليه النصوص وجاءت به السنة هو التأويل الفاسد. (ص187).
3. أنواع التأويل الباطل:
أ- ما لم يحتمله اللفظ بوضعه. (ص187).
ب- ما لم يحتمله ببنيته الخاصة من تثنية أو جمع، وإن احتمله مفرداً كتأويل قوله تعالى:
لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [صّ:75]. بالقدرة. (ص188).
ت- ما لم يحتمله سياقه وتركيبه، وإن احتمله في غير ذلك السياق، كتأويل قوله تعالى:
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ﴾ [الأنعام: 158] بأن إتيان الرب إتيان بعض آياته التي هي أمره. (ص188).
ث- ما لم يؤلف استعماله في ذلك المعنى في لغة المخاطب، وإن ألف في الاصطلاح الحادث، وهذا موضع زلَّت فيه أقدام كثير من الناس، وضلَّت فيه أفهامهم. (ص189)، كما تأوَّلت طائفة قوله تعالى: فَلَمَّا أَفَلَ ﴾ [الأنعام: 76] بالحركة، وقالوا: استدلَّ بحركته على بطلان ربوبيته. (ص190)، وكما تأوَّل بعضهم قوله تعالى:﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الأعراف: 54]: أي بمعنى أقبل على خلق العرش.
ج- ما ألف استعماله في ذلك المعنى لكن في غير التركيب الذي ورد به النص، فيحمله المتأوَّل في هذا التركيب الذي لا يحتمله على مجيئه في تركيب آخر يحتمله، وهذا من أقبح الغلط والتلبيس، كتأويل اليدين بالنعمة، وتأويل قوله تعالى: إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة:23] بالانتظار.
فلا يلزم من صلاحية اللفظ لمعنى ما في تركيب، صلاحيته له في كل تركيب. (ص192-196).
ح- اللفظ الذي اطرد استعماله في معنى هو ظاهر فيه ولم يعهد استعماله في المعنى المؤوَّل، أو عهد استعماله فيه نادراً، فتأويله حيث ورد وحمله على خلاف المعهود من استعماله باطل، فإنه يكون تلبيساً وتدليساً يناقض البيان والهداية نحو قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً ﴾ [النساء: 164]، وقوله (صلى الله عليه وسلم): "إنكم ترون ربكم عياناً" فإنها قد حفَّت بالقرائن والمؤكَّدات بما ينفي عنها تأويل المتأوَّل. (ص 197،196).
خ- كل تأويل يعود على أصل النص بالإبطال فهو باطل، مثل حملهم قول النبي (صلى الله عليه وسلم) "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليَّها فنكاحها باطل" على الأمة. (ص198).
د- تأويل اللفظ الذي له معنى ظاهر لا يفهم منه عند إطلاقه سواه، بالمعنى الخفي الذي لا يطلع عليه إلا أفراده من أهل النظر والكلام، كتأويل لفظ الأحد بالذات المجردة عن الصفات. (ص199).
ذ- التأويل الذي يوجب تعطيل المعنى الذي هو في غاية العلوّ والشرف، ويحطه إلى معنى دونه بمراتب كثيرة، وهو تأويل فاسد كتأويل قوله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾ [الأنعام: 18]، وقوله تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ﴾ [النحل: 50] بأنهم فوقية الشرف كقولهم: الدرهم فوق الفلس. (200).
ر- تأويل اللفظ بمعنى لم يدلّ عليه دليل من السياق ولا معه قرينة تقتضيه. (ص201).
4. لما كان الكلام نوعين: خبر، وطلب، كان المقصود من الخبر تصديقه، ومن الطلب امتثاله، كان المقصود من تأويل الخبر هو تصديق مخبره، ومن تأويل الطلب هو امتثاله، وكان كل تأويل يعود على الخبر بالتعطيل وعلى الطلب بالمخافة تأويلاً باطلاً. (ص206).
5. وقد يكون معنى النص بيَّناً جلياً، فلا تختلف الأمة في تأويله، وإن وقع الخلاف في حكمه لخفائه على من لم يبلغه، أو لقيام معارض عنه، أو نسيانه، فهذا يعذر فيه المخالف، إذا كان قصده اتباع الحق ، ويثيبه الله على قصده. (ص207).
6. وقد تكون دلالة اللفظ غير جلية فيشتبه المراد به بغيره، فهنا معترك النزاع بين أهل الاجتهاد في تأويله، ولأجل التشابه وقع النزاع فيفهم هذا منها معنى فيؤوَّلها، ويفهم غيره معنى آخر فيؤولها به. وقد يكون كلا الفهمين صحيحاً، والآية دلَّت على هذا. (ص207)،
وقد تنازع الصحابة في تأويل قوله تعالى: أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ﴾ [البقرة: 237] هل هو الأب أم الزوج. (ص208).
7. ولم يتنازع الصحابة في تأويل آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد، بل اتفقت كلمتهم وكلمة التابعين بعدهم على إقرارهم، وإمرارها، مع فهم معانيها، وإثبات حقائقها، وهذا يدل على أنها أعظم النوعين بياناً، وأن العناية ببيانها أهم، لأنها من تمام تحقيق الشهادتين، وإثباتها من لوازم التوحيد. (ص210).
8. ولم يعرف عن أحد من الصحابة قط أن المتشابهات آيات الصفات، بل المنقول عنهم يدل على خلاف ذلك، فكيف تكون آيات الصفات متشابهة عندهم وهم لا يتنازعون في شئ منها، وآيات الأحكام هي المحكمة، وقد وقع بينهم النزاع في بعضها؟ (ص213).
9. والتحريف: العدول بالكلام عن وجهه، وصوابه إلى غيره، وهو نوعان: تحريف لفظه، وتحريف معناه. (ص215).
10. والمقصود أن التأويل يتجاذبه أصلان: التفسير، والتحريف. فتأويل التفسير هو الحق، وتأويل التحريف هو الباطل.
11. المعاني المفهومة من الكتاب، والسنة، لا تردُ بالشبهات، فيكون ردها من باب تحريف الكلم عن مواضعه، ولا بترك تدبرها، ومعرفتها، فيكون ذلك مشابهة للذين إذا ذكروا بآيات ربهم خروا عليها صماً وعمياناً. ولا يقال هي ألفاظ لا تعقل معانيها ولا يُعرف المراد منها، فيكون ذلك مشابهة للذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني. (ص229).
12. لازم الحق حق، وما لزم من إثبات كمال الرب ليس بنقص. (ص263).
13. لازم نفي صفات الكلام عن الله عزَّ وجلَّ، وصفه بأضدادها من العيوب والنقائص تعالى الله عن ذلك. (ص263).
14. تقول العرب: اضرب أعناقها، واقطع ألسنتها. وهذا أفصح استعمالهم، وتارة يفردون المضاف فيقولون: لسانهما وقلبهما وظهرهما، وتارة يثنونه كقولهم: ظهراهما مثل ظهور الترسين، والقرآن إنما نزل بلغة العرب لا بلغة العجم والطماطم والأنباط الذين أفسدوا الدين، وتلاعبوا بالنصوص وانتهكوا حرماتها، وجعلوها عرضة لتأويل الجاهلية، وانتحال المبطلين. (ص267،266)، وإذا كان من لغتهم –أي العرب- وضع الجمع التثنية لئلا يجمعوا في لفظ واحد بيد تثنيتين ولا لبس هناك فلأن يوضع الجمع موضع التثنية فيما إذا كان المضاف إليه مجموعاً أولى بالجواز. (ص268).
15. الفعل قد يضاف إلى يد ذي اليد والمراد الإضافة إليه، كقوله تعالى: بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ﴾ [الحج: 10]، وقوله تعالى: فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [الشورى:30]. (ص270).
16. لما كان الأصل في الكلام هو الحقيقة والظاهر، كان العدول به عن حقيقته وظاهره مخرجاً له عن الأصل، فاحتاج مدعي ذلك إلى دليل يسوغ له إخراجه عن أصله، فعليه أربعة أمور لا تتم له دعواه إلا بها. (ص288).
الأول: بيان احتمال اللفظ للمعنى الذي تأوله في ذلك التركيب الذي وقع فيه، وإلا كان كاذباً على اللغة منشئاً واضعاً من عنده.
فائدة: اللفظ قد لا يحتمل ذلك المعنى لغة، وإن احتمله فقد لا يحتمله في ذلك التركيب الخاص. (ص289).
وليس لأحد أن يحمل كلام الله ورسوله على كل ما ساغ في اللغة أو الاصطلاح لبعض الشعراء، أو الخطباء، أو الكتاب، أو العامة، إلا إذا كان المعنى بذلك اللفظ مما يجوز وتصلح نسبته إلى الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) لاسيما والمتأوَّل يخبر عن مراد الله ورسوله. فإن تأويل كلام المتكلم بما يوافق ظاهره أو يخالفه إنما هو بيان لمراده، فإذا علم أن المتكلم لم يرد هذا المعنى وأنه يمتنع أن يريده، وأن في صفات كماله ونعوت جلاله ما يمنع من إرادته، وأنه يستحيل عليه من وجوه كثيرة أن يريده، استحال الحكم عليه بإرادته، فهذا أصل عظيماً تجب معرفته. (ص290).
الثاني: وعليه أن يبين تعيين ذلك المعنى ثانياً، فإنه إذا أخرجه عن حقيقته قد يكون له معانٍ، فتعيين ذلك المعنى يحتاج إلى دليل. (ص292).
الثالث: إقامة الدليل الصارف للفظ عن حقيقته وظاهره. (ص292).
الرابع: الجواب عن المعارض، فإن المدعي الحقيقة قد أقام الدليل العقلي والسمعي على إرادة الحقيقة.
أما السمعي فلا يمكنك المكابرة أنه معه.
وأما العقلي فمن وجهين:
عام: وهو الدليل الدال على كمال علم المتكلم، وكمال بيانه، وكمال نصحه.
خاص: فإن كل صفة وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله فهي صفة كمال قطعاً، فلا يجوز تعطيل صفات كماله وتأويلها بما يبطل حقائقها. (ص293).
17. لقد جمع المعطلة والمؤولة بين أربعة محاذير:
الأول: اعتقادهم أن ظاهر كلام الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) المحال الباطل، ففهموا التشبيه أولاً ثم انتقلوا عنه إلى:
الثاني: وهو التعطيل، فعطلوا حقائقها بناء منهم على ذلك الفهم الذي يليق بهم، ولا يليق بالرب جلَّ جلاله.
الثالث: نسبة المتكلم الكامل العلم، الكامل البيان، التام النصح إلى ضد البيان والهدى والإرشاد، وإن المتحيرين المتهوكين أجادوا العبارة في هذا الباب، وعبروا بعبارة لا توهم من الباطل من أوهمته عبارة المتكلم بتلك النصوص، ولا ريب عند كل عاقل أن ذلك يتضمن أنهم كانوا أعلم منه، أو أفصح منه، أو أنصح للناس.
الرابع: تلاعبهم بالنصوص وانتهاك حرماتها. (ص296، 297).
18. لما كان المقصود بالخطاب دلالة السامع، وإفهامه مراد المتكلم بكلامه، وتثبيته ما في نفسه من المعاني، ودلالته عليها بأقرب الطرق كان ذلك موقوفاً على أمرين:
الأول: بيان المتكلم.
الثاني: تمكن السامع من الفهم.
فإن لم يحصل البيان من المتكلم، أو حصل له ولم يتمكن السامع من الفهم لم يحصل مراد، فإذا بين المتكلم مراده، بالألفاظ الدالة على مراده، ولم يعلم السامع معنى تلك الألفاظ، لم يحصل له البيان فلابد من تمكن السامع من الفهم، وحصول الإفهام من المتكلم، فحينئذ لو أراد الله ورسوله من كلامهما خلاف حقيقته وظاهره الذي يفهمه المخاطب، لكان قد كلفه أن يفهم مراده بما لا يدل عليه، بل بما يدل على نقيض مراده. (ص310).
19. في بيان أن تيسير القرآن للذكر ينافي حمله على التأويل المخالف لحقيقته وظاهره، فتيسير القرآن للذكر يتضمن أنواعاً من التيسير:
أحدها: تيسير ألفاظه للحفظ.
الثاني: تيسير معانيه للفهم.
الثالث: تيسير أوامره ونواهيه للامتثال. (ص331).
20. قال الأخطل النصراني:
إن البيان من الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً
وحرفه المتكلمون إلى:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جُعل اللسانُ على الكلام دليلاً
(ص344، 345).
21. والمقصد أن العبد لا يعلم ما في ضميره صاحبه إلا بالألفاظ الدالة على ذلك، فإذا حمل السامع كلام المتكلم على خلاف ما وضع له، وخلاف ما يفهم منه عند التخاطب، عاد على مقصود اللغات بالإبطال، ولم يحصل مقصود المتكلم ولا مصلحة المخاطب، وكان ذلك أقبح من تعطيل اللسان عن كلامه. (ص435). ولهذا كان التأويل الباطل فتحاً لباب الزندقة والإلحاد، وتطريقاً لأعداء الدين على نقضه. (ص347).
22. إذا تأمل المتأمل فساد العالم، وما يقع فيه من التفرق والاختلاف، وما دفع إليه أهل الإسلام، وجده ناشئاً من جهة التأويلات المختلفة المستعملة في آيات القرآن، وأخبار الرسول صلوات الله وسلامه عليه التي تعلق بها المختلفون على اختلاف أصنافهم في أصول الدين وفروعه، فإنها أوجبت من التباين والتحارب وتفرق الكلمة، وتشتت الأهواء، وتصدع الشمل، وانقطاع الحبل، وفساد ذات البين. (ص348). ومن أعظم آفات التأويل وجنايته أنه إذا سلط على أصول الإيمان والإسلام اجتثها وقلعها. (ص365).
23. أن فتح باب التأويل في أسماء الله وصفاته فتح الباب أمام القرامطة والباطنية لتأويل نصوص الأحكام ونصوص الحشر والميعاد. (راجع ص366-370).
24. وقد قيل: إن طرد إبليس ولعنه، إنما كان بسبب التأويل، فإنه عارض النص بالقياس وقدمه عليه، وتأول لنفسه أن هذا القياس العقلي مقدم على نص الأمر بالسجود. (ص370).
25. والقائل: إذا تعارض العقل والنقل قدمنا العقل، من هاهنا اشتق هذه القاعدة وجعلها أصلاً لرد نصوص الوحي التي يزعم أن العقل يخالفها كما زعم إمامه. (ص371).
26. ومن جنايات التأويل ما وقع في الإسلام من الحوادث بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وإلى يومنا هذا. (ص376). وذكر ضرب الإمام مالك وأحمد، وقتل أحمد بن نصر الخزاعي، وما جرى للبخاري. (راجع ص376 –381).
27. لما كان وضع الكلام للدلالة على مراد المتكلم، وكان مراده لا يُعلم إلا بكلامه، انقسم كلامه ثلاثة أقسام:
أحدها: ما هو نص في مراده لا يحتمل غيره. وهذا القسم يستحيل دخول التأويل فيه، وتحميله التأويل كذب ظاهر على المتكلم، وهذا شأن عامة نصوص القرآن. (ص382).
الثاني: ما هو ظاهر في مراده وإن احتمل أن يريد غيره. (ص382). وهذا القسم يقبل التأويل، ولكن ينظر في وروده، فإن اطرد استعماله على وجه واحد، استحال تأويله بما يخالف ظاهره، لأن التأويل إنما يكون لموضع جاء نادراً خارجاً عن نظائره منفرداً عنها، فسيؤول حتى يرد إلى نظائره. (ص384). والقصد أن الظاهر في معناه إذا اطرد استعماله في موارده مستوياً امتنع تأويله وإن جاز تأويل ظاهره ما لم يطرد في موارد استعماله. (ص385) ومثال ذلك: اطراد قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طـه:5].
الثالث: ما ليس بنص ولا ظاهر في المراد، بل هو مجمل يحتاج إلى البيان (ص382)، أو الخطاب المجمل الذي أحيل بيانه على خطاب آخر... فهذا أيضاً لا يجوز تأويله إلا بالخطاب الذي بينه، وقد يكون بيانه معه، وقد يكون منفصلاً عنه، والمقصود أن الكلام الذي هو عرضة للتأويل، قد يكون له عدة معانٍ وليس معه ما يبين مراد المتكلم، فهذا للتأويل فيه مجال واسع، وليس في كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم – من هذا النوع شئ من الجمل المركبة، وإن وقع في الحروف المفتتح بها السور. بل إذا تأمل من بصره الله طريقة القرآن والسنة وجدها متضمنة لرفع ما يوهمه الكلام من خلاف ظاهره، وهذا موقع لطيف جداً في فهم القرآن. (ص389) ثم ذكر أمثلة على ذلك (ص389-397 وهي آخر صفحة من المجلد الأول).
المجلد الثاني:
28. معلوم أن العلوم إنما قصد بها مصنفوها بيانها وإيضاحها للمتعلمين، وتفهيمهم إياها بأقرب ما يقدرون عليه من الطرق، فإن سلط التأويل على ألفاظهم وحملها على غير ظواهرها، لم ينتفع بها وفسدت وعاد ذلك إلى موضوعها ومقصودها بالإبطال. (ص399).
29. كل فرقة من الفرق تأولت في الشريعة تأويلاً غير التأويل الذي تأولته الفرقة الأخرى، وزعمت أنه الذي قصده صاحب الشرع حتى تمزق الشرع كل ممزق، وبعد جداً عن موضوعه الأول. (ص416).
30. انقسام الناس في نصوص الوحي إلى أصحاب تأويل وأصحاب تخييل وأصحاب تجهيل وأصحاب تمثيل وأصحاب سواء السبيل. (ص418-434).
31. وهكذا طوائف الباطل لم يرضوا بنصوص الوحي فابتلوا بزبالة أذهان المتحيرين وورثة الصابئين وأفراخ الفلاسفة والملحدين. (ص434).
32. في الأسباب التي تسهل على النفوس الجاهلة قبول التأويل مع مخالفته للبيان الذي علمه الله الإنسان وفطره على قبوله:
الأول: أن يأتي صاحبه مموهاً بالألفاظ ملفف المعاني مكسواً حلة الفصاحة والعبارة الرشيقة، فتسرع العقول الضعيفة إلى قبوله واستحسانه، وتبادر إلى اعتقاده وتقليده. (ص436).
الثاني: أن يخرج المعنى الذي يريد إبطاله بالتأويل في صورة مستهجنة تنفر عنها القلوب وتنبو عنها الأسماع. (ص438).
الثالث: أن يعزو المتأول تأويله وبدعته إلى جليل القدر، نبيه الذكر من العقلاء، أو من آل البيت النبوي، أو حل له في الأمة ثناء جميل ولسان صدق ليحليه بذلك في قلوب الأغمار والجهال. (ص441).
الرابع: أن يكون ذلك التأويل قد قبله ورضيه مبرز في صناعة من الصناعات أو علم من العلوم الدقيقة أو الجليلة. (ص444).
الخامس: الإغراب على النفوس بما لم تكن عارفة به من المعاني الغريبة التي إذا ظفر الذهن بإدراكها ناله لذة من جنس لذة الظفر بالصيد الوحشي الذي لم يكن يطمع فيه، وهذا شأن النفوس، فإنها موكلة بكل غريب تستحسنه وتؤثره وتنافس فيه. (ص449).
السادس: تقديم مقدمات قبل التأويل تكون كالأطناب والأوتاد لفسطاطه، فمنها ذم أصحاب الظواهر وعيبهم والإزراء بهم. (ص450).
ومنها قولهم: إن أدلة القرآن والسنة لفظية وهي لا تفيد علماً ولا يقيناً، والعلم إنما يستفاد من أدلة المعقول وقواعد المنطق. (ص451).
ومنها قولهم: إذا تعارض العقل والنقل قدم العقل على النقل. (ص451).
33. في بيان أن أهل التأويل لا يمكنهم إقامة الدليل السمعي على مبطل أبداً. (ص452-499).
34. ولهذا كان فتح باب التأويل على النصوص يتضمن عيبها والطعن فيها وعزلها عن سلطانها، وولاية الآراء الباطلة والشبه الفاسدة. (ص457).
35. في الأسباب الجالبة للتأويل وهي أربعة أسباب: اثنان من المتكلم واثنان من السامع، فالسببان اللذان من المتكلم:
إما نقصان بيانه.
واللذان من السامع:
إما سوء فهمه.
وإما سوء قصده.
فإذا انتقلت هذه الأمور الأربعة انتقى التأويل الباطل، وإذا وجدت أو بعضها وقع التأويل. (ص500 وانظر الشرح الطيب ص 500- 513).
36. في أنواع الاختلاف الناشئة عن التأويل وانقسام الاختلاف إلى محمود ومذموم. (ص514).
37. الاختلاف في كتاب الله نوعان:
أحدهما: أن يكون المختلفون كلهم مذمومين وهم الذين اختلفوا بالتأويل، وهم الذين نهانا الله سبحانه عن التشبه بهم في قوله: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) [آل عمران: 105]. وهذا النوع هو الذي وصف الله أهله بالبغي، وهو الذي يوجب الفرقة والاختلاف وفساد ذات البين، ويوقع التحزب والتباين. (ص514).
الثاني: اختلاف ينقسم أهله إلى محمود ومذموم، فمن أصاب الحق فهو محمود، ومن أخطأه مع اجتهاده في الوصول إليه فاسم الذم موضوع عنه، وهو محمود في اجتهاده معفو عن خطئه، وإن أخطأ مع تفريطه وعدوانه فهو مذموم. (ص515).
38. والاختلاف المذموم كثيراً ما يكون مع كل فرقة من أهله بعض الحق فلا يقر له خصمه به، بل يجحده إياه بغياً ومنافسة، فيحمله ذلك على تسليط التأويل الباطل على النصوص التي مع خصمه، وهذا شأن جميع المختلفين بخلاف أهل الحق، فإنهم يعلمون الحق من كل من جاء به، فيأخذون حق جميع الطوائف ويردون باطلهم. (ص515).
39. فمن هداه الله سبحانه إلى الأخذ بالحق حيث كان ومع من كان، ولو كان مع من يبغضه ويعاديه، ورد الباطل مع من كان، ولو كان مع من يحبه ويواليه، فهو ممن هدي لما اختلف فيه من الحق. فهذا أعلم الناس وأهداهم سبيلاً وأقومهم قيلاً. وأهل هذا المسلك إذا اختلفوا فاختلافهم اختلاف رحمة وهدى، يقر بعضهم بعضاً عليه ويواليه ويناظره، وهو داخل في باب التعاون والتناظر الذي لا يستغني الناس عنه في أمور دينهم وديناهم بالتناظر والتشاور، وإعمالهم الرأي وإجالتهم الفكر في الأسباب الموصلة إلى درك الصواب، فيأتي كل منهم بما قدحه زناد فكره وأدركته قوة بصيرته، فإذا قوبل بين الآراء المختلفة، والأقاويل المتباينة، وعرضت على الحاكم الذي لا يجوز وهو كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم – وتجرد الناظر عن التعصب والحمية، واستفرغ وسعه، وقصد طاعة الله ورسوله، فقل أن يخفى عليه الصواب من تلك الأقوال وما هو أقرب إليه، والخطأ وما هو أقرب إليه، والخطأ وما هو أقرب إليه، ومراتب القرب والبعد متفاوتة. وهذا النوع من الاختلاف لا يوجب معاداة ولا افتراقاً في الكلمة، ولا تبديداً للشمل، فإن الصحابة - صلى الله عليه وسلم – اختلفوا في مسائل كثيرة من مسائل الفروع، فلم ينصب بعضهم لبعض عداوة، ولا قطع بينه وبينه عصمة، بل كان كل منهم يجتهد في نصر قوله بأقصى ما يقدر عليه ثم يرجعون بعد المناظرة إلى الألفة والمحبة والمصادقة والموالاة من غير أن يضمر بعضهم لبعض ضغناً، ولا ينطوي له على معتبة ولا ذم، بل يدل المستفتي عليه مع مخالفته له، ويشهد له بأنه خير منه وأعلم منه.
فهذا الاختلاف أصحابه بين الأجرين والأجر، وكل منهم مطيع لله بحسب نيته واجتهاده وتحريه الحق.
وهنا نوع من الاختلاف وهو وفاق في الحقيقة، وهو اختلاف في الاختيار والأولى، بعد الاتفاق على جواز الجميع. (ص516-518).
40. ووقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لابد منه لتفاوت إراداتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم، ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه، وإلا إذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباين والتحزب وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله، لم يضر ذلك الاختلاف، فإنه أمر لابد منه في المنشأة الإنسانية، ولكن إذا كان الأصل واحداً والغاية المطلوبة واحدة، والطريق المسلوكة واحدة، لم يكد يقع اختلاف، وإن وقع كان اختلافاً لا يضر، كما تقدم من اختلاف الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. (ص519).
41. أسباب الخلاف الواقع بين الأمة بعد اتفاقهم على أصل واحد تحاكمهم إليه وهو كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم.
أ- أن كل واحد من العلماء بشر ينسى كما ينسى البشر، وقد يحفظ الرجل الحديث ولا يحضره فيفتيه بخلافه. (ص521).
ب- وقد يذكر العالم الآية والسنة، ولكن يتأول فيهما تأويلاً من خصوص أو نسخ أو معنى ما، وإن كان كل ذلك يحتاج إلى دليل. (ص526).
ج- وقد يبلغ الرجل ممن ذكرنا نصان ظاهرهما التعارض، فيميل إلى أحدهما بضرب من الترجيحات، ويميل غيره إلى النص الآخر الذي تركه بضرب آخر من الترجيحات. (ص537).
هـ- وقد يتنبه بعضهم في النصوص الواردة إلى معنى، ويلوح منه حكم بدليل ما ويغيب عن غيره. (ص539).
و- أن لا يكون الحديث قد بلغه، ومن لم يبلغه الحديث لم يكلف أن يكون عالماً بموجبه. (ص542).
ز- أن يكون الحديث قد بلغه لكنه لم يثبت عنده. (ص555).
ح- اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خلفه في غيره. (ص556).
ط- اشتراط بعضهم في خبر الواحد العدل شروطاً يخالفه فيها غيره. (ص559).
- كاشتراط بعضهم أن يكون الراوي فقيهاً إذا خالف ما رواه القياس.
- واشتراط بعضهم انتشار الحديث وظهوره إذا كان مما تعم به البلوى.
- واشتراط بعضهم أن لا يكون الحديث قد تضمن زيادة على نص القرآن.
ي- عدم معرفته بدلالة الحديث. (ص561).
ك- ومن هذا الخلاف العارض من جهة كون اللفظ مشتركاً أو مجملاً أو متردداً بين حمله على معناه عند الإطلاق، وهو المسمى بالحقيقة، أو على معناه عند التقييد، وهو المسمى بالمجاز. (ص565).
ل- أن يكون عارفاً بدلالة اللفظ وموضوعه، ولكن لا يتفطن لدخول هذا الفرد المعين تحت اللفظ، إما لعدم إحاطته بحقيقة ذلك الفرد، وأنه مماثل لغيره من الأفراد الداخلة تحته، وإما لعدم حضور ذلك الفرد بباله، وإما لاعتقاده اختصاصه بخصيصة يخرجه من اللفظ العام، وإما لاعتقاد العموم فيما ليس بعام، أو لإطلاقه فيما هو مقيد، فيذهل عن المقيد كما يذهل عن المخصص. (ص573).
م- اعتقاده أن لا دلالة في ذلك اللفظ على الحكم المتنازع فيه. (ص574).
ن- اعتقاده أن تلك الدلالة قد عارضها ما هو مساوٍ لها، فيجب التوقف، أو ما هو أقوى منها، فيجب تقدمه. (ص576).
42. الإمامية وإن كانوا مخطئين مبتدعين في أمر الصحابة فلا يوجب ذلك الحكم عليهم كلهم بالكذب والجهل، وقد روى أصحاب الصحيح عن جماعة من الشيعة وحملوا حديثهم، ولم يزل الفقهاء ينقلون خلافهم، ويبحثون معهم، والقوم وإن أخطؤوا في بعض المواضع لم يلزم من ذلك أن يكون جميع ما قالوه خطأ( )¬. (ص617).
43. إنه لم يزل أئمة الإسلام يفتون بما يظهر لهم من الدليل، وإن لم يتقدمهم إليه أحد. (ص617) وذكر أمثلة.
44. حكم الطلاق بالثلاث. (ص619-628).
45. في ذكر الطواغيت الأربعة التي هدم بها أصحاب التأويل الباطل معاقل الدين وانتهكوا بها حرمة القرآن، ومحوا بها رسوم الإيمان. وهي:
أ- قولهم إن كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم – أدلة لفظية لا تفيد علماً ولا يحصل منها يقين.
ب- وقولهم: إن آيات الصفات وأحاديث الصفات مجازات لا حقيقة لها.
ج- وقولهم: إن أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم – الصحيحة التي رواها العدول وتلقتها الأمة بالقبول، لا تفيد العلم، وغايتها أن تفيد الظن.
د- وقولهم: إذا تعارض العقل ونصوص الوحي، أخذنا بالعقل ولم نلتفت إلى الوحي. (ص632).
46. التحاكم إلى من لا يفيدك كلامه علماً ولا يقيناً لا يحصل به المقصود. (ص635).
47. معرفة مراد المتكلم تحصل بالنقل المتواتر، كما حصل العلم بأنه قال ذلك اللفظ بالنقل المتواتر. (ص635).
48. كما بلغ الرسول - صلى الله عليه وسلم – ألفاظ القرآن للأمة، بلغهم معانيه، بل كانت عنايته بتبليغ معانيه أعظم من مجرد تبليغ ألفاظه. (ص636),
49. حفظ المعنى أيسر من حفظ اللفظ، وكثير من الناس يعرف صورة المعنى ويحفظها، ولا يحفظ الناس. (ص636).
50. إذا حصل المقتضى التام لزم وجود مقتضاه. (ص637).
51. يضبط الناس من المعاني المتكلم أكثر مما يضبطونه من لفظه، فإن المقتضى لضبط المعنى أقوى من المقتضى لحفظ اللفظ، لأنه هو المقصود واللفظ وسيلة إليه، وإن كانا مقصودين، فالمعنى أعظم المقصودين، والقدرة عليه أقوى، فاجتمع عليه قوة الداعي وقوة القدرة، وشدة الحاجة. (ص637).
52. الطاعن في حصول العلم بمعاني القرآن شر من الطعن في حصول العلم بألفاظه، ولهذا كان الطعن في نقل بعض ألفاظه من فعل الرافضة، وأما الطعن في حصول العلم بمعانيه، فإنه من فعل الباطنية الملاحدة. (ص638).
53. قول القائل: الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين، دهليز إلى مذهب هؤلاء ومرقاة إليه. (ص639).
54. التعريف بالأدلة اللفظية أصل للتعريف بالأدلة العقلية، والعلم بمدلول الأدلة اللفظية أسبق. (ص643) فالقدح في حصول العلم بمدلول الأدلة اللفظية قدح في حصول العلم بمدلول الأدلة العقلية.
55. إن الله سبحانه هدى البهائم والطير، أن يعرف بعضها بعضاً مرادها بأصواتها. (ص644). فكيف لا يعلم الآدميون مراد بعضهم من بعض؟
56. إن أبلد الناس وأبعدهم فهماً يعلم مراد أكثر من يخاطبه بالكلام الركيك العادم للبلاغة والفصاحة، فكيف لا يعلم أذكى الناس وأصحهم أذهاناً وأفهاماً مراد المتكلم بأفصح الكلام وأبينه وأدله على المراد، ويحصل لهم اليقين بالعلم بمراده. (ص644).
57. القول بأن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين: يستلزم الطعن والقدح في بيان المتكلم وفصاحته، أو في فهم السامع وذهنه أو فيهما معاً. (ص645).
58. إن دلالة قول الرسول - صلى الله عليه وسلم – على مراده أكمل من دلالة شبهات هؤلاء العقلية على معارضته بما لا نسبة بينهما. فكيف تكون شبهاتهم تفيد اليقين، وكلام الله ورسوله لا يفيد؟! (ص647).
59. أنواع السفسطة ثلاثة:
أحدها: التجاهل، وهو: لا أدري، وأصحابه يسمون اللاأدرية.
الثاني: النفي والجحود.
الثالث: قلب الحقائق، وهو جعل الموجود معدوماً والمعدوم موجوداً، إما في نفس الأمر، وإما بحسب الاعتقاد.
60. التفريق بين نفي العموم "ليس كل دليل لفظي يفيد اليقين لا خلاف في ذلك" وبين عموم النفي "كل دليل لفظي لا يفيد اليقين" مكابرة للعيان ومجاهرة بالكذب. (ص650).
61. أن القول بعدم إفادة الأدلة السمعية لليقين قدح في بيان الرسول - صلى الله عليه وسلم – وقدح في فصاحته. (ص652).
62. إن جميع ما ذكروه من الوجوه العشرة يرجع إلى حرف واحد، وهو احتمال اللفظ لمعنى آخر غير ما يظهر من الكلام. (ص657). وهذا نسبته قليلة جداً، فلا يصلح أن يكون قاعدة كلية.
63. الاشتراك في المعلومات الضروريات غير واجب ولا واقع، والواقع خلافه. (ص660).
64. أهل العلم والكتاب والسنة متيقنون لمراد الله ورسوله، جازمون به، معتقدون لموجبه اعتقاداً لا يتطرق إليه شك ولا شبة. (ص663).
65. حيرة المتكلمين والفلاسفة وتخبطهم واختلافهم وشكوكهم. (ص663-669).
66. ألفاظ القرآن والسنة ثلاثة أقسام (ص670):
الأول: نصوص لا تحتمل إلا معنى واحداً، فهو يفيد اليقين بمدلوله قطعاً، كالأعداد "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْن"ِ [النساء: 92].
الثاني: ظواهر تحتمل غير معناها احتمالاً بعيداً مرجوحاً. ولكن اطردت في موارد استعمالها على معنى واحد، فجرت مجرى النصوص التي لا تحتمل غير مسماها. وهذا القسم يفيد اليقين والقطع بمراد المتكلم أيضاً. (ص681).
الثالث: ألفاظ تحتاج إلى بيان، فهي بدون البيان عرضة للاحتمال. وهذا القسم إذا أحسن رده إلى القسمين قبله عرف مراد المتكلم منه. (ص681).
فالأول يفيد اليقين بنفسه.
والثاني يفيده باطراده في موارد استعماله.
والثالث يفيده إحسان رده إلى القسمين قبله. (ص672).
67. إن الذي حال بين هؤلاء وبين استفادتهم اليقين من كلام الله ورسوله أن كثيراً من ألفاظ القرآن والسنة قد صار لها معانٍ اصطلح عليها النظار والمتكلمون وغيرهم، وألف ذلك الاصطلاح، وجرى عليه النشء، وصار هو المقصود بالتخاطب، وإليه التحاكم، فصار كثير من الناس لا يعرف سواه، فلما أرادوا أن يطابقوا بين معاني القرآن وبين تلك المعاني التي اصطلحوا عليها أعجزهم ذلك، فمرة قالوا: ألفاظ القرآن مجاز، ومرة طلبوا لها وجوه التأويل، ومرة قالوا: لا تفيد اليقين، ومرة جعلوها وقفاً تتلى في الصلاة ويتبرك بقراءتها ولا يتحاكم إليها. (ص672) انظر أمثلة ذلك: (ص672-676).
68. لا يعارض السمع الصحيح الصريح إلا معقولاً فاسداً تنتهي مقدماته إلى المكابرة أو التقليد أو التدليس والإجمال. (ص679).
69. دلالة الدليل لا تتوقف على معرفة الإعراب والتصريف. (ص680) ولا تتوقف على العلم بعدم التخصيص والإضمار. (ص681).
70. إن القدح في دلالة العام باحتمال الخصوص وفي الحقيقة باحتمال المجاز والنقل والاشتراك، يبطل حجج الله على خلقه بآياته، ويبطل أوامره ونواهيه وفائدة أخباره. (ص683).
71. الوجوه التي تنقسم إليها معاني ألفاظ القرآن عشرة أقسام. (انظرها ص684، 685) وأنواع ألفاظها ثلاثة. (ص686).
72. فعليك بحفظ العموم فإنه يخلصك من أقوال كثيرة باطلة. (ص689).
قال السرخسي: "إنكار العموم بدعة حدثت في الإسلام بعد القرون الثلاثة". (ص690).
73. إن الله سبحانه إنما علق الثواب على الأفعال المقتضية له اقتضاء السبب لمسببه، وجعلها عللاً لأحكامها، والاشتراك في الموجب يقتضي الاشتراك في موجبه، والعلة إذا تخلف عنها معلولها من غير انتقاء شرط أو وجود مانع فسدت، بل يستحيل تخلف المعلول عن علته التامة وإلا لم تكن تامة. (ص691).
74. خطأ الوعيدية والمقابلين لهم في فهم نصوص الوعيد. (ص691).
75. هذه الأفعال سبب لما علق عليها من الوعيد، والسبب قد يتخلف عن مسببه لفوات شرط أو وجود مانع، والموانع متعددة، منها التوبة النصوح، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، والصدقة، والشفاعة، والدعاء.. إلخ. (ص691).
76. الشيء النادر المتظرف يحل محل الإعجاب، وتتحرك الهمم لسماعه واستفادته لما جبل عليه الناس من إيثار المستظرفات والغرائب، وهذا من أكثر أسباب الأكاذيب في المنقولات والتحريف لمعانيها. (ص693 أمثلة لذلك 694-698).
77. قد يقع في كلام السلف تفسير اللفظ العام بصورة خاصة على وجه التمثيل لا على وجه تفسير معنى اللفظة في اللغة بذلك، فيغتر به المعنى، فيجعله معنى اللفظة في اللغة. (ص699). أمثلة:
- ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر:8] قيل: الماء البارد في الصيف، لم يرد به أن النعيم المسؤول عنه هو هذا وحده.
- وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7] القدر والفأس والقصعة؟ فهذا كله من التمثيل للمعنى العام ببعض أنواعه. (ص700).
78. ونظير هذا ما يذكره كثير من المفسرين في آيات عامة أنها في قوم مخصوصين من المؤمنين والكفار والمنافقين، وهذا تقصير ظاهر منهم وهضم لتلك العمومات المقصود عمومها. (ص700).
وكذلك الحال في أحكام وقعت في القرآن كان بدوّ افتراضها أفعال ظهرت من أقوام، فأنزل الله بسببها أحكاماً صارت شرائع عامة إلى يوم القيامة، فلم يكن من الصواب إضافتها إليهم، وأنهم هم المرادون بها إلا على وجه ذكر سبب النزول فقط، وأن تناولها لهم ولغيرهم تناول واحد. (ص700).
79. ومن تأمل خطاب القرآن وألفاظه وجلالة المتكلم به وعظمة ملكه، وما أراد به من الهداية العامة لجميع الأمم قرناً بعد قرن إلى آخر الدهر، وأنه جعله إنذاراً لكل من بلغه من المكلفين لم يخف عليه أن خطابه العام إنما جعل بإزاء أفعال حسنة محمودة، وأخرى قبيحة مذمومة، وأنه ليس منها فعل إلا والشركة فيه موجودة أو ممكنة، إذا كانت الأفعال مشتركة كان الوعد والوعيد المعلق بها مشتركاً. (ص704).
80. باب الإضمار لا ضابط له، فكل من أراد إبطال كلام متكلم ادعى فيه إضماراًً يخرجه عن ظاهره. (ص711).
81. إن الإضمار هو الإخفاء، وهو أن يخفي المتكلم في نفسه معنى، ويريد من المخاطب أن يفهمه، فهذا إما أن يجعل له عليه دليلاً من الخطاب أو لا. فإن جعل له عليه دليلاً من السياق، لم يكن ذلك إضماراً محضاً، بل يكون قد أظهره له بما دله عليه من السياق، [ودلالة اللفظ قد تحصل من صريحه تارة، ومن سياقه، ومن قرائنه المتصلة به]، فهذا لا محذور فيه إذا كان المخاطب قد دل السامع على مقصوده ومراده، وإن لم يجعل له عليه دليلاً، فإنه لم يقصد بيانه له، بل عدل عن بيانه إلى بيان المذكور، فلا يقال: إن كلامه دل عليه بالإضمار، فإن هذا كذب صريح عليه، فتأمله فإنه واضح. (ص714).
82. في كلام العرب المقدم مقدم والمؤخر مؤخر، وحيث قدموا المؤخر، وأخروا المقدم فلابد أن يجعلوا في الكلام دليلاً على ذلك لئلا يلتبس الخطاب. (ص715).
وانظر نوعي التقديم والتأخير المخل وغير المخل. (ص717).
83. لو كان كلام الله ورسوله لا يفيد اليقين والعلم، والعقل معارض للنقل، فأي حجة تكون قد قامت على المكلفين بالكتاب والرسول؟ (ص737).
84. طمأنينة قلوب أهل الحق. (ص741، 742).
85. دلالة القرآن والسنة على معانيها من جنس دلالة لغة كل قوم على ما يعرفونه ويعتادونه من تلك اللغة. (ص742).
86. دلالة اللفظ هي العلم بقصد المتكلم به. (ص73). ويراد بالدلالة أمران: نقل الدال، وكون اللفظ بحيث يفهم معنى. فالمتكلم دال بكلامه، وكلامه دال بنظامه. وذلك يعرف من عادة المتكلم في ألفاظه، فإذا كانت عادته أنه قصد بهذا اللفظ هذا المعنى، علمنا متى خاطبنا به أنه أراده من وجهين:
أحدهما: أن دلالة اللفظ مبناها على عادة المتكلم التي يقصدها بألفاظه، فإذا عرف السامع ذلك المعنى، وعرف أن عادة المتكلم إذا تكلم بذلك اللفظ أن يقصده، علم أنه مراده قطعاً.
الثاني: أن المتكلم إذا كان قصده إفهام المخاطبين كلامه، وعلم السامع من طريقته وصفته أن ذلك قصده، لا أن قصده التلبيس والإلغاز، أفاده مجموع العلمين اليقين بمراده، ولم يشك فيه. (ص743).
87. إن معرفة مراد المتكلم تعرف باطراد استعماله ذلك اللفظ في ذلك المعنى، في مجاري كلامه ومخاطباته. (ص743).
88. من المعلوم أن أهل اللغة لم يسوغوا للمتكلم أن يتكلم بما يريد به خلاف ظاهره إلا مع قرينة تبين المراد، والمجاز إنما يدل مع القرينة بخلاف الحقيقة، فإنها تدل على التجرد. وكذلك الحذف والإضمار لا يجوز إلا إذا كان في الكلام ما يدل عليه. وكذلك التخصيص ليس لأحد أن يدعيه إلا مع قرينة تدل عليه. (ص752).
89. وقد اتفقت اللغة والشرع على أن اللفظ المجرد إنما يراد به ما ظهر منه، وما يقدر من احتمال مجاز أو اشتراك أو حذف أو إضمار ونحوه إنما يقع مع القرينة، أما مع عدمها فلا. (ص753).
90. الأسماء الموجودة في القرآن ثلاثة أنواع:
نوع بيانه معه، فهو مع بيانه يفيد اليقين بالمراد منه.
ونوع بيانه في آية أخرى، فيستفاد اليقين بالمراد من المجموع الاثنين.
ونوع بيانه موكول إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم – فيستفاد اليقين من المراد منه ببيان الرسول - صلى الله عليه وسلم. (ص754).
91. إن مراد المتكلم يُعلم من لفظه المجرد تارة، والمقرون تارة، ومنه ومن لفظ آخر يفيدان اليقين بمراده تارة، ومنه ومن بيان آخر بالفعل أو القول يحيل المتكلم عليه تارة. وليس في القرآن خطاب أريد منه العلم بمدلوله إلا وهو داخل في هذا الأقسام. (ص754).
92. أنواع الدلالات:
أ- دلالة الأدلة السمعية على مدلولها.
ب- دلالة الآيات المعينة على مدلولها (دلالة الدخان على النار، وضوء الصبح على الصباح).
ج- الأدلة القياسية العقلية (وهي أضعف أنواع الدلالات).
93. الدليل القياسي التمثيلي أقوى وأظهر دلالة من الدليل القياسي الشمولي. (ص764).
94. دلالة المقال أكمل من دلالة الحال، ودلالة الحال المعينة أكمل من الدلالة الكلية المنطقية، ودلالة كلام الله أكمل من دلالة كل كلام، وإفادته اليقين فوق إفادة كل دليل اليقين بمدلوله. (ص765).
95. إن هذا القانون مضمونه جحد الرسالة في الحقيقة، وإن أقر بها صاحبه بلسانه، بل مضمونه أن يترك الناس بلا رسول يرسل إليهم خير من أن يرسل إليهم رسول.
96. إن الله سبحانه قسم الأدلة السمعية إلى قسمين: محكم ومتشابه، وجعل المحكم أصلاً للمتشابه، وأما له يرد إليه. (ص772).
97. إن حاصل كلام أرباب القانون يدور على ثلاث مقدمات:
الأولى: أن العلم بمراد المتكلم موقوف على حصول العلم بما يدل على مراده.
الثانية: أنه لا سبيل إلى العلم بمراده إلا بانتفاء هذه الأمور العشرة.
الثالثة: أنه لا سبيل إلى العلم بانتقائها. (ص779).
فهذه ثلاث مقدمات، الأولى منها صادقة، والأخريان كاذبتان.
• اضطراب أهل الكلام والمنطق والفلسفة في "العقل" الذي يعارض النقل أشد الاضطراب. (ص781-791 فانظر نماذجه).
• إن الله سبحان دعا إلى تدبر كتابه وتعلقه وتفهمه وذم الذين لا يفهمونه ولا يعقلونه. (ص791).
• أدلة القرآن والسنة نوعان:
أحدهما: يدل بمجرد الخبر.
الثاني: يدل بطريق التنبيه والإرشاد على الدليل العقلي. (ص793) انتهى المجلد الثاني
المجلد الثالث:
98. إذا تعارض دليلان سمعيان أو عقليان أو سمعي وعقلي، فإما أن يكونا قطعيين، وإما أن يكونا ظنيين، وإما أن يكون أحدهما قطعياً والآخر ظنياً.
فأما القطعيان فلا يمكن تعارضهما في الأقسام الثلاثة. وإن كان أحدهما قطعياً والآخر ظنياً، تعين تقديم القطعي، سواء كان عقلياً أو سمعياً. وإن كان جميعاً ظنيين صرنا إلى الترجيح، ووجب تقديم الراجح منهما سميعاً كان أو عقلياً. (ص797).
99. ما هو ثابت في نفس الأمر ليس موقوفاً على علمنا به، فعدم علمنا بالحقائق لا ينفي ثبوتها في نفس الأمر. (ص799).
100. الشرع المنزل من عند الله مستغن في نفسه عن علمنا وعقلنا، ولكن نحن محتاجون إليه، وإلى أن نعلمه بعقولنا، فإذا علم العقل ذلك حصل له كمال لم يكن قبل ذلك، وإذا فقده كان ناقصاً جاهلاً.
101. ما كان شرطاً في الشيء امتنع أن يكون منافياً له.
102. ليس له ما يعرف بالعقل يكون أصلاً للسمع ودليلاً على صحته، فإن المعارف العقلية أكثر من أن تحصر، والعلم بصحة السمع غايته أن يتوقف على ما به يعلم صدق الرسول من العقليات. (ص800).
103. ليس القدح في بعض العقليات قدحاً في جميعها، كما أنه ليس القدح في بعض السمعيات قدحاً في جميعها، فلا يلزم من صحة المعقولات التي يبنى عليها معرفتنا بالسمع صحة غيرها من المعقولات، ولا من فساد هذه فساد ذلك. (ص801).
104. من علم صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم – استحال أن يكون عنده دليل يعارض ما أخبر به. (ص802).
105. الدليل لا يترك لما ليس بدليل. (ص805، 854).
106. إذا كان الدليل السمعي صحيحاً في نفسه، ظاهر الدلالة بنفسه على المراد، لم يكن ما عارضه من العقليات إلا خيالات فاسدة ومقدمات كاذبة. (ص805).
107. يكفيك من العقل أن يعرفك صدق الرسول، ومعاني كلامه، ثم يخلي بينك وبينه. وقيل: العقل سلطان ولى الرسول، ثم عزل نفسه. (ص807).
108. إن الدليل الدال على صحة الشيء أو ثبوته أو عدالته أو قبول قوله، لا يجب أن يكون أصلاً له بحيث إذا قدم قول المشهود له، والمدلول عليه على قوله، يلزم إبطاله. (ص809).
109. إن العلم بالدليل أصل للعلم بالمدلول، فإذا حصل العلم بالمدلول لم يلزم من ذلك تقديم الدليل عيه في كل شئ. (ص809).
110. لابد للعقل من التسليم والانقياد لحكم الشرع والإذعان والقبول، وهناك يسقط "لم"، ويبطل "كيف"، ويزول "هلا"، ويذهب "لو" و "ليت" في الريح. (ص811).
111. ونحن نعلم قطعاً أن الرسل لا يخبرون بمحال العقول، وإن أخبروا بمحارات العقول. (ص829، 830).
112. إنه لا يعلم آية من كتاب الله، ولا نص صحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – في باب أصول الدين اجتمعت الأمة على خلافه، ومن له خبرة بمذاهب الناس، وأقوال السلف يعلم أن الأمة اجتمعت على القول به قبل ظهور المخالف. (ص833).
113. إن الأدلة السمعية هي الكتاب والسنة والإجماع. (ص834).
114. إن أهل البدع حاصل ما مع أكثرهم حسن الظن بإمامه الذي سلك طريقه، وتقليده في أصوله، وهو يرى بعقله خلافها، ويستشكلها، ويقر بأنها مشكلة جداً، ثم ينكس على رأسه ويقول: هو أعلم بالمعقول مني. (ص836).
115. كتاب مقالات غير الإسلاميين. (ص836).
116. قال ابن رشد في "تهافت التهافت": "ومن الذي قال في الإلهيات شيئاً يعتد به" (ص841). وقال المحقق: لم أقف عليه بلفظه. وقد وقفت عليه، ولكن عبارة ابن رشد بلفظ مختلف يسيراً. (2/547، ط. دار المعارف الثانية، بتحقيق د. سليمان دنيا).
117. أدلة الحق وشبه الباطل لا تتكافأ حتى يتكافأ الضوء والظلام. (ص843).
118. إن طالب الهدى في غير القرآن والسنة، قد شهد الله ورسوله له بالضلال. (ص846).
119. إن أصحاب القرآن والإيمان قد شهد الله لهم، وكفى به شهيداً بالعلم واليقين والهدى، وأنهم على بصيرة وبينة من ربهم، وأنهم أولو العقل والألباب والبصائر. (ص850).
120. إن الله سبحانه اقتضت حكمته وعدله أن يفسد على العبد عقله الذي خالف به رسله، ولم يجعله منقاداً لهم، مسلماً لما جاءوا به مذعناً له. (ص861)، وانظر الأمثلة: (ص862-864)، وبالجملة، فما عصى الله بشيء إلا أفسده على صاحبه. (ص865).
121. بيان أن الإيمان الجازم لا يستقر في قلب من عارض الشرع بالعقل. (ص869).
122. المشروط بالشيء يعدم عند عدمه. (ص869).
123. ولا يكون الرجل مؤمناً حتى يؤمن بالرسول - صلى الله عليه وسلم – إيماناً جازماً، ليس مشروطاً بعدم معارض. (ص870، 900).
124. طرق العلم: الحس والعقل والمركب منهما. (ص870).
125. المعلومات ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يعلم بالعقل.
والثاني: ما يعلم بالسمع.
والثالث: ما يعلم بالعقل والسمع.
وكل منها ينقسم إلى ضروري ونظري، وإلى معلوم ومظنون وموهوم. فليس كل ما يحكم به العقل علماً، بل قد يكون طناً. وقد يكون وهماً كاذباً، كما أن ما يدركه السمع والبصر كذلك. (ص870)، فلابد من حكم يفصل بين هذه الأنواع ويميز بين معلومها ومظنونها وموهومها.
126. إذا اتفق العقل والسمع والعقل والحس على قضية، كانت معلومة يقينية. وإن انفرد بها الحس عن العقل كانت وهمية.
127. وكذلك حكم السمع قد يكون كاذباً، وقد يكون صادقاً ضرورة ونظراً، وقد يكون ظنياً، فإذا قارنه العقل كان حكمه علماً ضرورياً أو نظرياً، كالعلم بمجرد الأخبار المتواترة، فإنه حصل بواسطة السمع والعقل، فإن السمع أدي إلى العقل ما سمعه من ذلك، والعقل حكم بأن المخبرين لا يمكن تواطؤهم على الكذب، فأفاده علماً ضرورياً أو نظرياً. (ص871).
128. وكذلك الوهم، يدرك أموراً لا يدري صحيحة هي أم باطلة، فيردها إلي العقل الصريح، فما صححه منها قبله، وما حكم ببطلانه رده. فهذا أصل يجب الاعتناء به ومراعاته، وبه يعلم الصحيح من الباطل. (ص872).
129. ولو التفتنا إلى كل شبهة يعارض بها الدليل القطعي، لم يبق لنا وثوق بشيء تعلمه بحس أو بعقل أو بهما. (ص873).
130. ما يدرك بالسمع أعم وأشمل، وما يدرك بالبصر أتم وأكمل، فهذا له القوة والتمام، وذلك له العموم والإحاطة. (ص874).
131. ليس العلم في الحقيقة إلا ما أخبرت به الرسل عن الله عز وجل طلباً وخبراًَ، فهو العلم المزكي للنفوس، والمكمل للفطر، المصحح للعقول، الذي خصه الله باسم العقل، وسمى ما عارضه ظناً لا يغني من الحق شيئاً. (ص876).
132. إن الله سبحانه جعل الوحي إماماً والعقل مؤتماً به، وجعله حاكماً والعقل محكوماً عليه، ورسولاً والعقل مرسلاً به، وميزاناً والعقل موزوناً به، وقائداً والعقل منقاداً له. (ص890).
133. إن العقل تحت حجر الشرع فيما يطلبه ويأمر به، وفيما يحكم به ويخبر عنه. (ص894).
134. ما علق على الممتنع فهو ممتنع. (ص900).
(ميراث التعصيب ص901)
135. الأدلة السمعية نوعان:
أ- نوع يدل بطريق التنبيه والإرشاد على الدليل العقلي فهو عقلي سمعي، ومن هذا غالب أدلة النبوة والمعاد والصفات والتوحيد.
ب- نوع دل بمجرد الخبر.
136. ليس في القرآن صفة إلا وقد دل العقل الصريح على إثباتها لله. (ص909).
137. تأويل الكلام الطلبي هو نفس فعل المأمور به والمنهي عنه، كما قال ابن عيينة: "السنة تأويل الأمر والنهي". (ص923).
138. وأما تأويل ما أخبر الله به عن نفسه، وعن اليوم الآخر، فهو نفس الحقيقة التي أخبر الله عنها، وذلك في حق الله هو كنه ذاته وصفاته التي لا يعلمها غيره. (ص923).
139. أصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة، والمعاني المشتبهة، ولاسيما إذا صادفت أذهاناً مخيطة. فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى وتعصب؟ (ص927).
الإجمال في اللفظ: يتكلم بلفظ له معنيان: معنى صحيح ومعنى باطل، فيتوهم السامع أنه أراد المعنى الصحيح ومراده الباطل.
الاشتباه في المعنى: فيكون له وجهان، هو حق من أحدهما، وباطل من الآخر، فيوهم إرادة الوجه الصحيح، ويكون مراده الباطل. (ص926).
أمثلة على ذلك (ص929-953)، وتراجع للأهمية، وفيها كلام عن الدعاية السيئة ضد أهل السنة!!
(وصف دقيق للأطوار التي يمر بها الإنسان في تعلمه ص957-959).
140. لا يتم الدين بإطلاق الألفاظ الفارغة عن المعاني. (ص971).
141. إن هؤلاء المعارضين للوحي بالعقل، بنوا أمرهم على أصل فاسد، وهو أنهم جعلوا أقوالهم التي ابتدعوها، جعلوها أصول دينهم، ومعتقدهم في رب العالمين هي المحكمة، وجعلوا قول الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم – هو المتشابه الذي لا يستفاد منه علم ولا يقين. (ص990).
• القواعد التي بنى عليها أهل السنة أصولهم في موافقة العقل للنقل. (ص992).
• بيان منهج أهل البدع في التضليل على الناس. (ص995) (قولية).
بيان أن إبليس أول من قدم العقل على النقل. (ص998-1000، ثم الرد عليه إلى 1008).
142. القياس إذا صادم النص وقابله كان قياساً باطلاً، ويسمى قياساً إبليسياً، فإنه يتضمن معارضة الحق بالباطل، وتقديمه عليه. (ص1002).
143. العقل إنما يدل على نفي الشيء إذا علم ثبوت نقيضه، فيعلم حينئذ أن النقيض الآخر منتف. (ص1010).
144. كل كمال ثبت للمخلوق لا نقص فيه فلا يستلزم نقصاًَ، فمعطيه وموجده أحق به وأولى. (ص1018).
(ليس كمثله شئ، وليس له سمي سبحانه ص1019-1022).
145. إن الله سبحانه إنما نفى عن نفسه ما يناقض الإثبات، ويضاد ثبوت الصفات والأفعال. (ص1023-1029).
146. إن النفاة جمعوا بين التشبيه والتعطيل، فسموا تعطيلهم تنزيهاً، وسموا ما وصف به نفسه تشبيهاً وجعلوا ما يدل على ثبوت صفات الكمال وكثرتهم دليلاً على نفيها، وتعطيلها، وراج ذلك على من لم يجعل الله له نوراً. (ص1030).
(بيان المثل الأعلى وحقيقته ص1030-1036).
147. قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] وقوله: وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى [الروم:27] من أعظم الأدلة على ثبوت صفات كماله سبحانه. (ص1032).
(حال أهل البدع في المناظرة وسماع الحق. ص1036-1038، 1039-1040).
148. المجانيق الأربعة التي نصبها أهل البدع على حصون الوحي:
1- أنها أدلة لفظية لا تفيد اليقين.
2- أنها مجازات واستعارات لا حقيقة لها.
3- أن العقل عارضها فيجب تقديمه عليها.
أنها أخبار آحاد، وهذه المسائل علمية، فلا يجوز أن يحتج فيها بالأخبار. (ص1039).
149. أصل العداوة البغض، كما أن أصل الولاية الحب. فكل من أبغض شيئاً من نصوص الوحي ففيه من عداوة الله ورسوله بحسب ذلك، ومن أحبها ففيه من ولاية الله ورسوله بحسب ذلك. (ص1041).
قال ابن مسعود: "لا يسأل أحدكم عن نفسه غير القرآن، فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله، وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله".
150. أخبر سبحانه أن كل حكم خالف حكمه الذي أنزله على رسوله فهو من أحكام الهوى، لا من أحكام العقل، وهو من أحكام الجاهلية، لا من حكم العلم والهدى. (ص1046).
(إذا خفيت السنة ظهرت الأهواء، عبد الله بن المبارك ص1048).
(قل من نظر في الكلام في قلبه غل على الإسلام، الإمام أحمد: 1039).
151. أن من عارض نصوص الوحي بالعقل لزمه لازم من خمسة لا محيد له البتة: إما تكذيبها، أو كتمانها، وإما تحريفها، وإما تخييلها، وإما تجهيلها وهو نسبة المصدقين لها إلى الجهل: إما البسيط وإما المركب، وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم. (ص1048).
152. إن المعارضين للوحي بآرائهم خمس طوائف:
أ- طائفة عارضته بعقولهم في الخبريات، وقدمت عليه العقل، فقالوا لأصحاب الوحي: لنا العقل ولكم النقل.
وطائفة عارضتهم بآرائهم وقياساتهم، فقالوا لأهل الحديث: لكم الحديث ولنا الرأي والقياس. ج- وطائفة عارضته بحقائقهم وأذواقهم، وقالوا: لكم الشريعة ولنا الحقيقة.
د- وطائفة عارضته بسياساتهم وتدبيرهم، فقالوا: أنتم أصحاب الشريعة ونحن أصحاب السياسة.
هـ- وطائفة عارضته بالتأويل الباطن فقالوا: أنتم أصحاب الظاهر ونحن أصحاب الباطن. (ص1051).
153. سؤالات الصحابة رضوان الله عليهم للنبي - صلى الله عليه وسلم – عن الجمع بين النصوص التي يوهم ظاهرها التعارض. (ص1052-1064).
154. تاريخ نشأة الفرق. (ص 1068 -1080) "مهم".
155. بيان ثبوت صفات الكمال لله تعالى بالعقل والنقل. (ص1080-1086).
156. الأصناف الثلاثة التي ذكرها الله تعالى في كتابه في سورة العنكبوت:
أ- صنف يجادل في الله بغير علم، ويتبع كل شيطان مريد، مكتوباً عليه إضلال من تولاه، وهذه حال المتبع لأهل الضلال.
ب- صنف يجادل في الله بغير علم، ويتبع كل شيطان مريد، مكتوباً عليه ليضل عن سبيله، وهذه حال المتبوع المستكبر، الصاد عن سبيل الله.
ج- ثم ذكر حال من يعبد الله على حرف، وهذه حال المتبع لهواه الذي إن حصل له ما يهواه من الدنيا عبد الله، وإن أصابه ما يمتحن به في دنياه ارتد عن دينه، وهذه حال من كان مريضاً في إرادته وقصده، وهي حال أهل الشهوات والأهواء. (ص1088).
157. إن العقل ملزوم لعلمنا بالشرع ولازم له، ومعلوم أنه:
إذا كان اللزوم من أحد الطرفين لزم من وجود الملزوم وجود اللازم، ومن نفي اللازم نفي الملزوم، فكيف إذا كان التلازم من الجانبين؟
فإذا هذا التلازم يستلزم أربع نتائج.
إذ يلزم من ثبوت هذا الملزوم ثبوت لازمه. ومن ثبوت لازمه المساوي ثبوته، ومن نفي اللازم نفي ملزومه، ومن نفي ملزومه المساوي نفيه، وهذا شأن كل شيئين بينهما تلازم من الطرفين. (ص1091).
فالمتلازمان يلزم من ثبوت كل منهما ثبوت الآخر، ومن انتفائه انتفاؤه. (ص1093).
158. إن الله سبحانه نصب على الحق الأدلة والأعلام الفارقة بين الحق والباطل، والنور والظلام، وجعل فطر عباده مستعدة لإدراك الحقائق ومعرفتها، ولولا ما في القلوب من الاستعداد لمعرفة الحقائق لم يكن النظر والاستدال والخطاب والكلام والفهم والإفهام. (ص1112، 1113).
159. إن الأعمال الصالحة والفاسدة نتائج الاعتقادات الصحيحة والباطلة. (ص1117).
160. إن تجويز معارضة العقل للوحي يوجب وصف الوحي بضد ما وصفه الله به. (ص1122).
161. إن الله سبحانه ضمن الهدى والفلاح لمن اتبع القرآن، والضلال والشقي لمن أعرض عنه، فكيف بمن بمعقول أو رأي أو حقيقة باطلة أو سياسة ظالمة أو قياس إبليس أو خيال فلسفي ونحو ذلك. (ص1128).
162. إن الله سبحانه وصف المعرضين عن الوحي المعارضين له بعقولهم وآرائهم بالجهل والضلال، والحيرة والشك والعمى والريب، فلا يجوز وصفهم بالعلم والعقل والهدى. (ص1131).
163. إن ما وقع في هذه الأمة من البدع والضلال كان من أسبابه التقصير في إظهار السنة والهدى. (ص1133).
فإن الجهل المركب الذي وقع فيه أهل التعطيل والنفي في توحيد الله وأسمائه وصفاته كان من أعظم أسبابه التقصير في إثبات ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم – عن الله، وفي معرفة معاني أسمائه وآياته، حتى إن كثيراً من المنتسبين إلى السنة يعتقدون أن طريقة السلف هي الإيمان بألفاظ النصوص والإعراض عن تدبر معانيها وتفقهها وتعقلها. (ص1133).
164. طريقة السلف هي إثبات ما دلت عليه النصوص من الصفات وفهمها، وتدبرها وتعقل معانيها، وتنزيه الرب عن تشبيهه فيها بخلقه، كما ينزهونه عن العيوب والنقائص. (ص1134).
ولذلك طريقة السلف أعلم وأحكم وأسلم وأهدى إلى الطريق الأقوم. (ص1134).
(وصف بليغ لكلام الله، ص1139، 1140).
165. المعارضون للوحي بعقولهم جمعوا بين ثلاثة أمور: الكذب على الله، وأضلوا الخلائق، والصد عن سبيل الله، وبغيها عوجاً. (ص1142).
أهل الباطل قلبوا الحقائق، وأفسدوا الطرائق، وأضلوا الخلائق، وعطلوا الخالق. وانظر مزيداً من التفصيل في عكسهم للحقائق. (ص1149).
166. بطلان اللازم يستلزم بطلان ملزومه. (ص1150 وانظر تطبيق القاعدة إلى ص115).
167. للرسالة مقصودان عظيمان:
أحدهما: تعريف العباد ربهم ومعبودهم بما هو عليه من الأسماء والصفات.
الثاني: محبته وطاعته والتقرب إليه.
(تناقض أهل البدع، ص1158).
168. إن كل من لم يقر بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم – إلا بعد أن يقوم على صحته عنده دليل منفصل من عقل، أو كشف )وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ)(الأنعام: من الآية124)، أو منام، أو إلهام، لم يكن مؤمناً به قطعاً، وكان من جنس الذين قال الله فيهم: "وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ" [الأنعام: 124].(ص1168).
169. الرازي يجعل من الطرق الضعيفة في الاستدلال: "والرابع هو التمسك بالسمعيات". (ص1170). وانظر: المصدر الأصلي هناك. وانظر كلامه الباطل. (ص1170-1177).
عاب أهل البدع على أهل السنة بأنهم مقلدون، وقلب الأمر عليهم. (ص1180-1181).
170. إن الدين تصديق الرسول فيما أخير، وطاعته فيما أمر. (ص1185).
والتصديق والطاعة لا يكون إيماناً حتى يكون مطلقاً، فإذا تقيد فأعلى أحواله- إن سلم من الشك- أن يكون إسلاماً ويكون صاحبه من عوام المسلمين لا من خواص المؤمنين. (ص1186).
171. إن السمع حجة الله على خلقه، وكذلك العقل، فهو سبحانه أقام عليهم حجته بما ركب فيهم من العقل وبما أنزل إليهم من السمع. (ص1187).
وحجج الله وبيناته لا تتناقض ولا تتعارض، ولكن تتوافق وتتعاضد.
• الأصل الذي بنى عليه أهل البدع دينهم، (ص1188).
• ولم يقيض لهم من يبين لهم فساد هذا الأصل وبطلانه ومخالفته لصريح العقل. (ص1189).
• من لوازم طريقتهم. (ص1191، 1192).
• الاستدلال بمقدمات النبوة ومعجزات الرسالة (ص1196).
عظيم دلالة القرآن. (ص1199-1206)، وهي آخر صفة من المجلد الثالث.
المجلد الرابع:
172. إن الكلام في الدين نوعان: أمر وخبر، فما عارض الأمر كان من باب الهوى الذي يأمر به الشيطان والنفس، وما عارض الخبر كان من باب الظن والخرص الذي هو أكذب الحديث. (1210).
173. إن هؤلاء المعارضين لا يتم لهم ما ادعوه من المعارضة إلا بأربعة أمور، يستلزمها قولهم، بل هذه الأربعة هي قواعدهم التي يبنون عليها:
أ- لبس الحق بالباطل.
ب- فإذا وقعوا في هذا اللبس ترتب عليه ضرورة كتمان الحق.
ج- والتكذيب به.
د- والتصديق بالباطل. (ص1213، 1214).
174. أنه ما من حق وباطل إلا وبينهما اشتراك من بعض الوجوه، ولو في أصل الوجود، أو في أصل الإخبار، أو في مجرد المعلومية، بأن يكون هذا معلوماً مذكوراً، وهذا معلوماً مذكوراً، ولكل واحد منهما خصائص يتميز بها عن الآخر، فأحظى الناس بالحق وأسعدهم به الذي يقع على الخصائص المميزة الفارقة، ويلغي القدر المشترك فيحكم بالقدر الفارق على المشترك ويفصله به. وأبعدهم عن الحق والهدى من عكس هذا السير، وسلك ضد هذا الطريق، فألغى الخصائص الفارقة، وأخذ القدر المشترك وحكم به على القدر الفارق.
وأضل منه من أخذ خصائص كل من النوعين فأعطاها للنوع الآخر، فهذان طريقا أهل الضلالة اللذان يرجع إليهما جميع شعب ضلالهم وباطلهم. (ص1216) .
175. إنك إذا أخذت لوازم المشترك والمميز، وميزت هذا من هذا صح نظرك، ومناظرتك، وزال عنك اللبس والتلبيس، وذلك أن الصفة يلزمها لوازم من حيث هي هي، فهذه اللوازم يجب إثباتها، ولا يصح نفيها، إذ نفيها ملزوم كنفي الصفة. (ص1218).
واجعل هذا التفصيل ميزاناً لك في جميع الصفات والأفعال، واعتصم به في نفي التشبيه والتمثيل وفي بطلان النفي والتعطيل. (ص1219).
176. إن الأصل الذي قادهم إلى النفي والتعطيل، واعتقاد المعارضة بين العقل والوحي أصل واحد، وهو منشأ ضلال بني آدم، وهو الفرار من تعدد صفات الواحد، وتكثر أسمائه الدالة على صفاته، وقيام الأمور المتجددة به. (ص1220).
177. قول أئمة أهل البدع: إنه ليس في العقل ما يوجب تنزيه الرب سبحانه وتعالى عن النقائص، ولم يقم على ذلك دليل عقلي أصلاً كما صرح به الرازي وتلقاه عن الجويني وأمثاله. (ص1228).
178. إن الله سبحانه عاب آلهة المشركين بنفس ما وصفتهم الإله الحق سبحانه به، فعابها أنها لا تتكلم ولا تسمع ولا تبصر. (ص1232).
179. إن اللوازم التي تلزم المعطلة النفاة شر من اللوزام التي تلزم المشبهة المحضة. (ص1234).
180. وليس لمبطل بحمد الله حجة، ولا سبيل بوجه من الوجوه على من وافق السنة ولم يخرج، حتى إذا خرج عنها قدر أنملة تسلط عليه المبطل بحسب القدر الذي خرج به عن السنة، فالسنة حصن الله الحصين الذي من دخله كان من الآمنين، وصراطه المستقيم الذي سلكه كان إليه من الواصلين، وبرهانه المبين الذي من استضاء به كان من المهتدين، فمن وافق مبطلاًَ على شئ من باطله جره بما وافقه منه إلى نفي باطله. (ص1255).
181. إن أئمة الإسلام لما عرفوا أن طرق المتكلمين إنما تنتهي إلى هذا تنوعوا في ذمها وذم أهلها. (ص1264).
(انظر ص1264-1274 حيث أورد آثاراً عن الأئمة والعلماء في ذم الكلام).
182. والإنسان له حالتان: إما أن يكون ناظراً وإما أن يكون مناظراً. (ص1274).
وكل منهما ينقسم إلى محمود ومذموم. (ص1275).
فالنظر المحمود: النظر في الطريق الصحيح ليتوصل به إلى معرفة الحق.
والنظر المذموم نوعان:
أحدهما: النظر في الطريق الباطل وإن قصد به التوصل إلى الحق، فإن الطريق الباطل لا يفضي إلى الحق.
والثاني: النظر والفكر الذي يقصد به رد قول خصمه مطلقاً حقاً كان أو باطلاً، فهو نظراً يرد به قول من يبغضه ويعاديه بأي وجه كان.
فأما المناظرة فتنقسم إلى محمودة ومذمومة: والمحمودة نوعان، والمذمومة نوعان.
وبيان ذلك أن المناظر إما أن يكون عالماً بالحق، وإما أن يكون طالباً له، وإما أن لا يكون عالماً به ولا طالباً له، وهذا الثالث هو المذموم، وأما الأولان فمن كان عالماً بالحق فمناظرته التي تحمد أن يبين لغيره الحجة التي تهديه إن كان مسترشداً طالباً للحق أو تقطعه أو تكسره إن كان معانداً غير طالب للحق، ولا متبع له، أو توقفه وتبعثه علي النظر في أدلة الحق إن كان يظن أنه على الحق وقصده الحق. (ص1275، 1276).
183. لمناظرة المبطل فائدتان:
إحداهما: أن يرد على باطله ويرجع إلى الحق.
الثانية: أن ينكف شره وعداوته ويتبين ويتبين للناس أن الذي معه الباطل. (ص 1276).
184. الجهمي يقول: قال لي عقلي، وملاحدة المتصوفة يقول قائلهم: قال لي قلبي، وزنادقة الباطنية يقولون: لكل شئ تأويل وباطن يعلمه أهل الباطن وينكره أهل الظاهر، وخونة الولاة يقولون: لا تستقيم أمور الرعية إلا بهذه السياسة ولو وكلناهم إلى الشريعة لفسدت أمورهم. (ص1342).
185. والناس إلا القليل منهم عبيد رغبة أو رهبة. (ص1389).
والرغبة والرهبة من وسائل أهل الباطل لنشر باطلهم. (ص1389-1391).
(انظر حول الدعاية السيئة ضد أهل الحق ص1393، 1434).
186. إذا كانت الأصول فاسدة كانت الفروع أفسد. (ص1423-1429).
187. كل من وضع رأياً، أو نصب مذهباً، لابد له من أصل يقرر به رأيه، وأصل يبطل به قول مخالفه. (ص1432).
188. كل ما ينزه الرب تعالى عنه، إن لم يكن متضمناً لإثبات كماله ومستلزماً لأمر ثبوتي يوصف به لم يكن في تنزيهه عنه مدح ولا حمد. (ص1443، 1452).
189. متى علمنا أن أحدنا إذا كانت إرادته جازمة وقدرته تامة وجب وجود الفعل منه مقترناً بإرادته وقدرته، ولا يتأخر الفعل إلا لعدم كمال القدرة أو لعدم كمال الإرادة. (ص1470).
190. إن أعقل الخلق على الإطلاق الرسل، وأتباعهم بعدهم أعقل الأمم. (ص1514).
191. رد أهل البدع ما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول على أصلين هما:
المنع والمعارضة. منع دلالة ما جاء به على تلك المسألة، ومعارضة الدلالة بما يمنع اتباعها. (ص1522).
192. درجات معارضة النصوص ثلاثة:
1- أن يعارض المنقول بمثله، ويسقط دلالتهما، أو يرجح دلالة المعارض. (ص1531).
2- معارضة النص بالرأي. (ص1534).
3- المعارضة بالتقليد واتباع الآباء والمشايخ والمعظين في النفوس. (ص1535).
193. يستدل بوجود الملزوم على وجود لازمه، وبانتفاء اللازم على انتفاء ملزومه.
فمع التصديق الجازم يمتنع وقوع المعارضة والممانعة. (ص1535).
194. إن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله على التسليم وعدم الأسئلة عن تفصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع. (ص1560).
وإن قدم الإسلام لا تثبت إلا على درجة التسليم. (ص1561).
وذلك يوجب تعظيم الرب تعالى وأمره ونهيه، فلا يتم الإيمان إلا بتعظيمه، ولا يتم تعظيمه إلا بتعظيم أمره ونهيه. (ص1561).
195. أول مراتب تعظيم الأمر التصديق به، ثم العزم الجازم على امتثاله، ثم المسارعة إليه والمبادرة به رغم القواطع والموانع، ثم بذل الجهد والنصح في الإتيان به على أكمل الوجوه، ثم فعله لكونه مأموراً به. (ص1561).
196. إن المعترضين على الرب سبحانه قسمان: قسم اعترضوا عليه في أمره ونهيه، وقسم اعترضوا عليه في قضائه وقدره، وربما اجتمع النوعان في حق المعترض، وقد ينفرد أحدهما، وإبليس ممن جمع النوعين. (ص1562).
197. إن الأمر والقدر تفصيل للحكمة ومظهرها، فإنها خفية فلابد لظهورها من شرع يأمر به وقدر يقضيه ويكونه، فتظهر حكمته سبحانه في هذا وهذا. (ص1563).
198. إن الرب سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى، وأسماؤه متضمنة لصفات كماله، وأفعاله ناشئة عن صفاته، فإنه سبحانه لم يستفد كمالاً بأفعاله، بل له الكمال التام المطلق، وفعاله عن كماله. وأسماؤه الحسنى تقتضي آثارها، وتستلزمها استلزام المقتضي الموجب لموجبه ومقتضاه، فلابد من ظهور آثارها في الوجود.
"أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ " [الأعراف: 54] فخلقه وأمره صدرا عن حكمته وعلمه، وحكمته وعلمه اقتضيا ظهور خلقه وأمره. (ص1563، 1564).
199. إن الله سبحانه وتعالى فطر عباده حتى الحيوان البهيم على استحسان وضع الشئ في موضعه، والإتيان به في وقته، وحصوله على الوجه المطلوب منه، وعلى استقباح ضد تلك وخلافه، وأن الأول دال على كمال فاعله وعلمه وقدرته وخبرته، وضده دال على نقصه وعلى نقص علمه وقدرته وخبرته. (ص1565).
No comments:
Post a Comment