س1: ما الدليل على أن معنى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه : 5] هو علو الله وارتفاعه على العرش ؟الجواب:1_ هو ظاهر الآية، ولا يجوز صرف معنى الآية عن ظاهرها من غير دليل.
2_ هو تفسير أئمة السلف الصالح لاستواء الله عز وجل:
قَالَ
مُجَاهِدٌ (ت. 102 هـ/ تابعي) :
{اسْتَوَى} علا على العرش. (1)
قال
بشر بن عمر الزهراني (ت. 207 هـ) : سمعت غير واحد من المفسرين يقول :
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}: ارتفع. (2)
قال اللغوي
أبو العباس ثعلب (291 هـ) :
{استوى على العرش}: علا. (3)
قال
ابن جرير الطبري (310 هـ) في تفسير الأية الأولى: (الرحمن على عرشه ارتفع وعلا)، وفي تفسير الآية الثانية: (يعني: علا عليه)
3_ الفعل استوى إذا تعدى بـ ( على ) لم يجز صرفه عن العلو، وكل ما يذكره اللغويون من معان لاستوى تكون إذا لم يتعد بـ ( على ) أو تعدى بغيرها ، فهو الصحيح في معنى الاستواء.
قال المُفسر اللغوي
أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني (ت. 535 هـ) :
(
والاستواء في كلام العرب تأتي لمعان. تقول العرب : استوى الشيء إذا كان معوجاً فذهب عوجه، تقول: سويته أي: قومته فاستقام ، وهذا المعنى لا يجوز على الله تعالى. ومنه الاستواء بمعنى المماثله والمشابهة . يقال استوى فلان وفلان في هذا الأمر أي : تماثلا وتساوياً قال الله تعالى :
{لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر : 20] أي لا يتساوى هذان الفريقان، وهذا أيضاً لا يجوز في حق الله تعالى. ومنه الاستواء بمعنى القصد ، ويستعمل مع إلى ، يقال : استويت إلى هذا الأمر ، أي قصدته . قال الله تعالى :
{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت : 11] أي قصدها ، ولا يقال: استوى عليه بمعنى قصده ، فمن خالف موضوع اللغة فقد خالف طريقة العرب ، والقرآن عربي ، ولو كان الاستواء على العرش بمعنى الاستواء إلى العرش لقال تعالى : إلى العرش استوى . قال أهل السنة : الاستواء هو العلو : قال الله تعالى
{فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون : 28] وليس للاستواء في كلام العرب معنى إلا ما ذكرنا ، وإذا لم يجز الأوجه الثلاثة لم يبق إلا الاستواء الذي هو معلوم كونه مجهول كيفيته ، واستواء نوح على السفينة معلوم كونه معلوم كيفيته لأنه صفة له ، وصفات المخلوقين معلومة كيفيتها . واستواء الله على العرش غير معلوم كيفيته لأن المخلوق لا يعلم كيفية صفات الخالق لأنه غيب ولا يعلم الغيب إلا الله ، ولأن الخالق إذا لم يشبه ذاته ذات المخلوق لم يشبه صفاته صفات المخلوق فثبت أن الاستواء معلوم ، والعلم بكيفيته معدوم فعلمه موكول إلى الله تعالى ، كما قال:
{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران : 7]» (4)
أما تفسير
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه : 5] بمعنى استولى، فهذا باطل، لأن معناه أن العرش صار في ملكه بعد أن لم يكن في ملكه، والله خالق كل شيء ومالكه، لا يخرج شيء من ملكه أبدًا.
س2: كيف استوى الله على عرشه ؟الجواب:
كيفية الاستواء مجهولة لنا، فلم يُعلمنا الله تعالى ولا رسوله –صلى الله عليه وسلم- تفاصيل ذلك، ولا يجوز السؤال عن كيفية صفاته، فالله وحده يعلم كيف استوى على عرشه، وواجبنا الإيمان والتسليم.
قال
الإمام مالك (ت. 179 هـ) جوابا على من سأله "كيف استوى؟": «الإستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب». والأثر مشهور عند أهل العلم.
س3: لا استطيع أن أعقل استواءً حقيقيًا ليس كاستواءنا، فكيف أؤمن بشيء لا أعقل كيفيته وحقيقته؟ الجواب:هنا يكون الإيمان والتسليـم، قال الله تعالى:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : 11]، فالله أخبرنا بأنه
{ليس كمثله شيء} وأنه
{السميع البصير}، فأثبت لنفسه السمع والبصر ونفى عنهما التشيبه، أي أن له سمعًا وبصرًا ولكنهما ليسا كسمعنا وبصرنا، وكذلك أخبرنا بأنه الحي ولكن حياته ليست كحياتنا، فنؤمن بذلك كله وإن كنا لا نعقل كيف ذلك.
قال الإمام مالك رحمه الله عندما سُئل عن كيفية الاستواء: "والكيف غير معقول ... والإيمان به واجب"، فالإيمان بالاستواء واجب حتى وإن كانت عقولنا لا تدرك كيفيته، ونحن مطالبون بالإيمان باستواء الله ولسنا مُطالبين بمعرفة وإدراك كيفيته، بل نوكله إلى الله عز وجل.
قال الحافظ
أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني (ت.535 هـ) :
(فإن قيل: فكيف يصح الإيمان بما لا يحيط علمنا بحقيقته؟ أو كيف يتعاطى وصف شيء لا درك له في عقولنا؟
فالجواب أن إيماننا صحيح بحق ما كلفنا منها، وعلمنا مُحيط بالأمر الذي ألزمناه فيها وإن لم نعرف لما تحتها حقيقة كافية، كما قد أمرنا أن نؤمن بملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر، والجنة ونعيمها، والنار وأليم عذابها، ومعلوم أنا لا نحيط علمًا بكل شيء منها على التفصيل، وإنما كلفنا الإيمان بها جملة واحدة، ألا ترى أنا لا نعرف أسماء عدة من الأنبياء وكثير من الملائكة، ولا يمكننا أن نحصي عددهم، ولا نحيط بصفاتهم، ولا نعلم خواص معانيهم، ثم لم يكن ذلك قادحا في إيماننا بما أمرنا أن نؤمن به من أمرهم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الجنة: ”يقول الله تعالى:
”أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.“ [صحيح البخاري ومسلم] .) (5)
س6 لماذا استوى الله على عرشه ؟ هل الله مُحتاج للعرش حتى يستوي عليه ؟الجواب: قال الله تعالى:
{كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } [آل عمران : 40]{ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود : 107]{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء : 23]قال
وكيع بن الجراح (197 هـ) في أحاديث الصفات: « نُسلِّم هذه الأحاديث كما جاءت ، ولا نقول: كيف هذا؟ ولم جاء هذا ؟» (6)
واستوائه على العرش لا يلزم منه احتياجه إليه فهو
{غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } [آل عمران : 97]، ولكنه يفعل ما يشاء كما يشاء، بعلمه وحكمته.
وهذا السؤال بهذه الطريقة يمكن أن نسأله عن كل أفعال الله ، فلماذا خلق الله الخلق ، هل يحتاج إليهم ـ سبحانه وتعالى عن ذلك ـ ؟ مثل هذا السؤال مبني على تصور أن صفات الله مثل صفات المخلوقين والله ليس كمثله شيء.
س7: استواء الله على العرش ألا يعني أنه متحيز وأن العرش يحويه ؟الجواب:ما يلزم في المخلوقات لا يلزم في الخالق عز وجل، فـ(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، والله استوى على العرش استواءً يليق بجلاله، لا كاستواء المخلوقين، وهو أعظم من العرش ومن كل شيء، ولا يحويه أو يُحيط به شيء.
قال
الحافظ الذهبي (ت. 748 هـ) : (لا نسلم كون الباري على عرشه فوق السموات يلزم منه أنه في حيز وجهة، إذ ما دون العرش يقال فيه حيز وجهات، وما فوقه فليس هو كذلك، والله فوق عرشه كما أجمع عليه الصدر الأول ونقله عنهم الأئمة، وقالوا ذلك رادين على الجهمية القائلين بأنه في كل مكان محتجين بقوله
{وهو معكم}) (7)
س8: قال الله تعالى (ثم استوى على العرش)، فهل يعني هذا أن الله عز وجل كان تحت العرش ثم ارتفع فوقه؟الجواب: لا يلزم ذلك لأن الله عز وجل فوق العرش منذ أن خلقه وقبل استوائه عليه، فصفة العلو لازمة لله عز وجل أزلا وأبدًا، واستوائه عليه هو علوٌّ خاص يليق بجلاله لا نعلم كيفيته، وواجبنا الإيمان والتسليم، ونوكل علم الكيفية إليه سبحانه.
للسـؤال أو التعليـق على المقـالمواضيع ذات صلة-
عقيـدة السلف في علو الله واستوائه على العرش-
الإيمان بالعرش
No comments:
Post a Comment