Monday, May 31, 2010

المقالات الدمشقية في الدفاع عن ابن تيمية وكشف الضلالات الحبشية 100-127

لو فرضنا أنه قالها فإن مسألة إقعاد النبي - صلى الله عليه وسلم - على العرش ليست ذاك السر الذي يحتاج ابن تيمية إلى إخفائه فإن روايات الإقعاد قد ملأت بطون كتب الحديث حتى إن الخلال والطبري والسيوطي ساقوا عشرات الروايات منها واعتُبرتْ تفسيراً لقوله تعالى {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} غير أنها كما قلت لم ترتفع إلى درجة الصحة وإنما صحت الروايات إلى بعض التابعين الذين قالوا بها كمجاهد في أحد قوليه (1) .
بل هو قول الجيلاني
قال الشيخ عبد القادر "إن أهل السنة يعتقدون أن الله يُجلِس رسوله معه على العرش يوم القيامة (2) ، غير أن عامة أهل السنة والحديث كأحمد والذهبي منعوا هذا القول لعدم صحة السند فيه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . ولكن من تمسك بهذه المسألة ظناً منه صحة الأحاديث الواردة فيه فلا يجوز تكفيره، وإلا كان المكفّر له شرّاً منه وأقرب إلى الحرورية الغلاة.

نسبة المخادعة إلى ابن تيمية
يبطلها العيني وغيره
وزعم الأحباش أنه لم عقدوا مجلساً لابن تيمية احتال عليهم وزعم أنه أشعري. وأنا لم أجد أنه قال ذلك وإنما قال أنه على اعتاد الشافعي فرضوا ذلك منه (3) .
فأما إن ذكر أنه على اعتقاد الشافعي فأي كذب في ذلك فإنه بإثبات الصفات وعدم التأويل ونقد علم الكلام أقرب إلى منهج الشافعي منهم. فإن الشافعي كان يحذر من علم الكلام وابن تيمية يوافقه، بينما الأحباش يلقبون الحبشي (إمام علم الكلام) وهو يؤوّل الصفات وقد قالوا: التأويل مذهب الخلف والإثبات مذهب السلف!
__________
(1) انظر كتاب السنة للخلال (244 و250 و253 و 268 و271 و272 و273) .
(2) الغنية لطالبي الحق 71 .
(3) عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان 4/411 .
(1/100)

أما إن قال إن أشعري المعتقد فأي كذب في ذلك وقد استقر أمر الأشعري رحمه الله على موافقة عقيدة أحمد بن حنبل، وشهد بذلك الأشاعرة المتقدمون كابن عساكر في التبيين والبيهقي والمتأخرون كالتاج السبكي في طبقاته والزبيدي في إتحافه وابن عذبة، وشهد بذلك غيرهم الذهبي وابن كثير (1) .
فقوله (أنا أشعري) أفضل من قولكم: إننا أشاعرة بينما تخالفون الأشعري وتوافقون المعتزلة. فهو أقرب وأكثر موافقة مع عقيدة الأشعري منكم. فالأشعري في الحقيقة حنبلي المذهب في العقيدة أيها الأشاعرة.
وإن كنتم تعتبرون ذلك جبناً ومراوغة فهل تقولون ذلك في أبي الحسن الأشعري رحمه الله وقد حكى الكوثري أنه كان يقول للحنابلة (أنا حنبلي أنا على مذهب أحمد) وزعم الكوثري أنه كان يراوغهم بقصد التدرج بهم (2) !

ابن تيمية الشجاع
ولم يزل بدر العيني يحكي مواقفه الشجاعة في حق سلاطين التتار كقوله لغازان ملك التتار فيما رواه ابن كثير عن الشيخ عبد الله بن قوام البالسي "أنت تزعم أنك مسلم وتقتل المسلمين وأبواك كانا كافرين ولم يفعلا ما فعلتَ، قد عاعدتَ فغدرتَ وقلت فيما وفيتَ".
__________
(1) تبيين كذب المفتري 150 و152 – 158 و392 طبقات السبكي 3/99 الاعتقاد للبيهقي 96 و109 إتحاف السادة المتقين 2/4 للمرتضى الزبيدي الخطط المقريزية 3/308 الروضة البهية 53 .
(2) تبيين كذب المفتري 117 – 118 .
(1/101)

قال كلمة الحق ولم يخش إلا الله عز وجل. قال: ثم قرّبوا طعاماً فأكلوا إلا ابن تيمية فقيل له: ألا تأكل؟ فقال: كيف آكلُ من طعامكم وكلّه مما نهبتموه من أغنام الناس. ثم إن قازان الملك طلب منه الدعاء فقال ابن تيمية: اللهم إن كان هذا عبدك محمود إنما يقاتل لتكون كلمتك هي العليا وليكون الدين كله لك فانصره وأيّده، وملّكه البلاد والعباد، وإن كان إنما قام رياء وسمعة وطلباً للدنيا ولتكون كلمته هي العليا وليذلَّ الإسلام وأهله: فاخذُلْهُ وزلزله ودمّره واقطع دابره. قال: وكان قازان يؤمّن على دعائه ويرفع يديه. قال: فجعلنا نجمع ثيابنا خوفاً من أن تتلوث بدمه إذا أمر السلطان بقتله".
قال "فما خرجنا من عند السلطان قال القاضي نجم الدين ابن صصري لابن تيمية: لقد كِدتَ أن تهلكنا وتهلك نفسك، والله لا نصحبك من هنا، فقال: وأنا والله لا أصحبكم. فانطلقنا وتأخر هو ومعه جماعة من أصحابه، فتسامعت به الخواقين والأمراء من أصحاب قازان فأتوه يتبركون بدعائه طول الطريق. وهو سائر إلى دمشق، وأما الذين أبوا أن يصحبوه فخرج عليهم جماعة من التتار فسلبوهم عن آخرهم" (1) .
ولما سمع بتقديس أهل دمشق لصخرة أخذ فأساً وكسرها (2) ، ولذا وصفه الذهبي بأنه كان أمّاراً بالمعروف نهّاءً عن المنكر.

مقارنة
بين موقف الرفاعية من التتار وبين موقف ابن تيمية
هناك فرق عظيم بين موقف ابن تيمية من التتار وبين موقف الرفاعية (سلف الحبشي) منهم، فإن سجل ابن تيمية مشرف حافل بالجهاد وتحريض ولاة المسلمين ضد التتار بل خروجه بنفسه مع طائفة من المخلصين لملاقاتهم، وكان بهذا العمل النبيل رمز العالم العامل الشجاع.
__________
(1) انظر البداية والنهاية 14/89 ومن أراد الوقوف على مواقفه الشجاعة يجدها في البداية والنهاية لابن كثير (14/7 و10 و11 و12 14-16 و19 و24-26 و33-35 و43 و132).
(2) عقد الجمان 2/51 و86 و312 .
(1/102)

أما مواقف الرفاعية (سلف الحبشي) فتتسم بالخسة والخيانة. فقد كثر ترددهم على التتار وتقربهم إليهم بالأحاييل التي يسمونها (كرامات) وقد تولوهم طمعاً في هداياهم وأموالهم حتى قال الذهبي "قد كثر الزغل (الفساد) في أصحاب الطريقة الرفاعية، وتجدَّدتْ لهم أحوال شيطانية منذ أخذت التتار العراق: من دخول النيران وركوب السباع واللعب بالحيَّات. قال "وهذا ما عرفه الشيخ أحمد الرفاعي ولا صلحاء أصحابه، فنعوذ بالله من الشيطان" (1) .
وقول الذهبي "منذ أخذت التتار العراق" إشارة إلى أنهم كانوا يوالون التتار الذين احتلوا العراق بإيعاز من زعماء الروافض الشيعة وقتلوا مليوني مسلم، فكانوا يتقربون إلى التتار بتلك الأحاييل.
وكان التتار يعجبهم ما يفعله الرفاعية، ويجزلون لهم العطاء، فكانت إشارة من الذهبي إلى أن من يوالي أعداء الله: كيف يكرمه الله بالكرامات؟
وكذلك حمل عليهم الشيخ الألوسي فقال "وأعظم الناس بلاء في هذا العصر على الدين والدولة: مبتدعة الرفاعية، فلا تجد بدعة إلا ومنهم مصدرها وعنهم موردها ومأخذها، فذِكْرُهُم عبارة عن رقص وغناء والتجاء إلى غير الله وعبادة مشايخهم. وأعمالُهُم عبارة عن مسك الحيات" (2) .

تحريف كلام الحافظ ابن حجر حول تنقيص علي
وقد زعم الحبشي أن الحافظ ابن حجر اتهم ابن تيمية بأنه كان ينتقص سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث كتب رداً على ابن المطهر الحلي. ثم حرف الحبشي النقل عن الحافظ فقال "وكم من مبالغة له لتوهين كلام الحلي أدت إلى به أحياناً إلى تنقيص علي رضي الله عنه" انتهى.
وهذا تلاعب بالنصوص: فإن النص من النسخة المطبوعة التي أحال إليها الحبشي "وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدته أحياناً إلى تنقيص علي رضي الله عنه" (3) .
__________
(1) العبر في خبر من غبر 3/75 .
(2) غاية الأماني في الرد على النبهاني 1/370 .
(3) المقالات السنية ط: جديدة 200 .
(1/103)

فزاد الحبشي لفظ (له) ليؤكد أن الكلام عائد على ابن تيمية. وبدل كلمة (الرافضي) بكلمة الحلي ليزيد القارئ تأكيداً بأن الضمير ما زال يعود على ابن تيمية. واستبدل لفظ (أدته) إلى (أدت به) ليؤكد أن الضمير ما زال يعود على ابن تيمية.
مفاجأة بعد الرجوع إلى مخطوطة لسان الميزان
لقد رجع إلى مخطوطتين لتاب لسان الميزان فاكتشفت ما يلي:
المخطوطة الأولى لا تتضمن ترجمة يوسف والد الحسن المطهر.
المخطوطة الثانية تتضمن:
ترجمة يوسف (ابن) الحسن، وتم تصحيحها في المطبوع إلى (والد) الحسن. وكأن مقحم هذا النص لم يتقن عمله.
وفيها اضطراب ففيها أن يوسف هو شارح ابن الحاجب وأنه هو الذي رد عليه ابن تيمية. في حين أن ولده (الحسين) هو شارح ابن الحاجب. وهو الذي رد عليه ابن تيمية لا على أبيه. فالخلط والتحريف واضحان جداً فيمن يجري مقارنة بين ترجمة الابن (لسان الميزان 2/319) وبين ترجمة والده يوسف (5/317).
فهل الأب هو شارح ابن الحاجب أم ابنه؟
وهل الأب هو الذي رد عليه ابن تيمية أم الابن؟
إن مثل هذا الخطأ لا يمكن أن يكون صادراً عادة من ناقد حافظ عظيم كابن حجر مما يرجح أن تكون بعض الأيدي قد عمدت إلى إقحام هذه الترجمة ولم يتقنوا تحريفهم فجعلوا يوسف والد الحسن هو شارح ابن الحاجب وهو الذي رد عليه ابن تيمية. ثم إن يوسف هذا ليس له عادة ترجمة خاصة.
أن النص في المخطوطة غير واضح ويتعذر قراءة هذه العبارة التي تتضمن التنقيص. ولا يسلم أنها تتضمن عبارة (وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي ... ). وقد تقدم صورة المخطوط (1) .
وحتى النسخ المطبوعة حصل فيها خلط والتباس. ففي طبعة دار الفكر لفظ (ذاته) بدل (أدته). فهناك خلط واحتمال للتزوير ثم بياض طويل لا يدرى كيف انتهى الكلام فيه. الأمر الذي يجعل الاحتجاج بهذا النص في لسان الميزان ساقطاً.
__________
(1) انظر صفحة 1040 .
(1/104)

وحينئذ نرجع إلى صيح كلام الحافظ ابن حجر في ابن تيمية حيث كان يحتج بنقده العلمي لأدق المسائل وحكمه على الروايات والأحاديث وترجيحه للمسائل المختلف فيها. بل ونرجع إلى صريح كلام ابن حجر في ابن تيمية كما أورده السخاوس في الجواهر والدرر. فقد سفّه فيه ابن حجر المتحاملين على ابن تيمية وأكد أنه يستحق الوصف بشيخ الإسلام.
أن السبكي كان حريصاً على كشف أخطاء ابن تيمية وذكر رد ابن تيمية على الرافضي ولكنه أثنى على رد ابن تيمية على ابن المطهر ولم يحك لنا شيئاً عن طعنه في علي رضي الله عنه. ولو وجد من ذلك شيئاً لطار به واحتج به ضد ابن تيمية. فقال قال:

ولابن تيمية رد عليه وفيّ ... بمقصد الرد واستيفاء أضربه
لكنه خلط الحق المبين بما ... يشوبه كدر في صفو مشربه
يحاول الحشو أنى سار فهو له ... حثيث سير بشرق أو بمغربه
يرى حوادث لا مبدا لأولها ... في الله سبحانه عما يظن به

تمويهات الحوت
وقد قام كما الحوت بعمل حيلة، فجمع بعض الرسائل والمقالات في كتاب أسماه (الرسائل السبكية) ثم غيّر اسم هذا الكتاب من (الرسائل السبكية في الرد على ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية) إلى (التوفيق الرباني في الرد على ابن تيمية الحراني) وحذف منه رسالة السبكي في الرد على نونية ابن القيم، وزاد فيه رسالة أحمد الكلابي في نفي الجهة في الرد على ابن تيمية.
وقام ببعض التغييرات الطفيفة في المقدمة أيضاً حتى بدا للناس أنه كتاب آخر مختلف عن الكتاب السابق، وهو رجل معروف بهذا النوع من العمل والشكوى تزداد منه يوماً بعد يوم، حيث إنه يأخذ كتب الآخرين يصورها وينشرها ويغير غلافها وعنوانها.
وقد ثبت تزويره حذفاً وإضافة حين كان يعمل بقسم التحقيق بدار (عالم الكتب) وقام بحذف بعض العبارات من كتاب للشيخ عبد الفتاح أبي غدة مما أدى إلى طرده من الدار بعدما ظهر عدم أمانته.
الشيخ محمد بن درويش الحوت
يعظم ابن تيمية ويحتج به
(1/105)

وتجاهل موقف قرابته من العلماء الشيخ محمد بن درويش الحوت الذي كان يحتج بحكم ابن تيمية على روايات الحديث كما في كتاب (أسنى المطالب، الصفحات التالية (41، 89، 118، 125، 181، 236، 253، 341، 350، 359، 399، 435، 452، 566) كذلك كان يحتج بأقوال ابن القيم (صفحات 89، 168، 452).
أوَ تَعلمت أيها الحوت من شيخك الحبشي ما جهله سلفك وقرابتك؟
وإذا كان الحوت معظماً لابن تيمية وتلميذه الأمر الذي يجعله يكثر من الاحتجاج بأقوالهما فهل يكون موافقاً لعقيدة شيخك الحبشي كما زعمتم في مجلتكم المنار (44/54) أم مخالفاً له؟

وهذه حيلة يراد بها التعطيل
ومن تمويهاته قوله "جمهور الأمة الإسلامية على تنزيه الله عن مابهة الحوادث" (1) .
نعم، التنزيه على طريقة أحمد وغيره من سلف الأمة بإثبات صفات الله إثباتاً بلا تشبيه وتنزيهاً بلا تعطيل: فعلى الرأس والعين.
أما أن يقصد بالجمهور: جماهير الجهمية والمعتزلة وأفراخهم الذين يعبثون بصفات الله ويؤولونها على الوجه الذي يحلو لهم: فهو إلحاد مكسو بكساء التنزيه كمن قال: اتخذوا من دعوى التنزيه جُنةً ليصدوا بها عن إثبات ما وصف الله بن نفسه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
فالمعتزلة قبلكم كانوا يرون طريقة أحمد باطلة وكانوا يرونه مشبهاً ويزخرفون باطلهم بدعوى التنزيه، وكان الجهمية يدندنون حول التنزيه عن التشبيه أكثر منكم. وكان جهم أول المستائين من آية الاستواء والمجيء واليدين وحديث النزول.

هل كان سجنه دليلاً على فساد عقيدته؟
وأما صورة مرسوم ابن قلاوون في ابن تيمية ودندنتكم حول موت ابن تيمية في السجن وقولكم يكفيكم دليلاً على ضلاله: رميه في السجن حتى مات فيه.
فلا تغرنكم المراسم السلطانية الصادرة من السلاطين ضد العلماء ولا تعوّلوا عليها، فقد وقع لغيره من كبار العلماء نظير ما وقع له.
__________
(1) التوفيق الرباني 7 الرسائل السبكية 15 .
(1/106)

- فقد صدر مرسوم سلطاني ضد أحمد بن حنبل يشبه مرسوم ابن قلاوون في ابن تيمية، وأتوا به مكبلاً إلى الخليفة المأمون، وتعرض للضرب ولم يمنعه ذاك من الثبات على الحق والصبر على الأذى في الله.
- وكذلك فعلوا بمالك حين تعرض للضرب من قبل المنصور.
- وقاسى البخاري من أهل عصره حتى أخرجوه إلى مدينة خرتنك فمات بها.
- وقاسى أبو حنيفة من الحبس والضرب حتى مات وهو في السجن.
- وقاسى الشافعي من أهل مصر لما ادعى الاجتهاد المطلق.
- ومن قبلهم فعلوا بسعيد بن المسيب وبسعيد بن جبير بوالحسن البصري كما في السير.
فلو كان تعَرُّضُ العلماء لاضطهاد السلاطين وظلمهم دليلاً على فساد معتقدهم لما بقي لنا عالم واحد، إذ ما منهم إلا وقد نال نصيبه من أذاهم إلا من كان موالياً أو شيطاناً أخرس. فكيف وقد علمتم أن البلاء الذي وقع فيه ابن تيمية كان بسبب وشاية أبي نصر المنبجي به إلى السلطان بيبرس الجاشنكير. وذلك أن ابن تيمية بلغه تعظيم المنبجي لابن عربي وشيوع القول بوحدة الوجود بين أتباعه، فأنكر عليه ابن تيمية، مما دفع بالمنبجي إلى تسليط السلطان ضده كما حكاه بدر الدين العيني (1) .

زعمه أنه طعن بعلي رضي الله عنه
قال الحبشي "وابن تيمية هذا طعن في علي بن أبي طالب وقال إن حروبه أضرت بالمسلمين". ثم انتهى إلى أن ابن تيمية يحرف القرآن" (2) . وللجواب على ذلك نقول:
1 ) أن ابن تيمية لم يقل ذلك ومن ادعى شيئاً من ذلك فعليه الدليل. ولقد طالب الألوسي ابن حجر الهيتمي بالدليل على ذلك من كتب شيخ الإسلام. فلماذا لا يشير الحبشي إلى الموضع الذي سب فيه ابنُ تيمية علي بن أبي طالب؟
__________
(1) عقد الجمان 4/461 .
(2) شريط 13 الوجه الأول 94 .
(1/107)

ويوم أن اتهموا الطبري بالتشيع وزعموا أنه أجاز مسح الرجلين في الوضوء: ردّ الذهبي على ذلك قائلاً "ولم نر ذلك في كتبه" (1) . ونحن نطالبكم بالدليل على الطعن المزعوم المنسوب إلى شيخ الإسلام.
ولقد ذكر ابن كثير كيف قُبِض على أحد أعداء ابن تيمية وقد زوّر عليه كتاباً فقطع السلطان يده هو ومن تواطؤا معه على ذلك (2) فما يمنع أن تكون هذه الرسالة المزعومة مدسوسة عليه لا سيما وأنك تقرأ من كتبه المنتشرة ما يخالفها.
2 ) إن الحبشي لا يملك أي مستند يدعم به فريته، ولهذا لا يملك إلا أن يقول: إن ابن تيمية كتم معتقده هذا ولم يظهره في كتبه التي بين أيدينا، ولكن كيف توصل الحبشي إلى معرفة ذلك؟ ألعله اطلع على كلامه النفسي ففهم ما في نفسه من المعاني.
إنه تارة يفتري لابن تيمية رسالة عرشية غير التي بأيدينا، ويدافع عن ابن عربي تارة أخرى فيدعي وجود نسخة للفتوحات المكية ليس فيها الكلام الكفري الموجود في النسخة المتداولة. وهكذا هوىً متبع، من غير دليل.
ثم جاء صاحب كتاب التوفيق (85-89) وتحت عنوان (افتراؤه على الإمام علي) جعل ينقل عن الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة (1/114) ما يظنه دليلاً على طعن ابن تيمية بعلي رضي الله عنه، ثم نقل عن مواضع عديدة من كتاب منهاج السنة لشيخ الإسلام يستدل بها بزعمه على مسألة الطعن. وقد كان في ذلك ملبساً للحق بالباطل، ونحن سنرى خيانته وتلبيسه وكيف حرّف عبارات شيخ الإسلام وشوّهها.
نماذج من تحايل هذا الرجل
__________
(1) سيير أعلام النبلاء 14/277 .
(2) البداية والنهاية 14/22 .
(1/108)

ذكر في (ص 89) من كتابه عن ابن تيمية قوله "علي رضي الله عنه كان عاجزاً عن قهر الظلمة من العسكرين. ولم تكن أعوانه يوافقونه على ما يأمر به، وأعوان معاوي يوافقونه. وكان يرى أنه لم يحصل المطلوب بالقتال ... إلى أن قال: فأئمة السنة يعلمون أنه ما كان القتال مأموراً به ولا واجباً ولا مستحباً ولكن يعذرون من اجتهد فأخطأ (1) .
- وقال في (ص 85) "وقد ذكر ابن تيمية في حق علي في كتاب منهاج السنة (2/203) ما نصه: وليس علينا أن نبايع عاجزاً عن العدل علينا، ولا تاركاً له. فأئمة السنة يسلّمون أنه ما كان القتال مأموراً به ولا واجباً ولا مستحباً".
- وقال في (ص 89) وانظر الصحيفة (204) يقول فيها: "فإن قال الذابّ عن علي: هؤلاء الذين قاتلهم علي كانوا بغاة فقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمار رضي الله عنه: "تقتلك الفئة الباغية" وهم قتلوا عماراً.
فهاهنا للناس أقوال:
منهم من قذف في حديث عمار.
ومنهم من تأوله على أنه الباغي الطالب (2) وهو تأويل ضعيف.
وأما السلف والأئمة فيقول أكثرهم كأبي حنيفة ومالك وغيرهم: لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية.
قلت: قد صرح المرتضى الزبيدي بهذا فانظره (3) .
وقال المتجني (ص89) "مرادنا من هذا الكلام تبيين أن عليّاً هو الخليفة الواجب الطاعة وأن مخالفيه بغاة. فكيف يقول هذا السخيف [أي ابن تيمية] أنه ما كان القتال مأموراً ولا واجباً ولا مستحباً، وأنه لم يحصل للمسلمين في مصلحة لا في دينهم ولا في دنياهم. فهذا فيه مخالفة للأحاديث التي أوردناها، ليس هذا ذمّاً بعلي؟!
__________
(1) منهاج السنة 2/202 – 203 .
(2) قال شيخ الإسلام في المنهاج (2/210 – 211) "وأما تأويل من تأويله أن علياً وأصحابه قتلوه وأن الباغي: الطالب بدم عثمانك فهذا من التأويلات الظاهرة الفساد للعامة والخاصة).
(3) إتحاف السادة المتقين 2/225 .
(1/109)

قلت: لعله لم يطلع على ما قاله ابن الهمام في المسايرة من أن كثيراً من العلماء ذهبوا إلى أن قتلة عثمان لم يكونوا بغاة بل ظلمة وقتلة وعتاة لعدم الاعتداد بشبهتهم (1) . ففرق بين البغي وبين غيره.
الجواب عن شبهات الحوت
على القارئ الكريم أن يقارن ما نقله هذا الظالم بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية ليرى خيانته في النقل مع ادعائه أنه نقل كلامه نصاً وحرفاً: راجع النصوص الثلاثة الأولى المقتطعة المختزلة (2) .
ثم اقرأ ما كتبه شيخ الإسلام رداً على ابن المطهر الحلّي الرافضي بنصه " ... وعسكرُ معاوية يعلمون أن عليّاً أفضل وأحق بالأمر منه. ولا ينكر ذلك منهم إلا معاند أو مع أعمى الهوى قلبه. ولم يكن معاوية قبل تحكيم الحَكَميْن يدّعي الأمر لنفسه، ولا يتسمّى بأمير المؤمنين، وإنما ادعى ذلك بعد حُكمِ الحَكَميْن، وكان غير واحد من عسكر معاوية يقول له: لماذا نقاتل معك عليّاً وليس لك سابقته وفَضله ولا صهره وهو أولى بالأمر منك؟! فيعترف لهم معاوية بذلك، ولكن قاتلوا مع معاوية لظنهم أن عسكر علي فهيم ظلمة يعتدون عليهم كما اعتدوا على عثمان، وأنهم يقاتلونهم دفعاً لصيالهم عليهم، وقتال الصائل جائز. ولهذا لم يبدأهم بالقتال حتى بدأهم أولئك.
__________
(1) إتحاف السادة المتقين 2/225 .
(2) دعوة شيخ الإسلام وأثرها في الحركات الإسلامية المعاصرة ص 352 .
(1/110)

ولهذا قال الأشتر النخعي: إنهم ينصرون علينا لأنا نحن بدأناهم بالقتال، وعلي رضي الله عنه كان عاجزاً" (1) عن قهر الظلمة من العسكريين، ولم تكن أعوانه يوافقونه على ما يأمر به. وأعوان معاوية يوافقونه. وكان يرى أن القتال يحصل به المطلوب، فما حصل به إلا ضد المطلوب. وكان في عسكر معاوية من يتهم عليّاً بأشياء من الظلم هو بريء منها. وطالب الحق من عسكر معاوية يقول: لا يمكننا أن نبايع إلا من يعدل علينا ولا يظلمنا، ونحن إذا بايعنا عليّاً ظلمنا عسكره كما ظلموا عثمان. وعليّ إما عاجزٌ عن العدل علينا أو غير فاعل لذلك: وليس علينا أن نبايع (2) عاجزاً عن العدل علينا ولا تاركاً له.

فأئمة السنة يعلمون أنه ما كان القتال مأموراً به لا واجباً ولا مستحباً ولكن يعذرون من اجتهد فأخطأ".
"وقوله (أي الرافضي) وقاتل (أي معاوية) علياً وهو عندهم رابع الخلفاء إمام حق، وكل من قاتل إمام حق فهو باغ ظالم. فيقال له:
أولاً: الباغي قد يكون متأولاً معتقداً أنه على حق. وقد يكون متعمداً يعلم أنه باغ، وقد يكون بغيه من شبهة أو شهوة وهو الغالب".
"وعلى كل تقدير: فهذا لا يقدح فيما عليه أهل السنة فإنهم لا ينزّهون معاوية ولا من هو أفضل منه من الذنوب، فضلاً عن تنزيههم عن الخطأ في الاجتهاد. بل يقولون: إن الذنوب لها أسباب: تدفع عقوبتها من التوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفّرة. وهذا أمر يعمّ الصحابة وغيرهم ... ".
__________
(1) هذه خلاصة رأي عسكر معاوية رضي الله عنه ولكن الظالم حاول إيهام القارئ بأنه من رأي شيخ الإسلام ابن تيمية .
(2) هذا من كلام عسكر معاوية ولكن الظالم أوهم القارئ بل خدعه بأنه من كلام ابن تيمية .
(1/111)

إلى أن قال: "أما الرافضي فإذا قدح في معاوية رضي الله عنه بأنه كان باغياً ظالماً قال له الناصبي (1) . وعلي أيضاً كان باغياً ظالماً قاتل المسلمين على إمارته وبدأهم بالقتال وصال عليهم وسفك دماء الأمة بغير فائدة لا في دينهم ولا في دنياهم. وكان السيف في خلافته مسلولاً على أهل الملة ومكفوفاً عن الكفار.
والقادحون في علي طوائف: وكلهم مخطئون في ذلك ضالون مبتدعون. وخطأ الشيعة في القدح بأبي بكر وعمر: أعظم خطأ في من أولئك في علي.
وأما السلف والأئمة فيقول أكثرهم كأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم: لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية: فإن الله لم يأمر بقتالهم إبتداءً، بل أمر إذا اقتتلت طائفتان أن يصلح بينهما ثم إن بَغَتْ إحداهما على الأخرى قوتلت التي تبغي، وهؤلاء قوتلوا ابتداءً قبل أن يبدأوا بقتال".
"ومذهب أبي حنيفة وأحمد وغيرهما أن مانعي الزكاة: إذا قالوا نحن نؤديها بأنفسنا ولا ندفعها إلى الإمام لم يكن له قتالهم.

ولهذا كان هذا القتال عند أحمد وغيره كمالك قتال فتنة. وأبو حنيفة يقول: لا يجوز قتال البغاة حتى يبدءوا بقتال الإمام: وهؤلاء لم يبدءوا بل الخوارج بدءوا به. وقتال الخوارج ثابت بالنص والإجماع" (2) انتهى.
فهذا نص شيخ الإسلام ابن تيمية الذي ردّ به على افتراءات الرافضي الحلّي، ثم قارنه مع النص الثالث المتقدم الذي نقله عنه هذا الظالم مختزلاً ليثبت أنه كان يذم علياً رضي الله عنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية "قال الرافضي: وقال (أي عمر) بالرأي والحدس والظن.
__________
(1) هذا الكلام عبارة عن جدال مفترض بين رافضي وناصبي قادح في علي: وليس هو من كلام ابن تيمية، ولذلك قال بعدها ابن تيمية: والقادحون في علي طوائف: وكلهم مخطئون.
(2) منهاج السنة 2/203 – 205 .
(1/112)

والجواب أن القول بالرأي لم يختص به عمر رضي الله عنه بل علي كان من أقولهم بالرأي وكذلك أبو بكر وعثمان وزيد وابن مسعود وغيرهم من الصحابة رضي الله عنه كانوا يقولون بالرأي.
وكان رأي علي في دماء أهل القبلة من الأمور العظام كما في سنن أبي داود وغيره عن الحسن عن قيس بن عبّاد قال: قلت لعلي: أخبرنا عن مسيرك هذا أعهد عهده إليك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم رأيٌ رأيتَه (1) ؟
بل روى الأحاديث الصحيحة هو وغيره من الصحابة في قتال الخوارج المارقين".
"وأما قتال الجمل وصفين فلم يروِ أحد منهم فيه نصاً إلا القاعدون. فإنهم رووا الأحاديث في ترك القتال في الفتنة.
وأما الحديث الذي يُروى أنه أُمِرَ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين فهو حديث موضوع على النبي - صلى الله عليه وسلم - " (2) .
"ومعلوم أن الرأي إن لم يكن مذموماً فلا لوم على من قال به. وإن كان مذموماً فلا رأي أعظم ذماً من رأي أريق به دم ألوف مؤلفة من المسلمين. ولم يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين لا في دينهم ولا في دنياهم: بل نقص الخيرُ عما كان، وزاد الشر على ما كان.

فإذا كان مثل هذا الرأي لا يُعاب به: فرأيُ عمرَ وغيره في مسائل الفرائض والطلاق أولى أن لا يعاب.
مع أن علياً شركهم في هذا الرأي وامتاز برأيه في الدماء.
وقد كان ابنه الحسن وأكثر السابقين الأولين لا يرون القتال مصلحة وكان هذا الرأي أصلح من رأي بالدلائل الكثيرة" (3) انتهى.
وقد ردّ شيخ الإسلام على ابن المطهر الحلي الرافضي حين عاب عمرَ رضي الله عنه بالرأي والحدس والظن، ولكن هذا الظالم تلاعب بالنص ونقله مقطوعاً عما قبله وبعده:
حاول هذا الكاتب الظالم تنفير الناس عن شيخ الإسلام، بعدما نقل عنه نقلاً مشوهاً واستدل به على ذم علي بن أبي طالب رضي الله عنه. عليه من الله ما يستحق.
__________
(1) سنن أبي داود (4658) .
(2) اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1/410 .
(3) منهاج السنة 3/156 .
(1/113)

منزلة علي رضي الله عنه عند ابن تيمية
وغير خاف على من له إلمامٌ بكتب شيخ الإسلام أنها مليئة بالدفاع عن آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ومن نصوص شيخ الإسلام في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه الفاضحة لتزوير هذا الظالم:
قال رداً على الرافضي: "والرافضة لا يمكنهم أن يثبتوا وجوب موالاته (أي علي) كما يمكن أهل السنة، وأهل السنة متفقون على ذم الخوارج الذين هم أشد بغضاً له وعداوة من غيرهم.
وأهل السنة متفقون على وجوب قتالهم. فكيف يفتري المفتري بأن مدح هذا (أي معاوية) لبغضه علياً وذم هذا لمحبة عليّ مع أنه ليس من أهل السنة من يجعل بغض علي طاعة ولا حسنة ولا يأمر بذلك ولا من يجعل مجرد حبه سيئة. ولا معصية ولا ينهى عن ذلك.

وكتب أهل السنة من جميع الطوائف مملوءة بذكر فضائله ومناقبه وبذم الذين يذمونه من جميع الفرق.
وهم ينكرون على من سبّه وكارهون لذلك.
وما جرى من التسابِّ والتلاعن بين العسكريْن من جنس ما جرى من القتال وهم من أشد الناس بغضاً وكراهة لأن يتعرض له بقتال أو سب. بل هم كلهم متفقون على أنه أجلّ قدراً وأحق بالإمامة وأفضل عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من معاوية وأبيه وأخيه الذي كان خيراً منه.
وعلي هو أفضل ممن هو أفضل من معاوية، فالسابقون الأولون الذين بايعوا تحت الشجرة كلهم أفضل من الذين أسلموا عام الفتح، وفي هؤلاء خلق كثير أفضل من معاوية. وأهل الشجرة أفضل من هؤلاء كلهم.
وعلي أفضل جمهور الذين بايعوا تحت الشجرة، بل هو أفضل منهم كلهم إلا الثلاثة (1) . فليس في أهل السنة من يقدِّم عليه أحداً غير الثلاثة". يعني أبا بكر وعمر وعثمان.
كلمة أخيرة
أخبرونا: أين الطعن في علي الذي تزعمونه؟ لماذا التمويه على العامة من الناس؟
__________
(1) منهاج السنة 2/206 .
(1/114)

إن هذه النصوص تفضح كذب من يجعلون كلام عسكر معاوية كلام ابن تيمية، بينما يعرضون عن صريح نصوص ابن تيمية التي يثني فيها على علي رضي الله عنه اتباعاً للهوى وإيثاراً للظلم والتجني.

اتهامه بتحريم التوسل مطلقاً
قال الحبشي "ومن أشهر ما صح عن ابن تيمية بنقل العلماء المعاصرين له: تحريمه التوسل بالأنبياء والصالحين بعد موتهم وفي حياتهم، وتحريم زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال السبكي "ولم يسبق ابن تيمية في إنكاره التوسل أحد من السلف ولا من الخلف، بل قال قولاً لم يقله عالم قط" (1) .
وهذا الكلام الذي وضعت لك تحته خطأ هو محض افتراء، فإن ابن تيمية لم يحرم التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته، بل أثبته محتجاً بحديث الأعمى الذي طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو له، لكنه حرم التوسل به ميتاً واحتج بترك الصحابة التوسل به بعد موته كتوسل عمر بالعباس وتوسل معاوية بيزيد بن الأسود (2) مما يستنتج منه أن المفهوم المتأخر للتوسل ينافي فهم السلف له، حيث فهموا منه التوسل بدعاء المتوسَّل به لا بشخصه. وقد كانوا في حياته - صلى الله عليه وسلم - يأتونه ويطلبون منه أن يدعو الله أن يسقيهم.
ولابن تيمية في هذا الفهم الصحيح سلف: فقد سبقه بذلك أبو حنيفة وأحمد في أحد قوليه، وهذا يبطل ادعاء السبكي أنه لم يسبق أحدٌ ابن تيمية في موقفه من التوسل. ويكفيك أن تتطلع على هذه الفقرة وفيها:
جاء في الدر المختار (3) وهو من أشهر كتب الحنفية ما نصه "عن أبي حنيفة قال: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، والدعاء المأذون فيه المأمور به: هو ما استفيد من قوله تعالى {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.
__________
(1) المقالات السنية 26 .
(2) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة 92 و94 و126 .
(3) 2/630 ونقله القدوري وغيره عن أبي يوسف .
(1/115)

وقال أبو حنيفة "وأكره أن يقول: بحق فلان أو بِحَق أنبيائك ورسلك" (1) . وقال أبو يوسف "لا يُدعى الله بغيره". وقال المرتضى الزبيدي "وقد كره أبو حنيفة وصاحباه أن يقول الرجل: أسألك بِحَقّ فلان، أو بحق أبنيائك ورسلك، إذ ليس لأحد على الله حق" (2) وذكر الآلوسي أن نصوص علماء المذهب تدل على أن الكراهية للتحريم وهي كالحرام في العقوبة بالنار عند محمد (3) .
وأما حديث "أسألك بحق السائلين عليك" ففيه عطية العوفي وفي روايته وَهَن.

هل حرّم ابن تيمية زيارة القبور؟
وأما زعم السبكي وغيره أن ابن تيمية كان يرى المنع من زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن ابن تيمية لا يحرم زيارة القبور ولا قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كيف وقد كتب كتاباً بعنوان (الرد على البكري واستحباب زيارة قبر خير البرية)؟ ومن نقل خلاف هذا فليأت بدليل من كتب الشيخ. وإنما منع شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة، ومأخذُه النص؟!
واحدة بواحدة!!!
ونحن نذكّر الحبشي بقوله حين صرف الناس عن الزكاة قائلاً "كيف تنكرون على الشافعي ومالك فتواهما بعدم الزكاة في غير الذهب والفضة ومأخذهما النص" (4) .
ونحن نستخدم عبارته هذه ونقول: كيف تُنكِر على ابن تيمية فتواه بتحريم شد الرحال إلى غير المساجد ومأخذه النص؟ وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاث: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا" (5) .
كتب كتاباً بعنوان (الرد على البكري واستحباب زيارة قبر خير البرية)؟ ومن نقل خلاف هذا فليأت بدليل من كتب الشيخ. وإنما منع شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة، ومأخذُه النص؟!
__________
(1) الفتاوى الهندية 5/280 .
(2) إتحاف السادة شرح إحياء علوم الدين 2/285 .
(3) جلاء العينين 452 .
(4) بغية الطالب 160 .
(5) رواه البخاري (1189) و(1864) و(1197) ومسلم (827).
(1/116)

وابن تيمية لم يتفرّد بهذا القول بل قاله الإمام الجويني وهو من كبار أصحاب المذهب الأشعري، كما حكاه عنه النووي (1) وحكاه المناوي عن القاضي عياض والقاضي حسين في تحريم شد الرحال لمجرد زيارة القبر (2) .
ولئن كان النووي قد تعقب الجويني وخالفه فإن اعتراضه مردود بموقف الإمام مالك الذي كان يرى تحريم شد الرحال إلا إلى المساجد الثلاث تمسكاً بالحديث النبوي.

أكذوبة تحريم زيارة القبر النبوي
وقد دافع ابن كثير عن هذا الافتراء قائلاً "فانظر إلى التحريف على شيخ الإسلام فإنه. جوابه ليس فيه منع زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وإنما فيه ذكر قولين في شد الرحال والسفر إلى مجرد زيارة القبور، وزيارة القبور من غير شد رحال شيء: وشد الرحال لمجرد الزيارة أمر آخر. والشيخ لم يمنع الزيارة الخالية عن شد رحل، بل يستحبها ويندب إليها، وكتبه ومناسكه تشهد بذلك، ولم يتعرض إلى الزيارة ولا قال إنها معصية ولا حكى الإجماع على المنع منها ولا هو جاهل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "زوروا القبور فإنها تذكّر الآخرة" (3) . بل صرح بأن السفر لزيارة مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبره معاً مستحب ويدخل القبر تبعاً (4) .
وجوب التفريق بين الزيارة وبين شد الرحال
وإنما قال - صلى الله عليه وسلم - "لا تُشَدُّ الِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا" ولم يقل "وقبري هذا" والحديث نصٌ في تحريم شد الرحال إلى القبور" (5) .
- نعم قال الحافظ العسقلاني أن تحريم زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية (6) .
__________
(1) النووي على مسلم 9/106 و168 .
(2) فيض القدير 6/403 .
(3) البداية والنهايرة 14/124 .
(4) الرد على الأخنائي 172 – 173 .
(5) البخاري (1995) ومسلم (1338) .
(6) فتح الباري 3/66 .
(1/117)

قلت بل من المسائل المكذوبة عليه، ولا يفيد قول الحافظ العسقلاني له ولكن عموم كلامه يدل على أنه لا يزال له قدره ومنزلته عنده لا سيما وأنه وصفه بالعلامة في (فتح الباري 6/289) وبـ "الحافظ" كما في (التّلخيص الحبير) كما سيأتي واحتج به في الحكم على كذب رواية (وهو الآن على ما عليه كان) وأنها ليست في شيء من كتب الحديث.

الحافظ يعطيه رتبة حافظ
فخذوه حيث حافظ عليه نص
بل أعطاه ابن حجر رتبة ((حافظ)). فقد ذكر في (التلخيص الحبير 3/109) حديث (الفقر فخري وبه أفتخر) ثم قال "وهذا الحديث سئل عنه الحافظ ابن تيمية فقال: إنه كذب لا يُعرَف في شيء من كتب المسلمين المروية".
والتحريم المزعوم لزيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - إنما هو شيء ألزمه به أعداؤه كما اعترف بذلك الحافظ نفسه. وكان السبكي واحداً من أبرز الملزمين له بذلك حين زعم أنه يحرّم زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - مع علمه أنه يحرّم شد الرّحال إليه ولا يحرّم مجرد الزيارة.
فقد أكد أن زيارة المسجد النبوي الشريف (ثم) زيارة القبر النبوي عمل صالح ومستحب (1) ، جلّ ما في الأمر أنه يفرق بين الزيارة الشرعية وبين الزيارة البدعية التي تتضمن إما السفر من أجل القبر وإما المخالفات التي تُرتكب عند القبر من تقبيل الجدران والاستغاثة به - صلى الله عليه وسلم - أو أن يكشف ضراً أو يقضي حاجة. وحصول الخشوع والإقبال على الدعاء لمجرد الوقوف عند القبر بما لا يحصل مثله بين يدي الله في الصلاة". قال:
__________
(1) الجواب الباهر 14 .
(1/118)

"فالزيارة الشرعية مقصودها السلام على الميت والدعاء له، سواء أكان نبياً أو غير نبي، ولهذا كان الصحابة إذا زاروا قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلّمون عليه، ويدعون له ثم ينصرفون، ولم يكن أحد منهم يقف عند قبره ليدعو لنفسه، وقال "وقد اتفق العلماء على أن من زار قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين من الصحابة وأهل البيت أنه لا يتمسح به ولا يقبّله، بل ليس في الدنيا من الجمادات ما يشرع تقبيلها إلا الحجر الأسود، وقد ثبت في الصحيحين أن عمر قال "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبّلتُك".
أضاف:
"ولهذا لا يسن باتفاق الأئمة أن يقبل الرجل أو يستلم ركنَيْ البيت ولا مقام إبراهيم ولا صخرة بيت المقدس ولا قبر أحد من الأنبياء والصالحين "فهذه هي الزيارة البدعية وهي من جنس دين النصارى وهو أن يكون قصد الزائد أن يُستجاب دعاؤه عند القبر أو أن يدعو الميت أو يقسم به على الله في طلب حاجاته وتفريج كرباته، فهذه من البِدَع التي لم يشرعها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا فعلها أصحابه" (1) .
قال:
"وأما زيارة القبور المشروعة فهو أن يسلم على الميت ويدعو له بمنزلة الصلاة على جنازته كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين ... " (2) .
وبهذا يتبين لك غلط السبكي وأمثاله على ابن تيمية حيث نسبوا إليه ما ثبت خلافه من كلامه، وسارعوا إلى ركوب أهوائهم من غير أن تثبت. ولهذا صرح الحافظ ابن حجر أن تحريم زيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - من المسائل المنسوبة إلى ابن تيمية.
__________
(1) كتاب الزيارة 13 – 14 .
(2) كتاب الزيارة 81 – 88 .
(1/119)

أما قوله (مستشنع) فليس فيه مذمة، فقد قال بعض أهل العلم إن مسألة التزوج بالبنت من الزنا من أبشع المسائل المنقولة عن الشافعي وأن جواز التيمم بالثلج من أبشع المسائل المنقولة عن مالك. وأن تزوج المغربي من المشرقي (وبالعكس) ثم ولدت الزوجة ولداً يلحق بالأب وإن لم يجتمع الزوجان قط: من أبشع المسائل المنقولة عن أبي حنيفة.
الجويني سبق ابن تيمية بهذه الفتوى
وقد تحدى الحبشي أن يكون أحد من السلف أو الخلف سبق ابن تيمية زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) ، ونحن نتحداه أن يأتي بدليل من كلام ابن تيمية يحرّم فيه زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أما تحريم شد الرحال إلى القبر فقد سبقه إلى ذلك الإمام الحرمين كما حكاه عنه النووي والمناوي (2) .
وقال الإمام مالك قبلهما "أكره أن يقول القائل: زرت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - " ولا يعني هذا تحريم زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما تحريم السفر من أجله تمسكاً بالحديث. ويجب التفريق بين زيارة القبر وبين شد الرحال إليه لا كما يفعله الشيعة. وحاشا مالكاً أن يكون بذلك مخالفاً للإجماع وهو أعلم أهل زمانه. فإنه لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه كان يأتي من سفر للقدوم على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما كان من فعل ابن عمر. وقد جاء في مصنف عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر أنه قال: ما نعلم أحداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك إلا ابن عمر".

الرافضة وأضرحة الأئمة
__________
(1) المقالات السنية 137 .
(2) فيض القدير 6/403 وشرح مسلم 9/106 و168 .
(1/120)

ولقد بيّن ابن تيمية أمراً مهماً تجب ملاحظته وعدم إغفاله وهو أن أول من وضع الأحاديث المكذوبة في السفر لزيارة المشاهد (أضرحة الأئمة والأولياء) هم أهل البدع الرافضة الذين يعطلون المساجد ويعظمون المشاهد: يتركون بيوت الله التي أمر أن يُذكر فيها اسمُه، ويعظمون المشاهد التي يُشرَك عندها به، والكتاب والسنة جاءا بتعظيم المساجد لا المشاهد. قال تعالى {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وليس عند كل ضريح أو مقام.
الشرك المجرب وليس الترياق المجرب
أما روايات الحبشي المظلمة التي يزعم فيها أن "قبر معروف الكرخي: الترياق المجرب" فما أظلم وأكذب أسانيده في العقائد التي نقض بها ما تعهد به، أنه لا تجوز الرواية في أمور العقائد إلا بما صح سنده، ولئن كان هذا الترياق مجرّباً فما بال الصحابة لم يجربوا (ترياق) قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟!! لماذا تدافعون عن شيء هلك به المشركون وبنوا لأجله الأصنام؟
إنكم لن تجدوا في أفعال الصحابة ما يوافق ذلك اللهم إلا الشيعة ومن قبلهم اليهود والنصارى ومن قبلهم قوم نوع الذين كانوا يعتبرون قبور ود سواع ويغوث ويعوق ونسر: هي الترياق المجرب: أعني الشرك المجرب: هم سلفكم: يا خلفَهُم!
أما قول إبراهيم الحربي (الترياق المجرب) فهو أولى عندكم بالأخذ من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "لعن الله اليهود والنصارى: اتخذوا قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد". تعارضون ما صح سنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الأكاذيب المروية من غير المعصومين!!!

منهجية السبكي في إثبات الزيارة
ومصادره في هذه المسألة
ولم يلتفت السبكي إلى تفريق ابن تيمية بين مجرد زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين شد الرحال إليه، فكتب كتاباً بعنوان "شفاء السقام في زيارة خير الأنام" ملأه بالموضوع والمكذوب من الروايات.
(1/121)

وقد رد عليه الحافظ بن عبد الهدي وفند جميع رواياته الضعيفة في كتاب بعنوان (الصارم المنكي في الرد على السبكي) قال فيه:
"أما بعد فإني وقفت على هذا الكتاب فوجدته كتاباً مشتملاً على تصحيح الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وتقوية الآثار الواهية والمكذوبة، وعلى تضعيف الأحاديث الصحيحة الثابتة" (1) .
وصرح الحافظ بأن طرق حديث "من زار قبري" كلها ضعيفة ونقله عن ابن خزيمة أنه لم يصح حديث في هذا الباب (2) .
منهجية السبكي في رد ابن تيمية
غير أن السبكي لم يلتفت إلى تفريق ابن تيمية وكتب كتاباً بعنوان "شفاء السقام في زيارة خير الأنام" مع أنه نقل فيه عنه التفريق بين الزيارة البدعية والزيارة الشرعية (3) .
ويا ليت السبكي لم يكتب هذا الكتاب، فقد ملأه بالموضوع والمكذوب من الروايات، فكشف بكتابه هذا عن مدى علاقته بفن الحديث. ودافع الحبشي بدوره عن هذه الروايات بتعصب وانحراف بالغين (4) .
وقد اقترح السبكي أن يسمي كتابه "شن الغارة على من أنكر الزيارة" لكن سلاحه لا يصلح لشن الغارة لأنه ضعيف لم يزد خصمه إلا رسوخاً وثباتاً فضلاً عن أن زعمه أن خصمه أنكر الزيارة هو ظلم كبير لا سيما إذا علم أن لابن تيمية كتاباً اسمه "الرد على البكري واستحباب زيارة قبر خير البرية".
وقد رد الحافظ ابن عبد الهادي على كتاب السبكي المذكور قائلاً "أما بعد فإني وقفت على هذا الكتاب فوجدته كتاباً مشتملاً على تصحيح الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وتقوية الآثار الواهية والمكذوبة، وعلى تضعيف الأحاديث الصحيحة الثابتة" (5) .
__________
(1) الصارم المنكي في الرد على السبكي 18 – 19 .
(2) انظر لسان الميزان 6/258 وميزان الاعتدال 4/225 .
(3) شفاء السقام 129 .
(4) انظر كتابه المقالات السنية ص 139 .
(5) الصارم المنكي في الرد على السبكي 18 – 19 .
(1/122)

ويكفي اليوم في الرد على السبكي: مجرد تخريج الأحاديث التي حشاها في كتابه ليتعرَف المنصف على صدق كلام ابن عبد الهادي وعلى ضعف السبكي في علم الحديث، وعلى تعصبه وعدم إنصافه لابن تيمية، ولنذكر بعضاً من هذه الأحاديث من غير توسع في تخريجها:
ـ "من زار قبري وجبت له شفاعتي" (1) .
ـ "من جاءني زائراً لا يعمله حاجة إلا زيارتي كان حقاً على الله أن أكون له شفيعاً" (2) .
ـ "ما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر" (3) .
ـ "من لم يزر قبري فقد جفاني" (4) .
ـ "من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي" (5) . قال الشيخ محمد بن درويش الحوت في (أسنى المطالب ص429) "رواه البيهقي وفيه حفص القاريء رمي بالكذب".
ـ "من حج البيت ولم يزُرني فقد جفاني" (6) . قال الشيخ محمد بن درويش الحوت في (أسنى المطالب ص467) "لا يصح".
وتعجب كيف يمكن أن يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا وهو الذي صح عنه أنه قال "لا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم". وكيف يسأل ربه أن لا يجعل قبره وثناً ثم يأمر بشد الرحال إليه بل يوبخ من لا يفعل ذلك ويصفه بالمجافاة؟!

ـ "من زارني إلى المدينة كنت له شفيعاً وشهيداً" (7) .
__________
(1) شفاء السقام 2 ضعفه السيوطي والألباني (إرواء الغليل 1127 اللآلئ المصنوعة 2/129).
(2) شفاء السقام 16 ضعفه الحافظ ابن حجر في التلخيص 2/267 .
(3) شفاء السقام 16 ضعفه الألباني في كتابه "دفاع عن الحديث" 109 .
(4) شفاء السقام 39 ذكره ابن الجوزي في الموضوعات 2/217 .
(5) شفاء السقام 20 ضعيف انظر الإرواء 1128 وسلسلة الضعيفة 47 ومشكاة المصابيح 2756 .
(6) شفاء السقام 39 قال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء "ذكره ابن الجوزي في الموضوعات" الإحياء 1/258 .
(7) شفاء السقام 36 ضعفه الحافظ في التلخيص 2/267 وانظر ميزان الاعتدال 1/53 .
(1/123)

ـ "من زارني متعمداً كان في جواري يوم القيامة" (1) .
ـ "من زارني بعد موتي فكأنما زارني وأنا حي" (2) . قال الشيخ محمد بن درويش الحوت في (أسنى المطالب ص435) "رواه الدارقطني وفي سنده مجهول". فهذا اعتراف من مشايخ الأحباش المعتبرين فاعتبروا يا أولي الأبصار.
فهذه الروايات الضعيفة التي تحث على اتخاذ القبور مساجد تتعارض مع الروايات الصحيحة الناهية عن اتخاذ القبور مساجد كحديث "لا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك".
وليس شيء من هذه الأحاديث صحيحاً حتى تكون شفاءً للسقام وإنما هي بين موضوع وضعيف جداً فكيف تكون شفاءً للسقام، وإنما كان هذا السقم نفسه هو رأسمال السبكي في رده على صحاح البراهين التي احتج بها ابن تيمية، ولم يستطع مناقضته ولا بحديث واحد صريح صحيح، لأنه لا يوجد.

ابن تيمية ومسألة الطلاق
وأما اتهامه لابن تيمية بمخالفة إجماع الأئمة في مسألة طلاق الثلاث وطلاق اليمين. فنسأل أولاً:
هل كل مخالفة للأئمة تكون مخالفة للدين؟
وهل كان تفرُّدُ ابن تيمية في هذه المسألة مخالفاً لما كان يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟
وهل كان مخالفاً بعضَ الأئمة أم خالف إجماعهم؟
إن كانت من مسائل الاجتهاد فلا ضير أن يجتهد من وصفه ابن حجر والسيوطي بالحافظ والعلامة وشيخ الإسلام ومجتهد وقته وبحر عصره. أما أن يكون مخالفاً للإجماع فلا يقول ذلك إلا (حقود أو جاهل) أو (واهم).
قال الحافظ ابن حجر "ويتعجب من ابن التين حين جزم بأن لزوم الثلاث لا اختلاف فيه، مع ثبوت الاختلاف كما ترى" (3) .
__________
(1) شفاء السقام 31 نقده الذهبي في ميزان الاعتدال ترجمة رقم (9168).
(2) ذكره السيوطي في الأحاديث الموضوعة 2/130 .
(3) فتح الباري 9/363 .
(1/124)

وقال النووي "وقد اختلف العلماء فيمن قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً، فقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء من السلف والخلف: يقع الثلاث، وقال طاووس وبعض أهل الظاهر: لا يقع بذلك إلا واحدة، وهو رواية عن الحجاج بن أرطأة ومحمد بن إسحاق، والمشهور عن الحجاج بن أرطأة أنه لا يقع به شيء، وهو قول ابن مقاتل، ورواية عن محمد بن إسحاق" (1) .
قلت: وهو قول جماعة من الصحابة كابن عباس والزبير بن العوّام وعبد الرحمن بن عوف كما حكاه ابن وضّاح وابن مغيث في (كتاب الوثائق) (2) وأفتى به علي بن أبي طالب وابن مسعود، ومن التابعين ابن المسيب وجماعة من التابعين والفقهاء كعطاء وطاوس وعمرو بن دينار كما ذكر الألوسي في تفسير روح المعاني، وكأحمد بن بقي بن مخلد ومحمد بن القاسم بن هبة الله الشافعي (3) قالوا إن طلاق الثلاث طلاق بدعي وكل بدعة مردودة" (4) .
__________
(1) شرح مسلم 10/325 حديث رقم (1472).
(2) فتح الباري 9/ 363 .
(3) ذكره ابن كثير من جملة المفتين بذلك. البداية والنهاية 13 / 132 .
(4) أعلام الموقعين 3/38 .
(1/125)

وأفتى به من المتأخرين جمع من العلماء والمفتين أبرزهم الشيخ عبد المجيد سليم الحنفي المصري شيخ الجامع الأزهر ومفتي الديار المصرية. وقد بحث المسألة بحثاً شديداً. قال الفقي "وكانت خاتمة بحثه ومحط رأيه: أننا لو طرحنا الأحاديث لِمَا يقال من اضطرابها وعدم بيانها: يبقى معنا النص القرآني {الطّلاَقُ مَرَّتَانِ ... } فمما لا يشك فيه بعد ذلك أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد لا يقع إلا واحدة" (1) . والشيخ أحمد شلتوت الذي قال "وعلى هذا فلا نحكم بوقوع الطلاق إلا إذا كان مرة مرة وكان منجزاً مقصوداً للتفريق، في طهر لم يقع في طلاق ولا إفضاء وكان الزوج بحالة تكمل فيها مسئوليته. وبهذا لا نحكم بوقوع الثلاث دفعة واحدة إذا قال: أنت طالق ثلاثاً" (2) .
__________
(1) حاشية الفقي على المنتقى للمجد ابن تيمية 2/600 .
(2) الفتاوى للشيخ شلتوت ص 310 ط: دار الشروق. القاهرة – بيروت.
(1/126)

وقال الحافظ ابن حجر "ومن القائلين بالتحريم واللزوم من قال: إذا أطلق ثلاثاً مجموعةً وقعت واحدة، وهو قول محمد بن إسحاق صاحب المغازي، واحتج بما رواه عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: طلّق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثاً فحزن على طلاقها حزناً شديداً فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - "كيف طلقتها؟ قال: طلقتها ثلاثاً، فقال: في مجلس واحد؟ قال نعم، قال: فإنما تلك واحدة فارتجعها إن شئت" (1) .
قال الحافظ "وهذا الحديث نص في المسألة لا يُقبل التأويل الذي في غيره من الروايات الأخرى".

وأما رواية أبي داود وفيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استحلف ركانة "آلله ما أردتَ إلا واحدة؟ فقال ركانة والله ما أردتُ إلا واحدة" ففيها علي بن يزيد بن ركانة وهو مجهول وابنه عبد الله: ضعيف والزبير بن سعيد: ضعيف. قال الترمذي (رقم 1177) "وسألت محمد (أي البخاري) عن هذا الحديث فقال: فيه اضطراب" وقال الحافظ المنذري "ضعّفوه" وأعلّ الحافظ في التلخيص (3/213) طرق هذا الحديث (2) .
__________
(1) رواه البيهقي وقال "هذا الإسناد لا تقوم به حجة" وقال الألباني "هذا الإسناد صححه الإمام أحمد والحاكم والذهبي وحسّنه الترمذي في متن آخر، وذكرنا اختلاف العلماء في داود بن الحصين وأنه حجة في غير عكرمة، ولولا ذلك لكان إسناد الحديث لذاته قوياً ولكن ذلك لا يمنع من الاعتبار بحديثه والاستشهاد بمتابعتها لبعض بني رافع، فلا أقل من أن يكون الحديث حسناً بمجموع الطريقين عن عكرمة، وكلام ابن حجر في الفتح يشعر بأنه يرجح صحته أيضاً، فإنه قال "أخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه من طريق محمد بن إسحاق . . . ويقوي حديث ابن إسحاق المذكور ما أخرجه مسلم (فتح الباري 9/362 إرواء الغليل 7/144).
(2) انظر إرواء الغليل 7/139 .
(1/127)


---

No comments:

Post a Comment