الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أمَّا بعد :
لمَّا كنتُ سبباً في اتهام هذا الإمام الكبير – الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله تعالى - بتهمة هو منها براء ، ألا وهي تهمة التجسيم ، فقد كان لزاماً عليَّ أن أدفع عن هذا الإمام رحمه الله تعالى هذه التهمة التي لا تثبت عليه ، وهذه الفرية التي لم تصح عنه رحمه الله تعالى ، كما سنرى إن شاء الله تعالى .
والسبب في ذلك هو أنَّي قد احتججتُ على أحد المبتدعة – هداه الله تعالى – بكلام له في إثبات صفة :" العلو لله تعالى ". وذلك في إحدى المنتديات الصوفية ، فما كان منهم إلاَّ أن اتهموه بالتجسيم ، وتكلموا عليه بكلام فظيع تقشعر منه الأبدان ، وليس هذا فحسب ، بل قالوا عن عقيدته التي يقول بها - وبكل جرأة ووقاحة – بعد أن نقلوا بعض أقوله والتي فهموا منها التجسم :
" وفي هذا القدر الكفاية لنعلم عقيدة هذا المسمَّى بالدارمي ، فهل هذه عقيدة المسملين أم هي عقيدة النصارى الملحدين ".
وإليكم هذه الأقوال التي ظنوا أنَّها تسعفهم في إثبات عقيدة التجسيم على هذا الإمام السني الكبير :" عثمان بن سعيد الدارمي ". رحمه الله تعالى .
فقد قالوا هناك – بعد أن نقلتُ لهم إجماع كلمة المسلمين على أنَّ الله تعالى في السماء - :" الدارمي هذا مجسم في الأصل فهو إجماعهم أنتم الحشوية فمن يقول أنَّ الله يتحرك وله لسان وفم وخزعبلات والعياذ بالله ، لا يُنظر إلى أقولك لأننا نشاهدها عند النصارى واليهود فقط .
وليعلم الأخوة إنَّ هذا الدارمي غير الإمام الدارمي المحدث ، حتى لا يشتبه عليكم الاسم فشتان بين هذا وذاك .
فنعرفكم بالدارمي وأقوله وهل هذا ينظر إلى كلامه في الأصل :
لله له لسان
نعم لله :( تعالى الله ). لسان عن الدارمي حيث يقول عثمان بن سعيد الدارمي في نقضه على المريسي ص 316 ما نصه :( الكلام لا يقوم بنفسه شيئاً يرى ويحس إلاَّ بلسان متكلم به ".
وفي ص :81 من نفس الكتاب من مطبوعة السويد 1960 يقول الدارمي :
قال كعب الأحبار : لمَّا كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه طفق موسى يقول : أي رب ما أفقه هذا حتى كلمة ءاخر الألسنة بلسانه بمثل يعني بمثل لسان موسى وبمثل صوت موسى ". هذا نص كلامهم بالحرف .
وفي هذا النص العديد من المغالطات البينة ، بل والكذب المكشوف أيضاً :
أولاً – اتهامهم الإمام الدارمي رحمه الله تعالى بأنَّه مجسم ، وهذا كذب وافتراء عليه رحمه الله تعالى ، بل كان رحمه الله تعالى سيفاً على المجسمة ، كما كان سيفاً على المعطلة سواءً بسواءً ، كما سنرى إن شاء الله تعالى .
و من توفيق الله لي في الدفاع عن هذا الإمام الكبير ، أنَّي سأبرأه من هذه التهمة ، و من كتب الأشاعرة أنفسهم .
1 - فقد ترجم له تاج الدين السبكي – الأشعري - رحمه الله تعالى في كتابه طبقات الشافعية الكبرى ، فقال ما نصه :(2/302).
" محدث هراة وأحد الأعلام الثقات ومن ذكره العبادي في الطبقات قائلاً :" الإمام في الحديث والفقه أخذ الأدب عن ابن الأعرابي والفقه عن البويطي والحديث بن يحيى بن معين ".
قلت – اي السبكي - : كان الدارمي واسع الرحلة طواف الأقاليم ولقى الكبار ".
ثُمَّ قال ما نصه :(2/303).
" وللدارمي كتاب في الرد على الجهمية ، وكتاب في الرد على بشر المريسي ، ومسند كبير وهو الذي قام على محمد بن كرَّام الذي تنسب إليه الكرامية وطردوه عن هراة ، وكان من خبر ابن كرَّام هذا وهو شيخ سجستان مجسم ".
ثُمَّ عقد باباً في نهاية ترجمته بعنوان :
فذكر من غرائبه مسائل فقهية تفرد بها ، منها قوله بتحريم الثعلب ، فعقب عليه السبكي بقوله في الطبقات :(2/306)0" قلت قوله بتحريم الثعلب غريب ".
ففي كلام تارج الدين السبكي – الأشعري المذهب بل إمام كبير من أئمة الأشاعرة – تصريح واضح بأنَّه ليس بمجسم ، إذا كيف يتفق عند العقلاء أنَّ من يطرد المجسمة ، و يقوم عليهم بالأنكار ، و هوفي الوقت نفسه هو مجسم ، وعلى عقيدة المجسمة .
ثُمَّ هل يُعقل أن يتعقب السبكي رحمه الله تعالى على الإمام الدارمي هذه المسألة الفقهية ، ويترك التعقيب عليه في أمهات المسائل والقضايا ، وهي مسألة التجسيم فيما لوكان بالفعل مجسماً ..؟؟. فهل يُعقل هذا ..؟؟.
2 – و ترجم له - أي للإمام الدرامي - الحافظ الأشعري الكبير ابن عساكر رحمه الله تعالى في كتابه :" تاريخ دمسق ". ترجمة حافلة .
فأخرج رحمه الله تعالى في كتابه :" تاريخ دمشق ". :(38/363). بسنده إلى أبي الفضل بن إسحاق وهو يعقوب القراب قال : ما رأينا مثل عثمان بن سعيد ولا رأي عثمان مثل نفسه أخذ الأدب عن ابن الأعرابي والفقه على أبي يعقوب البويطي ، والحديث عن يحيى بن معين وعلي بن المديني ، وتقدم في هذه العلوم ".
وأخرج أيضاً :(38/363). بسنده إلى أبي يعقوب الأعمشي أنَّه قال :" ما رأيتُ في المحدثين مثل محمد بن يحيى وعثمان بن سعيد ويعقوب بن سفيان ".
فهل يعقل أن يكون مجسماً ، ويترجم له الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى – وهو أشعري المذهب - هذه الترجمة الحافلة ، ولا يذكر شيئاً عن هذا التجسيم الذي اتهمه به هؤلاء المفترون ، سبحانك اللهمَّ إن هذا إلاَّ بهتان مبين .
3 - و ذكره الإمام البغدادي رحمه الله تعالى في كتابه :" أصول الدين " - والذي دافع في هذا الكتاب عن عقيدة الأشاعرة أيما دفاع – تحت باب :
فقال رحمه الله تعالى ما نصه :(ص314).
" ومنهم عثمان بن سعيد الدارمي الذي أخذ النحو والعربية عن ابن الأعرابي ، والفقه عن البويطي ، والحديث عن يحيى بن معين وعلى بن المديني ، وكان في نوع إماماً ".
والظاهر أنَّ البغدادي – الأشعري - رحمه الله تعالى ، قد نسي أن يذكر أنَّه كان إماماً في التجسيم أيضاً ، سبحان الله ما أجرأكم على الكذب والإفتراء ..!!.
4 - كما ترجم له الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى ، في كتابه طبقات الحفاظ فقال ما نصه :(ص277رقم627).
" عثمان بن سعيد بن خالد الدارمي السجستاني الإمام الحجة الحافظ أبو سعيد ".
ثُمَّ نقل عن أبي الفضل الجارودي قوله فيه :(ص278).
:" كان إماماً يقتدى به في حياته وبعد مماته ".
فكيف يٌقتدى بمجسم في حياته وبعد مماته ..؟؟. وهل يصح من الحافظ السيوطي – الصوفي الأشعري – أن يتستر على مجسم عقيدته :" عقيدة النصارى الملحدين ".
فهذه نصوص أئمتكم – إذا كان لكم أئمة أصلاً – تصرخ في براءة هذا الإمام الكبير من هذه التهمة الجسيمة ، فإمَّا أنتم أعلم وأفهم من أئمتكم هؤلاء ، أو أنَّهم قد تستروا على هذا المجسم والذي عقدته :" هي عقيدة النصارى الملحدين ". كما قلتم في حقه ، وبالتالي فإنَّه يلزمكم تكفير هؤلاء الحافظ – تاج السبكي وابن عساكر والبغدادي والسيوطي رحمهم الله تعالى جميعاً - وكلهم أشاعرة كما تعلمون ، لأنَّهم قد تواطئوا جميعاً في التستر على عقيدة هذا المجسم ، والذي قد وصفتم عقيدته بقولكم:" هي عقيدة النصارى الملحدين ". بل وليس هذا فحسب ، وجعلوه إماماً يٌقتدى به في الحياة وبعد الممات .
ثانياً – وأمَّا قولكم :" وليعلم الأخوة إنَّ هذا الدارمي غير الإمام الدارمي المحدث ، حتى لا يشتبه عليكم الاسم فشتان بين هذا وذاك ".
فهذا من جهلكم في مقام الرجال ، وتعصبكم الذي جعلكم تطعنون في إمام كبير من أئمة السنة والحديث – وهذا باعتراف أئمتكم كما قد رأينا – فالرجل جليل القدر رفع المنزلة عند أهل العلم – انتبهوا على عبارتي جيداً عند أهل العلم - بل هو محدث كبير ، بل هو من طبقة الإمام البخاري وأبو حاتم الرازي وهذه الطبقة العالية ، وفي ذلك يقول الخليلي رحمه الله تعالى في الإرشاد في رجال الحديث ما نصه :(3/877).
" عثمان بن سعيد الدارمي كبير المحل عالم بهذا الشأن ، يُقارن بالبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم ، سمع بالعراق القعنبي وأبا الوليد وأبا نعيم وأحمد بن يونس ومن بعدهم ، وأخذ علم الحديث عن علي بن المديني ويحيى بن معين ، والبعض عن أحمد بن حنبل ، وله عنهم تاريخ ينفرد به ، وصنَّف لنفسه تاريخاً .. إلى أن قال الخليلي رحمه الله تعالى : " وسمعتُ عبد الله بن محمد الحافظ يقول :" كان عثمان بن سعيد ثقة متفقاً عليه ".
فقد خفي حاله على جميع هؤلاء الأئمة - الذي أخذ عنهم العلم - أمثال علي بن المديني أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والعقنبي وأبو نعيم - الفضل بن دكين – وغيرهم من كبار الأئمة ، بأنَّه مجسم ، وأنَّ عقيدته :" عقيدة النصارى الملحدين ".
خفي حاله على هؤلاء الأئمة مع العلم بأنَّهم معاصرون له ، وقد عايشوه وعايشهم ، في حين عرفه هؤلاء الجهابذة المعاصرون – أمثالكم – والذين أتوا بعده بأكثر من 1200 سنة ، فأكبر ظني أنَّكم اكتشفتم هذا الاكتشاف الخطير ، عن طريق الكشف الصوفي الذي تحترفونه ..!!.
وقال فيه ابن حبَّان في الثقات :(8/455).
" عثمان بن سعيد الدارمي أبو سعيد السجستاني سكن هراة أحد أئمة الدنيا ، يروي عن أبي الوليد وأهل العراق حدَّثنا عنه ابنه محمد بن عثمان بن سعيد مات سنة إحدى وثمانين ومائتين أو ثمانين ومائتين ".
ونسي أن يقول ابن حبَّان :" أنَّه أحد أئمة الدنيا في التجسيم ". لذا أطلب منكم يا جهابذة هذا العصر أن تتضيفوا هذه العبارة إلى كلام ابن حبَّان ، فأنتم أهدى وأعلم من هؤلاء الأئمة الأفذاذ رحمهم الله تعالى .
وقبل أن أنهي هذا الجزء الأول – من الدفاع عن هذا الإمام الكبير – عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله تعالى ، أحب أن أذكر أهم مفاخره العلمية التي تركها لنا ألا وهي كتابه الفذ الكبير :" تاريخ يحيى بن معين ".
فهو أحد العلماء الأفذاذ الذين كان لهم الفضل – بعد الله سبحانه وتعالى – في الحفاظ على تراث هذا الإمام الكبير يحيى بن معين رحمه الله تعالى ، حيث روى لنا هذا التاريخ الحافل في النقل الموثق عن يحيى بن معين في جرح الرواة وتعديلهم .
ومن ينظر في كتب الرجال التي أُلفت من بعده - ككتاب :" الكامل في الضعفاء ". لابن عدي ، و :" الضعفاء للعقيلي ". و من بعدهم ككتاب تهذيب الكمال للحافظ المزي ، واختصاره :" تهذيب التهذيب ". للحافظ ابن حجر ، وكتب الحافظ الذهبي :" كسير أعلام النبلاء ". و :" تذكرة الحفاظ ". و :" ميزان الاعتدال في نقد الرجال ". والقائمة تطول - وأمعن النظر في هذه الكتب لوجد أثر عثمان بن سعيد الدارمي شاخصاً إمامه ، يرفض ما أفتراه عليه هؤلاء المفترون هداهم الله تعالى .
إذ كيف لهؤلاء الأئمة الثقات ، أن يثقوا بنقل هذا المجسم في نقله عن يحيى بن معين ، في توثيقه للرجال ، و تضعيفه ..؟؟.
ومن هنا نقول :
إنَّ قولكم : " وليعلم الأخوة إنَّ هذا الدارمي غير الإمام الدارمي المحدث ، حتى لا يشتبه عليكم الاسم فشتان بين هذا وذاك ". بقصد الانتقاص منه ومن علمه ، لا يدل إلاَّ على جهلكم المطبق ، بمقام أهل العلم ورجاله .
وإذا حُقى لنا أن نفاضل بين الدارمييْن ، فلا شكَّ على أنَّ عثمان بن سعيد الدارمي يُقدم على عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي .
ولكن هذا التفضيل ليس من حقنا - ومن باب الأولى ليس من حققكم من بعد ما تبين لنا جهلكم وافترائكم على الأئمة ، بل وتكفيركم لإمام كبير كعثمان الدارمي رحمه الله تعالى - أقول ليس من حقنا ولا من حققكم في أن نفاضل بين هذين العلميْن رحمهما الله تعالى ، والويل لمن يكون أمثال هؤلاء الأئمة خصمه يوم يقوم النَّاس لرب العالمين.
يتبع إن شاء الله تعالى في الجزء الثاني لتفنيد شبهاتهم الأخرى ، إن شاء الله تعالى .
أخوكم من بلاد الشام
أمَّا بعد :
لمَّا كنتُ سبباً في اتهام هذا الإمام الكبير – الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله تعالى - بتهمة هو منها براء ، ألا وهي تهمة التجسيم ، فقد كان لزاماً عليَّ أن أدفع عن هذا الإمام رحمه الله تعالى هذه التهمة التي لا تثبت عليه ، وهذه الفرية التي لم تصح عنه رحمه الله تعالى ، كما سنرى إن شاء الله تعالى .
والسبب في ذلك هو أنَّي قد احتججتُ على أحد المبتدعة – هداه الله تعالى – بكلام له في إثبات صفة :" العلو لله تعالى ". وذلك في إحدى المنتديات الصوفية ، فما كان منهم إلاَّ أن اتهموه بالتجسيم ، وتكلموا عليه بكلام فظيع تقشعر منه الأبدان ، وليس هذا فحسب ، بل قالوا عن عقيدته التي يقول بها - وبكل جرأة ووقاحة – بعد أن نقلوا بعض أقوله والتي فهموا منها التجسم :
" وفي هذا القدر الكفاية لنعلم عقيدة هذا المسمَّى بالدارمي ، فهل هذه عقيدة المسملين أم هي عقيدة النصارى الملحدين ".
وإليكم هذه الأقوال التي ظنوا أنَّها تسعفهم في إثبات عقيدة التجسيم على هذا الإمام السني الكبير :" عثمان بن سعيد الدارمي ". رحمه الله تعالى .
فقد قالوا هناك – بعد أن نقلتُ لهم إجماع كلمة المسلمين على أنَّ الله تعالى في السماء - :" الدارمي هذا مجسم في الأصل فهو إجماعهم أنتم الحشوية فمن يقول أنَّ الله يتحرك وله لسان وفم وخزعبلات والعياذ بالله ، لا يُنظر إلى أقولك لأننا نشاهدها عند النصارى واليهود فقط .
وليعلم الأخوة إنَّ هذا الدارمي غير الإمام الدارمي المحدث ، حتى لا يشتبه عليكم الاسم فشتان بين هذا وذاك .
فنعرفكم بالدارمي وأقوله وهل هذا ينظر إلى كلامه في الأصل :
لله له لسان
نعم لله :( تعالى الله ). لسان عن الدارمي حيث يقول عثمان بن سعيد الدارمي في نقضه على المريسي ص 316 ما نصه :( الكلام لا يقوم بنفسه شيئاً يرى ويحس إلاَّ بلسان متكلم به ".
وفي ص :81 من نفس الكتاب من مطبوعة السويد 1960 يقول الدارمي :
قال كعب الأحبار : لمَّا كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه طفق موسى يقول : أي رب ما أفقه هذا حتى كلمة ءاخر الألسنة بلسانه بمثل يعني بمثل لسان موسى وبمثل صوت موسى ". هذا نص كلامهم بالحرف .
وفي هذا النص العديد من المغالطات البينة ، بل والكذب المكشوف أيضاً :
أولاً – اتهامهم الإمام الدارمي رحمه الله تعالى بأنَّه مجسم ، وهذا كذب وافتراء عليه رحمه الله تعالى ، بل كان رحمه الله تعالى سيفاً على المجسمة ، كما كان سيفاً على المعطلة سواءً بسواءً ، كما سنرى إن شاء الله تعالى .
و من توفيق الله لي في الدفاع عن هذا الإمام الكبير ، أنَّي سأبرأه من هذه التهمة ، و من كتب الأشاعرة أنفسهم .
1 - فقد ترجم له تاج الدين السبكي – الأشعري - رحمه الله تعالى في كتابه طبقات الشافعية الكبرى ، فقال ما نصه :(2/302).
" محدث هراة وأحد الأعلام الثقات ومن ذكره العبادي في الطبقات قائلاً :" الإمام في الحديث والفقه أخذ الأدب عن ابن الأعرابي والفقه عن البويطي والحديث بن يحيى بن معين ".
قلت – اي السبكي - : كان الدارمي واسع الرحلة طواف الأقاليم ولقى الكبار ".
ثُمَّ قال ما نصه :(2/303).
" وللدارمي كتاب في الرد على الجهمية ، وكتاب في الرد على بشر المريسي ، ومسند كبير وهو الذي قام على محمد بن كرَّام الذي تنسب إليه الكرامية وطردوه عن هراة ، وكان من خبر ابن كرَّام هذا وهو شيخ سجستان مجسم ".
ثُمَّ عقد باباً في نهاية ترجمته بعنوان :
" ومن غرئب أبي سعيد الدارمي وفوائده ".
فذكر من غرائبه مسائل فقهية تفرد بها ، منها قوله بتحريم الثعلب ، فعقب عليه السبكي بقوله في الطبقات :(2/306)0" قلت قوله بتحريم الثعلب غريب ".
ففي كلام تارج الدين السبكي – الأشعري المذهب بل إمام كبير من أئمة الأشاعرة – تصريح واضح بأنَّه ليس بمجسم ، إذا كيف يتفق عند العقلاء أنَّ من يطرد المجسمة ، و يقوم عليهم بالأنكار ، و هوفي الوقت نفسه هو مجسم ، وعلى عقيدة المجسمة .
ثُمَّ هل يُعقل أن يتعقب السبكي رحمه الله تعالى على الإمام الدارمي هذه المسألة الفقهية ، ويترك التعقيب عليه في أمهات المسائل والقضايا ، وهي مسألة التجسيم فيما لوكان بالفعل مجسماً ..؟؟. فهل يُعقل هذا ..؟؟.
2 – و ترجم له - أي للإمام الدرامي - الحافظ الأشعري الكبير ابن عساكر رحمه الله تعالى في كتابه :" تاريخ دمسق ". ترجمة حافلة .
فأخرج رحمه الله تعالى في كتابه :" تاريخ دمشق ". :(38/363). بسنده إلى أبي الفضل بن إسحاق وهو يعقوب القراب قال : ما رأينا مثل عثمان بن سعيد ولا رأي عثمان مثل نفسه أخذ الأدب عن ابن الأعرابي والفقه على أبي يعقوب البويطي ، والحديث عن يحيى بن معين وعلي بن المديني ، وتقدم في هذه العلوم ".
وأخرج أيضاً :(38/363). بسنده إلى أبي يعقوب الأعمشي أنَّه قال :" ما رأيتُ في المحدثين مثل محمد بن يحيى وعثمان بن سعيد ويعقوب بن سفيان ".
فهل يعقل أن يكون مجسماً ، ويترجم له الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى – وهو أشعري المذهب - هذه الترجمة الحافلة ، ولا يذكر شيئاً عن هذا التجسيم الذي اتهمه به هؤلاء المفترون ، سبحانك اللهمَّ إن هذا إلاَّ بهتان مبين .
3 - و ذكره الإمام البغدادي رحمه الله تعالى في كتابه :" أصول الدين " - والذي دافع في هذا الكتاب عن عقيدة الأشاعرة أيما دفاع – تحت باب :
" المسألة الثانية عشرة من هذا الأصل في ترتيب أئمة الحديث والإسناد ".
فقال رحمه الله تعالى ما نصه :(ص314).
" ومنهم عثمان بن سعيد الدارمي الذي أخذ النحو والعربية عن ابن الأعرابي ، والفقه عن البويطي ، والحديث عن يحيى بن معين وعلى بن المديني ، وكان في نوع إماماً ".
والظاهر أنَّ البغدادي – الأشعري - رحمه الله تعالى ، قد نسي أن يذكر أنَّه كان إماماً في التجسيم أيضاً ، سبحان الله ما أجرأكم على الكذب والإفتراء ..!!.
4 - كما ترجم له الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى ، في كتابه طبقات الحفاظ فقال ما نصه :(ص277رقم627).
" عثمان بن سعيد بن خالد الدارمي السجستاني الإمام الحجة الحافظ أبو سعيد ".
ثُمَّ نقل عن أبي الفضل الجارودي قوله فيه :(ص278).
:" كان إماماً يقتدى به في حياته وبعد مماته ".
فكيف يٌقتدى بمجسم في حياته وبعد مماته ..؟؟. وهل يصح من الحافظ السيوطي – الصوفي الأشعري – أن يتستر على مجسم عقيدته :" عقيدة النصارى الملحدين ".
فهذه نصوص أئمتكم – إذا كان لكم أئمة أصلاً – تصرخ في براءة هذا الإمام الكبير من هذه التهمة الجسيمة ، فإمَّا أنتم أعلم وأفهم من أئمتكم هؤلاء ، أو أنَّهم قد تستروا على هذا المجسم والذي عقدته :" هي عقيدة النصارى الملحدين ". كما قلتم في حقه ، وبالتالي فإنَّه يلزمكم تكفير هؤلاء الحافظ – تاج السبكي وابن عساكر والبغدادي والسيوطي رحمهم الله تعالى جميعاً - وكلهم أشاعرة كما تعلمون ، لأنَّهم قد تواطئوا جميعاً في التستر على عقيدة هذا المجسم ، والذي قد وصفتم عقيدته بقولكم:" هي عقيدة النصارى الملحدين ". بل وليس هذا فحسب ، وجعلوه إماماً يٌقتدى به في الحياة وبعد الممات .
ثانياً – وأمَّا قولكم :" وليعلم الأخوة إنَّ هذا الدارمي غير الإمام الدارمي المحدث ، حتى لا يشتبه عليكم الاسم فشتان بين هذا وذاك ".
فهذا من جهلكم في مقام الرجال ، وتعصبكم الذي جعلكم تطعنون في إمام كبير من أئمة السنة والحديث – وهذا باعتراف أئمتكم كما قد رأينا – فالرجل جليل القدر رفع المنزلة عند أهل العلم – انتبهوا على عبارتي جيداً عند أهل العلم - بل هو محدث كبير ، بل هو من طبقة الإمام البخاري وأبو حاتم الرازي وهذه الطبقة العالية ، وفي ذلك يقول الخليلي رحمه الله تعالى في الإرشاد في رجال الحديث ما نصه :(3/877).
" عثمان بن سعيد الدارمي كبير المحل عالم بهذا الشأن ، يُقارن بالبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم ، سمع بالعراق القعنبي وأبا الوليد وأبا نعيم وأحمد بن يونس ومن بعدهم ، وأخذ علم الحديث عن علي بن المديني ويحيى بن معين ، والبعض عن أحمد بن حنبل ، وله عنهم تاريخ ينفرد به ، وصنَّف لنفسه تاريخاً .. إلى أن قال الخليلي رحمه الله تعالى : " وسمعتُ عبد الله بن محمد الحافظ يقول :" كان عثمان بن سعيد ثقة متفقاً عليه ".
فقد خفي حاله على جميع هؤلاء الأئمة - الذي أخذ عنهم العلم - أمثال علي بن المديني أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والعقنبي وأبو نعيم - الفضل بن دكين – وغيرهم من كبار الأئمة ، بأنَّه مجسم ، وأنَّ عقيدته :" عقيدة النصارى الملحدين ".
خفي حاله على هؤلاء الأئمة مع العلم بأنَّهم معاصرون له ، وقد عايشوه وعايشهم ، في حين عرفه هؤلاء الجهابذة المعاصرون – أمثالكم – والذين أتوا بعده بأكثر من 1200 سنة ، فأكبر ظني أنَّكم اكتشفتم هذا الاكتشاف الخطير ، عن طريق الكشف الصوفي الذي تحترفونه ..!!.
وقال فيه ابن حبَّان في الثقات :(8/455).
" عثمان بن سعيد الدارمي أبو سعيد السجستاني سكن هراة أحد أئمة الدنيا ، يروي عن أبي الوليد وأهل العراق حدَّثنا عنه ابنه محمد بن عثمان بن سعيد مات سنة إحدى وثمانين ومائتين أو ثمانين ومائتين ".
ونسي أن يقول ابن حبَّان :" أنَّه أحد أئمة الدنيا في التجسيم ". لذا أطلب منكم يا جهابذة هذا العصر أن تتضيفوا هذه العبارة إلى كلام ابن حبَّان ، فأنتم أهدى وأعلم من هؤلاء الأئمة الأفذاذ رحمهم الله تعالى .
وقبل أن أنهي هذا الجزء الأول – من الدفاع عن هذا الإمام الكبير – عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله تعالى ، أحب أن أذكر أهم مفاخره العلمية التي تركها لنا ألا وهي كتابه الفذ الكبير :" تاريخ يحيى بن معين ".
فهو أحد العلماء الأفذاذ الذين كان لهم الفضل – بعد الله سبحانه وتعالى – في الحفاظ على تراث هذا الإمام الكبير يحيى بن معين رحمه الله تعالى ، حيث روى لنا هذا التاريخ الحافل في النقل الموثق عن يحيى بن معين في جرح الرواة وتعديلهم .
ومن ينظر في كتب الرجال التي أُلفت من بعده - ككتاب :" الكامل في الضعفاء ". لابن عدي ، و :" الضعفاء للعقيلي ". و من بعدهم ككتاب تهذيب الكمال للحافظ المزي ، واختصاره :" تهذيب التهذيب ". للحافظ ابن حجر ، وكتب الحافظ الذهبي :" كسير أعلام النبلاء ". و :" تذكرة الحفاظ ". و :" ميزان الاعتدال في نقد الرجال ". والقائمة تطول - وأمعن النظر في هذه الكتب لوجد أثر عثمان بن سعيد الدارمي شاخصاً إمامه ، يرفض ما أفتراه عليه هؤلاء المفترون هداهم الله تعالى .
إذ كيف لهؤلاء الأئمة الثقات ، أن يثقوا بنقل هذا المجسم في نقله عن يحيى بن معين ، في توثيقه للرجال ، و تضعيفه ..؟؟.
ومن هنا نقول :
إنَّ قولكم : " وليعلم الأخوة إنَّ هذا الدارمي غير الإمام الدارمي المحدث ، حتى لا يشتبه عليكم الاسم فشتان بين هذا وذاك ". بقصد الانتقاص منه ومن علمه ، لا يدل إلاَّ على جهلكم المطبق ، بمقام أهل العلم ورجاله .
وإذا حُقى لنا أن نفاضل بين الدارمييْن ، فلا شكَّ على أنَّ عثمان بن سعيد الدارمي يُقدم على عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي .
ولكن هذا التفضيل ليس من حقنا - ومن باب الأولى ليس من حققكم من بعد ما تبين لنا جهلكم وافترائكم على الأئمة ، بل وتكفيركم لإمام كبير كعثمان الدارمي رحمه الله تعالى - أقول ليس من حقنا ولا من حققكم في أن نفاضل بين هذين العلميْن رحمهما الله تعالى ، والويل لمن يكون أمثال هؤلاء الأئمة خصمه يوم يقوم النَّاس لرب العالمين.
يتبع إن شاء الله تعالى في الجزء الثاني لتفنيد شبهاتهم الأخرى ، إن شاء الله تعالى .
أخوكم من بلاد الشام
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أمَّا بعد :
هذا هو الجزء الثاني من دفاعنا عن الإمام الدارمي رحمه الله تعالى :
بعد أن بيَّنا – ولله الحمد - في الجزء الأول ، مكانة الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله تعالى ، وأنَّه إمام كبير من أئمة أهل السنة والجماعة ، وأنَّ أهل العلم بما فيهم كبار علماء الأشاعرة قد برأوا ساحته من تهمة التجسيم ، نأتي الآن إلى دحض شبهات القوم ، ورد أباطيلهم .
وكالعادة ننقل أقوال هؤلاء المفترين ، ثُمَّ نكر عليها بالرد والتفنيد بإذن الله تعالى فقد قالوا ما نصه "
" فنعرفكم بالدارمي وأقوله وهل هذا ينظر إلى كلامه في الأصل :
لله له لسان
نعم لله :( تعالى الله ). لسان عن الدارمي حيث يقول عثمان الدارمي في نقضه على المريسي ص216 ما نصه :" الكلام لا يقوم بنفسه شيئاً يرى ويحس إلاَّ بلسان متكلم به ".
وفي ص/81 من نفس الكتاب من مطبوعة السويد 1960 يقول الدارمي :
" قال كعب الأحبار : لمَّا كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه طفق يقول : أي رب ما أفقه هذا حتى كلمه آخر الألسنة بلسانه بمثل لسان موسى وبمثل صوت موسى ".
الله يتحرك من مكان لمكان
في كتاب رد الدارمي على بشر المريسي ص54 / يقول المؤلف :
" معنى :( لا يزول ). لا يفنى ولا يبيد ، لا أنَّه لا يتحرك ولا يزول من مكان إلى مكان ".
ويقول الدارمي في ص / 55 :
" إنَّ الله إذا نزل أو تحرك ".
" إنَّ الله إذا نزل أو تحرك ".
شاهد عقيدة اليهود الله ينزل في بهائه وجمله ويصحب معه الملائكة وعلى شماله جهنم .
وفي كتاب الرد على الجهمية للدرامي ص/36 يقول :
" قال الضحاك بن مزاحم : ثُمَّ ينزل الله في بهائه وجماله ومعه ما شاء من الملائكة على مجنبته اليسرى جهنم ".
الله إذا أراد يستقر على ظهر بعوضة تقله والعياذ بالله
قوله :(1/458)0
قوله :(1/458)0
" ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم ".
المقت والجري والحركة من مكان لمكان والمشي والحب من أفعال الذات عند الدارمي .
يقول الدارمي المجسم في ص/121 من كتابه الرد على المريسي يقول المؤلف :
يقول الدارمي المجسم في ص/121 من كتابه الرد على المريسي يقول المؤلف :
" لا نسلم أنَّ مطلق المفعولات مخلوقة ، وقد أجمعنا واتفقنا على أنَّ الحركة والنزول والهرولة و الغضب والحب والمقت كلها أفعال في الذات للذات وهي قديمة ".
وفيه - والصواب وفي لكن أبقيتها حفاظاً على أمانة النقل – كتبه تجسيم صريح لا يليق بالله عز وجل تعالى عن ذلك ، وفي كتبه نحو هذا كثير ـ وفي هذا القدر الكفاية لتعلم عقيدة هذا المسمى بالدارمي ، فهل هذه عقيدة المسلمين أم عقيدة النصارى الملحدين ". انتهى كلامهم بالحرف .
وفي هذا النص الكثير من المغالطات البينة ، بل والكذب الصريح ، كما سنرى إن شاء الله تعالى .
أولاً – أمَّا قولكم :" فنعرفكم بالدارمي وأقوله وهل هذا يُنظر إلى كلامه في الأصل".
فقد عرفنا ولله الحمد من هو الإمام الدارمي ، ومن كتب أسيادهم الأشاعرة ، كما قد رأينا في الجزء الأول ، فلا حاجة بنا لأن نعيد ما كتبناه هناك .
ثانياً – وأمَّا قولكم :" لله له لسان ، نعم لله :( تعالى الله ). لسان عن – ولعلَّ الصواب أن يقول عند الدارمي - الدارمي حيث يقول عثمان الدارمي في نقضه على المريسي ص216 ما نصه :" الكلام لا يقوم بنفسه شيئاً يرى ويحس إلاَّ بلسان متكلم به ".
وهذا من أكذب الكذب على هذا الإمام رحمه الله تعالى ، وجعله الله تعالى خصمكم يوم القيامة ، فأين قال :" لله له لسان ". تعالى الله تعالى عمَّا يفتري هؤلاء المفترون علواً كبيراً .
وأنا أتحدى أن يثبتوا أين قال هذه العبارة :" لله له لسان "..؟؟.
وأمَّا ما استشهدتم به من كلام الإمام الدارمي ، حيث قلتم :" يقول عثمان الدارمي في نقضه على المريسي ص216 ما نصه :" الكلام لا يقوم بنفسه شيئاً يرى ويحس إلاَّ بلسان متكلم به ". على أنَّ في هذا النص ما يدين الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم ، نقول :
إنَّ من يرجع إلى الكتاب المذكور فسيكتسف الحقيقة المرة ، و سينفضح كذبهم ، وافترائهم على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى.
وهذا النص الذي نقلوه عن الدارمي رحمه الله تعالى لا يفيد أنَّ لله تعالى لسان – تعالى الله عما يقول هؤلاء المفترون علواً كبيراً – بل المقصود من قوله :" بلسان متكلم به ". هو اللغة ، أي أنَّه لا يصح أن يكون هناك كلام بلا لغة يتلكم بها ، وهذا معروف جارٍ في لغة العرب ، بل وفي القرآن أيضاً ما يشهد لهذا ، فقد قال الله تعالى في سورة الشعراء :[ وإنَّه لتنزيلٌ ربِّ العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين ].
واستخدام اللسان بمعنى اللغة ، جاء في كلام أهل العلم أيضاً من غير نكير بينهم ، وفي ذلك يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى في مقدمة نفسيره المبارك :" جامع البيان ".حيث قال ما نصه :(1/21).
" إنَّ الله جلَّ ثناؤه أنزل جميع القرآن بلسان العرب دون غيرها من ألسن سائر أجناس الأمم ، وعلى فساد قول من زعم أنَّ منه ما ليس بلسان العرب ولغاتها .
فنقول الآن – إذا كان ذلك صحيحاً – في الدلالة عليه بأي ألسن العرب أنزل : أبألسن جميعها أم بألسن بعضها ..؟؟. إذ كانت العرب وإن جمع جميعها اسم أنَّهم عرب ، فهم مختلفو الألسن بالبيان متباينو المنطق والكلام ". انتهى كلام الطبري .
قلت : وهذا الاستخدام شائع جداً في لغة العرب ، لكن لمَّا أصبحنا نجهل كل شيء – حتى اللغة التي نتكلم بها وأسلوبها – أضحى الجهل حكماً نحاكم به أقوال أهل العلم الثقات ، والله المستعان .
انظروا إلى جهل هؤلاء وحماقتهم ، كيف فهموا كلام الإمام الدارمي هذا الفهم الخاطىء ، ونسبوا إليه كلاماً شنيعاً لم يقله ، ولا ينبغي لمثله أن يقوله ، حيث قالوا :" لله له لسان ، نعم لله :( تعالى الله ). لسان عن – ولعلَّ الصواب أن يقولوا عند الدارمي - الدارمي ".
وهذا واضح جلي لمن أراد أن يقف على الحق ، وأن لا يخالف في الفهم ولا يشطط.
و أمَّا ما استدللتم به لتثبيت اتهامكم للإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، بأنَّه يقول :" إنَّ لله لسان ". حيث قلتم ما نصه :
" وفي ص/81 من نفس الكتاب من مطبوعة السويد 1960 يقول الدارمي :
" قال كعب الأحبار : لمَّا كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه طفق يقول : أي رب ما أفقه هذا حتى كلمه آخر الألسنة بلسانه بمثل لسان موسى وبمثل صوت موسى ".
فهو من أوضح الأدلة على صحة ما ذهبنا إليه ، من أنَّ المقصود من معنى اللسان الوارد في كلام الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، هنا هو :" اللغة ". وليس اللسان بمعنى الجارحة المعروفة ، وذلك للأمور التالية :
1 - إذ يُفهم هذا - و بوضوح - من خلال سياق الكلام ، حيث جاء في هذا الأثر :" حتى كلمه آخر الألسنة بلسانه ". أي بلغة موسى ، فإذا لم نفهم هذا النص ، يلزمكم أن يكون الله تعالى قد اقتلع لسان موسى و أخذ يتكلم به ، من يقول هذا الهراء إلاَّ الجاهل أمثالكم ..؟؟.
2 - ومن أوضح الأدلة على صحة هذا المعنى ، أنَّ موسى عليه السلام لم يفقه من كلام الله شيء ، حتى كلمه الله تعالى بلسانه – أي بلغته – ولا يعقل أن يفهم غير هذا ، طبعاً أنا هنا أشرح لا أقرر .
3 – وإلاَّ إذا لم يكن هذا هو المعنى الصحيح لهذا النص ، فليزمكم أن تطعنوا في أئمتكم الأشاعرة ، كتاج الدين السبكي والحافظ البغدادي والحافظ ابن عساكر والحافظ السيوطي وغيرهم ، إذ أنَّ سكوت هؤلاء جميعاً عن التنبيه إلى هذا الكلام الذي فيه تجسيم – بنظركم طبعاً - وتعديلهم الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، يتعبر تواطؤاً منهم على التستر على هذا المجسم الكافر ، والعياذ بالله تعالى .
لذا نقول :
لقد خاب ظنكم ، وطاش سهمكم ، في إثبات ما أردتم إثباته من تجسيم على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى من خلال هذا النص ، وإنَّ ما قلتموه بأنَّه يقول :" لله له لسان ". ما هو إلاَّ كذب وافتراء منكم على هذا الإمام الجليل ، والذي سيكون خصمكم يوم القيامة إن لم تتوبوا من غيكم ، وترجعوا إلى الصواب وتبرأوه مما نسبتموه إليه من كذب مكشوف هو منه براء .
ثُمَّ إنَّ في قولكم :" يقول الدارمي ". تدليس قبيح يأباه أهل الدين والصلاح ، إذ أنَّ الدارمي لم يورد هذا الخبر عن كعب الأحبار إلاَّ مسنداً ، حيث قال :
" قرأتُ على أبي اليمان قلتُ : أخبركم شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنَّه أخبره بن جابر الخثعمي أنّه سمع كعب الأحبار يقول لما كلم الله موسى ..".
هكذا أورد الإمام الدارمي رحمه الله تعالى هذا الأثر ، بإسناده إلى كعب بن الأحبار ، فإذا كان هذا تجسمٌ ، يُكفر به الإمام الدارمي ، لزمكم تكفير كل من روى هذا الحبر – قبل وبعد الدارمي رحمه الله تعالى – وهم على سبيل المثال :
1 – الإمام أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالى ، حيث أخرجه في تفسيره :(9/406). من طريق أبو يونس المكي قال : حدَّثنا ابن أبي أويس قال أخي عن سليمان عن محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام : أنَّه أخبره جزء بن جابر الخثعمي : أنَّه سمع كعب الأحبار يقول : لمَّا كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه ، فطفق موسى يقول : أي رب والله ما أفقه هذا !!. حتى كلمه آخر بلسانه بمثل صوته ، فقال موسى : أي رب أهكذا كلامك ..؟؟. فقال : لو كلمتك بكلامي لم تكن شيئاً ، قال : أي رب هل في خلقك شيء يشبه كلامك ..؟؟. فقال : لا وأقرب خلقي شيهاً بكلامي أشد ما يسمع من الصواعق .
وهذا صريح في أنَّ المقصود باللسان هو :" اللغة ". وليس اللسان بمعنى الجارحة .
2 – الإمام ابن أبي حاتم الرازي رحمه الله تعالى ، حيث أخرجه في تفسيره أيضاً :(رقم8924). من طريق أبيه ثنا محمد بن عبد الأعلى ثنا محمد بن ثور عن معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن أنَّه أخبره جرير بن جابر الخثعمي سمع كعب الأحبار يقول : لمَّا كلم الله موسى .. به..
3 – الإمام البيهقي رحمه الله تعالى ، حيث أخرجه في كتابه الأسماء والصفات :(ص276). من طريق أبو محمد السكري أنا إسماعيل بن محمد الصفار نا أحمد بن منصور نا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن جرير بن جابر الخثعمي عن كعب الأحبار قال : إنَّ الله عزَّ وجل لمَّا كلَّم موسى ..به..حيث اكتفى بضعيفه ، بأنَّ فيه جرير وهو مجهول .
4 – شيخكم محمد زاهد الكوثري ، حيث لم يعلق على هذا الأثر في تعليقاته الكثيرة على كتاب الحافظ البيهقي رحمه الله تعالى :" الأسماء والصفات ". إذا كيف له أن يسكت عن التعليق على مسألة التجسيم هذه ، ويكتفي بضعيفه بجهالة جرير ، في حين كان يعلق على ما هو أقل من هذا أهمية .
5 – الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى ، حيث أورده في كتابه الدر المنثور في التفسير بالمأثور :(3/536).
6 – الإمام أبو الفضل محمود الألوسي رحمه الله تعالى ، حيث أورده في كتابه :" روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني ". انظر :(9/44). وغيرهم كثير .
فكل هؤلاء العلماء قد ذكرو هذا الأثر في كتبهم ، فإذا كان الإمام الدارمي رحمه الله تعالى مجسماً بمجرد إخراجه لهذا الأثر في كتابه ، ، فيلزمكم أن تتهموا هؤلاء جميعاً بالتجسيم ، فتأملوا ..!!.
لذا أقول :
فبعد أن شرحنا وبينا معنى اللسان الوارد في كلام الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، هل يصح أن تنسبوا إليه أنَّه قال :" لله له لسان "..؟؟.
يتبع الجزء الثالث إن شاء الله تعالى .
أخوكم من بلاد الشام
أبو محمد السوري
الحمد لله العالمين .. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أمَّا بعد :
فهذا هو الجزء الثالث من سلسة الدفاع عن الإمام الدارمي رحمه الله تعالى .
فبعد أن بينَّا في الجزء الثاني جهل القوم في اللغة العربية وأساليب استخدامها ، وبعد أنَّ بينا أنَّهم قد افتروا على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، حيث نسبوا له القول بأنَّ : " لله له لسان ". هكذا باللفظ ، وبهذه الركاكة ، نشرع الآن في رد ما تبقى من شبه وأباطيل في كلامهم على هذا الإمام ، لنتفرغ بعد ذلك للرد على ما سودوه في محاولة الرد على هذه المباحث التي نكتبها في دفاعنا عن هذا الإمام الكبير العَلَم :" عثمان بن سعيد الدارمي ". رحمه الله تعالى .
وأمَّا قولكم : "
الله يتحرك من مكان لمكان
في كتاب رد الدارمي على بشر المريسي ص54 / يقول المؤلف :
" معنى :( لا يزول ). لا يفنى ولا يبيد ، لا أنَّه لا يتحرك ولا يزول من مكان إلى مكان ".
ويقول الدارمي في ص / 55 :
" إنَّ الله إذا نزل أو تحرك ".
شاهد عقيدة اليهود الله ينزل في بهائه وجمله ويصحب معه الملائكة وعلى شماله جهنم .
وفي كتاب الرد على الجهمية للدرامي ص/36 يقول :
" قال الضحاك بن مزاحم : ثُمَّ ينزل الله في بهائه وجماله ومعه ما شاء من الملائكة على مجنبته اليسرى جهنم ". ".
فنقول وبالله المستعان :
أولاً : إنَّ الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، حين نسب الحركة إلى الله تعالى ، لم ينسبها ابتداءً ، بل نسبها وهو يرد على جهالات الجهمي الذي يناقشه ، حيث كان من معتقد هذا الجهمي ، إنَّ معنى :" الحي القيوم ". هو الذي لا يزول من مكانه ، ولا يتحرك ، فأراد الإمام الدارمي رحمه الله تعالى أن ينفي عن الله تعالى صفات :" الميت ". والذي هو مؤدى كلام هذا الجهمي ، فقال :(ص20).
" وأمَّا دعواك أنَّ تفسير القيوم الذي لا يزول من مكانه ، ولا يتحرك ، فلا يقبل منك هذا التفسير إلاَّ بأثر صحيح مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو عن أصحابه أو التابعين ، لأنَّ الحي القيوم يفعل ما يشاء ، ويتحرك إذا شاء ويهبط ويرتفع إذا شاء ، ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء لأنَّ أمارة ما بين الحي والميت التحرك ، كلُّ حي متحرك لا محالة ، وكل ميت غير متحرك لا محالة ".
ومن هنا يتبين لنا أنَّ مقصود الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، هو الرد على هذا الجهمي الذي مؤدى كلامه ، أنَّ الله تعالى ميت لا حركة له ، ومن هنا جاءت عبارة الإمام واضحة في الدلالة على هذا المعنى حيث قال :" وكل ميت غير متحرك لا محالة ". لا أنَّه ينسب – ابتداءً – الحركة إلى الله تعالى .
2 – ولا شك على أنَّ مقصود الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، هو نسبة الفعل إلى الله تعالى ، ولا شكَّ على أنَّ هذا المعنى صحيح لا غبار عليه ، فإنَّ من معاني :" الحي ". أنَّه يتحرك وينزل ويصعد ، ويفعل ما يشاء ، و هذا معروف معلوم عند العقلاء جميعاً ، وفي ذلك يقول الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتابه خلق أفعال العباد ما نصه :(ص71).
" ولقد بيَّن نعيم بن حماد أنَّ كلام الرب ليس بخلق ، وأنَّ العرب لا تعرف الحي من الميت إلاَّ بالفعل ، فمن كان له فعلٌ فهو حيٌ ، ومن لم يكن له فعلٌ فهو ميت ".
نعم إذا كان إنكاركم على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، استخدام هذه اللفظة - اي الحركة - ونسبتها إلى الله تعالى ، وأنَّه ما ينبغي أن يوصف بها الله تعالى ، ذلك لأنَّها لم ترد في كتاب ولا سنة.
نقول إن كان هذا مقصودكم في الإنكار على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى هذا المعنى ، قلنا نحن معكم في هذا الأمر ، ما كان على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى أن يستخدم هذه اللفظة ، بل ونزيدكم أنَّ الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قد خطأ الإمام الدارمي رحمه الله تعالى قبلكم ، حيث قال ما نصه في مجموع الفتاوى :(16/422).
" ولا ريب أنَّه العلي الأعلى العظيم ، فهو أعلى من كل شيء وأعظم من كل شيء ، فلا يكون نزوله إتيانه بحيث تكون المخلوقات تحيط به ، أو تكون أعظم منه وأكبر هذا ممتنع ، وأمَّا لفظ :" الزوال ". و :" الانتقال ". فهذا اللفظ مجمل ولهذا كان أهل الحديث والسنة فيه على أقوال ، فعثمان بن سعيد الدارمي وغيره أنكروه على الجهمية قولهم : إنَّه لا يتحرك ، وذكروا أثراً أنَّه لا يزول ، وفسَّروا الزوال بالحركة ، فبين عثمان بن سعيد أنَّ ذلك الأثر إن كان صحيحاً لم يكن حجة لهم في تفسير قوله :[ الحيُّ القيوم ]. ذكروا عن ثابت : دائم باقٍ لا يزول عمَّا يستحقه كما قال ابن إسحاق ، لا يزول عن مكانته .
قلت – أي شيخ الإسلام - : و الكلبي بنفسه الذي روى هذا الحديث هو يقول : [ استوى على العرش ]. استقر ، ويقول :[ ثُمَّ استوى إلى السماء ]. صعد إلى السماء ، وأمَّا :" الإنتقال ". فابن حامد وطائفة يقولون : ينزل بحركة وانتقال ، وآخرون من أهل السنة من أصحاب كالتميمي من أصحاب أحمد أنكروا هذا وقالوا : بل ينزل بلا حركة وانتقال ، وطائفة ثالثة كابن بطة وغيره يقفون في هذا ، وذكر الأقوال الثلاثة أبو يعلى في كتاب :" اختلاف الروايتين والوجهين ونفي اللفظ بمجمله ". والأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص فيثبت ما أثبت الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – باللفظ الذي أثبته ، وينفي ما نفاه الله ورسوله كما نفاه ".
3 – إمَّا إذا كان اعتراضكم على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، من باب الاعتراض على المعنى الذي تضمنه كلامه ، فإنَّ هذا لا يُسلَّم لكم ، إذ أنَّ الإمام الدارمي رحمه الله تعالى لم يخرج عن المعنى الذي نقله الإمام البخاري في كتابه خلق أفعال العباد عن نعيم بن حماد – وقد نقلناه فيما مضى – ولا عن المعنى الذي قاله القاضي عياض رحمه الله تعالى ، عندما قال :
" إذا قال لك الجهمي أنا أكفر برب يزول عن مكانه ، فقال أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء ".
وهذا الاثر قد أخرجه البخاري في كتابه خلق أفعال العباد :(ص14). والكرمي في أقاويل الثقات :(ص63). واللالكائي في في أصول السنة :(ص501-502 رقم775).وأبو يعلى في أبطال التأويلات :(1/52 رقم24). وغيرهم
ومفهوم الزوال الذي كفر به الجهمي ، هو الحركة والانتقال ، وجواب القاضي عياض رحمه الله تعالى قاطع بصحة المعنى الذي جاء في كلام الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، وإن لم يشركه في اللفظ .
فمما لا شكَّ فيه أنَّ جواب القاضي عياض رحمه الله تعالى هذا ، كان أكثر توفيقاً في أصابة الحق - معناً ولفظاً – من جواب الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، حيث أصاب المعنى ، وأخطأ في اللفظ .
وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، قد صرح بتخطئة الإمام الدارمي ولا غضاضة في ذلك ، حيث يقول - كما مر سابقاً - :
" والأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص فيثبت ما أثبت الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – باللفظ الذي أثبته ، وينفي ما نفاه الله ورسوله كما نفاه ".
و في ذلك يقول ابن عبد ابر رحمه الله تعالى أيضاً ، ما نصه :(4/51).
" فإن قيل : فهل يجوز عندك أن ينتقل من لا مكان في الأزل إلى مكان00؟؟0 قيل له أمَّا الإنتقال وتغير الحال فلا سبيل إلى إطلاق ذلك عليه لأن كونه في الأزل لا يوجب مكانا وكذلك نقله لا يوجب مكانا ، وليس في ذلك كالخلق لأن كون ما كونه يوجب مكانا من الخلق ونقلته توجب مكانا ويصير منتقلا من مكان إلى مكان ، والله تعالى ليس كذلك لأنه في الأزل غير كائن في مكان ، وكذلك نقلته لا توجب مكانا وهذا ما لا تقدر العقول على دفعه0
ولكنَّا نقول :[ استوى ]0 من لا مكان إلى مكان ولا نقول انتقل ، وإن كان المعنى في ذلك واحدا ألا ترى أنا نقول له العرش ولا نقول له سرير ومعناهما واحد ، ونقول : هو الحكيم ولا نقول هو العاقل ، ونقول خليل إبراهيم ولا نقول صديق إبراهيم ، وإن كان المعنى في ذلك كله واحدا لا نسميه ولا نصفه ولا نطلق عليه إلا ما سمى به نفسه على ما تقدم ذكرنا له من وصفه لنفسه لا شريك له ، ولا ندفع ما وصف به نفسه لأنه دفع للقرآن ".
وعلى هذا لا وجه لطعنكم على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، في مثل هذا ، وإنَّما أقصى ما يمكن أن نصف صنيع الإمام الدرامي رحمه بأنَّه اجتهد فأخطأ ، أمّا أن نشنع عليه هذا التشنيع الغريب ، فهذا ما لايجوز فعله ، بل هو الوقعية في علماء الأمة الثقات وأئمتها .
وهذا ما صنعه الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى ، في كتابه العلو ، حيث بيَّن مسلك الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، ووصف حاله بأنَّه يبالغ في الإثبات ، حيث قال رحمه الله تعالى في كتابه العلو :(ص195).
" وفي كتابه بحوث عجيبة مع المريسي يبالغ فيها في الإثبات والسكوت عنها أشبه بمنهج السلف في القديم والحديث ".
فأين هذا من كلامكم الذي كفرتم به الرجل ، من كلام الحافظ الذهبي رحمه الله ، حيث ما زاد على أن قال :" يبالع فيها في الإثبات ". أمَّا أنتم - والله - قد بالغتم في القدح والذم ، بل والتكفير ، هدنا الله وإيِّاكم .
وخصوصاً إذا علمنا أنَّ الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى قد نقل الكثير من أقواله في كتابه العلو محتجاً بها ، وإذا لم ينقل لنا إلاَّ قوله – والذي ردتموه علينا – " اتفقت الكلمة من المسلمين أنَّ الله فوق عرشه فوق سمواته ". لكفى .
وبعد هذا : فهل تظنون أنَّ في كلام الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى ، ما يشهد لكم في اتهامهكم له بالتجسيم والتشبيه ..؟؟.
أقول :
إنَّ موقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، وموقف الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى ، من الإمام الدارمي رحمه الله تعالى في هذه المسألة ، لهو أكبر دليل على أننا لا نجامل أحداً ، ولا نحابي أحداً على حساب الحق ، بل الحق أحق أن يُقال ، و أحق أن يُتبع .
ثانياً - وأمَّا قولكم : " وفي كتاب الرد على الجهمية للدرامي ص/36 يقول :
" قال الضحاك بن مزاحم : ثُمَّ ينزل الله في بهائه وجماله ومعه ما شاء من الملائكة على مجنبته اليسرى جهنم ".
فهذا أيضاً من التدليس القبيح الذي اشتهرتم به ، ذلك لأنَّ الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، قد أخرج هذا الأثر في كتابه الرد على الجهمية :(ص74 رقم 143). بإسناده إلى الإمام الكبير الضحاك بن مزاحم رحمه الله تعالى ، فإذا كان في هذا الأثر أي خلل عقدي ، فقد برىء الإمام الدارمي رحمه الله تعالى من عهدته ، حين أسنده إلى قائله .
أمَّا إن كان - عنكم - أنَّه بمجرد رواية الإمام الدارمي هذا الخبر في كتابه يعتبر مجسماً ، تُشَنُ عليه هذا الحملات المسعورة ، فإنَّه لزماً عليكم إن تشنعوا التشنيع نفسه على كل من روى هذا الخبر ، كالإمام الطبري ، حيث أخرجه في تفسيره :(21/381 – 23/43 -581 -24/418). و غيره.
لذا نقول لكم : خففوا من حقدكم على علماء الأمة وأثباتَها ، فإذا سقط الإمام الدارمي رحمه الله تعالى اليوم – بمثل هذه الهفوات – فلا ندري على من سيكون الدور غداً ، إذ أنَّ لكل إمام وعالم هفوة كبرت أم صغرت ،
و من ينظر في أسلوب المستشرقين وأعداء الأمة ، يجد أنهم يتصيدون الأخطاء والهفوات ، ويجعلون من الحبة قبة – على اللهجة الدارجة عندنا في سوريا حماها الله تعالى – لذا نربأ بكم أن تكونوا مثل هؤلاء القوم أعداء الأمة .
يتبع إن شاء الله تعالى
أخوكم من بلاد الشام
أبو محمد السوري
أمَّا بعد :
فهذا هو الجزء الثالث من سلسة الدفاع عن الإمام الدارمي رحمه الله تعالى .
فبعد أن بينَّا في الجزء الثاني جهل القوم في اللغة العربية وأساليب استخدامها ، وبعد أنَّ بينا أنَّهم قد افتروا على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، حيث نسبوا له القول بأنَّ : " لله له لسان ". هكذا باللفظ ، وبهذه الركاكة ، نشرع الآن في رد ما تبقى من شبه وأباطيل في كلامهم على هذا الإمام ، لنتفرغ بعد ذلك للرد على ما سودوه في محاولة الرد على هذه المباحث التي نكتبها في دفاعنا عن هذا الإمام الكبير العَلَم :" عثمان بن سعيد الدارمي ". رحمه الله تعالى .
وأمَّا قولكم : "
الله يتحرك من مكان لمكان
في كتاب رد الدارمي على بشر المريسي ص54 / يقول المؤلف :
" معنى :( لا يزول ). لا يفنى ولا يبيد ، لا أنَّه لا يتحرك ولا يزول من مكان إلى مكان ".
ويقول الدارمي في ص / 55 :
" إنَّ الله إذا نزل أو تحرك ".
شاهد عقيدة اليهود الله ينزل في بهائه وجمله ويصحب معه الملائكة وعلى شماله جهنم .
وفي كتاب الرد على الجهمية للدرامي ص/36 يقول :
" قال الضحاك بن مزاحم : ثُمَّ ينزل الله في بهائه وجماله ومعه ما شاء من الملائكة على مجنبته اليسرى جهنم ". ".
فنقول وبالله المستعان :
أولاً : إنَّ الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، حين نسب الحركة إلى الله تعالى ، لم ينسبها ابتداءً ، بل نسبها وهو يرد على جهالات الجهمي الذي يناقشه ، حيث كان من معتقد هذا الجهمي ، إنَّ معنى :" الحي القيوم ". هو الذي لا يزول من مكانه ، ولا يتحرك ، فأراد الإمام الدارمي رحمه الله تعالى أن ينفي عن الله تعالى صفات :" الميت ". والذي هو مؤدى كلام هذا الجهمي ، فقال :(ص20).
" وأمَّا دعواك أنَّ تفسير القيوم الذي لا يزول من مكانه ، ولا يتحرك ، فلا يقبل منك هذا التفسير إلاَّ بأثر صحيح مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو عن أصحابه أو التابعين ، لأنَّ الحي القيوم يفعل ما يشاء ، ويتحرك إذا شاء ويهبط ويرتفع إذا شاء ، ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء لأنَّ أمارة ما بين الحي والميت التحرك ، كلُّ حي متحرك لا محالة ، وكل ميت غير متحرك لا محالة ".
ومن هنا يتبين لنا أنَّ مقصود الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، هو الرد على هذا الجهمي الذي مؤدى كلامه ، أنَّ الله تعالى ميت لا حركة له ، ومن هنا جاءت عبارة الإمام واضحة في الدلالة على هذا المعنى حيث قال :" وكل ميت غير متحرك لا محالة ". لا أنَّه ينسب – ابتداءً – الحركة إلى الله تعالى .
2 – ولا شك على أنَّ مقصود الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، هو نسبة الفعل إلى الله تعالى ، ولا شكَّ على أنَّ هذا المعنى صحيح لا غبار عليه ، فإنَّ من معاني :" الحي ". أنَّه يتحرك وينزل ويصعد ، ويفعل ما يشاء ، و هذا معروف معلوم عند العقلاء جميعاً ، وفي ذلك يقول الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتابه خلق أفعال العباد ما نصه :(ص71).
" ولقد بيَّن نعيم بن حماد أنَّ كلام الرب ليس بخلق ، وأنَّ العرب لا تعرف الحي من الميت إلاَّ بالفعل ، فمن كان له فعلٌ فهو حيٌ ، ومن لم يكن له فعلٌ فهو ميت ".
نعم إذا كان إنكاركم على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، استخدام هذه اللفظة - اي الحركة - ونسبتها إلى الله تعالى ، وأنَّه ما ينبغي أن يوصف بها الله تعالى ، ذلك لأنَّها لم ترد في كتاب ولا سنة.
نقول إن كان هذا مقصودكم في الإنكار على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى هذا المعنى ، قلنا نحن معكم في هذا الأمر ، ما كان على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى أن يستخدم هذه اللفظة ، بل ونزيدكم أنَّ الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قد خطأ الإمام الدارمي رحمه الله تعالى قبلكم ، حيث قال ما نصه في مجموع الفتاوى :(16/422).
" ولا ريب أنَّه العلي الأعلى العظيم ، فهو أعلى من كل شيء وأعظم من كل شيء ، فلا يكون نزوله إتيانه بحيث تكون المخلوقات تحيط به ، أو تكون أعظم منه وأكبر هذا ممتنع ، وأمَّا لفظ :" الزوال ". و :" الانتقال ". فهذا اللفظ مجمل ولهذا كان أهل الحديث والسنة فيه على أقوال ، فعثمان بن سعيد الدارمي وغيره أنكروه على الجهمية قولهم : إنَّه لا يتحرك ، وذكروا أثراً أنَّه لا يزول ، وفسَّروا الزوال بالحركة ، فبين عثمان بن سعيد أنَّ ذلك الأثر إن كان صحيحاً لم يكن حجة لهم في تفسير قوله :[ الحيُّ القيوم ]. ذكروا عن ثابت : دائم باقٍ لا يزول عمَّا يستحقه كما قال ابن إسحاق ، لا يزول عن مكانته .
قلت – أي شيخ الإسلام - : و الكلبي بنفسه الذي روى هذا الحديث هو يقول : [ استوى على العرش ]. استقر ، ويقول :[ ثُمَّ استوى إلى السماء ]. صعد إلى السماء ، وأمَّا :" الإنتقال ". فابن حامد وطائفة يقولون : ينزل بحركة وانتقال ، وآخرون من أهل السنة من أصحاب كالتميمي من أصحاب أحمد أنكروا هذا وقالوا : بل ينزل بلا حركة وانتقال ، وطائفة ثالثة كابن بطة وغيره يقفون في هذا ، وذكر الأقوال الثلاثة أبو يعلى في كتاب :" اختلاف الروايتين والوجهين ونفي اللفظ بمجمله ". والأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص فيثبت ما أثبت الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – باللفظ الذي أثبته ، وينفي ما نفاه الله ورسوله كما نفاه ".
3 – إمَّا إذا كان اعتراضكم على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، من باب الاعتراض على المعنى الذي تضمنه كلامه ، فإنَّ هذا لا يُسلَّم لكم ، إذ أنَّ الإمام الدارمي رحمه الله تعالى لم يخرج عن المعنى الذي نقله الإمام البخاري في كتابه خلق أفعال العباد عن نعيم بن حماد – وقد نقلناه فيما مضى – ولا عن المعنى الذي قاله القاضي عياض رحمه الله تعالى ، عندما قال :
" إذا قال لك الجهمي أنا أكفر برب يزول عن مكانه ، فقال أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء ".
وهذا الاثر قد أخرجه البخاري في كتابه خلق أفعال العباد :(ص14). والكرمي في أقاويل الثقات :(ص63). واللالكائي في في أصول السنة :(ص501-502 رقم775).وأبو يعلى في أبطال التأويلات :(1/52 رقم24). وغيرهم
ومفهوم الزوال الذي كفر به الجهمي ، هو الحركة والانتقال ، وجواب القاضي عياض رحمه الله تعالى قاطع بصحة المعنى الذي جاء في كلام الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، وإن لم يشركه في اللفظ .
فمما لا شكَّ فيه أنَّ جواب القاضي عياض رحمه الله تعالى هذا ، كان أكثر توفيقاً في أصابة الحق - معناً ولفظاً – من جواب الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، حيث أصاب المعنى ، وأخطأ في اللفظ .
وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، قد صرح بتخطئة الإمام الدارمي ولا غضاضة في ذلك ، حيث يقول - كما مر سابقاً - :
" والأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص فيثبت ما أثبت الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – باللفظ الذي أثبته ، وينفي ما نفاه الله ورسوله كما نفاه ".
و في ذلك يقول ابن عبد ابر رحمه الله تعالى أيضاً ، ما نصه :(4/51).
" فإن قيل : فهل يجوز عندك أن ينتقل من لا مكان في الأزل إلى مكان00؟؟0 قيل له أمَّا الإنتقال وتغير الحال فلا سبيل إلى إطلاق ذلك عليه لأن كونه في الأزل لا يوجب مكانا وكذلك نقله لا يوجب مكانا ، وليس في ذلك كالخلق لأن كون ما كونه يوجب مكانا من الخلق ونقلته توجب مكانا ويصير منتقلا من مكان إلى مكان ، والله تعالى ليس كذلك لأنه في الأزل غير كائن في مكان ، وكذلك نقلته لا توجب مكانا وهذا ما لا تقدر العقول على دفعه0
ولكنَّا نقول :[ استوى ]0 من لا مكان إلى مكان ولا نقول انتقل ، وإن كان المعنى في ذلك واحدا ألا ترى أنا نقول له العرش ولا نقول له سرير ومعناهما واحد ، ونقول : هو الحكيم ولا نقول هو العاقل ، ونقول خليل إبراهيم ولا نقول صديق إبراهيم ، وإن كان المعنى في ذلك كله واحدا لا نسميه ولا نصفه ولا نطلق عليه إلا ما سمى به نفسه على ما تقدم ذكرنا له من وصفه لنفسه لا شريك له ، ولا ندفع ما وصف به نفسه لأنه دفع للقرآن ".
وعلى هذا لا وجه لطعنكم على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، في مثل هذا ، وإنَّما أقصى ما يمكن أن نصف صنيع الإمام الدرامي رحمه بأنَّه اجتهد فأخطأ ، أمّا أن نشنع عليه هذا التشنيع الغريب ، فهذا ما لايجوز فعله ، بل هو الوقعية في علماء الأمة الثقات وأئمتها .
وهذا ما صنعه الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى ، في كتابه العلو ، حيث بيَّن مسلك الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، ووصف حاله بأنَّه يبالغ في الإثبات ، حيث قال رحمه الله تعالى في كتابه العلو :(ص195).
" وفي كتابه بحوث عجيبة مع المريسي يبالغ فيها في الإثبات والسكوت عنها أشبه بمنهج السلف في القديم والحديث ".
فأين هذا من كلامكم الذي كفرتم به الرجل ، من كلام الحافظ الذهبي رحمه الله ، حيث ما زاد على أن قال :" يبالع فيها في الإثبات ". أمَّا أنتم - والله - قد بالغتم في القدح والذم ، بل والتكفير ، هدنا الله وإيِّاكم .
وخصوصاً إذا علمنا أنَّ الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى قد نقل الكثير من أقواله في كتابه العلو محتجاً بها ، وإذا لم ينقل لنا إلاَّ قوله – والذي ردتموه علينا – " اتفقت الكلمة من المسلمين أنَّ الله فوق عرشه فوق سمواته ". لكفى .
وبعد هذا : فهل تظنون أنَّ في كلام الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى ، ما يشهد لكم في اتهامهكم له بالتجسيم والتشبيه ..؟؟.
أقول :
إنَّ موقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، وموقف الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى ، من الإمام الدارمي رحمه الله تعالى في هذه المسألة ، لهو أكبر دليل على أننا لا نجامل أحداً ، ولا نحابي أحداً على حساب الحق ، بل الحق أحق أن يُقال ، و أحق أن يُتبع .
ثانياً - وأمَّا قولكم : " وفي كتاب الرد على الجهمية للدرامي ص/36 يقول :
" قال الضحاك بن مزاحم : ثُمَّ ينزل الله في بهائه وجماله ومعه ما شاء من الملائكة على مجنبته اليسرى جهنم ".
فهذا أيضاً من التدليس القبيح الذي اشتهرتم به ، ذلك لأنَّ الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، قد أخرج هذا الأثر في كتابه الرد على الجهمية :(ص74 رقم 143). بإسناده إلى الإمام الكبير الضحاك بن مزاحم رحمه الله تعالى ، فإذا كان في هذا الأثر أي خلل عقدي ، فقد برىء الإمام الدارمي رحمه الله تعالى من عهدته ، حين أسنده إلى قائله .
أمَّا إن كان - عنكم - أنَّه بمجرد رواية الإمام الدارمي هذا الخبر في كتابه يعتبر مجسماً ، تُشَنُ عليه هذا الحملات المسعورة ، فإنَّه لزماً عليكم إن تشنعوا التشنيع نفسه على كل من روى هذا الخبر ، كالإمام الطبري ، حيث أخرجه في تفسيره :(21/381 – 23/43 -581 -24/418). و غيره.
لذا نقول لكم : خففوا من حقدكم على علماء الأمة وأثباتَها ، فإذا سقط الإمام الدارمي رحمه الله تعالى اليوم – بمثل هذه الهفوات – فلا ندري على من سيكون الدور غداً ، إذ أنَّ لكل إمام وعالم هفوة كبرت أم صغرت ،
و من ينظر في أسلوب المستشرقين وأعداء الأمة ، يجد أنهم يتصيدون الأخطاء والهفوات ، ويجعلون من الحبة قبة – على اللهجة الدارجة عندنا في سوريا حماها الله تعالى – لذا نربأ بكم أن تكونوا مثل هؤلاء القوم أعداء الأمة .
يتبع إن شاء الله تعالى
أخوكم من بلاد الشام
أبو محمد السوري
أمَّا بعد :
حقائقنا وأباطيلهم
بعد أن كتبتُ هذه سلسلة من المقالات في الدفاع عن الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله تعالى ، تعالت أصوات أهل البدع ، وخرج جهالهم يشرِّقون ويغرِّبون ، ويشككون في كل شيء ، لا يهتدون إلى الحق سبيلاً .
وقد استشرتُ بعض الإخوة في كتابه هذه الحقائق ، للرد على أباطيلهم ، فحبذوا الفكرة ، ورحبوا بها ، فرأيتُ أنَّ السكوت عن هذا الباطل هزيمة للحق الذي نعتقده ، لذا شمرتُ عن ساعد الجد – رغم كثرة المشاغل وضيق الوقت – فكتبتُ هذا الرد للدفاع عن الحق الذي ندين الله تعالى به ، وندفع عدوانهم عن هذا الحق المبين .
وطريقتنا في كشف باطلهم أننا نورد كلامهم أولاً ، ثمَّ نكر عليه بالنقد وأظهارعواره بإذن الله تعالى ، وإلى المقصود والله المستعان :
قالوا :
" هذا مع أنَّ القوم قد اعترفوا بأنَّ الكتاب يشتمل على ما يسمونه ( مبالغات ). فيقول الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في كتابه العلو ص214 – واستند إليه الأخ في التوثيق – عن هذا الكتاب :
" وفي كتابه بحوث عجيبة مع المريسي يبالغ فيها في الإثبات ، والسكوت عنها أشبه بمذهب السلف في القديم والحديث ".
فهذا هو الذهبي ينطق بالحق وليس أنا ، فكلام الدارمي ليس من كلام السلف وبالغ في الإثبات ، بل هذا تحذير من كلامه في هذا الكتاب بالخصوص كما يظهر من كلام الذهبي ونصيحته نعرف معناه ".انتهى كلامهم
وفي هذا النص العديد من المغالطات ، وإليك بيانها :
1 – امَّا قولهم :" وأستند الأخ في التوثيق ". فهذا من الكذب المكشوف إذ أني لم استشهد بهذا الكتاب ، كما أني لم أوثق أي نص من النصوص التي نقلتها من هذا الكتاب أيضاً ، فأين دليلهم على أنَّي قد استندتُ إلى هذا الكتاب في التوثيق ..؟؟..
والحقيقة أني قد تعمدتُ أن أتجنب الاحتجاج بهذا الكتاب ، بل وبكتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، لأنَّ الخصوم لا يرون في كلامهم حجة ، وليس من المروءة العلمية أن أحتج على الخصم بما ليس هو حجة عنده .
2 – وأمَّا قولهم :" فهذا هو الذهبي ينطق بالحق وليس أنا ، فكلام الدارمي ليس من كلام السلف وبالغ في الإثبات ، بل هذا تحذير من كلامه في هذا الكتاب ".
لا أدري كيف فهم هؤلاء القوم من كلام الذهبي رحمه الله تعالى ، بأنَّ كلام الإمام الدارمي رحمه الله تعالى :" ليس من كلام السلف ".
فإنَّ كلام الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى ، لا يدل على هذا المعنى الذي ذهبوا إليه ، بل أقصى ما يُفهم منه أنَّه يرى أنَّ الإمام الدارمي رحمه الله تعالى قد بالغ في إثبات بعض الصفات لله تعالى ، وإنَّ السكوت كان هو الأفضل في مثل هذه الحالات ، لا أكثر من هذا المعنى ولا أقل ..!!.
وإلاَّ لو كان ما فهموه هو المعنى الصحيح من كلامه ، كيف للحافظ الذهبي رحمه الله تعالى إذاً أن يستشهد بكلام الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، ويحتج به في العديد من المواطن في كتابه العلو ، منها :
1 – ما قاله الذهبي في كتابه العلو :(ص81-81 رقم183). :" قال عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب النقض على المريسي حدثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث حدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنَّ عبد الله بن عمرو قال : قالت الملائكة يا ربنا منا الملائكة ومنا جملة العرش ، ومنا الكرام الكاتبين ونحن نسبح الليل والنهار لا نسأم ولا نفتر خلقتَ بني آدم فجعلتَ لهم الدنيا ، فاجعل لنا الآخرة ، قال : ثم عادوا فأجهدوا المسألة فقالوا مثل ذلك ، فقال جلَّ جلاله : لن أجعل صالح ذرية من خلقتًُ بيدي كمن قلتُ له كن فيكون " ثُمَّ قال عن هذا الأثر :" إسناده صالح ".
أقول :
فكيف للذهبي أن يحتج بهذا الأثر ويحكم عليه بأنّ إسناده صالح ، وهو يرى أنَّ كلام الدارمي رحمه الله تعالى :" ليس من كلام السلف "..؟؟.
2 – وقال الذهبي في العلو :(ص126 رقم335). " حديث أبي جعفر النفيلي حدثنا زهير بن معاوية حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم حدثنا ابن أبي مليكة أنَّه حدَّثه ذكوان صاحب عائشة أنَّ ابن عبَّاس دخل عليها وهي تموت فقال لها : كنتِ أحب نساء رسول الله ، ولم يكن يجب إلاَّ طيباً ، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات . أخرجه عثمان الدارمي في الرد على بشر بن عثمان المريسي ".
أقول :
كيف للذهبي رحمه الله تعالى ، أن يكون رأيه في كلام عثمان الدارمي رحمه الله تعالى على نحو ما فهمتم بأنَّه :" ليس من كلام السلف "..؟؟. وهو يعتمد عليه وعلى روايته ..؟؟.
3 – وقال الذهبي في كتابه العلو أيضاً :(ص194 رقم513). " قال عثمان الدارمي في كتاب النقض على بشر المريسي ، وهو في مجلد سمعناه من أبي حفص بن القوس ، فقال :" اتفقت الكلمة من المسلمين أنَّ الله فوق عرشه فوق سمواته ".
أقول :
إنَّ الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى ، قد نقل كلام الإمام الدارمي رحمه الله تعالى هذا على سبيل الاحتجاج به ، وهو القول الذي ردتموه علينا بأنَّه إجماعنا نحن الحشوية ، سبحان الله تعالى ما أجرأكم على اتهام النَّاس بالباطل ..!!.
والأدلة في هذا المجال كثيرة ، ولا سبيل إلى إحصائها ، وفي هذا القدر كفاية لمن أراد الحق ، أو أراد أن يفهم عبارة الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى ، الفهم الصحيح ، بعيداً عن الهوى أوالعصبية ، ولكن أنَّي لكم أن تفهوا كلامه ، وقد أخطأتم في فهم كلام الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى ، و ربما يكون كلام الإمام الأوزاعي هو أسهل للفهم ، وأوضح في الدلالة ، من كلام الحافظ الذهبي هذا ، لذا لا أعتب لكم في قلة فهمكم ، فمن منهج أهل السنة والجماعة :" العذر بالجهل ".
قالوا :
" الله يتحرك وينتقل ويرتفع ويجلس ويقوم أي صفة الجلوس مثلك ايها الإنسان ، يقول ص20 :" لأنَّ الحي القيوم يتحرك إذا شاء وينزل ويرتفع إذا شاء و يقبض ويبسط إذا شاء ويقوم ويجلس ". انتهى كلامهم .
والجواب على هذا الإفتراء من وجهين :
الأول : إنَّ الإمام الدارمي لم يقل :" الله يتحرك وينتقل ويرتفع ويجلس ويقوم أي صفة الجلوس مثلك ايها الإنسان ". وأنا أتحداكم أن تخبرونا أين قال هذه العبارة :" أي صفة الجلوس مثلك أيها الإنسان ". فوالله إنَّ هذا من أكذب الكذب على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى .
إذ كيف يستقيم هذا الإتهام مع من يكفِّر من يشبِّه الله تعالى بخلقه ، وفي ذلك يقول الدارمي رحمه الله تعالى ، في كتابه الرد على المريسي :(ص22).
" أمَّا قولك إنَّ كيفية هذه الصفات ، وتشبيهها بما موجود في الخلق فإنَّا لا نقول إنَّه خطأ كما قلتَ ، بل هو عندنا كفر ، ونحن لكيفيتها وتشبيهها بما هو موجود في الخلق أشد أنفاً منكم، غير أنا كما لا نشبهها ولا نكيفها ، لا نكفر بها ولا نكذب ولا نبطلها بتأويل الضلال كما أبطلها إمامك المريسي في أماكن من كتابك سنبينها لمن غفل عنه ".
وقال أيضاَ ما نصه ، في كتابه الرد على المريسي :(ص152 وما بعدها).
" ادعى – أي المعارض الذي يرد عليه الإمام الدارمي - أنَّ بعض كتبة الحديث ثبتوا به بصراً بعين كعين ، وسمعاً كسمع جارحا مركباً .
فيقال لهذا المعارض : أمَّا دعواك عليهم أنَّهم ثبتوا له سمعاً وبصراً ، فقد صدقت ، وأمَّا دعواك عليهم أنَّه كعين وكسمع ، فإنَّه كذب ادعيتَ عليهم لأنَّه ليس كمثله شيء ولا كصفاته صفة ، وأمَّا دعواك أنَّهم يقولون جارح مركب ، فهذا كفرٌ لا يقوله أحدٌ من المسلمين ، ولكنَّا نثبت له السمع والبصر والعين بلا تكييف ، كما أثبته لنفسه فيما أنزل من كتابه ، وأثبت له الرسول ، وهذا الذي تكرره – كما تكررون أنتم اليوم - مرة بعد مرة جارح عضو وما أشبهه حشو وخرافات وتنشيع ، لا يقوله أحد من العالمين ، و قد روينا روايات السمع والبصر والعين في صدر هذا الكتاب بأسانيدها وألفاظها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال ، ونعني كما عنى والتكييف عنَّا مرفوع ، وذكر الجوارح والأعضاء تكلف منك وتنشيع ".
كيف يستقيم أن يتهم من يكفر المجسمة والمشبهة ، بأنَّه مجسم ، إلاَّ عند قليلي الفهم أمثالكم ..؟؟.
وكلامه صريح في نفي التشبيه عن صفات الله تعالى ، وقال لا نكيف هذه الصفات ولا نشبهها ، " ونعني كما عنى والتكييف عنَّا مرفوع ، وذكر الجوارح والأعضاء تكلف منك وتنشيع ".
هذا هو كلامه ألا تستحون من الله تعالى ، من هذا الكذب والإفتراء على مثل هذا الإمام الكبير رحمه الله تعالى .
الثاني : لقد بينا فيما مضى أنَّ الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، قد أخطأ – خطأً لفظياً – حينما نسب إلى الله تعالى الحركة ، فأنَّه لم يقصد أبداً هذا المعنى الذي فهمتموه من كلامه أنَّه يتحرك وينزل كتحرك ونزول الإنسان ، كيف له أن يقول بذلك وهو الذي كفَّر من يقول بالتشبيه أو التجسيم ، كما نقلنا كلامه الصريح في هذا الباب ..!!.
استحوا من الله وكفاكم كذباً وتدليساً على هذا الإمام الكبير رحمه الله تعالى ..!!. فنحن لكم بالمرصاد إن شاء الله تعالى .
قالوا :
" ص /71 يقول الدارمي على رسول الله أنَّه قال :" آتى باب الجنة فيفتح لي فأرى ربي وهو على كرسيه تارة يكون بذاته على العرش وتارة يكون بذاته على الكرسي.
في كتاب الدارمي في الرد على بشر المريسي ص/74 : وإنَّ كرسيه وسع السموات والأرض ، وأنَّه ليقعد عليه فما يفضل منه إلاَّ قدر أربع أصابع ، وأنَّه له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد من يثقله .
وينسب هذا إلى النبي ، والعياذ بالله ".
وللجواب عن هذا أقول :
1 – أمَّا قولكم :" يقول الدارمي على رسول الله أنَّه قال :" آتى باب الجنة فيفتح لي فأرى ربي وهو على كرسيه تارة يكون بذاته على العرش وتارة يكون بذاته على الكرسي ". فإنَّ هذا من باب الرواية بالمعنى ، وهذا لا ضير فيه ، فإنَّ أكثر الأحاديث رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمعنى ، كما هو معلوم معروف عند أهل الحديث .
والحديث هو : ما أخرجه الدارمي رحمه الله تعالى بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث قال في كتابه الرد على الجهمية :(ص96 رقم184). وفي كتابه نقض الدارمي على المريسي :(ص14). حدَّثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد - يعني بن سلمة – عن علي بن زيد عن أبي نضرة قال خطبنا ابن عبَّاس على هذا المنبر ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من نبي إلاَّ له دعوة تعجلها في الدنيا وإنَّي اختبأتُ دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة وأنا سيد ولد آدم ولا فخر وأول من تنشق عنه الأرض ولا فخر وبيدي لواء الحمد لا فخر 0 قال رسول الله : فيطول ذلك اليوم على النَّاس فيقول بعضهم لبعض انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر فليشفع لنا إلى ربنا وساق الحديث إلى قوله : فآتي باب الجنة فأخذ بحلقة الباب فأقرع الباب فيُقال من أنت فأقول : أنا محمد فيفتح الباب فآتي ربي وهو على كرسيه أو على سريره فيتجلى لي فأخر له ساجداً ، وساق أبو سلمة الحديث بطوله إلى آخره .
هذا هو النص الصحيح الذي أخرجه الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو كما ترى لا يختلف كثيراً من حيث المعنى عن كلام الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، وإن كنَّا نحن نحبذ أن لا يتصرف الإمام الدارمي رحمه الله تعالى باللفظ ، حتى لا يقع في شراك جهلكم .
وما تعيبونه على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، قد شركه فيه غيره ، كالإمام أحمد رحمه الله تعالى ، إذ أنَّه قد أخرج هذا الحديث في مسنده :(4/330رقم 2546). من طريق عفَّان قال حدَّثنا حمَّاد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي نضرة قال خطبنا ابن عبَّاس .. ثُمَّ ذكر الحديث بطوله ، وفيه :" فآتي باب الجنة فآخذ بحلقة الباب ، فأقرع الباب فيُقال : من أنت ..؟؟. فأقول : أنا محمد فيُفتح لي فآتي ربي عزَّ وجل على كرسيه – أو سريره شكَّ حمَّاد – فأخر له ساجداً ..".
وهذا كما ترى ، أنَّه يتفق مع ما أخرجه الإمام الدارمي رحمه الله تعالى سنداً ومتناً ، فكيف يسوغ لكم أن تقولوا :" وينسب هذا إلى النبي ، والعياذ بالله ".
نعم و:" العياذ بالله ". و لكن من كذبكم وتكذيبكم وجهلكم .. هداكم الله تعالى .
ألا تستحوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تردوا أحاديثه ، فقط من أجل نصر باطلكم ، هذا مع العلم بأنَّ هذا الحديث قد حسَّنه الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله تعالى ، وهو أقرب إلى المذهب الأشعري في مسألة الأسماء والصفات .
كما أخرج هذا الحديث أيضاً الإمام أبو داود الطيالسي في مسنده :(4/430 رقم2834).
والإمام البيهقي – وهو أقرب إلى المذهب الأشعري في مسألة الأسماء والصفات - في كتابه دلائل النبوة :(5/481). وغيرهم كثير .
وبعد كل هذا ، هل علمتم أنَّ هذا الحديث ليس من اختراع الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، وأنَّه لم يكذب – كما تكذبون – على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..؟؟.
2 - وما قلناه عنه هذا الحديث ، نقوله عن حديث : " وإنَّ كرسيه وسع السموات والأرض ، وأنَّه ليقعد عليه فما يفضل منه إلاَّ قدر أربع أصابع ، وأنَّه له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد من يثقله ".
أقول إنَّ هذا نص حديث أخرجه الإمام الدارمي رحمه الله تعالى في كتابه الرد على المريسي :(ص74). من طريق عبد الله بن رجاء أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة ، قال : أتت أمرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ادع الله أن يدخلني الجنة فعظم الرب ، فقال : إنَّ كرسيه وسع السموات والأرض وإنَّه ليعقد عليه فما يفضل منه إلاَّ قدر أربع أصابع ومد أصابعه الأربع وإنَّ له أطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركبه من يثقله .
وهذا الحديث لم ينفرد بروايته الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، بل شركه في إخراجه الإمام الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره ، وبل وأخرجه من عدة طرق ، ، وبل وذهب إلى الإحتجاج به أيضاً ، فقد قال رحمه الله تعالى – بعد أن ذكر أقول أهل العلم في معنى العرش فمن قائل أنَّه :" علمه ". ومن قائل أنَّه :" موضع القدمين ". ومن قائل :" هو العرش نفسه " - قال :(5/399).
" ولكل قول من هذه الأقوال وجه ومذهب ، غير أنَّ الذي هو أولى بتأويل الآية ما جاء به الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ما حدَّثني به عبد الله بن أبي زياد القطواني قال : حدَّثنا عبيد الله بن موسى قال : حدَّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة قال : أتتْ امرأةٌ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : ادع الله أن يدخلني الجنة . فعظَّم الرب تعالى ذكره ، ثُمَّ قال : إنَّ كرسيه وسع السموات والأرض وأنَّه ليقعد عليه فما يفضل منه أربع أصابع – ثُمَّ قال بأصابعه فجمعها – وإنَّ له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله .
حدَّثني عبد الله بن أبي زياد قال : حدَّثنا يحيى بن أبي بكر عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ..
حدَّثنا أحمد بن إسحاق قال : حدَّثنا أبو أحمد قال حدَّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة ، قال : جاءتْ امرأة فذكر نحوه ". انتهى كلام الإمام الطبري .
فأي نقد توجهونه إلى الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، هو متجه لا محال إلى الإمام الطبري ، فإذا ذهبتم إلى أنَّ رواية هذا الحديث والاحتجاج به تجسيم ، فإنَّ الإمام الطبري رحمه الله تعالى مجسم ، فهذا لازم قولكم لا انفكاك لكم عنه ، فانظروا إلى أين تذهبون بعلماء الأمة وأثباتها ..!!.
والحديث أخرجه الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى في تاريخ بغداد :(8/52). والإمام الدارقطني في كتابه الصفات :(ص49رقم35). وغيرهم .
وقال الكرمي في كتابه أقاويل الثقات :(ص119).
" وكما اعترض بعضهم على الحنابلة في حديث رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : استوى على العرش فما يفضل منه إلاَّ مقدار أربع أصابع ، قال المعترضون للحنابلة : وهذا يوهم دخول كمية ، وإجراء هذا مستحيل في حق الرب
إلاَّ على قول المشبهة والمجسمة الذين يثبتون لله ذاتاً لها كمية وصخامة ، وهذا مما اتفقنا نحن وأنتم على تكفير القائل به .
فقال الحنابلة : أمَّا هذا الحديث فنحن لم نقله من عند أنفسنا ، فقد رواه عامة أئمة الحديث في كتبهم التي قصدوا فيها نقل الأخبار الصحيحة ، وتكلموا على توثيقه رجاله وتصحيح طرقه من الأئمة جماعة أحدهم إمامنا أحمد – أي أحمد بن حنبل – وأبو بكر بن الخلال صاحبه وابن بطة والدارقطني في كتاب الصفات الذي جمعه وضبط طرقه وحفظ عدالة رواته ، وهو حديث ثابت لا سبيل إلى دفعه ورده إلاَّ بطريق العناد والمكابرة ".
ثُمَّ قال :" والتأويل يمكن ". ثم ذهب إلى تأويله ، لكن ما استطاع أن يرده من جهة الثبوت .
فكل كلام على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى ، بشأن هذا الحديث ، يُقال عن هؤلاء الأئمة الذين رووا هذا الحديث واحتجوا به ، كالإمام أحمد وتلميذه أبو بكر الخلال وابن بطة والطبري والدارقطني وغيرهم ، كما ذكرنا فيما مضى .
ومن هنا فإنَّ قولكم :" وينسب هذا إلى النبي ، والعياذ بالله ". مجازفة علمية تنم عن جهلكم ، وتعجرفكم - هداكم الله - إذا أنَّ الإمام الدارمي رحمه الله تعالى روى هذا الحديث بإسناده – كما صنع غيره - إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
فلا أدري ما وجه قولكم هذا :" وينسب هذا إلى النبي ". بعد أن علمنا أنَّ هؤلاء الأئمة قد رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه الإمام الدرامي رحمه الله تعالى . ..؟؟.
يتبع إن شاء الله تعالى
أخوكم من بلاد الشام
أبو محمد السوري
---
No comments:
Post a Comment