Monday, May 31, 2010

المقالات الدمشقية في الدفاع عن ابن تيمية وكشف الضلالات الحبشية

 

بسم الله

 

الكتاب :المقالات الدمشقية في الدفاع عن ابن تيمية وكشف الضلالات الحبشية

تأليف:عبد الرحمن محمد سعيد دمشقية

نشر
موقع الفرقان

 

المقالات الدمشقية في الدفاع عن ابن تيمية وكشف الضلالات الحبشية 1-24

المقالات الدمشقية في الدفاع عن ابن تيمية وكشف الضلالات الحبشية 25-52

المقالات الدمشقية في الدفاع عن ابن تيمية وكشف الضلالات الحبشية 53-73

المقالات الدمشقية في الدفاع عن ابن تيمية وكشف الضلالات الحبشية 74-99

المقالات الدمشقية في الدفاع عن ابن تيمية وكشف الضلالات الحبشية 100-127

المقالات الدمشقية في الدفاع عن ابن تيمية وكشف الضلالات الحبشية 128-163 

---

المقالات الدمشقية في الدفاع عن ابن تيمية وكشف الضلالات الحبشية 128-163

وهؤلاء ما أرادوا بروايتهم هذا الحديث العمل به، وإنما أرادوا التشغيب وضرب حديث مسلم به، وإلا فلا نعهدهم يعتبرون الثلاثة واحداً لمن طلق ثلاثة ونوى واحدة. ثم إن الطلاق هزله جد، ومن تلفظ بالثلاثة ونوى بها واحدة وجب على من يعتبرها ثلاثة أن يلزمه بالثلاثة عقوبة له. كما أن من تلفظ بالطلاق ونوى عدمه لا يقبلون منه النية وإنما يلزمونه بما تلفظ به.
قال ابن عباس رضي الله عنه "كان الطلاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر: طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم في أناة، فلو أمضيناه عليهم. فأمضاه عليهم" وفي رواية لمسلم أن أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم أنما كانت الثلاث تُجعَلُ واحدة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وثلاثاً من إمارة عمر؟ فقال ابن عباس: نعم (قد كان ذلك)" (1) .
فانظر كيف قدموا هنا فعل عمر الموقوف على المرفوع، بينما قدموا المرفوع على موقوف أبي هريرة لما قال للمتطيبة "آلمسجد تريدين يا أمة الجبار". فتارة يقدمون فعل الصحابي على فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتارة يعكسونها!
قال ابن تيمية بعد ذكر هذين الحديثين "ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف هذه السنة بل ما يخالفها إما أنه ضعيف، بل مرجوح. وإما أنه صحيح لا يدل على خلاف ذلك" وقال "ولا نعرف أحداً طلق على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة فألزمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالثلاث ولا روي في ذلك حديث صحيح ولا حسن، ولا نقل أهل الكتب المعتمد عليها في ذلك شيئاً. بل رويت في ذلك أحاديث كلها ضعيفة باتفاق علماء الحديث؛ بل موضوعة" (2) .

الإجماع منعقد على أن الثلاث واحدة
__________
(1) رواه مسلم رقم (1472) .
(2) مجموع الفتاوى 33/71 وانظر ص 12 و13 .
(1/128)

وبهذا يبطل قول من زعم أن ابن تيمية خالف بهذه الفتوى الإجماع من الخلف والسلف. فإن الإجماع قد انعقد في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلافة أبي بكر وسنتين من خلافة عمر على أن طلاق الثلاث واحدة كما نص عليه ابن عباس رضي الله عنهما.
فما يفيد ذلك؟ أليس يفيد إجماعاً؟
أما الموقف الآخر الذي اتخذه عمر فإنه اتخذه مع علمه بأن طلاق الثلاث واحدة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بل وعمله به لسنتين، وإنما اتخذه لمصلحة طارئة رآها، ومع ذلك فل ينعقد بين الصحابة على ذلك. وما أكثر المسائل التي يظن الناس أنها مجمعٌ عليها بينما ليست كذلك.
وقد استنكر العلامة الآلوسي بشدة ادّعاء عبد الغني النابلسي أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن المطلقة بالثلاث في المجلس الواحد "كيف حكمه عندك يا رسول الله؟ فقال: "تقع ثلاثاً" (1) ! مع أن الثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - من الأحاديث عكس ذلك. وهذا جرياً على عادة الصوفية في حسم المسائل المتازع عليها بكشوفات ومنامات يُحلّون بها في عالم المنام ما ثبت تحريمه في عالم اليقظة.

موقف الحبشي من هذا الحديث
وقد نقض الحبشي هذا الحديث (2) وأقترح لإبطال العمل به: عدة مقترحات:
1ـ أن يقال بأنه لا يجوز العمل بظاهره. ولست أدري ما يمنعه بعد هذا أن يقول "لا يجوز العمل به"!
__________
(1) جلاء العينين في محاكمة الأحمدَيْن 236 .
(2) المقالات السنية في كشف ضلالات ابن تيمية 55 – 56 .
(1/129)

2ـ أنه يمكن معارضة الحديث بإجماع الصحابة على العمل بخلافه بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وكأن الإجماع يُقدَّم على قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله. وإن كان كذلك فلماذا تمسكتم بحديث الأعمى وتجاهلتم إجماع الصحابة على ترك التوسل بالرسول - صلى الله عليه وسلم - والتوسل مكانه بالعباس. فقد توسل عمر بالعباس على مرأى الصحابة جميعاً ولم ينكر أحد منهم عليه، فلماذا لا تتركون التوسل بالموتى وتحمون بنسخ الإجماع لحديث الأعمى؟!.
وكيف وأن هذا الإجماع المزعوم في مسألة الطلاق لم ينعقد. فقد عمل جماعة من الصحابة كابن عباس والزبير بن العوّام وعبد الرحمن بن عوف بمقتضى الفتوى النبوية كما حكاه ابن وضّاح وأفتى به علي بن أبي طالب وابن مسعود، ومن التابعين ابن المسيب وجماعة من التابعين والفقهاء كما ذكر الألوسي في تفسير روح المعاني. وهو معتمد المحاكم الشرعية في أكثر البلاد الإسلامية. أولم يكفهم أنه كان معتمداً عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلافة أبي بكر؟!
3ـ أن يقال إن الحديث ضعيف بالشذوذ. وهذا تلبيس فإن الشذوذ في رواية (عارم) كما عند أبي داود والنسائي والدارقطني، أما رواية مسلم والبيهقي فليست شاذة. ولذا لم تتضمن زيادة (قبل أن يدخل بها).
4ـ أن يقال إن الحديث مؤوّل بأن معنى (كان الطلاق طلاق الثلاث واحداً) أن البتة كانت تستعمل للطلاق الواحد للتأكيد ثم صار الناس يستعملونها في خلافة عمر بصد الثلاث فأجرى عليهم عمر الحكم على موجب قصدهم.
وهذا التأويل مردود. ثم إن هذه التأويلات المعتادة ليست بأعظم من تأويلاتهم لصفات الله وقولهم على الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. ويبطل التأويلَ قولُ عمر (قد استعجلوا) وقد رأى وقف العمل لمصلحة راجحة عنده وهو تعزير الناس وتأديبهم، وذلك مثل تعطيله حد السرقة عند الرمادة وإقرار الصحابة له على ذلك.
(1/130)

قال الألباني "وهل يجوز مع هذا كله أن يُترّك الحُكمُ المُحكَم الذي أجمع عليه المسلمون في خلافة أبي بكر وأول خلافة عمر من أجل رأي بدا لعمر واجتهد فيه: فيؤخَذُ باجتهاده ويُترَك حكمُه الذي حكَمَ هو به أول خلافته تَبَعاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر؟!
اللهم إن هذا لمن عجائب ما وقع في الفقه الإسلامي، فرجوعاً إلى السنّة المُحكَمة أيها العلماء، لا سيما وقد كثرَتْ حوادث الطلاق في هذا الزمان كثرة مدهشة تُنذِر بِشرٍّ مستطير تُصابُ به مئات العائلات" (1) .
المفاسد المترتبة على توسيع الطلاق
وقد أوضح ابن تيمية المفاسد التي ترتبت على توسيع باب الطلاق، فقال:
"ومن تدبر نصوص الكتاب والسنة وجدها مفسرة لأمر النكاح، لا يشترط فيها ما تشترطه طائفة من الفقهاء".
كما اشترط بعضهم: ألا يكون إلا بلفظ الإنكاح والتزويج.
واشترط بعضهم: أن يكون بالعربية.
واشترط هؤلاء وآخرون: ألا يكون إلا بحضرة شاهدين، ومع هذا فقد صححوا النكاح مع نفي المهر. ثم صاروا طائفتين: طائفة تصحح نكاح الشغار، لأنه لا مفسد له إلا نفي المهر، وذلك ليس بمفسد عندهم. وطائفة: تبطله، وتعلل ذلك بعللٍ فاسدة.
ثم صححوا "نكاح المحلل" (2) .
"فكان قول أهل الحديث وأهل المدينة الذين لم يشترطوا لفظاً معيناً في النكاح، ولا إشهاد شاهدين مع إعلانه وإظهاره، وأبطلوا نكاح الشغار، وكل نكاح فيه نفى فيه المهر، وأبطلوا نكاح المحلل ... أشبه بالكتاب والسنة وآثار الصحابة".
__________
(1) سلسلة الأحاديث الضعيفة 3/272 .
(2) وهذا التحليل الذي وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - فاعله بالتيس المستعار صار وصمة عار في جبين الشريعة الإسلامية وموضع تهكم أعداء الدين.
(1/131)

"ثم إن كثيراً من أهل الرأي الحجازي والعراقي وسّعوا "باب الطلاق" فأوقعوا طلاق السكران، والطلاق المحلوف به، وأوقع هؤلاء طلاق المكره، وهؤلاء طلاق المشكوك فيه فيما حلف به، وجعلوا الفُرقة البائنة طلاقاً محسوباً من الثلاث إلى أمور أخرى، ووسّعوا بها الطلاق الذي يحرّم الحلال، وضيّقوا النكاح الحلال. ثم لما وسّعوا الطلاق صار هؤلاء يوسّعون في عود المرأة إلى زوجها، وهؤلاء لا سبيل عندهم إلى ردها. فكان هؤلاء في آصارٍ وأغلال. وهؤلاء في خداع واحتيال".
"ومن تأمل الكتاب والسنة وآثار الصحابة تبين له أن الله أغنى عن هذا، وأن الله بعث محمداً بالحنيفية السمحة التي أمر فيها بالمعروف ونهى عن المنكر، وأحلّ الطيبات وحرّم الخبائث" (1) .
وقال أيضاً: ولكن بعض علمائنا لما ظنوا أن من الإيمان ما لا مخرج لصاحبه منه، بل يلزمه ما التزمه. فظنوا أن شرعنا في هذا الموضع كشرع بني إسرائيل: احتاجوا إلى الاحتيال في الأيْمَان: إما في لفظ اليمين، وإما بخلع اليمين، وإما بدور الطلاق، وإما بجعل النكاح فاسداً فلا يقع فيه الطلاق.
وإن غُلِبوا عن هذا كله دخلوا في "التحليل" وذلك لعدم العلم بما بعث الله به محمداً - صلى الله عليه وسلم - في هذا الموضع من الحنيفية السمحة، وما وضع الله به الآصار والأغلال. كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ 156 الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف157]..
__________
(1) مجموع الفتاوى 32: 133 – 134 .
(1/132)

وصار ما شرعه النبي لأمته هو الحق في نفس الأمر. وما أحدث غيرُه غايته: أن يكون بمنزلة شرع من قبله من شرعه، وإن كان الذين قالوه باجتهادهم لهم سعىٌ مشكور وعمل مبرور. وهم مأجورون على ذلك مثابون عليه.

ولهذا أذاعوا ما دلّ عليه الكتاب والسنة على تلك الطريقة التي تتضمن من لزوم ما يبغضه الله ورسوله: من القطيعة والفرقة وتشتيت الشمل، وتخريب الديار، وما يحبه الشيطان والسحرة من التفريق بين الزوجين، وما يظهر فيها من الفساد لكل عاقل.
ثم إما أن يلتزموا هذا الشر العظيم، ويدخلوا في الآصال والأغلال. وإما أن يدخلوا في منكرات أهل الاحتيال. فالطرق ثلاثة:
? إما الطريقة الشرعية المحضة الموافقة للكتاب والسنة، وهي طريقة أفاضل السابقين الأولين، وتابعيهم بإحسان.
? وإما طريقة "الآصار والأغلال".
? وإما طريقة "المكر والاحتيال".
ـ ومن صور التحايل (التجحيش) ويتم بقصد إرجاع المرأة التي طلقها زوجها إليه عن طريق زواج صوري شكلي يرضى أحد الوسطاء لنفسه أن يكون تيساً مستعاراً ويفتي بعض مشايخ السوء بجواز استعارته منهم الباجوري في حاشيته (1) . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال "هو المحلِّلُ والمُحَلَّل له" (2) وهو رجوع إلى متعة الشيعة.
وكان الأولى بالحبشي وأتباعه أن يوسعوا على الخلق وأن لا يحرموا على الناس ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مما اضطرهم إلى التجحيش الذي لا علاقة شرعية فيه بين المطلقة من الأول وبين التيس المستعار فإن الحيلة لا تجعل المحرم مباحاً ولا تقبل الحلال حراماً.
__________
(1) حاشية الباجوري على ابن قاسم 1/154 .
(2) ابن ماجة (1936) والبيهقي 7/208 والحاكم 2/199 وصححه ووافقه الذهبي والحديث حسن بشواهده.
(1/133)

وإنما هي علاقة زنا ورجوع إلى الزوج الأول غير مشروع وإنما هو زنا لأنها بانت منه، ولم تنكح زوجاً غيره في الحقيقة كما قال تعالى {فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وإنما زنت بتيسٍ غيره.

حول تطبيق الشريعة
إن هذا التحليل الذي وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - فاعله بالتيس المستعار صار وصمة عار في جبين الشريعة الإسلامية وموضع تهكم أعداء الدين.
ولهذا نسأل ماذا لو أتيح لنا تطبيق الشريعة الإسلامية التي يطالبون بها وعندنا كمّ هائل من الحِيَل الشرعية والتلفيق بين المذاهب والتقليد الأعمى.
يبدو أننا نحن المطالبون بتطبيق قواعد أحكام الشريعة مُطالَبون بالمرونة وانفتاح العقل وعدم التعصب وشطب الحيل الشرعية من كتب الفقه، وإلا فإن حرماننا من تطبيق الشريعة خير لنا من التطبيق المشوه للشريعة أمام الآخرين، والذي لا يتطابق مع الإرادة الإلهية. بل ربما كان حرماننا منه عقوبة من الله على فساد فكرنا وروغاننا.
إن هذا التحليل الشبيه بالمتعة كان السبب في دخول إيران في التشيع. حيث طلق الملك المغولي خدا بنده زوجته ثلاثاً وهو غاضب، فأفتوه بأن يبحث له عن تيس مستعار، فاستنكف الملك عن ذلك، فدله بعض الشيعة على ابن مطهر الحلي فأفتاه بأن الطلاق الذي أوقعه باطل، فتشيع الملك. ولو أنه اهتدى إلى ابن تيمية لوجد لمسألته عنده حلاً نبوياً سنياً غير شيعي، ولوفر على ملايين البشر أن يدخلوا في المذهب الشيعي بعد أن خرّجت فارس قبل تشيعها آلاف العلماء الجهابذة:
قال الشاعر:

ألا قل في الطلاق لموقعيه ... بما في الشرع ليس له وجوب
غلوتم في ديانتكم غلوّاً ... يضيق به الشرع الرحيب
أراد الله تيسيراً وأنتم ... من التعسير عندكم ضروب
وقد حلّت بأمتكم كروب ... لكم فيهن – لا لهم – الذنوب

هل يقع طلاق اليمين؟
(1/134)

ويلتحق بموضوع طلاق الثلاث فتوى لشيخ الإسلام بأن الحلف باطلاق يمين فيه كفارة اليمين، وهي أيضاً محل خلاف بين أهل العلم. فإن من أهل العلم من لا يوقع الطلاق بالحلف بالطلاق كطاووس وسفيان ابن عيينة شيخ الشافعي وداود وابن حزم.
وقال الشعراني في ميزانه "قال أبو حنيفة" لو قال لزوجته أنت عليّ حرام؛ فإن نوى الطلاق بذلك كان طلاقاً، وإن نوى التحريم ولم ينوِ الطلاق أو لم يكن له نية: فهو يمين" (1) .
وحجتهم أن الحالف بالطلاق إذا كان لا يقص به الطلاق وإنما قصد تعليقه بالحث أو المنع فإنه لا يقع، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" وأن مثل هذا يسمى يميناً في اللغة وفي عُرف الفقهاء، ولذا دخل في أيْمان البيعة وفي عموم اليمين وفي عموم حديث "يمينك على ما يصدقك به صاحبك" وفي عموم حديث "إياكم والحلف في البيع".
وإذا كان يميناً: دخل في عموم قوله تعالى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} وقوله {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} فتجب فيها الكفّارة.
وكذلك قياس الطلاق المعلق لقصد الحث أو المنع بدليل قصة ليلى بنت العجماء التي حلفت أيْماناً مغلظة لَتطلِّقنَّ أبا رافع من زوجته، فأتى الرجلُ ابن عمر وحفصة وغيرهما وسألهم عن ذلك، وكلهم أفتوها بأن تكفّر عن يمينها وتخلي بين الرجل وبين امرأته.
ـ فكيف يتلقف الحبشي (2) قول من زعم أنه لم يقل أحد قبل ابن تيمية بكفارة اليمين؟ أليس أبو حنيفة إماماً معتبراً عنده أم أنه يظن أن أحداً لن يفضح تمويهه على عامة الناس؟!

طلاق الحائض هل يقع؟
__________
(1) النووي على مسلم (1474) الفقه على المذاهب الأربعة 4/338 .
(2) المقالات السنية 74 – 75 .
(1/135)

وأما قوله أن طلاق الحائض لا يقع وكذلك الطلاق في طهر جامعَ فيه فقد طلق ابن عمر زوجته وهي حائض، فسأل عمرُ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال له "مُرْهُ فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعدُ وإن شاء طلّق قبل أن يمس" (1) .
ـ وقد بنى من قال بعدم اعتبار هذا الطلاق أنه بدعة وأن كل بدعة مردودة على صاحبها، ولذلك صح في الرواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرها شيئاً. وفي الروايات اضطراب كثير وبسببه حدث الإشكال مع أن الألباني وبعد متابعة طويلة لمجموع تلك الروايات انتهى إلى ترجيح اعتداد النبي - صلى الله عليه وسلم - بطلقة واحدة لابن عمر (2) .
وهذه طريقة أهل السنة في الميل دائماً مع القول الصحيح المبني على الأدلة الصحيحة. لأن الانتصار دائماً ولله الحمد لكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - . فابن تيمية حبيبنا وابن القيم حبيبنا لكن الحق أحب إلينا منهما. فقد تلقينا عنهما العلم بمنهج أهل السنة: ومما علّمانا إياه: أننا ندور مع الكتاب والسنة حيثما دارا، ولا نديرهما حيث دار بنا علم الكلام وقوانين أرسطو.
ـ وقوله أن الحائض يجوز لها الطواف بالبيت ولا كفارة عليها، فإن هذا قول أبي حنيفة لو كانوا يعلمون. كما قال المرشدي الحنفي في فتاويه: وعند أبي حنيفة رحمه الله أن الطواف لا يُشترط فيه طهارة. وقال الشعراني في الميزان "ـ وقال أبو حنيفة: إن الطواف لا يشترط فيه طهارة، فتطوف وتدخل مع الحاج وقد أفتى البازري والشيخ أحمد الطيبي الشافعي بذلك في منظومته.
__________
(1) متفق عليه .
(2) إرواء الغليل 7/124 – 138 .
(1/136)

وأما الرواية الأخرى عن ابن عباس فقد قال شمس الحق العظيم أبادي "ففتوى ابن عباس هذه تناقض فتواه الأولى. فلم يبق إلا الاعتماد على روايته" (1) . قال الحافظ "وأجيب بأن الاعتبار برواية الراوي لا برأيه لما يطرق رأيه من احتمال النسيان" (2) .

هل يغار الحبشي على الدين؟!
(( ما حكم هؤلاء عندكم أيها المقلدون ))
تبدأ منشورات الأحباش ضد ابن تيمية بما يلي "فإنه عملاً بمبدأ النصيحة فإننا نتوجه إلى المسلمين ببيان المفسدين في الدين ... وعملاً بقوله تعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}" وإذا كان الأمر كذلك فنسأل: لماذا لم يلتزموا هذا المبدأ في حق من حذر العلماء منه ومن كتبه كأبي حامد الغزالي الذي طعن فيه تلميذه أبو بكر ابن العربي وابن المنير وابن الصلاح وغيرهم؟!
لماذا يوجه الحبشي سهام القدح إلى ابن تيمية دون غيره؟ ألغيرة منه على الدين؟ إن كانت الغيرة على الدين هي الدافع فلماذا يسكت عن مخالفات الآخرين لصريح الدين مثلما نراه في إحياء علوم الدين وغيره من كتب أهل الشطح؟ أم أن الخطة تقتضي تشويه الرموز السنية التي تهتدي بهديها الصحوة الإسلامية كابن تيمية وابن القيم؟! إنه التحيز والجور الذي يقول فيه الشاعر:
فرصاصُ مَن أحبَبتَه ذهبٌ كما ذهبُ الذي لم ترضَ عنه رصاصُ
ما حكم هؤلاء عند الغيارى على الشريعة؟!
فقد ذهب الجلال الدواني إلى القول بإيمان فرعون. مستنّاً في ذلك بسنة سلفه ابن عربي (3) .
__________
(1) عون المعبود 6/270 .
(2) فتح الباري 9/362 .
(3) وسبب ذلك اعتقادهم أنه لا فاعل على الحقيقة إلا الله حسب الكسب الأشعري، ولأن فرعون صرح عند الصوفية بوحدة الوجود التي يسمونها (وحدة الشهود) و(الفناء عن السوي) فإن قول الصوفي أنا الله انا الكبعة ما في الجبة إلا الله شبيه بقول فرعون أنا ربكم الأعلى وما علمت لكم من إله غيري.
(1/137)

وكان الهيتمي يقول بأزلية نور النبي - صلى الله عليه وسلم - وحكى عنه الحبشي هذا الاعتقاد (1) غير أنه لم يزد على أن قال "وهذا التأويل مخالف للحديث الصحيح". ولم يلزمه بالقول بقدم شيء مع الله.
مع أن الأحباش صرحوا بأنه "من الكفر قول من يقول: إن محمداً خُلق من نور لأن ذلك تكذيب للقرآن لأن الله قال {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} (2) . فهل يحكم الأحباش بكفر الهيتمي؟
وكان أبو بكر ابن فورك يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسولاً في حياته فقط، وأن روحه قد بطل وتلاشى وليس هو في الجنة عند الله تعالى مما دفع محمود ابن سبكتكين إلى قتله بالسم (3) . ذكره أبو الوليد الباجي وابن حزم (4) .
ونقل ابن حزم عن الأشعرية أنهم قالوا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس هو اليوم رسول الله ولكنه كان رسول الله" وأوضح أن هذا القول منهم هو كفر صريح وتقليد لقول أبي الهذيل العلاف وقال في كتابه الدرة "وما قال بهذا القول أحد ممن ينتمي إلى الإسلام إلا أبو الهذيل العلاف المعتزلي وهي إحدى شُنَعِهِ المُخرِجة له عن الإسلام ثم اتبعه على ذلك الطائفة المنتمية إلى الأشعري" (5) .
__________
(1) الدليل القويم 179 صريح البيان 54 ط: مجلدة 132 .
(2) منار الهدى 34/25 و34/25 .
(3) النجوم الزاهرة 4/240 وفيات الأعيان 1/482 سير أعلام النبلاء 6/83 الفصل في المِلَل والنِحَل لابن حزم 1/88 طبقات السبكي 4/132 محققة. وقد دعا ابن حزم للسلطان بخير لقتله ابن فورك.
(4) سير أعلام النبلاء وأقره 17/216 .
(5) الفصل في المِلَل والنِحَل لابن حزم 1/88 و76 والدرة فيما يجب .
(1/138)

وسبب هذه المقولة من ابن فورك الأصل الفاسد عند المذهب الأشعري أن العرض لا يبقى زمانين، وأن النبوة والرسالة صفة للحي وصفات الحي أعراض، وهذه الأعراض تبقى مشروطة بالحياة قائمة بها تزول بزوالها، فكيف يكون رسولاً نبياً بعد موته؟ فالتزموا بعد انتفاء حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - انتفاء رسالته وزوالها، ثم رقعا بدعتهم هذه ببدعة أخرى وهي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حي في قبره حياة "دنيوية" وبهذا لا زالت رسالته. قال ابن حزم "وإنما وقع فيه – أي هذا القول – من ضل لقول فاسد وهو أن الروح عرض لا يبقى وقتين" (1) .
وهاهو الخميني يقول في كتابه (2) بأن للأئمة "مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل". وقد نقل ابن حجر الهيتمي تكفير علماء الأمة لمن يقول "الأئمة أفضل من الأنبياء" (3) .

السكوت عن انحرافات القشيري
وهذا هو القشيري (عبد الكريم بن هوازن) صاحب الرسالة القشيرية (4) يروي مقولة خبيثة عن الدقاق وفيها: أن الله يكنس المزابل بأرواح الصوفية" (5) فهل يكنس الله المزابل يا أشاعرة!!
وهو من أهل الغلو فقد أفرط في الثناء على الجويني حتى قال "لو ادعى إمام الحرمين اليوم النبوة لاستغنى بكلامه عن إظهار المعجزة" (6) . ولا تنس أخي أن المذهب الأشعري يشترط على النبي المعجزة وحدها كشرط لصحة نبوته. لكن الجويني غني – من بين الأنبياء – عن هذا الشرط!
ويروي القشيري أن حقيقة مقام الرضا بالله: أن لا تسأل الله الجنة ولا تستعيذ به من النار (7) .
__________
(1) الدرة فيما يجب اعتقاده 204 .
(2) الحكومة الإسلامية 52 .
(3) الأعلام بقواطع الإسلام 75 .
(4) وقد نقد ابن الجوزي رسالة القشيري ووصفها بأنها تخليط ليس بشيء (تلبيس إبليس ص165).
(5) الرسالة القشيرية 128 .
(6) طبقات السبكي 5/174 محققة .
(7) الرسالة القشيرية 90 .
(1/139)

ـ وينقل عن الشبلي أنه سئل: ألا تعلم أن الله رحمن؟ قال: بلى ولكن منذ عرفتُ أنه رحمن ما سألتُه أن يرحمني (1) وعن أبي يعقوب السوسي أن حقيقة المحبة أن ينسى العبد حظه من الله وينسى حوائجه إليه (2) . وعرّف الصوفي بأنه: الذي لا يكون له إلى الله حاجة" (3) .
ونقل عن ممشاد الدينوري قوله "منذ ثلاثين سنة تُعرَض عليّ الجنةُ فما أعرتُها طرفي (4) . وعن أبي حفص قوله "منذ عرفت الله تعالى ما دخل قلبي حق ولا باطل (5) .
وسئل الجنيد عن المحبة (6) فقال "دخول صفات المحبوب على البدل من صفات المُحِبّ" (7) .
وذكر القشيري أن حقيقة المحبة توجب انتفاء المباينة فإن المحب أبداً مع محبوبه (8) وذكر قصة خبيثة استدل بها الغزالي على تفضيل التواشيح والأغاني الصوفية على تلاوة القرآن (9) وعن الحلاج "من عرف حقيقة التوحيد سقط عنه لِمَ وكيف (10) . قلت: ومن مثل هذا النص أخذ الصوفية القول بسقوط التكاليف عن الأولياء.
فهاهو القشيري يحتج بحِكَم الحلاج وهو من أعظم زنادقة هذه الأمة الذي يدعي أنه لم يعرف الله حقيقة إلا اثنان: إبليس وفرعون.
__________
(1) الرسالة القشيرية 100 .
(2) الرسالة القشيرية 145 .
(3) الرسالة القشيرية 125 .
(4) الرسالة القشيرية 139 .
(5) الرسالة القشيرية 141 .
(6) قال ابن الجوزي وكم من مرة أُخِذ الجنيد مع علمه وشهدوا عليه بالكفر والزندقة هو وطائفة كأبي سعيد الخراز وأحمد بن عطاء ... وكان الجنيد يتستر بالفقه على مذهب أبي ثور (تلبيس إبليس 170 و 173).
(7) الرسالة القشيرية 145 .
(8) الرسالة القشيرية 148 .
(9) الرسالة القشيرية 156 .
(10) الرسالة القشيرية 6 .
(1/140)

والقشيري أحد الصوفية الذين يحتج الحبشي بكلامه ويعظمه، فلماذا لا يحذّر من انحرافاته؟ ألأنه أشعري مثله مبالغ في التعصب للأشاعرة حتى تسبب في فتنة عظيمة كما حكاه الذهبي في السير (19/425) وتسبب تعصبه في فتنة عظيمة أدت إلى إخراجه من بلده إلى بغداد (1) .
السكوت عن انحرافات الهيتمي
وهاهو ابن حجر المكي يزعم في شرح الأربعين النووية أن أولية النور المحمدي أولية مطلقة، وأن أولية ما سواه من الماء والعقل والقلم: أولية نسبية، اعترف الحبشي بذلك، واعتذر عنه بتأويلات متعسفة قائلاً "وأما حديث كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث". ولو صح فكان معناه أن روحه - صلى الله عليه وسلم - أول أرواح البشر (2) .
ومعلوم أن ابن حجر المكي قد استقى هذه اللوثة العقائدية من الصوفية الذين يسمونها (الحقيقة المحمدية). ولذلك نجد هذه اللوثة عند الصيادي في كتاب قلادة الجواهر، ذاك الكتاب الذي كان مرجعاً مهماً عند الحبشي لدى كتابة رسالته (المقالات السنية) (3) .

السكوت عن انحرافات الصيادي
وقد ورد في كتابه (قلادة الجواهر80) كفر خطير فزعم أن إبراهيم الأعزب (خال أحمد الرفاعي) قال "ناداني العزيز سبحانه وقال لي: إني أريد أن أخسف الأرض وأرمي السماء على الأرض. فقلت له: إلهي: من يعارضك في ملكك وإرادتك؟ فقال الله: سيدي إبراهيم. فأخذت إبراهيم الرعدةُ ووقع على الأرض".
وزعم أن الرفاعي قال بأن الولي لا يعمل عملاً إلا عن إذن سماوي وأن كل شيخ لا يكتب الشقي سعيداً فليس برجل (قلادة 190-191).
وصرح الصيادي بأزلية نور النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال في قلادته:
__________
(1) سير الأعلام 18/231 و19/425 البداية والنهاية 12/107 طبقات السبكي 5/153 وطبقات الحنابلة 3/19 .
(2) الدليل القويم 179 – 180 .
(3) ص 83 .
(1/141)

"اللهم صلّ على نورك الأسبق الذي أبرزته رحمة شاملة لوجودك: نقطة مركز الباء الدائرة الأولية الذي فتقت به رتق الوجود وخصصته بالمقام المحمود وأقسمت بحياته: فهو سرّك القديم السّاري وماء جوهر الجوهرية الجاري الذي أحييتَ به الموجودات من معدنٍ وحيوان ونبات" (1) .
ويقول بأن الذكر: حفظ القلب من الوسواس ... وإدراك الوحدة بالكثرة (2) .
ويقول "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو العلة الغائية لخلق الخلق ومعرفة الحق" وإن مجرد تسمية الرجل ولده (محمداً) يكفي لدخول الجنة (3) ، وأن الله ينادي يوم القيامة: كل من اسمه محمد فليدخل الجنة وزاد شيخه أحمد الرفاعي على ذلك فقال "كان هو مولوده في الجنة" (4) .
ويزعم أن شيخه الرفاعي يحيي ويميت (5) ويحمي أتباعه إلى يوم القيامة ويُدخلهم الجنة أمامه (6) ويطّلع على المقدور والمكتوب فيغير الشقي سعيداً (7) ويشتري لأتباعه أراضي وقصوراً في الجنة على غرار صكوك الغفران عند النصارى (8) وأن السماوات والأرض صارتا في رجله كالخلخال (9) .
فلماذا تتكتمون أيها المنحرفون عن هذه الشواذ التي هي أقرب إلى النصرانية والبوذية منها إلى الإسلام، كم أضحكت بالأمس صكوك النصارى على كنيستهم. وكم نأسى على ذيوع مثلها بين المسلمين. باسم الكرامة التي أساء هؤلاء فهمها وتفهيمها.
سكوته عن انحرافات السهروردي
__________
(1) قلادة الجواهر 249 .
(2) قلادة الجواهر 232 .
(3) عن كتابه ضوء الشمس 1: 104 .
(4) كتاب حالة أهل الحقيقة مع الله 140 .
(5) قلادة الجواهر 73 و145 وطبقات الأولياء لابن الملقن 99 .
(6) قلادة الجواهر 233 .
(7) قلادة الجواهر 103 و193 وطبقات الأولياء لابن الملقن 98 .
(8) قلادة الجواهر 70 روض الرياحين لليافعي 440 جامع كرامات الأولياء 1/296 والكواكب الدرية 214 لليافعي .
(9) طبقات العراني 1/142 الفجر المنير 19 .
(1/142)

وهاهو السهروردي في عوارف المعارف يحتج بكلام الحلاج (1) ويدعو إلى التخلق بأخلاق الله (2) ويزعم أن الصوفي لا يزال يترقى حتى يطلب رؤية ربه فيقول "لا أعبد رباً لم أره" (3) أي ليكون كمن قالوا {أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً}. ولا يكون الصوفي صوفياً حقاً (فقيراً) حتى لا يكون له إلى الله حاجة (4) وأن من علامات الركون إلى الدنيا: الزواج وكتابة الحديث (حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) وطلب المعاش (5) وأن خير حال المرء أن يبقى عزباً بلا زوجة وأن الزواج انحطاط وانغماس في الدنيا وخروج من الزهد. وأن من تعود أفخاذ النساء لا يفلح" (6) .
ويقول عبد السلام بن مشيش الشاذلي "اللهم انشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة، واستحسنها الزبيدي، واستحسن قول أبي يزيد البسطامي "انسلخت نفسي عن نفسي كما تنسلخ الحية عن جلدها نفظرت فإذا أنا هو" أي فإذا أنا الله (7) .

سكوته عن انحرافات الغزالي
كقوله "ليس في الإمكان أفضل مما كان"
واسألوا الحبشي عن موقفه من قول أبي حامد الغزالي "ليس في الإمكان أفضل مما كان" أي ليس في إمكان الله خلق العالم بأفضل مما هو عليه الآن، هذه الكلمة التي كانت أحد أسباب حملة العلماء عليه كالطرطوشي والمازري وأبي بكر ابن العربي، وابن الجوزي وابن الصلاح. حتى قال الطرطوشي فيه "ولقد كاد ينسلخ من الدين ... فسقط على أم رأسه" (8) . وقال ابن حزم "ومن قال إنه ليس عند الله أصلح مما عمل بنا ... فهو كافر" (9) .
__________
(1) عوارف المعارف 5/48 .
(2) عوارف المعارف ملحق بالإحياء 5/73 .
(3) عوارف 5/75 .
(4) عوارف المعارف 103 والرسالة القشيرية 125 .
(5) عوارف المعارف 5/104 .
(6) عوارف المعارف 5/104 105 .
(7) النفحة العلية في أوراد الشاذلية 16 إتحاف السادة المتقين 6/537 وانظر 3/145 .
(8) انظر طبقات السبكي 6/423 و253 محققة .
(9) الدرة فيما يجب اعتقاده 311 .
(1/143)

وقد كتب الغزالي كتاب "الإملاء عن إشكالات الإحياء" أصرّ فيه على عدم بطلان هذه العبارة التي قالها في كتابه "إحياء علوم الدين" واتهم فيه المعترضين عليها بأنهم محجوبون عن الفهم والعلم (1) . واعترف البيجوري بصحة نسبة هذه العبارة إلى الغزالي وأنه شنع عليه جماعة من العلماء بأن فيه نسبة العجز إلى الله (2) . واستعرض الزبيدي أقوال المشنعين على الغزالي لهذا القول منهم تلميذه أبو بكر ابن العربي، وقال القرطبي "قال شيخنا أبو حامد قولاً عظيماً انتقده عليه أهل العراق وهو شهادة لله موضع انتقاد. ومنهم أبو عبد الله المازري وأبو الوليد الطرطوشي وابن المنير الذي كتب كتاباً بعنوان الضياء المتلالي في تعقب الإحياء للغزالي قال فيه "المسألة المذكورة لا تتمشى إلا على قواعد الفلاسفة والمعتزلة". وابن الصلاح ويوسف الدمشقي. وبدر الدين الزركشي الذي قال في تذكرته "هذه من الكلمات العقم التي لا ينبغي إطلاق مثلها في حق الصانع". ومنهم إبراهيم البقاعي تلميذ الحافظ ابن حجر الذي صنف ثلاث رسائل في الرد على الغزالي أولها: المقصد العالي. والثانية: تهديم الأركان من ليس في الإمكان أبدع مما كان. والثالثة: دلالة البرهان على أن في الإمكان أبدع مما كان. ثم ذكر أقوال المنتصرين لقوله المتعصبي له (3) .
وقد صرح الغزالي بأن أولياء الصوفية لا يريدون الجنة ولا يأبهون لها وإنما يريدون مجالسة الله وإنما الجنة مأوى من لا شغل لهم إلا شهوة البطن والفرج. وهذا القول هو كفر، ونقل ابن حجر الهيتمي قول أهل العلم بتكفير من قال: إن أعطاني الله الجنة لا أريدها" (4) .

علامات تحيز السبكي وتعصبه
__________
(1) الإملاء على هامس الإحياء 5/13 .
(2) تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد 40 .
(3) إتحاف السادة المتقين 9/442 – 460 .
(4) الإعلام بقواطع الإسلام 67 .
(1/144)

وكتب السبكي كتاب "الإيضاح والبيان عن معنى ليس في الإمكان" (1) دافع فيه بعصبية عن هذه العبارة الطاعنة في قدرة الله عز وجل. وذلك على النحو المعهود عنه في عصبيته. يدافع عما ظاهره كفر، ملتمساً له أعجب المعاذير، بينما يلفق لخصومه شتى الاتهامات الكاذبة.
طعن الغزالي في النبوة
اختبار آخر لدعوة الغيرة على الدين
قال الحبشي "من ادعى أن النبوة مكتسبة أو أنه يبلغ بصفاء القلب إلى مرتبتها أو ادعى أنه يوحى إليه وإن لم يدّع النبوة: فهو كافرٌ بالإجماع (2) وقد نقل هذه العبارة عمن سبقه وهو يعلم موقف الغزالي من النبوة لكنه يسكت عليه.
وقد اقتدى الغزالي بالفلاسفة في تقسيم خصائص النبوة إلى ثلاث: قوة التخييل وقوة العقل وقوة النفس. وهذا نفسه هو كلام الفلاسفة الذين يقولون أن النبوة مكتسبة (3) . وبالتحديد ابن سينا. ولهذا اشتد نكير العلماء عليه.
قال الغزالي: إن في الأولياء من يكاد يُشرق نوره حتى يكاد يستغني عن مدد الأنبياء" (4) .
قال "ووراء العقل طورٌ آخر تنفتح فيه عين أخرى يُبصرٌ بها الغيبَ وما سيكون في المستقبل. وقد أبى بعض العقلاء مُدركات النبوة واستبعدها وهذا عين الجهل.. وقد أعطى الله خلقه أنموذجاً من خاصية النبوة.. فالنبوة عبارة عن طورْ يحصل فيه عين لها نور، يحصل لها نورٌ يظهر في نورها الغيب" (5) .
__________
(1) مخطوط بمكتبة شيستربتي بإيرلندا .
(2) الدليل القيوم 148 الإعلام بقواطع الإسلام 74 .
(3) 135 – 137 ط: دار الإفاق الجديدة بيروت .
(4) مشكاة الأنوار (40) مجموعة القصور العوالي .
(5) المنقذ من الضلال 35-45.
(1/145)

بل قد تتمثل للأنبياء والأولياء في اليقظة والصحة صورة جميلة محاكية لجوهر الملائكة وينتهي الوحي والإلهام فيتلقون من أمر الغيب في اليقظة ما يتلقاه غيرهم في النوم" (1) . فالأنبياء والأولياء انكشف لهم الأمر وفاض على صدورهم النور لا بالتعلم والدراسة والكتابة والكتب بل بالزهد في الدنيا" (2) وهذه الرحمة ليست موقوفة على الأنبياء وحدهم وإنما هي ممنوحة لكل من يستعد لتزكية النفس وتطهيرها (3) .
ـ ومن هنا أعلنها الغزالي دعوة عامة إلى الجميع لانتظار سماع الوحي الذي حصل لموسى بقوله "واطو الطريق: فإنك بالواد المقدس طُوى، واستمع بسر قلبك لما يوحى، فلعلك تجد على النار هدى، ولعلك من سُرادقات العرش تُنادى بما نودي به موسى {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} (4) .
قال "وليس يتم ذلك إلا بالخلوة في بيت مظلم وإن لم يكن له مكان مظلم فليلُفّ رأسه في جيبه أو يتدثر بكساء أو إزار، ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق، ويشاهد جلال الحضرة البروبية (5) .
ويروي الغزالي (ضمن حكايات المحبين لله وأقوالهم وأحوالهم) عن أبي تراب النخشبي الصوفي قوله لتلميذه "ويلك! أتغتر بالله! والله لو رأيت أبا يزيد البسطامي مرة واحدة كان أنفع لك أن ترى الله سبعين مرة" ويروي عن البسطامي قوله "قولك: سبحان الله: شرك" (6) علق ابن الجوزي على هذا الكلام بقوله "وهذا فوق الجنون بدرجات" (تلبيس إبليس 354).
ويشبّه الغزالي أفعال المخلوقات بالدّمى التي يظن الناظر إليها أنها تتحرك من تلقاء نفسها (7) وإنما تحركها خيوط عنكبوتية ممتدة من السماء حُجب العوامُّ عن رؤيتها ورآها الخواص من أهل الكشف!.
__________
(1) فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة 130 .
(2) الإحياء 3/18 .
(3) ميزان العمل 22 .
(4) الإحياء 4/251 .
(5) الإحياء 3/76 .
(6) الإحياء 4/356 و358 .
(7) الإحياء 4/97 .
(1/146)

ولهذا تكرر قوله كثيراً بأنه (ليس في الوجود إلا الله وأفعاله) (1) . وذكر الزبيدي أن من المصرحين بأنه ليس في الوجود إلا الله إنما هو ابن عربي في كتابه الفتوحات المكية (2) .
ولقد قال الأحباش "انظروا إلى تفسير سيد قطب لسورة الإخلاص بأن الوجود الحقيقي إنما هو لله فقط" ثم قالوا: أليس هذا قولاً بوحدة الوجود التي اتفق علماء المسلمين على كفر قائلها" غير أنها لتحيزهم لا يتحدثون عن هذه الكلمات التي كان الزبيدي يقرها ويشرحها ويقر بعقيدة وحدة الوجود وأنه ليس في الوجود على الحقيقة إلا الله وأفعاله" (10/219)؟!
سكوته عن انحرافات النابلسي
وهاهو عبد الغني النابلسي أحد أبرز المدافعين عن عقيدة وحدة الوجود وهو رجل تجتمع فيه متناقضات عجيبة. وكتب في عقيدة وحدة الوجود مؤلفات عديدة منها:
ـ إيضاح المقصود من وحدة الوجود.
ـ الظل الممدود في معنى وحدة الوجود.
ـ حلّ رموز الدائرة الكبرى.
ـ اللؤلؤ المكنون في الإخبار عما سيكون (3) وفيه يشرح الوسائل التي يتمكن بها كل واحد معرفة الأمور المستقبلية وأمور الغيب ذكر نمها الاطلاع على حركات الأفلاك. ويتحدث عن مزايا كتاب الجفر الشيعي.
ـ كشف السر الغامض في شرح ديوان ابن الفارض وابن الفارض صحب التائية الشعرية المشهورة التي يغازل فيها رب العالمين ويخاطبه بضمير الأنثى.
سكوته عن انحرافات السرهندي
__________
(1) الإحياء 1/330 و4: 86 و5: 30 جواهر القرآن 11 مشكاة الأنوار 18 .
(2) إتحاف السادة المتقين 9/560 .
(3) ألفه عام 1110 رقم 7504 تصوف بالظاهرية بدمشق .
(1/147)

وهذا السرهندي النقشبندي يثبت لنفسه مقاماً فوق مقام أبي بكر الصديق ويدعي العروج إلى السموات العلا بل فوق العرش متى أراد (1) . بل حكم على نفسه بأنه وصل إلى مقام عظيم فوق مقامات الخلفاء الثلاثة الآخرين وهناك وجد شيخه خواجة بهاء الدين نقشبند. ولما جاءته رسالة فيها اعتراض على كلامه هذا أجاب بأن هذا الكلام صحيح ولا غبار عليه وليس موهماً لتفضيل نفسه على أبي بكر (2) .
وأخذ يبرر أقوال ابن عربي "إن الله ليس بعالم للغيب" وقول الحلاج "أنا الحق، سبحاني ما أعظم شأني هل في الدارين غيري" ويبرر قول أبي يزيد البسطامي "لؤائي أرفع من لواء محمد" والتمس له الأعذار واعتبر ذلك ن الأحوال التي يعذر فيها لغلبة سكره (3) .
بل زعم أن أباه ذكر أن بعض سالكي طريق النقشبندية يجد نفسه في مقامات العروج في مقامات الأنبياء أنه عرج به إلى ما فوق مقاماتهم (4) .
وذكر السرهندي قول الجيلاني "لا مجال لأحد في تبديل القضاء المبرم الآلي، فإني أتصرف فيه أيضاً إن أردت ذلك" (5) . وأخذ يلتمس له التأويلات.
والسرهندي يعتبر روح الإنسان صورة شبيهة عن الله. محتجاً بحديث "إن الله خلق آدم على صورته" حتى نقل عنه الكوثري أن الكمال في التوحيد الوجودي ظهور أن العبد والرب رب" (6) .
فهذا الكفر الصريح تتسع له الصدور وتلتمس له الأعذار، أما ما هو دون ذلك من الكلام فإن الأعذار تلتمس لتكفير قائله !!!

هل تحكمون بكفر الرفاعي
لقوله إن الصوفي يؤتى كلمة (كن) فيكون؟
__________
(1) المكتوبات 176 وانظر 17 و 200 .
(2) مكتوبات الإمام الرباني 17 وانظر حول الاعتراض 163 .
(3) مكتوبات السرهندي 33 و 101 و106 و 114 .
(4) مكتوبات الإمام الرباني 176 .
(5) مكتوبات الإمام الرباني 189 .
(6) المكتوبات 373 و326 وانظر إرغام المريد للكوثري 71 .
(1/148)

ذكر الصيادي أن الشيخ أحمد الرفاعي قال "وإذا صرّف الله تعالى الوليَّ في الكون المطلق: صار أمره بأمر الله تعالى: إذا قال للشيء كن فيكون (1) ، وأنه جاء في بعض الكتب الإلهية أن الله تعالى قال: يا بني آدم أطيعوني أطعكم، وراقبوني أراقبكم، وأجعلكم تقولون للشيء: كن فيكون (2) . وقال علي بن محمد الدينوري "تركت قولي للشيء كن فيكون: تأدّباً مع الله" (3) .
وقد نص القرافي أن هذا القول من الصوفية كفرٌ صريح، فنقل ابن حجر الهيتمي عن القرافي أنه قال "وقد وقع هذا لجماعة من الصوفية يقولون: فلان أعطي كلمة (كن). قال "وهذا كفر". فبماذا تحكمون على الرفاعي والصيادي الذي جعلها من مناقبه وكراماته!
وزعم النبهاني أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لعمر النبتيني "أعط طاقيتي هذه للشيخ عبد الوهاب الشعراني قل له يتصرف في الكون (4) .
سكوته عن انحرافات ابن عربي
وهاهو يسكت عن محيي الدين بن عربي الذي يقول بوحدة الوجود وقدم العالم والذي قَلَب معنى العذاب في النار إلى معنى العذوبة والراحة حتى قال (5) :

وإن دخلوا دار الشقاء فإنهم ... على لذة فيها نعيم مباين
يُسمَّى عذاباً من عذوبة طعمه ... وذاك له كالقشر والقشر صاين

فقال له شيخ الإسلام ابن تيمية "أذاقكم الله هذه العُذوبة".

مواقف الآخرين من ابن عربي
ـ قال الحافظ ابن حجر في ترجمة الحلاج ما نصّه "ولا أرى أحداً يتعصب للحلاج إلا أهل الوحدة المطلقة، ولهذا ترى ابن عربي يعظّمه ويقع في الجنيد" (6) .
__________
(1) قلادة الجواهر 73 و 145 المعارف المحمدية 47. وانظر البرهان المؤيد 94 تحقيق الحبشي نفسه وذكرها النبهاني عن ابن عربي 1/32.
(2) قلادة الجواهر 147 طبقات الشعراني 1/142 .
(3) جامع كرامات الأولياء 2/158 .
(4) جامع كرامات الأولياء 2/135 .
(5) فصوص الحِكَم 94 .
(6) لسان الميزان 2/384 ترجمة الحلاج رقم (647/ 2808).
(1/149)

فماذا يقول الحبشي في قول الحافظ وقد أمرنا أن نقبل على وجه التسليم كل ما ينص عليه الحافظ، وهو أولى بالجرح والتعديل من الشعراني فهل يقبل جرحه لابن عربي؟!
ـ وقال أبو حيّان النحوي بإلحاده لأنه يقول بوحدة الوجود (1) .
ـ وذكر الذهبي بأنه "قدوة العالمين في القول بوحدة الوجود (2) .
ـ وقال شمس الدين ابن الجزري الشافعي بكفره. وأنشد يقول (3) :

دعا ابن العُرَيبيِّ الأنامَ ليقتدوا ... بأعورة الدجال في بعض كتبه
وفرعونَ أسماه لكل محقق ... إماماً ألا تَبّاً له ولِحزبِهِ

ـ وحكم تقي الدين السبكي بفكره. حكاه الشيخ ملا علي قاري (4) .
ـ وحكم القاضي زين الدين الكتاني بكفره (5) .
ـ والشيخ نور الدين البكري بكفره (6) .
ـ والشيخ ابن خلدون في مقدمته (7) .
ـ وقد صنف الشيخ برهان الدين البقاعي كتاب "تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي".
ـ ونص ابن الملقن في طبقاته أن العز بن عبد السلام (أحد معاصريه) كان يحط عليه، وسأله ابن دقيق العيد عنه فقال "هو شيخ سوءٍ كذّاب، يقول بقدم العالم ولا يحرّم فرجاً" (8) .

ابن طولون حجة عليكم
__________
(1) تفسير البحر المحيط 3/449 .
(2) العبر في خبر من غبر 3/333 ميزان الاعتدال 3/108 .
(3) العقد الثمين للفاسي 173 –174 وذكر العلامة القاري في الرد على القائلين بوحدة الوجود 138 وانظر صفحة رقم 130.
(4) العقد الثمين 2/187 –188 الرد على القائلين بوحدة الوجود 135 .
(5) العقد الثمين للفاسي 2/174 –175 .
(6) العقد الثمين 2/175 .
(7) مقدمة ابن خلدون 323 و472 العقد الأمين 2/178 .
(8) سير الأعلام 23/48 –49 طبقات ابن الملقن (153) ص469 ميزان الاعتدال للذهبي 3/659 الرد على القائلين بوحدة الوجود 34.
(1/150)

ـ وذكر ابن طولون الحنفي أن غالب فقهاء العرب وجميع المحدّثين بلغوا نحواً من خمسمائة إلى تكفيره. ذكر منهم: علامة زمانه تقي الدين ابن تيمية وكمال الدين الأدفوني وأبو زرعة والعيني وحافظ العصر شهاب الدين ابن حجر وابن الصلاح وابن دقيق العيد وبدر الدين بن جماعة وشيخ الإسلام تقي الدين السبكي (1) .
ـ وشنّع عليه السعد التفتازاني في كتاب "فاضحة الملحدين" (2) . ولعله بعنوان آخر "الرد والتشنيع على كتاب الفصوص" الذي قال عنه الذهبي "فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر" (3) .
فهؤلاء يضرب صفحاً عن ذكرهم، ويدافع عنهم ويعلّم أتباعه بأنهم من خُلّص أولياء الله. أما الألباني وابن تيمية فهم من أكفر خلق الله عنده!!

سكوته عن انحرافات النبهاني
وقد ذكر النبهاني جملة من "أصحاب الكرامات" منهم:
ـ (إبراهيم الملقلب بـ (جيعانة): من كراماته أن امرأة أتته وسألته الدعاء وأمرّت يدها على أطماره الرثة ثم أمرّتها على وجهها، وهناك فقيهان روميان فقال أحدهما: يا حرمة تنجست يدك بما مرّت عليه. فنظر الشيخ إليه مغضباً ثم جلس وغاط ثم نهض فتقدم الفقيه المنكر وجعل يلعق غائطه ورفيقه متمسك بأثوابه ويضمه ويقول: ويلك هذا غائط الشيخ! إلى أن لعق الجميع ببعض التراب، فلما نهض جعل يعاتبه فقال: والله ما لعقت إلا عسلاً (4) .
ـ (إبراهيم العريان) كان يخطب الجمعة بالناس وهو عريان ... فيحصل للناس بسط عظيم (5) .
__________
(1) القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية 2/538 – 539 .
(2) مخطوطة محفوظة بمكتبة برلين 2891 حسب بروكلمان 2/ 35 .
(3) سير أعلام النبلاء 23 / 48 .
(4) جامع كرامات الأولياء 1/240 .
(5) جامع كرامات الأولياء 1/ 246 .
(1/151)

ـ (عبد الكريم الدمشقي) سألوه: هل تستطيع أن تشرب كل ما في هذه البركة؟ فقال: إملأوها. فأخذه حال عجيب ووضع فمه في البركة فصار يشرب والماء يخرج من إحليله (ذَكَرِهِ) ولم يزل كذلك يدخل الماء من فمه ويخرجه من إحليله إلى أن فَرَغت البركة. قال النبهاني: وهي من أعظم كرماته (1) .
ـ (عبد الله الذي كان يطحن الحشيش) من كراماته أنه كان كل من أخذ من حشيشه (رضي الله عنه) وأكل منه يتوب لوقته ولا يعود لها أبداً (2) .
ـ (عبد الوهاب الشعراني) من كراماته أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لعمر النبتيني "أعط طاقيتي هذه للشيخ عبد الوهاب الشعراني وقل له يتصرف في الكون (3) .
ـ (علي بن محمد الدينوري) قال "تركت قولي للشيء كن فيكون: تأدّباً مع الله" (4) .
ـ (علي العمري) من كراماته ما رواه الحاج إبراهيم، قال: دخلت الحمام مع شيخنا الشيخ علي العمري ومعنا خادمه محمد الدبوسي ولم يكن في الحمام غيرنا. قال: فرأيت من الشيخ كرامة من أعجب خوارق العادات وأغربها وهي أنه أظهر الغضب على خادمه وأراد أن يؤدبه فأخذ إحليله (أي ذكره) بيديه الاثنتين من تحت إزاره بحيث طال طولاً عجيباً بحيث أنه رفعه على كتفه وهو زائد عنه وصار يجلد به خادمه، والخادم يتلوى من شدة الألم فعل ذلك مرات ثم تركه وعاد إحليله إلى ما كان عليه. قال الحاج إبراهيم: ففهمت أن الخادم عمل عملاً يستحق التأديب فأدبه الشيخ بهذه الصورة العجيبة.
قال النبهاني: ولما حكى لي ذلك الحاج إبراهيم حكاه بحضور الشيخ الذي كان واقفاً فقال لي الشيخ لا تصدقه، وأخذ يدي بالجبر عني ووضعها على موضع إحليله فلم أحس بشيء مطلقاً حتى كأنه ليس برجل أبداً، فرحمه الله ورضي عنه ما أكثر عجائبه وكراماته" (5) .
__________
(1) جامع كرامات الأولياء 2/102 .
(2) جامع كرامات الأولياء 2/125 .
(3) جامع كرامات الأولياء 2/135 .
(4) جامع كرامات الأولياء 2/158 .
(5) جامع كرامات الأولياء 2/208 .
(1/152)

ـ ومن كراماته أنه كان في بلد الشيخ علي رجل قليل الحياء معجباً بإحليله فكان يمازح الشيخ إذا رآه ويضع يده على إحليل نفسه ويقول له هل عندك مثل هذا؟ فضربه الشيخ بيده وقال له إذهب فذهب كأنه امرأة لم يتحرك له شيء (1) .ا.هـ. (يا لمصيبة هذه الأمة).
ـ (عيسى بن نجم البرلسي) مكث سبع عشرة سنة بوضوء واحد.
ـ (ولي الله الديوث) حكى الشيخ نور الدين الشوني أن شخصاً كان مكارياً يحمل النساء من بنات الخطأ وكان الناس يسبونه ويصفونه بالتعريص وكان من أولياء الله تعالى لا يركب امرأة من بنات الخطأ وتعود إلى الزنا أبداً (2) .
كيف صدقت عقولكم التي قدمتموها على النقل: هذه الخرافات والمهزلة التي لا تزيد النصارى إذا قرأوها إلا ثباتاً على النصرانية ونفوراً من الإسلام؟

نماذج من كلام ابن تيمية
وهذه نبذة من كلام ابن تيمية ليعرف المنصف موقفه من أسماء الله وصفاته ومنهجه في الدين بإيجاز: يقول:
تمسكه بهدي السلف
"ما قاله الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والسابقون الأولون وما قاله أئمة الهدى هو الواجب على جميع الخلق في هذا الباب (باب الأسماء وغيره) فإن الله تعالى بعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالحق ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور، وشهد له بأنه بعثه داعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فمن المحال في العقل والدين أن يكون السراج المنير الذي أخبر الله تعالى بأنه أكمل له ولأمته في دينهم، أن يكون قد ترك باب الإيمان بالله والعلم به ملتبساً مشتبهاً، ولم يميز ما يجب لله من الأسماء الحسنى، والصفات العُلا، وما يجوز عليه أو يمتنع.
__________
(1) جامع كرامات الأولياء 2/214 .
(2) جامع كرامات الأولياء 2/228 .
(1/153)

فإن معرفة هذا أصلُ الدين وأساس الهداية، وأفضل ما اكتسبته القلوب وحصّلته النفوس وأدركتْه العقول، وقال فيما صحَّ عنه "ما بعث الله نبياً إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم" (1) .
فكيف يتوهم مَن في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب (الأسماء والصفات) قد وقع من الرسول على غاية التمام؟ ومن المحال أن خير أمته وأفضل القرون قصَّرا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين منه.
ولم يقل أحد منهم إن الله ليس على العرش، ولا إنه في كل مكان ولا إنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصلاً به ولا منفصلاً عنه ولا إنه لا تجوز الإشارة إليه.
فإنْ كان الحق فيما يقوله هؤلاء النافون للصفات الثابتة في الكتاب والسنة، من هذه العبارات ونحوها دونما فهم من الكتاب والسنة إما نصّاً وإما ظاهراً فكيف يجوز على الله ورسوله، ثم على خير الأمة: أنهم يتكلمون دائماً بما هو نصٌّ أو ظاهرٌ في خلاف الحق! ثم الحق الذي يجب اعتقاده لا يبوحون به قط، ولا يدلّون عليه، حتى جاء المتوغلون في علوم الفلاسفة، فبيّنوا للأمة العقيدة الصحيحة، ودفعوا بمقتضى علومهم ما دلّ عليه الكتاب والسنة نصاً أو ظاهراً؟!
فإن كان الحق في قولهم: فلقد كان ترْكُ الناسِ بلا كتابٍ ولا سنةٍ أهدى لهم وأنفع على هذا التقدير.
تأدب العقل
فإن حقيقة ما يقوله هؤلاء: أنكم يا معشر العباد لا تطلبوا معرفة الله وما يستحقه من الصفات، لا من الكتاب ولا من السنة ولا من طريق سلف الأمة، ولكن انظروا أنتم: فما وجدتموه مستحقاً له من الصفات في عقولكم فصِفوه به، سواءٌ كان موجوداً في الكتاب والسنة أو لم يكن.
__________
(1) رواه مسلم (1844) .
(1/154)

وكأن الله قال لهم: ما نفاه قياس عقولكم مما اختلفتم فيه فانفوه، وإليه (أي العقل) فارجعوا عند التنازع، فإنه هو الحق الذي تعبَّدتُكُم به، وما كان مذكوراً في الكتاب والسنة مما يخالف قياسكم هذا فاعلموا أني ممتحنكم بتنزيله لا لتأخذوا الهدى منه، ولكن لتجتهدوا في تحريفه على شواذّ اللغة، ووحشيّ الألفاظ وغرائب الكلام.
وما أشبه حال هؤلاء بقوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا 60 وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا 61 فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء61].
فإن هؤلاء إذا دُعُوا إلى ما أنزل الله من كتاب وإلى الرسول أعرضوا عن ذلك وهم يقولون: إنا قصدنا علماً وعملاً بهذه الطريق التي سلكناها والتوفيق بين الدلائل العقلية والنقلية:
فيقال لهم: يا سبحان الله، كيف لم يقل الرسول يوماً من الدهر ولا أحد من سلف الأمة هذه الآيات والأحاديث لا تعتقدوا ما دلت عليه، لكن اعتقدوا الذي تقتضيه مقاييسكم فإنه الحق.
ثم الرسول قد أخبر بأن أمته ستفترق ثلاثاً وسبعين فرقة، ثم قال "إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله".
وقال في صفة الفرقة الناجية "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" فهل قال: من تمسك بظاهر القرآن في باب الاعتقاد فهو ضال وإنما الهدى رجوعكم إلى مقاييس عقولكم؟!
(1/155)

وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس مثل أكثر التأويلات التي ذكرها أبو بكر بن فورك في كتاب "التأويلات" وذكرها الفخر الرازي في كتابه الذي سماه "تأسيس التقديس" ويوجد كثير منها في كلام كثير غير هؤلاء [كالمعتزلة] مثل أبي علي الجبائي، وعبد الجبار بن أحمد الهمداني وأبي الحسين البصري، التي ذكرها بشر المريسي في كتابه.
التأويل بين الخلف والسلف
ومذهب السلف بين التعطيل والتمثيل، فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيعطلون أسماءه الحسنى وصفاته العلا، ويحرّفون الكلم عن مواضعه، فإن من حرّفوا لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات، فقد جمعوا بين التمثيل والتعطيل، مثّلوا أولاً وعطلوا آخراً، فهذا تشبيه وتمثيلٌ منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاته، وتعطيلٌ لما يستحقه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللائقة به.
ثم المخالفون للكتاب والسنة وسلف الأمة من المتأولين في أمر مريج، فإن من ينكر الرؤية زعم أن العقل يحيلها، وأنه مضطر إلى التأويل، ومن يحيل أن لله علماً وقدرةً يقول: إن العقل أحال ذلك فاضطر إلى التأويل، بل من ينكر حقيقة حشر الأجساد والأكل والشرب الحقيقي في الجنة: يزعم أن العقل أحال ذلك وأنه مضطر إلى التأويل، ومن يزعم أن الله ليس فوق العرش: يزعم أن العقل أحال ذلك وأنه مضطر إلى التأويل.
ويكفيك دليلاً على فساد قول هؤلاء أنه ليس لواحد منهم قاعدة مستمرة فيما يحيله العقل، بل منهم من يزعم أن العقل جوّز أو أوب ما يدّعي الآخر: أن العقل أحاله.
(1/156)

يا ليت شعري! بأي عقل يُوزَن الكتاب والسنة، فرضي الله عن مالك بن أنس حيث قال "أوكلما جاءنا رجلٌ أجْدَلُ من رجلٍ تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - لِجَدَل هؤلاء، وكلٌ من هؤلاء مخصومٌ بمثل ما خُصِمَ به الآخر، فكلّ من ظنّ أن غير الرسول والسلف أعلم بهذا الباب، أو أكمل بياناً أو أحرص على هدى الخلق، فهو من الملحدين لا من المؤمنين" (1) .

أصل الدين وقواعده
قال "ودين الإسلام مبني على أصلين، على أن يُعبد الله وحده لا يشرك به شيء، وعلى أن يُعبد الله بما شرعه على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - . وهذا هما حقيقة قولنا "لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" فالإله هو الذي تألهه القلوب عبادة واستعانة ومحبة وتعظيماً وخوفاً ورجاءً وإجلالاً وإكراماً.
والله عز وجل له حق لا يشركه فيه غيره فلا يُعبَد إلا الله، ولا يُدعى إلا الله، ولا يطاع إلا الله.
والرسول - صلى الله عليه وسلم - هو المبلغ عن الله تعالى أمره ونهيه وتحليله وتحريمه، وهو واسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه.
وأما في إجابة الدعاء، وكشف البلاء . . . فالله تعالى هو الذي يسمع كلامهم ويرى مكانهم ويعلم سرهم ونجواهم، وهو سبحانه قادر على إنزال النعم، وإزالة الضرر والسقم من غير احتياج منه إلى أن يعرّفه أحد أحوال عباده، أو يعينه على قضاء حوائجهم . . . وهو سبحانه لا يشغله سمع كلام هذا سمع كلام هذا ولا يغلطه اختلاف أصواتهم ولغاتهم، بل يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، ولا يبرمه إلحاح الملحدينن بل يحب الإلحاح في الدعاء" (2) .

ضوابط التكفير عند ابن تيمية
تبطل دعوة تكفيره للمخالفين في مسألة الطلاق
__________
(1) مجموع الفتاوى 5/15-31 .
(2) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة 180 – 181 ط: مكتبة دار البيان – دمشق .
(1/157)

وزعم الحبشي أن ابن تيمية يكفّر مخالفيه في مسألة الطلاق (1) فهذا كذب واضح يردّه قول ابن تيمية فقد كان يثني على المخالفين له في مسألة الطلاق ويقول بأن الذي قالوه باجتهادهم لهم سعيٌ مشكور وعملٌ مبرور، وهم مأجورون على ذلك مثابون عليه، وأن من أصاب منهم الكتاب والسنة فله أجران، ومن أخطأ فله أجر . . . وهم مطيعون لله ورسوله فيما أتوا به من الاجتهاد المأمورين به. ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها" (2) .
وكلامه هذا يفضح افتراء الحبشي وإلا فليخبرنا: أي قال ابن تيمية بتكفير مخالفيه في مسألة الطلاق؟ وقد دل كلام ابن تيمية على نقيض ذلك:
بل قد قال ابن تيمية "لقد كنت دائماً أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال: "إذا أنا مِتُّ فاحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في اليمّ، فوالله لئن قدر الله عليّ ليعذبنّي عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين، ففعلوا به ذلك، فقال الله له: ما حملك على ما فعلتَ؟ قال: خشْيَتُك. فغفر له. قال: فهذا رجلٌ شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذُرِيَ بل اعتقد أنه لا يُعاد، وهذا كُفرٌ باتفاق المسلمين لكن كان جاهلاً لا يعلم ذلك، وكان مؤمناً يخاف أن يعاقبه الله فغفر له بذلك" (3) .
قال: "والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أولى بالمغفرة من مثل هذا" (4) .
__________
(1) المقالات السنية 57 و 62 و 75 .
(2) مجموع فتاوى ابن تيمية 33 / 149 – 150 .
(3) علق الحافظ ابن عبد البر على هذا الحديث بقوله "وأما جهل هذا الرجل في هذا الحديث بصفة من صفات الله في علمه وقدره فليس ذلك بمخرجه من الإيمان" (التمهيد 18/24) وفي هذا رد على من اشترط للإيمان حفظ ثلاث عشرة صفة كما يدعي الحبشي.
(4) مجموع الفتاوى 3/330 .
(1/158)

وقال "ولا يجوز تكفير المسلم بخطأ أخطأه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة" (1) . بل قد ذكر النزاع في كفر الخوارج والروافض وغيرهم من الفرق وقد خالفوا إجماع المسلمين في أمور العقائد فما بالك بالمخالف في الفروع (2) .

نقده لأهل التكفير
قال ابن تيمية "وطريقة أهل البدع في التكفير الذين يجمعون بين الجهل والظلم، فيبتدعون بدعة مخالفة للكتاب والسنة وإجماع الصحابة ويكفّرون من خالفهم في بدعتهم.
فالرافضة ابتدعوا تفضيل عليّ على الثلاثة وتقديمه في الإمامة، وكفّروا من خالفهم.
وكذلك الجهمية ابتدعت نفي الصفات وجعلوا يكفّرون من لم يوافقهم على ذلك.
وأئمة السنة والجماعة وأهل الإيمان فيهم:
ـ العلم، والعل، والرحمة.
فيعلمون الحق الذي يكونون موافقين به للكتاب والسنة سالمين من البدعة، ويعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم كما قال تعالى {كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}.
ويرحمون الخلق، فيريدون لهم الخير والهدى والعلم، ولا يقصدون الشر لهم ابتداءً، بل إذا عاقبوهم، وبيّنوا خطأهم وجهلهم وظلمهم، كان قصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا.
فالمؤمنون أهل السنة أعمالهم خالصة لله تعالى، موافقة للسنة، وأعمال مخالفيهم لا خالصة ولا صواب، بل بدعة واتباع الهوى، ولهذا يُسَمَّوْن "أهل البدع والأهواء".
فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفّرون مَن خالفهم وإن كان ذلك المخالف يُكَفّرهم. لأن الكفر حكمٌ شرعي، فليس للإنسان أن يعاقب عليه، كمن كذب عليك وزنى بأهلك: ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله، لأن الكذب والزنا حرام.
__________
(1) الفتاوى 3/ 283 .
(2) الفتاوى 23 / 346 و 229 .
(1/159)

وكذلك التّكفير حقٌ لله، فلا يُكَفَّرُ إلا مَن كفّره الله ورسوله.
وأيضاً فإن تكفير الشخص المعين وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يُكَفَّرُ من خالفها، وإلا؛ فليس كل من جهل شيئاً من الدين يُكَفَّر.
ولهذا كنتُ أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش، لمّا وقعّتْ محنتُهُم:
"أنا لو وافقتُكم كنتُ كافراً، لأني أعلم أن قولكم كُفرٌ. وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جُهَّال. وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم" (1) .
فهكذا منهج هذا الرجل الفذ وطريقته الموزونة بميزان الكتاب والسنة لا تجد في كلامه ما تجده عند أهل الانحراف والظلم من العصبية والتجني والانحراف عن السنة، حتى قال فيه الذهبي كلمته المشهورة "كانالسنة نصب عينيه".
وقد انتقصه المتعصبون وشنعوا عليه ورموه بشتى التهم، وهذا من تسلط الشيطان عليهم حيث زيّن لهم سبّه وتكفيره بينما زيّن لهم الدفاع عن ابن الفارض وابن عربي بما أمكن من التأويل والتحيز والتّكتم.

فوضى التكفير المتهور
وإذا كان موقف ابن تيمية من قضية التكفير على الوجه الذي حكيناه عنه فما هي مواقف الناس من ذلك؟
إننا نعلم أن التكفير حق لله سبحانه وتعالى لا يجوز لأحد إخراج أحد من دين الله إلا بِبيِّنة ودليل يعذر بهما يوم القيامة عند الله. فإن المسلم قد يَخرجُ من الدين بإخراجه منه من ليس عند الله كذلك.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" وفي رواية "أيما امرئ قال لأخيه "كافر" فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال: وإلا رجعَتْ عليه" (2) . فلا يجوز خروج هذه الكلمة (كَفَرَ) من فم امرئ يتقي الله ويحتاط لدينه إلا بعد حذرٍ شديد. إذ قد تكون سبباً في خروجه هو. وأي خسارة أعظم من ذلك.
__________
(1) الرد على البكري 256 – 260 لابن تيمية .
(2) البخاري (6103 و 6104 و 6105) ومسلم (80) .
(1/160)

وليس خلق الله وصايا على دينه حتى يُخرجوا منه من يشاؤون ممن قد لا يستحقه، ثم يسكتون ويتغاضون عمن يشاؤون ممن يستحقه.
والتكفير لا يحكم عليه بلا أو نعم وإنما له ضوابط وشروط وفيه تفصيل بين ما يعذر فيه صاحبه بالجهل وبين ما لا يعذر فيه، وبين ما يكفر فيه صاحبه بالضرورة وبين ما لا يكفر فيه بالضرورة.
غفلة الناس عن معرفة ضوابط التكفير
ولا يبدون أن عند الحبشي وأتباعه مراعاة لضوابط التكفير ولا مسامحة ولين في التعامل مع المخالف، بل يلاحظ فيهم جانب الفظاظة والقسوة والشدة وهذا حاصل ثمرة علم الكلام وأهله كما وصفهم أبو حنيفة بأنهم قساة قلوب: ليس عندهم ورعٌ ولا تقوى. ومن شاء الوقوف على سلوكيات هذا الرجل فليستمع ولو إلى شريط واحد من أشرطته ليرى فيها الطعن واللعن بالعلماء المخالفين له في المذهب.
وقد حكم بانسلاخ أحد مخالفيه من الدين (خالد كنعان) فقال له "ولعلك منذ أربعين سنة انحرف قلبك أم منذ كم؟ فعارٌ عليك أن تدّعي الإسلام بعد هذا الكفر الذي كفرتَه، ثم لما جاءك المسخ القلبي انسلخت منه كما انسلخت عن حكم تكفير سابّ النبي؟ وهذا تسجيلٌ آخر على نفسك بأنك منسلخ عن السلف والخلف" (1) .
__________
(1) صريح البيان 23 و 29 .
(1/161)

وليس من خلاف بين الفريقين في حكم ساب النبي - صلى الله عليه وسلم - سباً صريحاً، ولم يكن الخلاف حول حكم شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإنما حول قصة ذاك الرجل الذي قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - "إعدل يا محمد" بالكفر؟ ومحل الخلاف في كون هذه الكلمة سباً صريحاً أم لا. وإذا كان كذلك فلماذا لم يقتله النبي - صلى الله عليه وسلم - ردّة، علماً بأن هذا الرجل "ذا الخويصرة" كان له يد في بعض الفتوحات الإسلامية كالعراق والأهواز، وقد قيل إنه انضم بعد ذلك إلى صفوف الخوارج، لكن الخوارج أنفسهم لم يكفروا على الراجح من قول أهل العلم (1) . فلا يبدو من ا لصحابة أنهم عاملوه معاملة الكافر المرتد. واستغل الحبشي هذه الحادثة وحكم على خالد كنعان بالكفر والانسلاخ من الدين.
وهو متناقض شديد التناقض فقد سأله خالد كنعان نفسه عن التلفظ بالأقوال الكفرية فقال "الحكم لي على هذه الألفاظ الكفرية وإنما يكون من خلال فهم الشخص لها فإن كان يفهم منها كفراً فلا نكفّره" (2) . مع أنه دائم التكفير لمن يخالفه ولو كان في مسائل بسيطة.
الحافظ يشهد بأن أهل الكلام تكفيريون
__________
(1) فتح الباري 12/293 .
(2) شريط سؤالات عبد الله الحبشي بداية الوجه الأول.
(1/162)

ولقد أبدى الحافظ ابن حجر استياءه من ذلك فقال" والعجب ممن اشترط ترك التقليد من أهل الكلام ينكرون التقليد وهم أول الداعين إليه . . فآل أمرهم إلى تكفير من قلد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في معرفة الله تعالى. وكفى بهذا ضلالاً، ويلزم من ذلك إلى القول بعدم إيمان أكثر المسلمين" (1) . ونقل عن البيهقي في كتاب الاعتقاد أن غالب من أسلم من الناس في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعرفوا إثبات الصانع وحدوث العالم عن طريق استدلال المتكلمين وذكر أن هذا لا يكون تقليداً وإنما اتباعاً (2) . وأثبت الحافظ أن هذا الاشتراط الذي عرفه المتكلمون إنما قلدوا به المعتزلة الذين سبقوهم إلى تكفير من لم يعرف الله عن طريق الاستدلال. قال "وذهب أبو هاشم من المعتزلة إلى أن من لم يعرف الله بالدليل فهو كافر" (3) .
__________
(1) فتح الباري 13/354 .
(2) فتح الباري 13/353 .
(3) فتح الباري 13/350 .
(1/163)


---

المقالات الدمشقية في الدفاع عن ابن تيمية وكشف الضلالات الحبشية 100-127

لو فرضنا أنه قالها فإن مسألة إقعاد النبي - صلى الله عليه وسلم - على العرش ليست ذاك السر الذي يحتاج ابن تيمية إلى إخفائه فإن روايات الإقعاد قد ملأت بطون كتب الحديث حتى إن الخلال والطبري والسيوطي ساقوا عشرات الروايات منها واعتُبرتْ تفسيراً لقوله تعالى {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} غير أنها كما قلت لم ترتفع إلى درجة الصحة وإنما صحت الروايات إلى بعض التابعين الذين قالوا بها كمجاهد في أحد قوليه (1) .
بل هو قول الجيلاني
قال الشيخ عبد القادر "إن أهل السنة يعتقدون أن الله يُجلِس رسوله معه على العرش يوم القيامة (2) ، غير أن عامة أهل السنة والحديث كأحمد والذهبي منعوا هذا القول لعدم صحة السند فيه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . ولكن من تمسك بهذه المسألة ظناً منه صحة الأحاديث الواردة فيه فلا يجوز تكفيره، وإلا كان المكفّر له شرّاً منه وأقرب إلى الحرورية الغلاة.

نسبة المخادعة إلى ابن تيمية
يبطلها العيني وغيره
وزعم الأحباش أنه لم عقدوا مجلساً لابن تيمية احتال عليهم وزعم أنه أشعري. وأنا لم أجد أنه قال ذلك وإنما قال أنه على اعتاد الشافعي فرضوا ذلك منه (3) .
فأما إن ذكر أنه على اعتقاد الشافعي فأي كذب في ذلك فإنه بإثبات الصفات وعدم التأويل ونقد علم الكلام أقرب إلى منهج الشافعي منهم. فإن الشافعي كان يحذر من علم الكلام وابن تيمية يوافقه، بينما الأحباش يلقبون الحبشي (إمام علم الكلام) وهو يؤوّل الصفات وقد قالوا: التأويل مذهب الخلف والإثبات مذهب السلف!
__________
(1) انظر كتاب السنة للخلال (244 و250 و253 و 268 و271 و272 و273) .
(2) الغنية لطالبي الحق 71 .
(3) عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان 4/411 .
(1/100)

أما إن قال إن أشعري المعتقد فأي كذب في ذلك وقد استقر أمر الأشعري رحمه الله على موافقة عقيدة أحمد بن حنبل، وشهد بذلك الأشاعرة المتقدمون كابن عساكر في التبيين والبيهقي والمتأخرون كالتاج السبكي في طبقاته والزبيدي في إتحافه وابن عذبة، وشهد بذلك غيرهم الذهبي وابن كثير (1) .
فقوله (أنا أشعري) أفضل من قولكم: إننا أشاعرة بينما تخالفون الأشعري وتوافقون المعتزلة. فهو أقرب وأكثر موافقة مع عقيدة الأشعري منكم. فالأشعري في الحقيقة حنبلي المذهب في العقيدة أيها الأشاعرة.
وإن كنتم تعتبرون ذلك جبناً ومراوغة فهل تقولون ذلك في أبي الحسن الأشعري رحمه الله وقد حكى الكوثري أنه كان يقول للحنابلة (أنا حنبلي أنا على مذهب أحمد) وزعم الكوثري أنه كان يراوغهم بقصد التدرج بهم (2) !

ابن تيمية الشجاع
ولم يزل بدر العيني يحكي مواقفه الشجاعة في حق سلاطين التتار كقوله لغازان ملك التتار فيما رواه ابن كثير عن الشيخ عبد الله بن قوام البالسي "أنت تزعم أنك مسلم وتقتل المسلمين وأبواك كانا كافرين ولم يفعلا ما فعلتَ، قد عاعدتَ فغدرتَ وقلت فيما وفيتَ".
__________
(1) تبيين كذب المفتري 150 و152 – 158 و392 طبقات السبكي 3/99 الاعتقاد للبيهقي 96 و109 إتحاف السادة المتقين 2/4 للمرتضى الزبيدي الخطط المقريزية 3/308 الروضة البهية 53 .
(2) تبيين كذب المفتري 117 – 118 .
(1/101)

قال كلمة الحق ولم يخش إلا الله عز وجل. قال: ثم قرّبوا طعاماً فأكلوا إلا ابن تيمية فقيل له: ألا تأكل؟ فقال: كيف آكلُ من طعامكم وكلّه مما نهبتموه من أغنام الناس. ثم إن قازان الملك طلب منه الدعاء فقال ابن تيمية: اللهم إن كان هذا عبدك محمود إنما يقاتل لتكون كلمتك هي العليا وليكون الدين كله لك فانصره وأيّده، وملّكه البلاد والعباد، وإن كان إنما قام رياء وسمعة وطلباً للدنيا ولتكون كلمته هي العليا وليذلَّ الإسلام وأهله: فاخذُلْهُ وزلزله ودمّره واقطع دابره. قال: وكان قازان يؤمّن على دعائه ويرفع يديه. قال: فجعلنا نجمع ثيابنا خوفاً من أن تتلوث بدمه إذا أمر السلطان بقتله".
قال "فما خرجنا من عند السلطان قال القاضي نجم الدين ابن صصري لابن تيمية: لقد كِدتَ أن تهلكنا وتهلك نفسك، والله لا نصحبك من هنا، فقال: وأنا والله لا أصحبكم. فانطلقنا وتأخر هو ومعه جماعة من أصحابه، فتسامعت به الخواقين والأمراء من أصحاب قازان فأتوه يتبركون بدعائه طول الطريق. وهو سائر إلى دمشق، وأما الذين أبوا أن يصحبوه فخرج عليهم جماعة من التتار فسلبوهم عن آخرهم" (1) .
ولما سمع بتقديس أهل دمشق لصخرة أخذ فأساً وكسرها (2) ، ولذا وصفه الذهبي بأنه كان أمّاراً بالمعروف نهّاءً عن المنكر.

مقارنة
بين موقف الرفاعية من التتار وبين موقف ابن تيمية
هناك فرق عظيم بين موقف ابن تيمية من التتار وبين موقف الرفاعية (سلف الحبشي) منهم، فإن سجل ابن تيمية مشرف حافل بالجهاد وتحريض ولاة المسلمين ضد التتار بل خروجه بنفسه مع طائفة من المخلصين لملاقاتهم، وكان بهذا العمل النبيل رمز العالم العامل الشجاع.
__________
(1) انظر البداية والنهاية 14/89 ومن أراد الوقوف على مواقفه الشجاعة يجدها في البداية والنهاية لابن كثير (14/7 و10 و11 و12 14-16 و19 و24-26 و33-35 و43 و132).
(2) عقد الجمان 2/51 و86 و312 .
(1/102)

أما مواقف الرفاعية (سلف الحبشي) فتتسم بالخسة والخيانة. فقد كثر ترددهم على التتار وتقربهم إليهم بالأحاييل التي يسمونها (كرامات) وقد تولوهم طمعاً في هداياهم وأموالهم حتى قال الذهبي "قد كثر الزغل (الفساد) في أصحاب الطريقة الرفاعية، وتجدَّدتْ لهم أحوال شيطانية منذ أخذت التتار العراق: من دخول النيران وركوب السباع واللعب بالحيَّات. قال "وهذا ما عرفه الشيخ أحمد الرفاعي ولا صلحاء أصحابه، فنعوذ بالله من الشيطان" (1) .
وقول الذهبي "منذ أخذت التتار العراق" إشارة إلى أنهم كانوا يوالون التتار الذين احتلوا العراق بإيعاز من زعماء الروافض الشيعة وقتلوا مليوني مسلم، فكانوا يتقربون إلى التتار بتلك الأحاييل.
وكان التتار يعجبهم ما يفعله الرفاعية، ويجزلون لهم العطاء، فكانت إشارة من الذهبي إلى أن من يوالي أعداء الله: كيف يكرمه الله بالكرامات؟
وكذلك حمل عليهم الشيخ الألوسي فقال "وأعظم الناس بلاء في هذا العصر على الدين والدولة: مبتدعة الرفاعية، فلا تجد بدعة إلا ومنهم مصدرها وعنهم موردها ومأخذها، فذِكْرُهُم عبارة عن رقص وغناء والتجاء إلى غير الله وعبادة مشايخهم. وأعمالُهُم عبارة عن مسك الحيات" (2) .

تحريف كلام الحافظ ابن حجر حول تنقيص علي
وقد زعم الحبشي أن الحافظ ابن حجر اتهم ابن تيمية بأنه كان ينتقص سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث كتب رداً على ابن المطهر الحلي. ثم حرف الحبشي النقل عن الحافظ فقال "وكم من مبالغة له لتوهين كلام الحلي أدت إلى به أحياناً إلى تنقيص علي رضي الله عنه" انتهى.
وهذا تلاعب بالنصوص: فإن النص من النسخة المطبوعة التي أحال إليها الحبشي "وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدته أحياناً إلى تنقيص علي رضي الله عنه" (3) .
__________
(1) العبر في خبر من غبر 3/75 .
(2) غاية الأماني في الرد على النبهاني 1/370 .
(3) المقالات السنية ط: جديدة 200 .
(1/103)

فزاد الحبشي لفظ (له) ليؤكد أن الكلام عائد على ابن تيمية. وبدل كلمة (الرافضي) بكلمة الحلي ليزيد القارئ تأكيداً بأن الضمير ما زال يعود على ابن تيمية. واستبدل لفظ (أدته) إلى (أدت به) ليؤكد أن الضمير ما زال يعود على ابن تيمية.
مفاجأة بعد الرجوع إلى مخطوطة لسان الميزان
لقد رجع إلى مخطوطتين لتاب لسان الميزان فاكتشفت ما يلي:
المخطوطة الأولى لا تتضمن ترجمة يوسف والد الحسن المطهر.
المخطوطة الثانية تتضمن:
ترجمة يوسف (ابن) الحسن، وتم تصحيحها في المطبوع إلى (والد) الحسن. وكأن مقحم هذا النص لم يتقن عمله.
وفيها اضطراب ففيها أن يوسف هو شارح ابن الحاجب وأنه هو الذي رد عليه ابن تيمية. في حين أن ولده (الحسين) هو شارح ابن الحاجب. وهو الذي رد عليه ابن تيمية لا على أبيه. فالخلط والتحريف واضحان جداً فيمن يجري مقارنة بين ترجمة الابن (لسان الميزان 2/319) وبين ترجمة والده يوسف (5/317).
فهل الأب هو شارح ابن الحاجب أم ابنه؟
وهل الأب هو الذي رد عليه ابن تيمية أم الابن؟
إن مثل هذا الخطأ لا يمكن أن يكون صادراً عادة من ناقد حافظ عظيم كابن حجر مما يرجح أن تكون بعض الأيدي قد عمدت إلى إقحام هذه الترجمة ولم يتقنوا تحريفهم فجعلوا يوسف والد الحسن هو شارح ابن الحاجب وهو الذي رد عليه ابن تيمية. ثم إن يوسف هذا ليس له عادة ترجمة خاصة.
أن النص في المخطوطة غير واضح ويتعذر قراءة هذه العبارة التي تتضمن التنقيص. ولا يسلم أنها تتضمن عبارة (وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي ... ). وقد تقدم صورة المخطوط (1) .
وحتى النسخ المطبوعة حصل فيها خلط والتباس. ففي طبعة دار الفكر لفظ (ذاته) بدل (أدته). فهناك خلط واحتمال للتزوير ثم بياض طويل لا يدرى كيف انتهى الكلام فيه. الأمر الذي يجعل الاحتجاج بهذا النص في لسان الميزان ساقطاً.
__________
(1) انظر صفحة 1040 .
(1/104)

وحينئذ نرجع إلى صيح كلام الحافظ ابن حجر في ابن تيمية حيث كان يحتج بنقده العلمي لأدق المسائل وحكمه على الروايات والأحاديث وترجيحه للمسائل المختلف فيها. بل ونرجع إلى صريح كلام ابن حجر في ابن تيمية كما أورده السخاوس في الجواهر والدرر. فقد سفّه فيه ابن حجر المتحاملين على ابن تيمية وأكد أنه يستحق الوصف بشيخ الإسلام.
أن السبكي كان حريصاً على كشف أخطاء ابن تيمية وذكر رد ابن تيمية على الرافضي ولكنه أثنى على رد ابن تيمية على ابن المطهر ولم يحك لنا شيئاً عن طعنه في علي رضي الله عنه. ولو وجد من ذلك شيئاً لطار به واحتج به ضد ابن تيمية. فقال قال:

ولابن تيمية رد عليه وفيّ ... بمقصد الرد واستيفاء أضربه
لكنه خلط الحق المبين بما ... يشوبه كدر في صفو مشربه
يحاول الحشو أنى سار فهو له ... حثيث سير بشرق أو بمغربه
يرى حوادث لا مبدا لأولها ... في الله سبحانه عما يظن به

تمويهات الحوت
وقد قام كما الحوت بعمل حيلة، فجمع بعض الرسائل والمقالات في كتاب أسماه (الرسائل السبكية) ثم غيّر اسم هذا الكتاب من (الرسائل السبكية في الرد على ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية) إلى (التوفيق الرباني في الرد على ابن تيمية الحراني) وحذف منه رسالة السبكي في الرد على نونية ابن القيم، وزاد فيه رسالة أحمد الكلابي في نفي الجهة في الرد على ابن تيمية.
وقام ببعض التغييرات الطفيفة في المقدمة أيضاً حتى بدا للناس أنه كتاب آخر مختلف عن الكتاب السابق، وهو رجل معروف بهذا النوع من العمل والشكوى تزداد منه يوماً بعد يوم، حيث إنه يأخذ كتب الآخرين يصورها وينشرها ويغير غلافها وعنوانها.
وقد ثبت تزويره حذفاً وإضافة حين كان يعمل بقسم التحقيق بدار (عالم الكتب) وقام بحذف بعض العبارات من كتاب للشيخ عبد الفتاح أبي غدة مما أدى إلى طرده من الدار بعدما ظهر عدم أمانته.
الشيخ محمد بن درويش الحوت
يعظم ابن تيمية ويحتج به
(1/105)

وتجاهل موقف قرابته من العلماء الشيخ محمد بن درويش الحوت الذي كان يحتج بحكم ابن تيمية على روايات الحديث كما في كتاب (أسنى المطالب، الصفحات التالية (41، 89، 118، 125، 181، 236، 253، 341، 350، 359، 399، 435، 452، 566) كذلك كان يحتج بأقوال ابن القيم (صفحات 89، 168، 452).
أوَ تَعلمت أيها الحوت من شيخك الحبشي ما جهله سلفك وقرابتك؟
وإذا كان الحوت معظماً لابن تيمية وتلميذه الأمر الذي يجعله يكثر من الاحتجاج بأقوالهما فهل يكون موافقاً لعقيدة شيخك الحبشي كما زعمتم في مجلتكم المنار (44/54) أم مخالفاً له؟

وهذه حيلة يراد بها التعطيل
ومن تمويهاته قوله "جمهور الأمة الإسلامية على تنزيه الله عن مابهة الحوادث" (1) .
نعم، التنزيه على طريقة أحمد وغيره من سلف الأمة بإثبات صفات الله إثباتاً بلا تشبيه وتنزيهاً بلا تعطيل: فعلى الرأس والعين.
أما أن يقصد بالجمهور: جماهير الجهمية والمعتزلة وأفراخهم الذين يعبثون بصفات الله ويؤولونها على الوجه الذي يحلو لهم: فهو إلحاد مكسو بكساء التنزيه كمن قال: اتخذوا من دعوى التنزيه جُنةً ليصدوا بها عن إثبات ما وصف الله بن نفسه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
فالمعتزلة قبلكم كانوا يرون طريقة أحمد باطلة وكانوا يرونه مشبهاً ويزخرفون باطلهم بدعوى التنزيه، وكان الجهمية يدندنون حول التنزيه عن التشبيه أكثر منكم. وكان جهم أول المستائين من آية الاستواء والمجيء واليدين وحديث النزول.

هل كان سجنه دليلاً على فساد عقيدته؟
وأما صورة مرسوم ابن قلاوون في ابن تيمية ودندنتكم حول موت ابن تيمية في السجن وقولكم يكفيكم دليلاً على ضلاله: رميه في السجن حتى مات فيه.
فلا تغرنكم المراسم السلطانية الصادرة من السلاطين ضد العلماء ولا تعوّلوا عليها، فقد وقع لغيره من كبار العلماء نظير ما وقع له.
__________
(1) التوفيق الرباني 7 الرسائل السبكية 15 .
(1/106)

- فقد صدر مرسوم سلطاني ضد أحمد بن حنبل يشبه مرسوم ابن قلاوون في ابن تيمية، وأتوا به مكبلاً إلى الخليفة المأمون، وتعرض للضرب ولم يمنعه ذاك من الثبات على الحق والصبر على الأذى في الله.
- وكذلك فعلوا بمالك حين تعرض للضرب من قبل المنصور.
- وقاسى البخاري من أهل عصره حتى أخرجوه إلى مدينة خرتنك فمات بها.
- وقاسى أبو حنيفة من الحبس والضرب حتى مات وهو في السجن.
- وقاسى الشافعي من أهل مصر لما ادعى الاجتهاد المطلق.
- ومن قبلهم فعلوا بسعيد بن المسيب وبسعيد بن جبير بوالحسن البصري كما في السير.
فلو كان تعَرُّضُ العلماء لاضطهاد السلاطين وظلمهم دليلاً على فساد معتقدهم لما بقي لنا عالم واحد، إذ ما منهم إلا وقد نال نصيبه من أذاهم إلا من كان موالياً أو شيطاناً أخرس. فكيف وقد علمتم أن البلاء الذي وقع فيه ابن تيمية كان بسبب وشاية أبي نصر المنبجي به إلى السلطان بيبرس الجاشنكير. وذلك أن ابن تيمية بلغه تعظيم المنبجي لابن عربي وشيوع القول بوحدة الوجود بين أتباعه، فأنكر عليه ابن تيمية، مما دفع بالمنبجي إلى تسليط السلطان ضده كما حكاه بدر الدين العيني (1) .

زعمه أنه طعن بعلي رضي الله عنه
قال الحبشي "وابن تيمية هذا طعن في علي بن أبي طالب وقال إن حروبه أضرت بالمسلمين". ثم انتهى إلى أن ابن تيمية يحرف القرآن" (2) . وللجواب على ذلك نقول:
1 ) أن ابن تيمية لم يقل ذلك ومن ادعى شيئاً من ذلك فعليه الدليل. ولقد طالب الألوسي ابن حجر الهيتمي بالدليل على ذلك من كتب شيخ الإسلام. فلماذا لا يشير الحبشي إلى الموضع الذي سب فيه ابنُ تيمية علي بن أبي طالب؟
__________
(1) عقد الجمان 4/461 .
(2) شريط 13 الوجه الأول 94 .
(1/107)

ويوم أن اتهموا الطبري بالتشيع وزعموا أنه أجاز مسح الرجلين في الوضوء: ردّ الذهبي على ذلك قائلاً "ولم نر ذلك في كتبه" (1) . ونحن نطالبكم بالدليل على الطعن المزعوم المنسوب إلى شيخ الإسلام.
ولقد ذكر ابن كثير كيف قُبِض على أحد أعداء ابن تيمية وقد زوّر عليه كتاباً فقطع السلطان يده هو ومن تواطؤا معه على ذلك (2) فما يمنع أن تكون هذه الرسالة المزعومة مدسوسة عليه لا سيما وأنك تقرأ من كتبه المنتشرة ما يخالفها.
2 ) إن الحبشي لا يملك أي مستند يدعم به فريته، ولهذا لا يملك إلا أن يقول: إن ابن تيمية كتم معتقده هذا ولم يظهره في كتبه التي بين أيدينا، ولكن كيف توصل الحبشي إلى معرفة ذلك؟ ألعله اطلع على كلامه النفسي ففهم ما في نفسه من المعاني.
إنه تارة يفتري لابن تيمية رسالة عرشية غير التي بأيدينا، ويدافع عن ابن عربي تارة أخرى فيدعي وجود نسخة للفتوحات المكية ليس فيها الكلام الكفري الموجود في النسخة المتداولة. وهكذا هوىً متبع، من غير دليل.
ثم جاء صاحب كتاب التوفيق (85-89) وتحت عنوان (افتراؤه على الإمام علي) جعل ينقل عن الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة (1/114) ما يظنه دليلاً على طعن ابن تيمية بعلي رضي الله عنه، ثم نقل عن مواضع عديدة من كتاب منهاج السنة لشيخ الإسلام يستدل بها بزعمه على مسألة الطعن. وقد كان في ذلك ملبساً للحق بالباطل، ونحن سنرى خيانته وتلبيسه وكيف حرّف عبارات شيخ الإسلام وشوّهها.
نماذج من تحايل هذا الرجل
__________
(1) سيير أعلام النبلاء 14/277 .
(2) البداية والنهاية 14/22 .
(1/108)

ذكر في (ص 89) من كتابه عن ابن تيمية قوله "علي رضي الله عنه كان عاجزاً عن قهر الظلمة من العسكرين. ولم تكن أعوانه يوافقونه على ما يأمر به، وأعوان معاوي يوافقونه. وكان يرى أنه لم يحصل المطلوب بالقتال ... إلى أن قال: فأئمة السنة يعلمون أنه ما كان القتال مأموراً به ولا واجباً ولا مستحباً ولكن يعذرون من اجتهد فأخطأ (1) .
- وقال في (ص 85) "وقد ذكر ابن تيمية في حق علي في كتاب منهاج السنة (2/203) ما نصه: وليس علينا أن نبايع عاجزاً عن العدل علينا، ولا تاركاً له. فأئمة السنة يسلّمون أنه ما كان القتال مأموراً به ولا واجباً ولا مستحباً".
- وقال في (ص 89) وانظر الصحيفة (204) يقول فيها: "فإن قال الذابّ عن علي: هؤلاء الذين قاتلهم علي كانوا بغاة فقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمار رضي الله عنه: "تقتلك الفئة الباغية" وهم قتلوا عماراً.
فهاهنا للناس أقوال:
منهم من قذف في حديث عمار.
ومنهم من تأوله على أنه الباغي الطالب (2) وهو تأويل ضعيف.
وأما السلف والأئمة فيقول أكثرهم كأبي حنيفة ومالك وغيرهم: لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية.
قلت: قد صرح المرتضى الزبيدي بهذا فانظره (3) .
وقال المتجني (ص89) "مرادنا من هذا الكلام تبيين أن عليّاً هو الخليفة الواجب الطاعة وأن مخالفيه بغاة. فكيف يقول هذا السخيف [أي ابن تيمية] أنه ما كان القتال مأموراً ولا واجباً ولا مستحباً، وأنه لم يحصل للمسلمين في مصلحة لا في دينهم ولا في دنياهم. فهذا فيه مخالفة للأحاديث التي أوردناها، ليس هذا ذمّاً بعلي؟!
__________
(1) منهاج السنة 2/202 – 203 .
(2) قال شيخ الإسلام في المنهاج (2/210 – 211) "وأما تأويل من تأويله أن علياً وأصحابه قتلوه وأن الباغي: الطالب بدم عثمانك فهذا من التأويلات الظاهرة الفساد للعامة والخاصة).
(3) إتحاف السادة المتقين 2/225 .
(1/109)

قلت: لعله لم يطلع على ما قاله ابن الهمام في المسايرة من أن كثيراً من العلماء ذهبوا إلى أن قتلة عثمان لم يكونوا بغاة بل ظلمة وقتلة وعتاة لعدم الاعتداد بشبهتهم (1) . ففرق بين البغي وبين غيره.
الجواب عن شبهات الحوت
على القارئ الكريم أن يقارن ما نقله هذا الظالم بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية ليرى خيانته في النقل مع ادعائه أنه نقل كلامه نصاً وحرفاً: راجع النصوص الثلاثة الأولى المقتطعة المختزلة (2) .
ثم اقرأ ما كتبه شيخ الإسلام رداً على ابن المطهر الحلّي الرافضي بنصه " ... وعسكرُ معاوية يعلمون أن عليّاً أفضل وأحق بالأمر منه. ولا ينكر ذلك منهم إلا معاند أو مع أعمى الهوى قلبه. ولم يكن معاوية قبل تحكيم الحَكَميْن يدّعي الأمر لنفسه، ولا يتسمّى بأمير المؤمنين، وإنما ادعى ذلك بعد حُكمِ الحَكَميْن، وكان غير واحد من عسكر معاوية يقول له: لماذا نقاتل معك عليّاً وليس لك سابقته وفَضله ولا صهره وهو أولى بالأمر منك؟! فيعترف لهم معاوية بذلك، ولكن قاتلوا مع معاوية لظنهم أن عسكر علي فهيم ظلمة يعتدون عليهم كما اعتدوا على عثمان، وأنهم يقاتلونهم دفعاً لصيالهم عليهم، وقتال الصائل جائز. ولهذا لم يبدأهم بالقتال حتى بدأهم أولئك.
__________
(1) إتحاف السادة المتقين 2/225 .
(2) دعوة شيخ الإسلام وأثرها في الحركات الإسلامية المعاصرة ص 352 .
(1/110)

ولهذا قال الأشتر النخعي: إنهم ينصرون علينا لأنا نحن بدأناهم بالقتال، وعلي رضي الله عنه كان عاجزاً" (1) عن قهر الظلمة من العسكريين، ولم تكن أعوانه يوافقونه على ما يأمر به. وأعوان معاوية يوافقونه. وكان يرى أن القتال يحصل به المطلوب، فما حصل به إلا ضد المطلوب. وكان في عسكر معاوية من يتهم عليّاً بأشياء من الظلم هو بريء منها. وطالب الحق من عسكر معاوية يقول: لا يمكننا أن نبايع إلا من يعدل علينا ولا يظلمنا، ونحن إذا بايعنا عليّاً ظلمنا عسكره كما ظلموا عثمان. وعليّ إما عاجزٌ عن العدل علينا أو غير فاعل لذلك: وليس علينا أن نبايع (2) عاجزاً عن العدل علينا ولا تاركاً له.

فأئمة السنة يعلمون أنه ما كان القتال مأموراً به لا واجباً ولا مستحباً ولكن يعذرون من اجتهد فأخطأ".
"وقوله (أي الرافضي) وقاتل (أي معاوية) علياً وهو عندهم رابع الخلفاء إمام حق، وكل من قاتل إمام حق فهو باغ ظالم. فيقال له:
أولاً: الباغي قد يكون متأولاً معتقداً أنه على حق. وقد يكون متعمداً يعلم أنه باغ، وقد يكون بغيه من شبهة أو شهوة وهو الغالب".
"وعلى كل تقدير: فهذا لا يقدح فيما عليه أهل السنة فإنهم لا ينزّهون معاوية ولا من هو أفضل منه من الذنوب، فضلاً عن تنزيههم عن الخطأ في الاجتهاد. بل يقولون: إن الذنوب لها أسباب: تدفع عقوبتها من التوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفّرة. وهذا أمر يعمّ الصحابة وغيرهم ... ".
__________
(1) هذه خلاصة رأي عسكر معاوية رضي الله عنه ولكن الظالم حاول إيهام القارئ بأنه من رأي شيخ الإسلام ابن تيمية .
(2) هذا من كلام عسكر معاوية ولكن الظالم أوهم القارئ بل خدعه بأنه من كلام ابن تيمية .
(1/111)

إلى أن قال: "أما الرافضي فإذا قدح في معاوية رضي الله عنه بأنه كان باغياً ظالماً قال له الناصبي (1) . وعلي أيضاً كان باغياً ظالماً قاتل المسلمين على إمارته وبدأهم بالقتال وصال عليهم وسفك دماء الأمة بغير فائدة لا في دينهم ولا في دنياهم. وكان السيف في خلافته مسلولاً على أهل الملة ومكفوفاً عن الكفار.
والقادحون في علي طوائف: وكلهم مخطئون في ذلك ضالون مبتدعون. وخطأ الشيعة في القدح بأبي بكر وعمر: أعظم خطأ في من أولئك في علي.
وأما السلف والأئمة فيقول أكثرهم كأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم: لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية: فإن الله لم يأمر بقتالهم إبتداءً، بل أمر إذا اقتتلت طائفتان أن يصلح بينهما ثم إن بَغَتْ إحداهما على الأخرى قوتلت التي تبغي، وهؤلاء قوتلوا ابتداءً قبل أن يبدأوا بقتال".
"ومذهب أبي حنيفة وأحمد وغيرهما أن مانعي الزكاة: إذا قالوا نحن نؤديها بأنفسنا ولا ندفعها إلى الإمام لم يكن له قتالهم.

ولهذا كان هذا القتال عند أحمد وغيره كمالك قتال فتنة. وأبو حنيفة يقول: لا يجوز قتال البغاة حتى يبدءوا بقتال الإمام: وهؤلاء لم يبدءوا بل الخوارج بدءوا به. وقتال الخوارج ثابت بالنص والإجماع" (2) انتهى.
فهذا نص شيخ الإسلام ابن تيمية الذي ردّ به على افتراءات الرافضي الحلّي، ثم قارنه مع النص الثالث المتقدم الذي نقله عنه هذا الظالم مختزلاً ليثبت أنه كان يذم علياً رضي الله عنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية "قال الرافضي: وقال (أي عمر) بالرأي والحدس والظن.
__________
(1) هذا الكلام عبارة عن جدال مفترض بين رافضي وناصبي قادح في علي: وليس هو من كلام ابن تيمية، ولذلك قال بعدها ابن تيمية: والقادحون في علي طوائف: وكلهم مخطئون.
(2) منهاج السنة 2/203 – 205 .
(1/112)

والجواب أن القول بالرأي لم يختص به عمر رضي الله عنه بل علي كان من أقولهم بالرأي وكذلك أبو بكر وعثمان وزيد وابن مسعود وغيرهم من الصحابة رضي الله عنه كانوا يقولون بالرأي.
وكان رأي علي في دماء أهل القبلة من الأمور العظام كما في سنن أبي داود وغيره عن الحسن عن قيس بن عبّاد قال: قلت لعلي: أخبرنا عن مسيرك هذا أعهد عهده إليك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم رأيٌ رأيتَه (1) ؟
بل روى الأحاديث الصحيحة هو وغيره من الصحابة في قتال الخوارج المارقين".
"وأما قتال الجمل وصفين فلم يروِ أحد منهم فيه نصاً إلا القاعدون. فإنهم رووا الأحاديث في ترك القتال في الفتنة.
وأما الحديث الذي يُروى أنه أُمِرَ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين فهو حديث موضوع على النبي - صلى الله عليه وسلم - " (2) .
"ومعلوم أن الرأي إن لم يكن مذموماً فلا لوم على من قال به. وإن كان مذموماً فلا رأي أعظم ذماً من رأي أريق به دم ألوف مؤلفة من المسلمين. ولم يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين لا في دينهم ولا في دنياهم: بل نقص الخيرُ عما كان، وزاد الشر على ما كان.

فإذا كان مثل هذا الرأي لا يُعاب به: فرأيُ عمرَ وغيره في مسائل الفرائض والطلاق أولى أن لا يعاب.
مع أن علياً شركهم في هذا الرأي وامتاز برأيه في الدماء.
وقد كان ابنه الحسن وأكثر السابقين الأولين لا يرون القتال مصلحة وكان هذا الرأي أصلح من رأي بالدلائل الكثيرة" (3) انتهى.
وقد ردّ شيخ الإسلام على ابن المطهر الحلي الرافضي حين عاب عمرَ رضي الله عنه بالرأي والحدس والظن، ولكن هذا الظالم تلاعب بالنص ونقله مقطوعاً عما قبله وبعده:
حاول هذا الكاتب الظالم تنفير الناس عن شيخ الإسلام، بعدما نقل عنه نقلاً مشوهاً واستدل به على ذم علي بن أبي طالب رضي الله عنه. عليه من الله ما يستحق.
__________
(1) سنن أبي داود (4658) .
(2) اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1/410 .
(3) منهاج السنة 3/156 .
(1/113)

منزلة علي رضي الله عنه عند ابن تيمية
وغير خاف على من له إلمامٌ بكتب شيخ الإسلام أنها مليئة بالدفاع عن آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ومن نصوص شيخ الإسلام في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه الفاضحة لتزوير هذا الظالم:
قال رداً على الرافضي: "والرافضة لا يمكنهم أن يثبتوا وجوب موالاته (أي علي) كما يمكن أهل السنة، وأهل السنة متفقون على ذم الخوارج الذين هم أشد بغضاً له وعداوة من غيرهم.
وأهل السنة متفقون على وجوب قتالهم. فكيف يفتري المفتري بأن مدح هذا (أي معاوية) لبغضه علياً وذم هذا لمحبة عليّ مع أنه ليس من أهل السنة من يجعل بغض علي طاعة ولا حسنة ولا يأمر بذلك ولا من يجعل مجرد حبه سيئة. ولا معصية ولا ينهى عن ذلك.

وكتب أهل السنة من جميع الطوائف مملوءة بذكر فضائله ومناقبه وبذم الذين يذمونه من جميع الفرق.
وهم ينكرون على من سبّه وكارهون لذلك.
وما جرى من التسابِّ والتلاعن بين العسكريْن من جنس ما جرى من القتال وهم من أشد الناس بغضاً وكراهة لأن يتعرض له بقتال أو سب. بل هم كلهم متفقون على أنه أجلّ قدراً وأحق بالإمامة وأفضل عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من معاوية وأبيه وأخيه الذي كان خيراً منه.
وعلي هو أفضل ممن هو أفضل من معاوية، فالسابقون الأولون الذين بايعوا تحت الشجرة كلهم أفضل من الذين أسلموا عام الفتح، وفي هؤلاء خلق كثير أفضل من معاوية. وأهل الشجرة أفضل من هؤلاء كلهم.
وعلي أفضل جمهور الذين بايعوا تحت الشجرة، بل هو أفضل منهم كلهم إلا الثلاثة (1) . فليس في أهل السنة من يقدِّم عليه أحداً غير الثلاثة". يعني أبا بكر وعمر وعثمان.
كلمة أخيرة
أخبرونا: أين الطعن في علي الذي تزعمونه؟ لماذا التمويه على العامة من الناس؟
__________
(1) منهاج السنة 2/206 .
(1/114)

إن هذه النصوص تفضح كذب من يجعلون كلام عسكر معاوية كلام ابن تيمية، بينما يعرضون عن صريح نصوص ابن تيمية التي يثني فيها على علي رضي الله عنه اتباعاً للهوى وإيثاراً للظلم والتجني.

اتهامه بتحريم التوسل مطلقاً
قال الحبشي "ومن أشهر ما صح عن ابن تيمية بنقل العلماء المعاصرين له: تحريمه التوسل بالأنبياء والصالحين بعد موتهم وفي حياتهم، وتحريم زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال السبكي "ولم يسبق ابن تيمية في إنكاره التوسل أحد من السلف ولا من الخلف، بل قال قولاً لم يقله عالم قط" (1) .
وهذا الكلام الذي وضعت لك تحته خطأ هو محض افتراء، فإن ابن تيمية لم يحرم التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته، بل أثبته محتجاً بحديث الأعمى الذي طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو له، لكنه حرم التوسل به ميتاً واحتج بترك الصحابة التوسل به بعد موته كتوسل عمر بالعباس وتوسل معاوية بيزيد بن الأسود (2) مما يستنتج منه أن المفهوم المتأخر للتوسل ينافي فهم السلف له، حيث فهموا منه التوسل بدعاء المتوسَّل به لا بشخصه. وقد كانوا في حياته - صلى الله عليه وسلم - يأتونه ويطلبون منه أن يدعو الله أن يسقيهم.
ولابن تيمية في هذا الفهم الصحيح سلف: فقد سبقه بذلك أبو حنيفة وأحمد في أحد قوليه، وهذا يبطل ادعاء السبكي أنه لم يسبق أحدٌ ابن تيمية في موقفه من التوسل. ويكفيك أن تتطلع على هذه الفقرة وفيها:
جاء في الدر المختار (3) وهو من أشهر كتب الحنفية ما نصه "عن أبي حنيفة قال: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، والدعاء المأذون فيه المأمور به: هو ما استفيد من قوله تعالى {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.
__________
(1) المقالات السنية 26 .
(2) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة 92 و94 و126 .
(3) 2/630 ونقله القدوري وغيره عن أبي يوسف .
(1/115)

وقال أبو حنيفة "وأكره أن يقول: بحق فلان أو بِحَق أنبيائك ورسلك" (1) . وقال أبو يوسف "لا يُدعى الله بغيره". وقال المرتضى الزبيدي "وقد كره أبو حنيفة وصاحباه أن يقول الرجل: أسألك بِحَقّ فلان، أو بحق أبنيائك ورسلك، إذ ليس لأحد على الله حق" (2) وذكر الآلوسي أن نصوص علماء المذهب تدل على أن الكراهية للتحريم وهي كالحرام في العقوبة بالنار عند محمد (3) .
وأما حديث "أسألك بحق السائلين عليك" ففيه عطية العوفي وفي روايته وَهَن.

هل حرّم ابن تيمية زيارة القبور؟
وأما زعم السبكي وغيره أن ابن تيمية كان يرى المنع من زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن ابن تيمية لا يحرم زيارة القبور ولا قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كيف وقد كتب كتاباً بعنوان (الرد على البكري واستحباب زيارة قبر خير البرية)؟ ومن نقل خلاف هذا فليأت بدليل من كتب الشيخ. وإنما منع شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة، ومأخذُه النص؟!
واحدة بواحدة!!!
ونحن نذكّر الحبشي بقوله حين صرف الناس عن الزكاة قائلاً "كيف تنكرون على الشافعي ومالك فتواهما بعدم الزكاة في غير الذهب والفضة ومأخذهما النص" (4) .
ونحن نستخدم عبارته هذه ونقول: كيف تُنكِر على ابن تيمية فتواه بتحريم شد الرحال إلى غير المساجد ومأخذه النص؟ وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاث: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا" (5) .
كتب كتاباً بعنوان (الرد على البكري واستحباب زيارة قبر خير البرية)؟ ومن نقل خلاف هذا فليأت بدليل من كتب الشيخ. وإنما منع شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة، ومأخذُه النص؟!
__________
(1) الفتاوى الهندية 5/280 .
(2) إتحاف السادة شرح إحياء علوم الدين 2/285 .
(3) جلاء العينين 452 .
(4) بغية الطالب 160 .
(5) رواه البخاري (1189) و(1864) و(1197) ومسلم (827).
(1/116)

وابن تيمية لم يتفرّد بهذا القول بل قاله الإمام الجويني وهو من كبار أصحاب المذهب الأشعري، كما حكاه عنه النووي (1) وحكاه المناوي عن القاضي عياض والقاضي حسين في تحريم شد الرحال لمجرد زيارة القبر (2) .
ولئن كان النووي قد تعقب الجويني وخالفه فإن اعتراضه مردود بموقف الإمام مالك الذي كان يرى تحريم شد الرحال إلا إلى المساجد الثلاث تمسكاً بالحديث النبوي.

أكذوبة تحريم زيارة القبر النبوي
وقد دافع ابن كثير عن هذا الافتراء قائلاً "فانظر إلى التحريف على شيخ الإسلام فإنه. جوابه ليس فيه منع زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وإنما فيه ذكر قولين في شد الرحال والسفر إلى مجرد زيارة القبور، وزيارة القبور من غير شد رحال شيء: وشد الرحال لمجرد الزيارة أمر آخر. والشيخ لم يمنع الزيارة الخالية عن شد رحل، بل يستحبها ويندب إليها، وكتبه ومناسكه تشهد بذلك، ولم يتعرض إلى الزيارة ولا قال إنها معصية ولا حكى الإجماع على المنع منها ولا هو جاهل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "زوروا القبور فإنها تذكّر الآخرة" (3) . بل صرح بأن السفر لزيارة مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبره معاً مستحب ويدخل القبر تبعاً (4) .
وجوب التفريق بين الزيارة وبين شد الرحال
وإنما قال - صلى الله عليه وسلم - "لا تُشَدُّ الِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا" ولم يقل "وقبري هذا" والحديث نصٌ في تحريم شد الرحال إلى القبور" (5) .
- نعم قال الحافظ العسقلاني أن تحريم زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية (6) .
__________
(1) النووي على مسلم 9/106 و168 .
(2) فيض القدير 6/403 .
(3) البداية والنهايرة 14/124 .
(4) الرد على الأخنائي 172 – 173 .
(5) البخاري (1995) ومسلم (1338) .
(6) فتح الباري 3/66 .
(1/117)

قلت بل من المسائل المكذوبة عليه، ولا يفيد قول الحافظ العسقلاني له ولكن عموم كلامه يدل على أنه لا يزال له قدره ومنزلته عنده لا سيما وأنه وصفه بالعلامة في (فتح الباري 6/289) وبـ "الحافظ" كما في (التّلخيص الحبير) كما سيأتي واحتج به في الحكم على كذب رواية (وهو الآن على ما عليه كان) وأنها ليست في شيء من كتب الحديث.

الحافظ يعطيه رتبة حافظ
فخذوه حيث حافظ عليه نص
بل أعطاه ابن حجر رتبة ((حافظ)). فقد ذكر في (التلخيص الحبير 3/109) حديث (الفقر فخري وبه أفتخر) ثم قال "وهذا الحديث سئل عنه الحافظ ابن تيمية فقال: إنه كذب لا يُعرَف في شيء من كتب المسلمين المروية".
والتحريم المزعوم لزيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - إنما هو شيء ألزمه به أعداؤه كما اعترف بذلك الحافظ نفسه. وكان السبكي واحداً من أبرز الملزمين له بذلك حين زعم أنه يحرّم زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - مع علمه أنه يحرّم شد الرّحال إليه ولا يحرّم مجرد الزيارة.
فقد أكد أن زيارة المسجد النبوي الشريف (ثم) زيارة القبر النبوي عمل صالح ومستحب (1) ، جلّ ما في الأمر أنه يفرق بين الزيارة الشرعية وبين الزيارة البدعية التي تتضمن إما السفر من أجل القبر وإما المخالفات التي تُرتكب عند القبر من تقبيل الجدران والاستغاثة به - صلى الله عليه وسلم - أو أن يكشف ضراً أو يقضي حاجة. وحصول الخشوع والإقبال على الدعاء لمجرد الوقوف عند القبر بما لا يحصل مثله بين يدي الله في الصلاة". قال:
__________
(1) الجواب الباهر 14 .
(1/118)

"فالزيارة الشرعية مقصودها السلام على الميت والدعاء له، سواء أكان نبياً أو غير نبي، ولهذا كان الصحابة إذا زاروا قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلّمون عليه، ويدعون له ثم ينصرفون، ولم يكن أحد منهم يقف عند قبره ليدعو لنفسه، وقال "وقد اتفق العلماء على أن من زار قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين من الصحابة وأهل البيت أنه لا يتمسح به ولا يقبّله، بل ليس في الدنيا من الجمادات ما يشرع تقبيلها إلا الحجر الأسود، وقد ثبت في الصحيحين أن عمر قال "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبّلتُك".
أضاف:
"ولهذا لا يسن باتفاق الأئمة أن يقبل الرجل أو يستلم ركنَيْ البيت ولا مقام إبراهيم ولا صخرة بيت المقدس ولا قبر أحد من الأنبياء والصالحين "فهذه هي الزيارة البدعية وهي من جنس دين النصارى وهو أن يكون قصد الزائد أن يُستجاب دعاؤه عند القبر أو أن يدعو الميت أو يقسم به على الله في طلب حاجاته وتفريج كرباته، فهذه من البِدَع التي لم يشرعها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا فعلها أصحابه" (1) .
قال:
"وأما زيارة القبور المشروعة فهو أن يسلم على الميت ويدعو له بمنزلة الصلاة على جنازته كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين ... " (2) .
وبهذا يتبين لك غلط السبكي وأمثاله على ابن تيمية حيث نسبوا إليه ما ثبت خلافه من كلامه، وسارعوا إلى ركوب أهوائهم من غير أن تثبت. ولهذا صرح الحافظ ابن حجر أن تحريم زيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - من المسائل المنسوبة إلى ابن تيمية.
__________
(1) كتاب الزيارة 13 – 14 .
(2) كتاب الزيارة 81 – 88 .
(1/119)

أما قوله (مستشنع) فليس فيه مذمة، فقد قال بعض أهل العلم إن مسألة التزوج بالبنت من الزنا من أبشع المسائل المنقولة عن الشافعي وأن جواز التيمم بالثلج من أبشع المسائل المنقولة عن مالك. وأن تزوج المغربي من المشرقي (وبالعكس) ثم ولدت الزوجة ولداً يلحق بالأب وإن لم يجتمع الزوجان قط: من أبشع المسائل المنقولة عن أبي حنيفة.
الجويني سبق ابن تيمية بهذه الفتوى
وقد تحدى الحبشي أن يكون أحد من السلف أو الخلف سبق ابن تيمية زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) ، ونحن نتحداه أن يأتي بدليل من كلام ابن تيمية يحرّم فيه زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أما تحريم شد الرحال إلى القبر فقد سبقه إلى ذلك الإمام الحرمين كما حكاه عنه النووي والمناوي (2) .
وقال الإمام مالك قبلهما "أكره أن يقول القائل: زرت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - " ولا يعني هذا تحريم زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما تحريم السفر من أجله تمسكاً بالحديث. ويجب التفريق بين زيارة القبر وبين شد الرحال إليه لا كما يفعله الشيعة. وحاشا مالكاً أن يكون بذلك مخالفاً للإجماع وهو أعلم أهل زمانه. فإنه لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه كان يأتي من سفر للقدوم على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما كان من فعل ابن عمر. وقد جاء في مصنف عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر أنه قال: ما نعلم أحداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك إلا ابن عمر".

الرافضة وأضرحة الأئمة
__________
(1) المقالات السنية 137 .
(2) فيض القدير 6/403 وشرح مسلم 9/106 و168 .
(1/120)

ولقد بيّن ابن تيمية أمراً مهماً تجب ملاحظته وعدم إغفاله وهو أن أول من وضع الأحاديث المكذوبة في السفر لزيارة المشاهد (أضرحة الأئمة والأولياء) هم أهل البدع الرافضة الذين يعطلون المساجد ويعظمون المشاهد: يتركون بيوت الله التي أمر أن يُذكر فيها اسمُه، ويعظمون المشاهد التي يُشرَك عندها به، والكتاب والسنة جاءا بتعظيم المساجد لا المشاهد. قال تعالى {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وليس عند كل ضريح أو مقام.
الشرك المجرب وليس الترياق المجرب
أما روايات الحبشي المظلمة التي يزعم فيها أن "قبر معروف الكرخي: الترياق المجرب" فما أظلم وأكذب أسانيده في العقائد التي نقض بها ما تعهد به، أنه لا تجوز الرواية في أمور العقائد إلا بما صح سنده، ولئن كان هذا الترياق مجرّباً فما بال الصحابة لم يجربوا (ترياق) قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟!! لماذا تدافعون عن شيء هلك به المشركون وبنوا لأجله الأصنام؟
إنكم لن تجدوا في أفعال الصحابة ما يوافق ذلك اللهم إلا الشيعة ومن قبلهم اليهود والنصارى ومن قبلهم قوم نوع الذين كانوا يعتبرون قبور ود سواع ويغوث ويعوق ونسر: هي الترياق المجرب: أعني الشرك المجرب: هم سلفكم: يا خلفَهُم!
أما قول إبراهيم الحربي (الترياق المجرب) فهو أولى عندكم بالأخذ من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "لعن الله اليهود والنصارى: اتخذوا قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد". تعارضون ما صح سنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الأكاذيب المروية من غير المعصومين!!!

منهجية السبكي في إثبات الزيارة
ومصادره في هذه المسألة
ولم يلتفت السبكي إلى تفريق ابن تيمية بين مجرد زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين شد الرحال إليه، فكتب كتاباً بعنوان "شفاء السقام في زيارة خير الأنام" ملأه بالموضوع والمكذوب من الروايات.
(1/121)

وقد رد عليه الحافظ بن عبد الهدي وفند جميع رواياته الضعيفة في كتاب بعنوان (الصارم المنكي في الرد على السبكي) قال فيه:
"أما بعد فإني وقفت على هذا الكتاب فوجدته كتاباً مشتملاً على تصحيح الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وتقوية الآثار الواهية والمكذوبة، وعلى تضعيف الأحاديث الصحيحة الثابتة" (1) .
وصرح الحافظ بأن طرق حديث "من زار قبري" كلها ضعيفة ونقله عن ابن خزيمة أنه لم يصح حديث في هذا الباب (2) .
منهجية السبكي في رد ابن تيمية
غير أن السبكي لم يلتفت إلى تفريق ابن تيمية وكتب كتاباً بعنوان "شفاء السقام في زيارة خير الأنام" مع أنه نقل فيه عنه التفريق بين الزيارة البدعية والزيارة الشرعية (3) .
ويا ليت السبكي لم يكتب هذا الكتاب، فقد ملأه بالموضوع والمكذوب من الروايات، فكشف بكتابه هذا عن مدى علاقته بفن الحديث. ودافع الحبشي بدوره عن هذه الروايات بتعصب وانحراف بالغين (4) .
وقد اقترح السبكي أن يسمي كتابه "شن الغارة على من أنكر الزيارة" لكن سلاحه لا يصلح لشن الغارة لأنه ضعيف لم يزد خصمه إلا رسوخاً وثباتاً فضلاً عن أن زعمه أن خصمه أنكر الزيارة هو ظلم كبير لا سيما إذا علم أن لابن تيمية كتاباً اسمه "الرد على البكري واستحباب زيارة قبر خير البرية".
وقد رد الحافظ ابن عبد الهادي على كتاب السبكي المذكور قائلاً "أما بعد فإني وقفت على هذا الكتاب فوجدته كتاباً مشتملاً على تصحيح الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وتقوية الآثار الواهية والمكذوبة، وعلى تضعيف الأحاديث الصحيحة الثابتة" (5) .
__________
(1) الصارم المنكي في الرد على السبكي 18 – 19 .
(2) انظر لسان الميزان 6/258 وميزان الاعتدال 4/225 .
(3) شفاء السقام 129 .
(4) انظر كتابه المقالات السنية ص 139 .
(5) الصارم المنكي في الرد على السبكي 18 – 19 .
(1/122)

ويكفي اليوم في الرد على السبكي: مجرد تخريج الأحاديث التي حشاها في كتابه ليتعرَف المنصف على صدق كلام ابن عبد الهادي وعلى ضعف السبكي في علم الحديث، وعلى تعصبه وعدم إنصافه لابن تيمية، ولنذكر بعضاً من هذه الأحاديث من غير توسع في تخريجها:
ـ "من زار قبري وجبت له شفاعتي" (1) .
ـ "من جاءني زائراً لا يعمله حاجة إلا زيارتي كان حقاً على الله أن أكون له شفيعاً" (2) .
ـ "ما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر" (3) .
ـ "من لم يزر قبري فقد جفاني" (4) .
ـ "من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي" (5) . قال الشيخ محمد بن درويش الحوت في (أسنى المطالب ص429) "رواه البيهقي وفيه حفص القاريء رمي بالكذب".
ـ "من حج البيت ولم يزُرني فقد جفاني" (6) . قال الشيخ محمد بن درويش الحوت في (أسنى المطالب ص467) "لا يصح".
وتعجب كيف يمكن أن يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا وهو الذي صح عنه أنه قال "لا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم". وكيف يسأل ربه أن لا يجعل قبره وثناً ثم يأمر بشد الرحال إليه بل يوبخ من لا يفعل ذلك ويصفه بالمجافاة؟!

ـ "من زارني إلى المدينة كنت له شفيعاً وشهيداً" (7) .
__________
(1) شفاء السقام 2 ضعفه السيوطي والألباني (إرواء الغليل 1127 اللآلئ المصنوعة 2/129).
(2) شفاء السقام 16 ضعفه الحافظ ابن حجر في التلخيص 2/267 .
(3) شفاء السقام 16 ضعفه الألباني في كتابه "دفاع عن الحديث" 109 .
(4) شفاء السقام 39 ذكره ابن الجوزي في الموضوعات 2/217 .
(5) شفاء السقام 20 ضعيف انظر الإرواء 1128 وسلسلة الضعيفة 47 ومشكاة المصابيح 2756 .
(6) شفاء السقام 39 قال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء "ذكره ابن الجوزي في الموضوعات" الإحياء 1/258 .
(7) شفاء السقام 36 ضعفه الحافظ في التلخيص 2/267 وانظر ميزان الاعتدال 1/53 .
(1/123)

ـ "من زارني متعمداً كان في جواري يوم القيامة" (1) .
ـ "من زارني بعد موتي فكأنما زارني وأنا حي" (2) . قال الشيخ محمد بن درويش الحوت في (أسنى المطالب ص435) "رواه الدارقطني وفي سنده مجهول". فهذا اعتراف من مشايخ الأحباش المعتبرين فاعتبروا يا أولي الأبصار.
فهذه الروايات الضعيفة التي تحث على اتخاذ القبور مساجد تتعارض مع الروايات الصحيحة الناهية عن اتخاذ القبور مساجد كحديث "لا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك".
وليس شيء من هذه الأحاديث صحيحاً حتى تكون شفاءً للسقام وإنما هي بين موضوع وضعيف جداً فكيف تكون شفاءً للسقام، وإنما كان هذا السقم نفسه هو رأسمال السبكي في رده على صحاح البراهين التي احتج بها ابن تيمية، ولم يستطع مناقضته ولا بحديث واحد صريح صحيح، لأنه لا يوجد.

ابن تيمية ومسألة الطلاق
وأما اتهامه لابن تيمية بمخالفة إجماع الأئمة في مسألة طلاق الثلاث وطلاق اليمين. فنسأل أولاً:
هل كل مخالفة للأئمة تكون مخالفة للدين؟
وهل كان تفرُّدُ ابن تيمية في هذه المسألة مخالفاً لما كان يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟
وهل كان مخالفاً بعضَ الأئمة أم خالف إجماعهم؟
إن كانت من مسائل الاجتهاد فلا ضير أن يجتهد من وصفه ابن حجر والسيوطي بالحافظ والعلامة وشيخ الإسلام ومجتهد وقته وبحر عصره. أما أن يكون مخالفاً للإجماع فلا يقول ذلك إلا (حقود أو جاهل) أو (واهم).
قال الحافظ ابن حجر "ويتعجب من ابن التين حين جزم بأن لزوم الثلاث لا اختلاف فيه، مع ثبوت الاختلاف كما ترى" (3) .
__________
(1) شفاء السقام 31 نقده الذهبي في ميزان الاعتدال ترجمة رقم (9168).
(2) ذكره السيوطي في الأحاديث الموضوعة 2/130 .
(3) فتح الباري 9/363 .
(1/124)

وقال النووي "وقد اختلف العلماء فيمن قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً، فقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء من السلف والخلف: يقع الثلاث، وقال طاووس وبعض أهل الظاهر: لا يقع بذلك إلا واحدة، وهو رواية عن الحجاج بن أرطأة ومحمد بن إسحاق، والمشهور عن الحجاج بن أرطأة أنه لا يقع به شيء، وهو قول ابن مقاتل، ورواية عن محمد بن إسحاق" (1) .
قلت: وهو قول جماعة من الصحابة كابن عباس والزبير بن العوّام وعبد الرحمن بن عوف كما حكاه ابن وضّاح وابن مغيث في (كتاب الوثائق) (2) وأفتى به علي بن أبي طالب وابن مسعود، ومن التابعين ابن المسيب وجماعة من التابعين والفقهاء كعطاء وطاوس وعمرو بن دينار كما ذكر الألوسي في تفسير روح المعاني، وكأحمد بن بقي بن مخلد ومحمد بن القاسم بن هبة الله الشافعي (3) قالوا إن طلاق الثلاث طلاق بدعي وكل بدعة مردودة" (4) .
__________
(1) شرح مسلم 10/325 حديث رقم (1472).
(2) فتح الباري 9/ 363 .
(3) ذكره ابن كثير من جملة المفتين بذلك. البداية والنهاية 13 / 132 .
(4) أعلام الموقعين 3/38 .
(1/125)

وأفتى به من المتأخرين جمع من العلماء والمفتين أبرزهم الشيخ عبد المجيد سليم الحنفي المصري شيخ الجامع الأزهر ومفتي الديار المصرية. وقد بحث المسألة بحثاً شديداً. قال الفقي "وكانت خاتمة بحثه ومحط رأيه: أننا لو طرحنا الأحاديث لِمَا يقال من اضطرابها وعدم بيانها: يبقى معنا النص القرآني {الطّلاَقُ مَرَّتَانِ ... } فمما لا يشك فيه بعد ذلك أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد لا يقع إلا واحدة" (1) . والشيخ أحمد شلتوت الذي قال "وعلى هذا فلا نحكم بوقوع الطلاق إلا إذا كان مرة مرة وكان منجزاً مقصوداً للتفريق، في طهر لم يقع في طلاق ولا إفضاء وكان الزوج بحالة تكمل فيها مسئوليته. وبهذا لا نحكم بوقوع الثلاث دفعة واحدة إذا قال: أنت طالق ثلاثاً" (2) .
__________
(1) حاشية الفقي على المنتقى للمجد ابن تيمية 2/600 .
(2) الفتاوى للشيخ شلتوت ص 310 ط: دار الشروق. القاهرة – بيروت.
(1/126)

وقال الحافظ ابن حجر "ومن القائلين بالتحريم واللزوم من قال: إذا أطلق ثلاثاً مجموعةً وقعت واحدة، وهو قول محمد بن إسحاق صاحب المغازي، واحتج بما رواه عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: طلّق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثاً فحزن على طلاقها حزناً شديداً فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - "كيف طلقتها؟ قال: طلقتها ثلاثاً، فقال: في مجلس واحد؟ قال نعم، قال: فإنما تلك واحدة فارتجعها إن شئت" (1) .
قال الحافظ "وهذا الحديث نص في المسألة لا يُقبل التأويل الذي في غيره من الروايات الأخرى".

وأما رواية أبي داود وفيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استحلف ركانة "آلله ما أردتَ إلا واحدة؟ فقال ركانة والله ما أردتُ إلا واحدة" ففيها علي بن يزيد بن ركانة وهو مجهول وابنه عبد الله: ضعيف والزبير بن سعيد: ضعيف. قال الترمذي (رقم 1177) "وسألت محمد (أي البخاري) عن هذا الحديث فقال: فيه اضطراب" وقال الحافظ المنذري "ضعّفوه" وأعلّ الحافظ في التلخيص (3/213) طرق هذا الحديث (2) .
__________
(1) رواه البيهقي وقال "هذا الإسناد لا تقوم به حجة" وقال الألباني "هذا الإسناد صححه الإمام أحمد والحاكم والذهبي وحسّنه الترمذي في متن آخر، وذكرنا اختلاف العلماء في داود بن الحصين وأنه حجة في غير عكرمة، ولولا ذلك لكان إسناد الحديث لذاته قوياً ولكن ذلك لا يمنع من الاعتبار بحديثه والاستشهاد بمتابعتها لبعض بني رافع، فلا أقل من أن يكون الحديث حسناً بمجموع الطريقين عن عكرمة، وكلام ابن حجر في الفتح يشعر بأنه يرجح صحته أيضاً، فإنه قال "أخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه من طريق محمد بن إسحاق . . . ويقوي حديث ابن إسحاق المذكور ما أخرجه مسلم (فتح الباري 9/362 إرواء الغليل 7/144).
(2) انظر إرواء الغليل 7/139 .
(1/127)


---