بسم الله الرحمن الرحيم
الأشاعرة
في ميزان أهل السنة
نقدٌ لكتاب (أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم)
تأليف
فيصل بن قزار الجاسم
تقريظ الشيخ / د. محمد بن عبد الرحمن المغراوي (المغرب)
أستاذ الدراسات العليا بجامعة القرويين، وعضو مجلس الجامعة سابقاً
ورئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بالمغرب
بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد،
فلقد قرأت كتاب الأستاذ/ فيصل بن قزار أبو عثمان، فوجدته كتاباً عظيماً في بابه، فقد أتى على شبهة المشبّهين وبيّن وهنها وضعفها، وأنها مجرد دعاوى لا تقوم على حجة ولا على بينة، وهي كما قال القائل:
والدعاوى ما لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء
والحقيقة أن الذي ساعد الكاتب في هذا البحث هو اطلاعه على ما كتبه السلف الصالح رضوان الله عليهم، فإن من نعمة الله وفضله على هذه الأمة أن حفظ لها تراثها كاملاً، ولا سيما في باب المعتقد، فإن هذا الباب ولله الحمد جنّد الله له جنوداً كثيرة في مختلف العصور والأزمان، وفي مختلف الأقاليم والأمصار، فهذا التراث العظيم الذي ظهر ولله الحمد وانتشر فضح كل دعيٍّ يدّعي أنه على مذهب السلف الصالح. فإن هذه المصادر العلمية التي قامت بالدفاع عن العقيدة السلفية أصبحت ولله الحمد في يد كل طالب علم يزن بها كل مدّع.
وما كان يُظنّ في مثل هذا الزمان الذي طفحت فيه المكتبات بمصادر السلف ومؤلفاتهم أن يتعلق متعلّق بخيوط العنكبوت، ويجري وراء تقليد المقلدين ويحكي شبههم التي نفثوها في مصنفاتهم ومؤلفاتهم، وهم يستكثرون بكل غث وسمين، وينزل مستواهم إلى الاستدلال بنقول لا تعتبر في الميزان العلمي حتى عند المبتدئين، كالنقل عن النسفي والقرطبي من المتأخرين، والذين لا يُسندون ولا يوثّقون معلوماتهم، ولا سيما في باب المعتقد.
فهذا البحث القيم الطيب ندعو لصاحبه بالتوفيق والثبات، ونتمنى من الله تبارك وتعالى أن يزيده علماً نافعاً، وأن يبارك فيه، وأن يجزيه خير الجزاء، فإنه قد قام بالدفاع عن عقيدة السلف وبيان الحق. والحمد لله الذي يجعل في أبناء الأمة الإسلامية من يرفع راية الحق، ويدفع راية الباطل {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} الإسراء 81 .
كاتبه/ محمد بن عبد الرحمن المغراوي
أستاذ الدراسات العليا بجامعة القرويين وعضو مجلس الجامعة سابقاً
ورئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بالمغرب
28/11/1427هـ
تقريظ الشيخ / أ.د. محمد أحمد لوح (السنغال)
عميد الكلية الإفريقية للدراسات الإسلامية في السنغال.
الحمد لله الذي جعل لدين الإسلام من كل خلفٍ عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وزيف المتعالمين، والصلاة والسلام على من بشَّر أمته بأنه لا يزال طائفة منهم ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم أو ناوأهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبع هديهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فإن طوائف المتكلمين الذين حادوا عن سبيل السلف في دين الله قد عرفهم علماء السنة -منذ بزوغ قرنهم- وأحصوهم عددا، وبينوا للناس خطورة ما سلكوه من طرائق قددا، ونادوا عليهم بالزيغ والضلال في كل ناد، حتى عرفهم عامة أهل السنة فضلا عن علمائهم.
فكما أقر الجميع بانحراف الجهمية والمعتزلة والخوارج والروافض عن المنهج الحق لظهور شأنهم، وانكشاف أمرهم، فكذلك أدركوا -منذ وقت مبكر- زيغ أهل التبعيض في الصفات الإلهية من الماتريدية والأشعرية الكلابية: فهذا أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الهروي يقول : (( سمعت أحمد بن نصر الماليني ت412هـ يقول: (( دخلت جامع عمرو بن العاص بمصر في نفر من أصحابي، فلما جلسنا جاء شيخ فقال: أنتم أهل خراسان أهل السنة، وهذا موضع الأشعرية فقوموا )) ([1])
هكذا كان الناس -عامتهم وخاصتهم- يفرقون بين الأشعرية الكلابية وبين أهل السنة في هذا الوقت المبكر، فيا ترى كيف انقلبت الموازين لدى هؤلاء الناس، واختلطت الأمور على من يحسبون أنفسهم كتابا ومفكرين حتى فقدوا التمييز فحكموا بأن منهج وعقيدة أهل السنة هو منهج وعقيدة الأشعرية الكلابية؟ إنه لزعمٌ ما أبعده عن الواقع، ودعوى ما أفقرها إلى برهان، ولكن -ولله الحمد- الحق أبلج، والباطل لجلج، وأقلام أهل الحق لا زالت توضح المنهج، وتكشف البهرج.
فها هو أخونا الشيخ / أبو عثمان فيصل بن قزار الجاسم- وفقه الله - قد أطلعني على حرره رداً على من صنف الأشاعرة الكلابية مع أهل السنة في صف واحد عقيدة وديانة، فألفيته قد رتب الكتاب ترتيبًا حسنًا، وقسمه تقسيمًا يشوق المطالع، وكتبه بأسلوب لا يملّ منه قارئ ولا سامع، وأودعه من الفوائد العلمية، والجواهر السلفية ما يكفل لكل طالب حق بطلبته، ويجذب كل منصف لمطالعته وإقراره.
ولقد أعجبني ما اكتسى به هذا الكتاب من لباس الرفق والهدوء، والخلق الكريم، والأدب العظيم، والترفع عن سفاسف الأمور، وعن التعريج على القضايا الشخصية، والأحكام الجزافية التي اعتاد أهل الأهواء أن يتخذوها أسلوبا للرد، وهو في الحقيقة حالة من العجز قد قُمِّصت بلفافة من الشدة والعنف والقذائف الاستباقية.
إن من يقرأ هذا الكتب متأملاً أسلوبه السلفي المحكم ليشعر أنه يقرأ لكاتب يصنف مؤصلا، وخبير يكن الشفقة ويبذل النصح لمن يكتب له، وليس أسلوب كاتب يتصدى لمجادلة من خالف الحق صريحا في مقرراته العقدية، وتوجهاته المنهجية.
ومع هذا كله فالكتاب من حيث الحجة والبرهان المستقى من الكتاب والسنة والآثار السلفية قذيفةٌ من قذائف الحق أصابت باطل هؤلاء فدمغته فإذا هو زاهق.
وما أحسب منصفاً- وإن كان مخالفاً- يقف عليه متأملاً إلا ويسلم بصحة ما قرره، ويدرك خطأ مخالفه.
والله المسئول أن يوفق مؤلفه وجميع المسلمين لخدمة هذا الدين والذب عن حياضه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
كتبه/ أ.د. محمد أحمد لوح
عميد الكلية الإفريقية للدراسات الإسلامية في السنغال.
modlo@maktoob.com
تقريظ الشيخ / أ.د. سعود بن عبدالعزيز الخلف
رئيس قسم العقيدة في كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
ورئيس جمعية العقيدة في المملكة العربية السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، وبعد،،،
فقد اطلعت على كتاب " الأشاعرة في ميزان أهل السنة نقدٌ لكتاب (أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم)" تأليف الأخ الفاضل: فيصل بن قزار الجاسم.
وقد استعرضته وتصفحته من أوله إلى آخره ، وقرأت منه في مواطن عديدة وكنت أحب أن أقرأه كاملاً الاأن انشغالي وضيق الوقت حال دون ذلك ، وقد ألفيته كتابا قيماً، أبان فيه صاحبه وفقه الله وجزاه الله خيرا عن موضوعه المتعلق بالأشاعرة ، وما ادعاه بعض الأشاعرة من دعاوى عريضة تتعلق بما يعتقدان ويقولان به ويثنيان به على المذهب الذي ارتضياه لنفسيهما، واعتقدا ما يعتقد الأشاعرة في الله تعالى، أعني الكلام في صفات الله تعالى، وادعيا أن الأشاعرة هم أهل السنة.
وحقيقة الأمر أن الأشاعرة خالفوا أهل السنة وخاصة المتأخرون منهم مخالفة جذرية في مسألة الصفات، وذلك لأنهم بنوا قولهم فيها على قول المعتزلة، لايغادرون من قولهم شيئاً في الأصول، فقرروا ما قرره المعتزلة من أن معرفة الله عقلية، واستدلوا لإثبات وجود الله تعالى بدليل الحدوث أو الامكان، ولما كانوا أتعبوا أنفسهم في إثباته، أعني تقرير وجود الله تعالى ظنوا أنهم فازوا بفرس السبق في هذا المسلك، فراحوا يحافظون على هذا المسلك بكل وسيلة، لأنه عندهم الطريق الوحيد لإثبات وجود الله تعالى، وهو الدليل الذي يقيمون به الحجة على ملاحدة بني آدم المنكرين لوجود الله تعالى، مع أنه دليل فاسد ومسلك كاسد لم يستدل به الأنبياء ولا أهل العلم والدين من الصحابة ومن سلك منهجهم .
أقول لما وصلوا إلى هذه النتيجة – على ضلع- بهذا الدليل راحوا يبطلون كل ما يتعارض معه ويردونه ولا يقبلونه، بل يذمون من قبله أو أخذ به لأنه في الحقيقة على زعمهم سيهدم أصلهم الذي أثبتوا به وجود الله تعالى، فبناءً عليه قرروا أن الله تعالى لا يجوز أن يوصف بصفة تدل على الحدوث أو الجسمية، فأبطلوا جميع الصفات الاختيارية الفعلية كالاستواء والنزول والكلام والرحمة والغضب والمجئ والاتيان وغير ذلك، ثم أبطلوا جميع الصفات التي تدل في زعمهم على الجسمية لأن الجسمية دليل على الحدوث أيضاً، فأبطلوا وصفه جل وعلا بالوجه واليد والقدم والعين والاصبع وسائر ما وصف الله به نفسه، ووصفه به رسوله r متذرعين مرة بالتأويل، ومرة بالتفويض، والأدهى من ذلك والأمر أنهم تجرأوا فقعدوا القواعد لإبطال الاستدلال بشئ من النصوص الشرعية على الصفات التي ينكرونها كما فعل الرازي في كتابه تأسيس التقديس فصاروا بذلك من غلاة النفاة المعطلة لصفات الله تعالى، لهذا صار الأشاعرة على قولين ظاهرين :
قول متقدميهم كالحارث المحاسبي وابن كلاب والأشعري في مذهبه المتوسط والباقلاني، الذين يثبتون الصفات الذاتية، وبعض الصفات الفعلية.
وقول متأخريهم الذين ينفون سائر الصفات الفعلية وسائر الصفات الذاتية إلا ما يسمونه الصفات العقلية: وهي: الحياة والعلم والإرادة والقدرة والكلام والسمع والبصر، على تفصيلات عديدة عندهم في مسألة السمع والبصر، حيث يرجعها بعضهم إلى العلم، أما الكلام فهم متفقون على نفي الحرف والصوت، مما يجعل إثباتهم لصفة الكلام دعوى لامعنى لها، بل ويصبح من لوازمها التي لا مفر لهم منها هو القول بخلق القرآن.
ومن هنا فإن الأشاعرة لا يمكن أن يكونوا من أهل السنة في باب الصفات، كما أنهم في الإيمان مرجئة، وفي أفعال العباد قاربوا مذهب الجبرية، ومع ذلك فهم أقرب الفرق إلى أهل السنة فهم أقرب من المعتزلة والجهمية ومن الرافضة والزيدية وغيرهم.
وقد انبرى لكشف تلبيس من يلبس منهم على من لايعرف حقيقتهم بدعوى أنهم من اهل السنة أخونا الشيخ فيصل بن قزاز الجاسم، في هذا الكتاب القيم، وأبطل دعواهم من جميع الوجوه، وقد استند في ذلك إلى الأدلة الدامغة من كلام الله تعالى ، ومن أحاديث النبي r والتي ثبت أن الأشاعرة لايثبتون مدلولها.
كما نقل عن أئمة أهل السنة وعلمائها إثباتهم للصفات كما وردت في الكتاب والسنة وأنها على الحقيقة تثبت لله تعالى من غير تحريف ولا تأويل ولا تشبيه ولا تكييف.
كما أثبت بما لايدع مجالاً للشك أن السلف ليسوا مؤولة وليسوا مفوضة.
ونقل عن أئمة السنة باستفاضة ما يؤيد ذلك، بل ذكر عنهم ما يدل على أنهم يحرمون التأويل ويرفضونه ويعتبرونه من باب تحريف كلام الله تعالى، كما يرفضون التجهيل المسمى التفويض، لأنه إبطال لدلالة كلام الله تعالى وكلام رسوله rفي أعظم عقيدة وأخطر مسائل الدين ألا وهي صفات الله تعالى، المرتبط بها يقيناً معرفة الله تعالى المعرفة الصحيحة، والتي ينبني عليها عبادته جل وعلا والإيمان به.
كما بين فضيلة الشيخ فيصل بما لايدع مجالاً للشك ما يلبس به بعض المتحذلقين من الأشاعرة ممن يحاولون أن يدعموا دعوى الأشاعرة في التأويل ببعض النقول الشاذة المعزوة إلى بعض السلف يزعمون أن فيها تأويلاً.
فسبحان الله ما أعجب الهوى كيف يفعل بأصحابه - يترك ذاك الكم الهائل من النصوص والتصريحات المثبتة للصفات على منطوق الكتاب والسنة إلى كليمات أكثرها لايصح، أو يكون لها معنى غير ما زعم المستدل بها على التأويل، وصدق الله إذ يقول {فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منهم ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}.
كما جعل خاتمة الأبواب نقوله عن أئمة السنة في ذمهم للأشعرية وأنهم ليسوا من أهل السنة، وذلك لما ثبت عنهم من الابتداع في باب الصفات، وأنهم أرادوا تنزيه الله تعالى بالطريقة التي ينزه بها الجهمية الله تعالى، فوقعوا في شر مما فروا منه، فبدل أن يثبتوا إلهاً ورباً وخالقاً له صفات الجلال والكمال جعلوه تبارك وتعالى أبكم لا يتكلم وجماداً لايتحرك ليس له وجود، لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته، ولا يحب مؤمناً ولا يرضى عنه ولا يغضب على كافر ولا يكرهه، ليس موصوفا بالرحمة ، مع أن كل ما يرى من آثار رحمته تبارك وتعالى، فأين هذا الكلام الهراء الذي ليس فيه توقير للرب جل وعلا، ولا يوصل إلى ذلك مما يثبته السلف له جل وعلا من صفات الكمال والجلال وفق ما أخبر الله تعالى، وأخبر به نبيه r.
فلأخينا الشيخ فيصل الجاسم الدعوات أن الله تبارك وتعالى يبارك في جهوده، ويجزيه خيراً عن أهل السنة، حيث انتصر للحق وأبان عن تلبيسات الملبسين وتقريرات المفسدين وتجهيلات الجاهلين، وقوم ما اعوج من كلامهم، وثقف ما مال من دعواهم في مسألة الصفات، متأسياً في ذلك بمن تقدم من أهل العلم الكبار، الذين ردوا على المبتدعة من الجهمية والمعتزلة في مسألة الصفات، وكذلك من خص من أهل العلم الأشاعرة بالرد كالسجزي رحمه الله في إثبات الحرف والصوت، وكالقاضي أبي يعلى رحمه الله في إبطال التأويلات، وكشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في إبطال قاعدة المتكلمين العقلية في كتابه درء تعارض العقل والنقل، وكذلك نسفه لقواعد الرازي الكلامية الفاسدة في كتابه نقض تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، وغيرهم كثير.
وعليه فأقول: إن أخانا الشيخ فيصل الجاسم قد أجاد وأفاد في كتابه هذا، ونسأل الله أن يسلك بنا وبه سبيل العلماء الصالحين، المدافعين والذابين عن سنة سيد المرسلين، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته وأن يوفقه لكل خير وفلاح، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
وكتبه
سعود بن عبدالعزيز الخلف
أستاذ العقيدة في كلية الدعوة وأصول الدين
بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
18 /1/1428هـ
تقريظ الشيخ / د. أحمد شاكر الجنيدي (مصر)
أستاذ العقيدة الإسلامية
ونائب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الكبير المتعال، والصلاة والسلام على المصطفى المبعوث من ولد عدنان، وعلى آل بيته الطيبين الأطهار، وصحبه البررة الأخيار، ومن تبعهم بإحسان.
وبعد:
فإنه لمن دواعي سروري وغبطتي أن أشاهد وأقرأ بين الحين والآخر كتاباً علمياً يؤصل منهج أهل السنة والجماعة، ويدافع وينافح عن عقيدة سلف الأمة الصالحين، وذلك أن أهل الأهواء لا يكفّون عن نشر بدعهم على الناس بطرق ملتوية غريبة، فيها تحريف للنصوص، واستدلال بما لا يصح، والنقل عن أمثالهم ممن انحرفت بهم السبل، ولقد وجد هؤلاء في حياة أبي الحسن الأشعري مجالاً خصباً للترويج لبدعهم بسبب أن أبا الحسن الأشعري –رحمه الله- نشأ على مذهب الاعتزال في بداية عهده، ثم انتقل إلى مذهب عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان الذي كان يثبت بعض الصفات ويؤول الآخ، ثم ختم الله لأبي الحسن بالخير فانتقل إلى مذهب أهل السنة والجماعة، ومحّص طريقته بالرجوع إلى مذهب السلف الصالح، وقال بما قاله إمام أهل السنة من قبله العالم الرباني أبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني، وقد ذكر كثير من أهل العلم أطوار أبي الحسن الأشعري، ومنهم الإمام الحافظ ابن كثير –رحمه الله- حيث قال: (ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أطوار: أولها: حال الاعتزال التي رجع عنها لا محالة، والحال الثاني: إثبات الصفات العقلية السبع وهي: الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام، وتأويل الخبرية كالوجه، واليدين، والقدم، والساق، ونحو ذلك، والحال الثالث: إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جرياً على منوال السلف، وهي طريقته في الإبانة التي صنفها آخراً). ومع هذا التصريح والتوضيح لأطوار الأشعري إلا أن أصحابه والمنتسبين إليه لم يلتزموا بمنهجه الأخير الذي رجع فيه إلى مذهب السلف، وألف الكتب النافعة فيه كالإبانة، ورسالة إلى أهل الثغر، وغير ذلك، بل أنكر الكثير منهم ما كتبه في معتقده الأخير، وهو ثابت يقيناً له، وثبتوا وتبنوا المرحلة الثانية للأشعري التي فيها تأويلٌ لكثير من الصفات، وغيرها من المخالفات، يقول الشيخ محب الدين الخطيب –رحمه الله-: (أما الأشعرية: أي المذهب الذي المنسوب إليه في علم الكلام فكما أنه لا يمثل الأشعري في طور اعتزاله، فإنه ليس من الإنصاف أيضاً أن يلصق به فيما أراد أن يلقى الله عليه، بل هو مستمد من أقواله التي كان عليها في الطور الثاني، ثم عدل عن كثير منها في آخرته التي أتمها الله عليه بالحسنى)[2].
وإن عجبي لا ينتهي بعد ذلك من قوم يزعمون أن الصحابة y كانوا أشاعرة، فلا أدري هل يظن هؤلاء أن الأشعري سابق على الصحابة وتلقوا منه، أم أن الصحابة تأخروا إلى عصره وأخذوا عنه المعتقد ؟!! إنني أترك القارئ الكريم أن يعرف بنفسه فساد هذا الكلام الذي لا يستحق أن يرد عليه إنسان.
وهذا الكتاب الذي كتبه الأخ الفاضل الباحث الأستاذ / فيصل بن قزار الجاسم من الكتب النافعة المفيدة التي تساهم مساهمة فعالة في بيان مذهب السلف الصالح في أسماء الله وصفاته، وبيان المعتقد الذي رجع إليه الإمام أبو الحسن الأشعري –رحمه الله- كل ذلك بالأدلة الواضحة، والنقول النافعة عن أئمة السلف الصالح، وما كتبه الأشعري نفسه، وقد تمكن الباحث بتوفيق الله من توضيح ذلك وبيانه بسبب فهمه لمعتقد السلف الصالح، ووقوفه على كتبهم الكثيرة في مسائل العقيدة، وهي مبنية على الاستدلال بكتاب الله وصحيح سنة رسول الله r، وما ورد عن الصحابة والتابعين من أهل القرون الفاضلة، كما تناول الباحث في هذا الكتاب مناقشة بعض المتعصبين للمذهب الأشعري في طوره الثاني، وقد نسبوا ذلك ظلماً وعدواناً إلى الصحابة والتابعين، وهذا أمر خطير، وفيه من الافتراء على الصحابة والسلف ما هو معلوم، وقد رد المؤلف عليهم رداً علمياً معتمداً –بعد فضل الله- على الأصول العلمية عند السلف، ولهذا كان موفقاًَ غاية التوفيق، مصيباً كل الإصابة، وقد كفى برده هذا كل منصف باحث عن الحقيقة محب للحق، وإنني أدعو كل أشعري بعد ذلك إلى الوقوف على معتقد الأشعري بعد رجوعه إلى مذهب السلف، لأنه ليس من الإنصاف أن ننسب إليه شيئاً رجع عنه وقال بغيره.
وقد سبق أن قرأت للمؤلف بعض الكتب الأخرى ككتاب (حقيقة الخوارج في الشرع وعبر التاريخ) وكتاب (كشف الشبهات في مسائل العهد والجهاد)، وهي كتب نافعة في بابها، مهمة في العصضر الحاضر الذي كثر فيه الخارجون وافترى المفترون، فجزاه الله خير الجزاء، وأسأل الله عز وجل أن يجعل ما كتبه في ميزان حسناته يوم الدين، وأن ينفع به المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
كتبه
أ.د./ عبد الله شاكر الجنيدي
أستاذ العقيدة الإسلامية
ونائب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية
تقريظ الشيخ / أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان (الأردن)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده، نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فقد أطلعني أخي الباحث فضيلة الشيخ / فيصل بن قزار الجاسم –حفظه الله ورعاه، وسدده، ونفع به- على كتابه القيم (الأشاعرة في ميزان أهل السنة)، فقرأته، فوجدته نافعاً، نصر فيه مذهب السلف الصالح في الأسماء والصفات بأسلوب سهل، وعرض جيد، وحشد فيه نقولات تنبئ عن صبر في البحث، وإدمان نظر، وحسن اختيار، وشدة تتبع لتلكم الدرر والشذرات من كلام الأئمة الأعلام، فنظمها في هذا العقد المحكم المتين، وزيّنه بتلكم الفوائد الأصيلة، وجاءت بصياغة محررة، وبتوثيق من مصادر معتبرة عن أعلام، أجمع –أو كاد- جميع الباحثين على فضلهم، وضرورة الانصياع إلى تقريراتهم، والعض على تأصيلاتهم، ونبذ الدخيل مما قيل عنه –زوراً وبهتاناً- أنه مذهب أهل السنة والجماعة.
وهذه الدراسة الجادة القيمة هي في أصلها نقد –بل نقض- بكتاب (أهل السنة الأشاعرة، شهادة علماء الأمة وأدلتهم) قام الأخ الباحث فيصل –جعله الله فيصلاً بين الحق والباطل- بردّ ترهات تدور على الألسنة، وذلك من خلال الجمع والحشد لكلام أئمة في سائر الفنون، على اختلاف الأمصار والأعصار، وتجنب –عن عمد وقصد- كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه الأئمة العظام من أمثال: ابن القيم، ومن تأثر بدعوتهم من الأعلام المتأخرين، رضي الله عنهم أجمعين، وألحقنا بهم في الصالحين.
وقد ازدان هذا الرد –بحق- بالمقارنة القوية بين الأصيل والدخيل، والجيد والرديء، والسنة والبدعة، وجمع بين الحشد المتقن المختار، والتحليل والتعليق بأسلوب سهل، ونَفَس علمي رصين، بيّن الباحث من خلاله الفرق الكبير، والبون الشاسع بين مذهب السلف الصالح ومذهب الأشاعرة، وزيّف فيه المؤلف تلكم الدعوة الظالمة أن "الأشاعرة" هم "أهل السنة والجماعة" !
ولا أكتم القارئ الكريم إني وجدت فيما قرأت من تقريرات –جاءت في معرض الرد-: أدباً في المناقشة، وترفعاً عن المهاترة، وتمالكاً وقوة نَفَس، تنبئ عن دقة فهم، ودماثة خلق، وحسن قصد، والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحداً.
وأخيراً، فقد قام الأخ الباحث –أحسن الله إليه- بواجب كفائي، كفّى فيه ووفّى، جامعاً ماتعاً نافعاً، على ما عهدناه منه، وقد أحسن وأجاد فيه، وينح في بالي، وخطر في خيالي –أكثر من مرة- أثناء قراءتي له ذلك المثل العربي: (أعط القوس باريها)، فهو أهل لمثل هذه المنازلة، وكفيل برد نلكم المشاغبة، التي لا تثبت أمام الحقائق العلمية، القائمة على البراهين القوية، والحجج الدامغة، فإنه (لا أمير في العلم إلا العلم)، ولا بقاء –في المآل- إلا للحق والعدل (الخير)، فإن الحق ثقيل، ولكنه مريء، بينما الباطل خفيف –ولذا قد ينتشر- ولكنه وبيء.
أجزل الله لمؤلف هذا الكتاب المثوبة والعطاء، ونفع الله به دينه، ونصر به الحق، وجعل لكتابه هذا الرضى والقبول، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتبه
أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان
9 محرم 1428هـ
27/1/2007
تقريظ الشيخ / أ.د. أبو عمر عبد العزيز النورستاني (باكستان)
مدير الجامعة الأثرية (بيشاور) باكستان
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، حمداً يملأ السموات والأرض، ويملأ ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، والصلاة والسلام على من قال: هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، وعلى آله وصحبه الذين أثبتوا صفات الله تعالى العلى، وأسمائه الحسنى بلا تأويل، ولا تفويض، ولا تعطيل، ولا تجسيم، ولا تمثيل، ولا تشبيه، ولا تكييف.
أما بعد: فإن هذه الآونة الأخيرة آونة تجميع المسلمين وتوحيد صفوفهم، لأن أعداءهم محيطون من ورائهم، ولا نجاح لهم إلا بحول الله وقوته، ثم بتوحيد صفوفهم وكلمتهم فيما بينهم، ولكن لله في عباده شئون، وبعض الناس لهم فكرة وقادة يفكرون دائماً في شيء يمزق توحيد المسلمين ويثير الخلاف بينهم بإلقاء الشبهات والوساوس في عقيدة أهل السنة والجماعة بالانتساب إليهم وليسوا منهم، بدعاوى باطلة لا أساس لها، ثم لا يأتون على دعواهم بحجة بل ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، وقد ثبت من حديث ابن عباس t أن رسول الله r قال: (لو يُعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم أموالهم). [البخاري (4552)، ومسلم (1711)]
ولكن الله حافظ دينه وناصر عباده المخلصين الذين رفعوا علم أسمائه الحسنى، وصفاته العلى، فيقيّض جنداً من جنوده، وعبداً منة عباده لإزالة هذه الشبهات، والوساوس، والانتسابات العارية عن الدليل.
فقد اطلعت على كتاب ألفه الشيخ الفاضل فيصل بن قزار الجاسم حفظه الله رداً على كتاب (أهل السنة الأشاعرة) ألفه الشيخان حمد السنان، وفوزي العنجري.
فوجدته شاملاً بموضوعه، كاملاً في معانيه، كافٍ في مراده، مع عفة اللسان والدعوة الصادقة إلى توحيد الله في أسمائه الحسنى وصفاته العلى، غير ذام ولا قادح ولا جارح، بل ملتزم بالمنهج العملي الأصيل من حيث الألفاظ والمعاني، يحيل النصوص لأربابها مع العزو والتثبت، بعبارة سليمة صحيحة رد فيها تلك الشبهات والوساوس والدعاوى التي ادعاها المؤلفان في كتابهما، وكشف كل دعي يدعي الانتساب إلى مذهب السلف الصالح أهل السنة والجماعة.
وأرى أن هذا الكتاب كسهم مرمي في الدفاع عن ساحة أهل السنة والجماعة، وهو شاهد حق في رد تلك الشبهات والوساوس والدعاوى التي ادعاها المؤلفان.
فجزى الله الأخ الفاضل فيصل خير الجزاء، وأن يزيده علماً نافعاً، وأن يبارك في علمه، وشكر الله له هذا العمل لأنه قام بالدفاع عن عقيدة أهل السنة والسلف الصالح رحمهم الله تعالى، وبيان الحق وإعطاء كل ذي حق حقه.
إنه سميع قريب مجيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
وكتبه أبو عمر عبد العزيز النورستاني
مدير الجامعة الأثرية (بيشاور) باكستان
m
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين وبعد ،،
فقد وقع في يدي كتاب بعنوان "أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم" لاثنين من الأشاعرة. فوجدت مؤلفيه قد حاولا فيه إثبات كون الأشاعرة المنسوبين لأبي الحسن الأشعري هم أهل السنة والجماعة، وتكلفا ذلك حتى خرجا بالكتاب عن البحث العلمي الموضوعي، فقررا بغير دليل، وادعيا بغير برهان ولا حجة، وملآ كتابهما بأقوال الأشاعرة أنفسهم على كونهم أهل الحق والصواب في باب أسماء الله وصفاته.
ومما يظهر للمتأمل أن كثيراً من بحوثه، إن لم تكن أكثرها، لا تخرج عما كتبه محمد زاهد الكوثري في مقالاته، وحواشيه، ومقدماته، وما كتبه أيضاً وهبي سليمان غاوجي كذلك، كما أن بعضها مأخوذ مما كتبه حسن السقاف وهو المعروف بالافتراء والتلفيق مع عدم الأمانة في النقل والتحقيق، وهو لا يختلف كثيراً عن الكوثري، فهما إمامان في هذا !
والكتاب إجمالاً مليء بالمغالطات والمؤاخذات، حتى صار إلى الحشو والتلفيق أقرب منه إلى البحث والتحقيق. وذلك لأمور كثيرة :
الأمر الأول: أن مؤلفيه لم يذكرا على ما يدعيانه من صحة طريقة الأشاعرة في أسماء الله وصفاته أدلة: لا من الكتاب، ولا من السنة، ولا من أقوال سلف الأمة. وإنما ملئاه بدعاوى مجردة بلا بينة ولا برهان. والغريب أنهما ذكرا في عنوانه "وأدلتهم" فصار اسماً على غير مسمى.
الأمر الثاني: أنهما قد ادعيا مراراً وتكراراً موافقة الأشاعرة في معتقدهم لمعتقد السلف والأئمة من الصحابة والتابعين وأتباعهم، ومع ذلك لم يستدلا بكلام واحد من السلف، ولم ينقلا من كتب أئمة السلف في المعتقد البتة، ككتاب "أصول السنة" للإمام أحمد، و"السنة" لابنه عبد الله، و"السنة" للخلال، ولابن أبي عاصم، وكتب الدارمي كـ"الرد على الجهمية"، و"الرد على المريسي"، وكتاب "خلق أفعال العباد" للبخاري، و"التوحيد" لابن خزيمة، ولابن منده، وكتب الطبري كـ "التبصير" و"صريح السنة"، و"شرح أصول اعتقاد أهل السنة" لللالكائي، و"الإبانة" لابن بطة، وغيرها كثير من كتب السنة والردود على المخالفين[3]. وإنما اكتفيا بالنقل من كلام أئمة الأشاعرة ما يزعمون أنه معتقد سلف الأمة. ولا ريب أن هذا خلل كبير، وقصور عظيم في نقل المذاهب والمعتقدات، وهو يدل على جهلهما بأقوال أئمة السنة، وعدم اطلاعهما عليها، وهذا خطأ جوهري يفقد الكتاب قيمته، ويسقطه عن درجة البحث الموضوعي إلى درجة الحشو والتلفيق والدعاوى المجردة.
وصدق أبو نصر السجزي إذ يقول في رسالته إلى أهل زبيد (ص101): (فكل مدع للسنة يجب أن يُطالب بالنقل الصحيح بما يقوله، فإن أتى بذلك عُلم صدقه، وقُبل قوله، وإن لم يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف عُلم أنه مُحدِث زائغ، وأنه لا يستحق أن يُصغا إليه أو يُناظر في قوله، وخصومنا المتكلمون معلوم منهم أجمع اجتناب النقل والقول به، بل تمحينهم لأهله ظاهر، ونفورهم عنه بيّن، وكتبهم عارية عن إسناد، بل يقولون: قال الأشعري، وقال ابن كلاب، وقال القلانسي...)[4] اهـ.
وقال المِبرَد في رده على من امتدح الأشاعرة: (وهذا الذي قال لا يُقبل قوله، لأنه من جملة أتباع الأشعري، ومن يمدح العروس غير أمها وأختها)[5].
الأمر الثالث: أن غاية ما استدلا به وحصلاه في إثبات كون الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة، وأنهم أهل الطريقة المثلى، هو شهادة الأشاعرة أنفسهم لأنفسهم، وهذا عبث لا طائل من ورائه، وحال هذين كحال الرافضي الذي يستشهد على كون الرافضة هم أهل الحق بشهادة أئمة الرافضة.
ومن بدهيات البحث والتحقيق العلمي أن تقرير صحة الطرق والمناهج لا يكون بشهادة أصحابها لأنفسهم، وإنما بالدليل والحجة والبرهان من الكتاب والسنة وأقوال السلف وأئمة السنة.
وصدق أبو نصر السجزي إذ يقول في مثل هذا: (ويتعلق قوم من المغاربة علينا بأن أبا محمد بن أبي زيد وأبا الحسن القابسي قالا : "إن الأشعري إمام" وإذا بان صحة حكايتهم عن هذين فلا يخلو حالهما من أحد وجهين: أن يدعى أنهما كانا على مذهبه فلا يحكم بقولهما بإمامته، وإن كانت لهم منزلة كبيرة، كما لم يحكم بما يقول ابن الباقلاني وأشكاله)[6] اهـ.
الأمر الرابع: أنهما ينسبان لأئمة السنة من الأقوال ما لم يتثبتا من صحة نسبتها إليهم، فتراهما ينقلان عن بعض الصحابة والتابعين ما لم يطلعا على إسناده، ولم يخرجاه من مظانه، كأن ينسبا مثلاً قولاً لابن عباس t، أو مجاهد، وينقلاه عن القرطبي أو غيره بلا إسناد ولا تمحيص، ويجعلاه حجة لهما على ما ادعيا، وهما لا يعرفان ثبوته من عدمه. وهذا يدل على جهل وقلة علم.
الأمر الخامس: أن كل ما لا يعجبهما من أقوال من يعظمونه كالأشعري وغيره، مما فيه إبطال لدعواهما يجعلانه مدسوساً. كما تكلفا إنكار ثبوت كتاب الإبانة المطبوع المتداول للأشعري، وزعما أن أيدي العابثين طالته.
الأمر السادس: أنهما يقرران المسائل اللغوية بغير مستند من أهل اللغة ولا رجوع إلى كتبها، ولكن بما تهواه أنفسهما، كما زعما: أن معنى الشيء هو كيفيته، وأن السؤال عن الكيفية: سؤال عن المعنى، ونفي الكيفية نفي للمعنى. كل هذا هروباً مما يلزمهما من الحجة.
الأمر السابع: أنهما أكثرا من الدعاوى العريضة، خاصة فيما يتعلق بنقل الإجماع على ما يدّعون، كقولهما: إن جميع المالكية والشافعية والحنفية والسمعانية أشاعرة أو ماتريدية. وقد أكثرا جداً من مقولة "هذا مذهب العلماء قاطبة"!!. مع أن دعوى إجماع السلف أو اتفاقهم على نقيض ما ادعوه أقرب وأظهر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في النبوات: (ولأهل الكلام والرأي من دعوى الإجماعات التي ليست صحيحة، بل قد يكون فيها نزاع معروف، وقد يكون إجماع السلف على خلاف ما ادعوا فيه الاجماع ما يطول ذكره)[7].
وقال في منهاج السنة: (ثم إن غالب كتب أهل الكلام والناقلين للمقالات ينقلون في أصول الملل والنحل من المقالات ما يطول وصفه، ونفس ما بعث الله به رسوله وما يقوله أصحابه والتابعون لهم في ذلك الأصل الذي حكوا فيه أقوال الناس لا ينقلونه، لا تعمداً منهم لتركه، بل لأنهم لم يعرفوه، بل ولا سمعوه، لقلة خبرتهم بنصوص الرسول وأصحابه والتابعين)[8].
ولقد خاض الأشعريان في أمور خطيرة، كان الأجدر بهما أن يتأصلا قبل أن يقررا، وأن يتثبتا قبل أن يقلدا. والمؤاخذات عليهما عند التدقيق كثيرة جداً، قد يطول المقام في تفنيد كل واحدة منها، ولكن إيثاراً للاختصار، ورغبة في بيان الحق بأسهل طريق وأقربه، فسأجمل ما على الكتاب من مؤاخذات على النحو التالي:
لقد قررا أن الأشاعرة هم أكثر الأمة.
ثم أنكرا رجوع الأشعري عن معتقده الكلابي وطعنا في صحة نسبة كتاب الإبانة له رجماً بالغيب.
ثم تكلما حول عقيدة ابن كلاب وزعما أن عقيدته هي عقيدة السلف، وأنه موافق لمعتقد إمام أهل السنة أحمد بن حنبل، وادعيا أن ما نُقل من الخلاف بينهما كان خلافاً لفظياً لا حقيقياً.
ثم افتريا على كثير من الأئمة بنسبتهم إلى الأشاعرة كالبخاري والطبري وكثيرين.
ثم ادعيا أن مذهب السلف في أسماء الله وصفاته هو التفويض الذي هو الجهل بالمعنى، وزعما أن مذهب التأويل والتحريف مذهبٌ لبعض السلف، وأن التفويض الذي عليه عامة السلف -كما زعما- هو في حقيقته يعود إلى التأويل، فإن كلا الطريقتين: التفويض، والتأويل في زعمهما قد اتفقا على أن صفات الله الواردة في الكتاب والسنة ليست على حقيقتها، كصفة اليد، والنزول، والاستواء، والوجه، والضحك، والمحبة، ونحوها، وإنما هي على المجاز، وإنما الفرق بين التفويض والتأويل هو تحديد المعنى المجازي، فالمفوضة لا يحددون والمؤولة يحددون، وكلاهما فيما زعما مذهبان معروفان للسلف، وما سواهما فتشبيه وتعطيل.
ثم خاضا في تحريف بعض صفات الله كصفة الكلام لله تعالى، وإنكرا أن يكون الله يتكلم بحرف وصوت، وأنكرا كذلك أن يكون الله عالياً على خلقه بنفسه بائناً منهم، وحرّفا صفة الاستواء، والرؤية، والعين، واليد، وغيرها من الصفات الثابتة لله تعالى.
ثم خاضا في مسألة الجسم وأن الله منزه عنه، وادعيا أن اثبات الصفات لله يستلزم الجسمية.
ثم تكلفا التفريق بين الصفات السبع التي يثبتها الأشاعرة وهي: صفة العلم، والحياة، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، والإرادة، وبين سائر الصفات التي لا يثبتون حقيقتها بل يتأولونها.
وقد خاضا في كثير من التأويلات بنسبتها إلى السلف بغير بينة ولا برهان، ولم يكتفيا بذلك حتى عدا الصحابة من المتكلمين وخاضا في أحاديث الآحاد.
هذه جملة مختصرة مما خاض فيه الأشعريان بالباطل.
ولما كان من الواجب رد الباطل وبيان زيفه حتى لا يلتبس على الناس، جاء هذا الرد والبيان المختصر على بعض ما ادعاه الأشعريان في كتابهما، وخاضا فيه بغير الحق.
ولما كان المقصود أيضاً من الرد هو بيان حقيقة معتقد سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، والوقوف على أصوله التي يُبنى عليها في باب أسماء الله وصفاته، وبيان مخالفة طريقة الأشاعرة لهذه الأصول، فسيكون الرد عبر أبواب خمسة، يندرج تحت كل منها فصول تبين أصول معتقد السلف بالأدلة من كتاب الله، وسنة نبيه r، وكلام أئمة السنة.
ولم أنو استيعاب جميع ما قرره أهل السنة والجماعة في أبواب المعتقد، ولا أن أتعقب جميع أصول الأشاعرة التي خالفوا فيها السلف، فقد أُلّفت في ذلك كتب كثيرة، ولكني اهتممت بهدم ما بنى عليه الأشعريان كتابهما، واكتفيت بما يتحصل به المقصود، ويظهر به الحق، ويتبين به بطلان ما ادعاه الأشعريان من أن الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة.
ولم أنقل في تقرير المعتقد إلا عمن كان من أئمة السنة المعروفين، ومن سار على دربهم من المتأخرين، ممن قد علم القاصي والداني فضلهم وإمامتهم.
وربما نقلت عن بعض من يُنسبون إلى شيء من التأويل من المتأخرين، أو بعض من عُرف عنهم شيء من المخالفات في بعض أبواب الاعتقاد أو العمل: ما وافقوا فيه الحق مما يبطل دعوى الأشعريين ويبين خطأها.
وقد أكرر بعض النقولات، لما تقتضيه من الدلالة في كل موضع بحسبه.
وقد تجنبت عن قصد النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلمكيذه ابن القيم في تقرير مسائل الاعتقاد، كما تجنبت النقل عن أئمة الدعوة النجدية كشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وتلامذته، والعلماء المعاصرين، وغرضي في ذلك التدليل على أن ما قرره هؤلاء العلماء في كتبهم لم يكن أمراً مبتدعاً قد انفردوا به كما يزعم بعض الجهلة، ولكنه كلام السلف والأئمة فيما سطروه في كتبهم، وما نقله الثقات عنهم، فلم يأت شيخ الإسلام ابن تيمية بشيء جديد ولكنه أبان ما خفي على كثير ممن انطبع في قلوبهم التقليد، وترك البحث والتنقيب.
ولا أخفي أنني استفدت كثيراً مما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في الرد على شبهات المبطلين، واقتبست بعض كلامهما مع شيء من التصرف من غير أن أشير إلى ذلك، إذ أن الغرض هو رد الشبهة وإبطال البدعة.
وربما نقلت عنهما شيئاً من كلامهما في الأمور التاريخية، والاستقرائية، والمنهجية، ونحو ذلك.
وقسمت الرد إلى خمسة أبواب، أدرجت تحت كل باب عدة فصول، وتحت كل فصل فروع، على النحو التالي:
(الباب الأول) ذكر أصول أهل السنة والجماعة في باب أسماء الله وصفاته وبيان مخالفة الأشاعرة لها.
وأدرجت تحته سبعة فصول.
(الباب الثاني) ذكر الأدلة على إثبات بعض صفات الله تعالى التي خاض فيها الأشاعرة بالباطل.
وأدرجت تحته خمسة فصول.
(الباب الثالث) الرد على ما نسبه الأشعريان للسلف من تأويل.
وأدرجت تحته اثني عشر فصلاً.
(الباب الرابع) تبرئة أئمة السنة من الأشعرية.
وأدرجت تحته سبعة فصول.
(الباب الخامس) بيان أن الكلابية والأشعرية فرقتان مباينتان لأهل السنة والجماعة. وأدرجت تحته أربعة فصول.
([1]) ذم الكلام وأهله للهروي 4/418 رقم الأثر:1332 طبعة مكتبة الغرباء.
[2] انظر تعليقه على المنتقى من منهاج الاعتدال (ص43).
[3] للمزيد في معرفة مؤلفات السلف في الاعتقاد انظر "تاريخ تدوين العقيدة السلفية" للشيخ عبد السلام بن برجس العبد الكريم.
[4] رسالة السجزي إلى أهل زبيد (ص101).
[5] جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر (ص131).
[6] المرجع السابق (ص227).
[7] النبوات (ص108).
[8] (6/303)
الأشاعرة
في ميزان أهل السنة
نقدٌ لكتاب (أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم)
تأليف
فيصل بن قزار الجاسم
تقريظ الشيخ / د. محمد بن عبد الرحمن المغراوي (المغرب)
أستاذ الدراسات العليا بجامعة القرويين، وعضو مجلس الجامعة سابقاً
ورئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بالمغرب
بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد،
فلقد قرأت كتاب الأستاذ/ فيصل بن قزار أبو عثمان، فوجدته كتاباً عظيماً في بابه، فقد أتى على شبهة المشبّهين وبيّن وهنها وضعفها، وأنها مجرد دعاوى لا تقوم على حجة ولا على بينة، وهي كما قال القائل:
والدعاوى ما لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء
والحقيقة أن الذي ساعد الكاتب في هذا البحث هو اطلاعه على ما كتبه السلف الصالح رضوان الله عليهم، فإن من نعمة الله وفضله على هذه الأمة أن حفظ لها تراثها كاملاً، ولا سيما في باب المعتقد، فإن هذا الباب ولله الحمد جنّد الله له جنوداً كثيرة في مختلف العصور والأزمان، وفي مختلف الأقاليم والأمصار، فهذا التراث العظيم الذي ظهر ولله الحمد وانتشر فضح كل دعيٍّ يدّعي أنه على مذهب السلف الصالح. فإن هذه المصادر العلمية التي قامت بالدفاع عن العقيدة السلفية أصبحت ولله الحمد في يد كل طالب علم يزن بها كل مدّع.
وما كان يُظنّ في مثل هذا الزمان الذي طفحت فيه المكتبات بمصادر السلف ومؤلفاتهم أن يتعلق متعلّق بخيوط العنكبوت، ويجري وراء تقليد المقلدين ويحكي شبههم التي نفثوها في مصنفاتهم ومؤلفاتهم، وهم يستكثرون بكل غث وسمين، وينزل مستواهم إلى الاستدلال بنقول لا تعتبر في الميزان العلمي حتى عند المبتدئين، كالنقل عن النسفي والقرطبي من المتأخرين، والذين لا يُسندون ولا يوثّقون معلوماتهم، ولا سيما في باب المعتقد.
فهذا البحث القيم الطيب ندعو لصاحبه بالتوفيق والثبات، ونتمنى من الله تبارك وتعالى أن يزيده علماً نافعاً، وأن يبارك فيه، وأن يجزيه خير الجزاء، فإنه قد قام بالدفاع عن عقيدة السلف وبيان الحق. والحمد لله الذي يجعل في أبناء الأمة الإسلامية من يرفع راية الحق، ويدفع راية الباطل {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} الإسراء 81 .
كاتبه/ محمد بن عبد الرحمن المغراوي
أستاذ الدراسات العليا بجامعة القرويين وعضو مجلس الجامعة سابقاً
ورئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بالمغرب
28/11/1427هـ
تقريظ الشيخ / أ.د. محمد أحمد لوح (السنغال)
عميد الكلية الإفريقية للدراسات الإسلامية في السنغال.
الحمد لله الذي جعل لدين الإسلام من كل خلفٍ عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وزيف المتعالمين، والصلاة والسلام على من بشَّر أمته بأنه لا يزال طائفة منهم ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم أو ناوأهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبع هديهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فإن طوائف المتكلمين الذين حادوا عن سبيل السلف في دين الله قد عرفهم علماء السنة -منذ بزوغ قرنهم- وأحصوهم عددا، وبينوا للناس خطورة ما سلكوه من طرائق قددا، ونادوا عليهم بالزيغ والضلال في كل ناد، حتى عرفهم عامة أهل السنة فضلا عن علمائهم.
فكما أقر الجميع بانحراف الجهمية والمعتزلة والخوارج والروافض عن المنهج الحق لظهور شأنهم، وانكشاف أمرهم، فكذلك أدركوا -منذ وقت مبكر- زيغ أهل التبعيض في الصفات الإلهية من الماتريدية والأشعرية الكلابية: فهذا أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الهروي يقول : (( سمعت أحمد بن نصر الماليني ت412هـ يقول: (( دخلت جامع عمرو بن العاص بمصر في نفر من أصحابي، فلما جلسنا جاء شيخ فقال: أنتم أهل خراسان أهل السنة، وهذا موضع الأشعرية فقوموا )) ([1])
هكذا كان الناس -عامتهم وخاصتهم- يفرقون بين الأشعرية الكلابية وبين أهل السنة في هذا الوقت المبكر، فيا ترى كيف انقلبت الموازين لدى هؤلاء الناس، واختلطت الأمور على من يحسبون أنفسهم كتابا ومفكرين حتى فقدوا التمييز فحكموا بأن منهج وعقيدة أهل السنة هو منهج وعقيدة الأشعرية الكلابية؟ إنه لزعمٌ ما أبعده عن الواقع، ودعوى ما أفقرها إلى برهان، ولكن -ولله الحمد- الحق أبلج، والباطل لجلج، وأقلام أهل الحق لا زالت توضح المنهج، وتكشف البهرج.
فها هو أخونا الشيخ / أبو عثمان فيصل بن قزار الجاسم- وفقه الله - قد أطلعني على حرره رداً على من صنف الأشاعرة الكلابية مع أهل السنة في صف واحد عقيدة وديانة، فألفيته قد رتب الكتاب ترتيبًا حسنًا، وقسمه تقسيمًا يشوق المطالع، وكتبه بأسلوب لا يملّ منه قارئ ولا سامع، وأودعه من الفوائد العلمية، والجواهر السلفية ما يكفل لكل طالب حق بطلبته، ويجذب كل منصف لمطالعته وإقراره.
ولقد أعجبني ما اكتسى به هذا الكتاب من لباس الرفق والهدوء، والخلق الكريم، والأدب العظيم، والترفع عن سفاسف الأمور، وعن التعريج على القضايا الشخصية، والأحكام الجزافية التي اعتاد أهل الأهواء أن يتخذوها أسلوبا للرد، وهو في الحقيقة حالة من العجز قد قُمِّصت بلفافة من الشدة والعنف والقذائف الاستباقية.
إن من يقرأ هذا الكتب متأملاً أسلوبه السلفي المحكم ليشعر أنه يقرأ لكاتب يصنف مؤصلا، وخبير يكن الشفقة ويبذل النصح لمن يكتب له، وليس أسلوب كاتب يتصدى لمجادلة من خالف الحق صريحا في مقرراته العقدية، وتوجهاته المنهجية.
ومع هذا كله فالكتاب من حيث الحجة والبرهان المستقى من الكتاب والسنة والآثار السلفية قذيفةٌ من قذائف الحق أصابت باطل هؤلاء فدمغته فإذا هو زاهق.
وما أحسب منصفاً- وإن كان مخالفاً- يقف عليه متأملاً إلا ويسلم بصحة ما قرره، ويدرك خطأ مخالفه.
والله المسئول أن يوفق مؤلفه وجميع المسلمين لخدمة هذا الدين والذب عن حياضه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
كتبه/ أ.د. محمد أحمد لوح
عميد الكلية الإفريقية للدراسات الإسلامية في السنغال.
modlo@maktoob.com
تقريظ الشيخ / أ.د. سعود بن عبدالعزيز الخلف
رئيس قسم العقيدة في كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
ورئيس جمعية العقيدة في المملكة العربية السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، وبعد،،،
فقد اطلعت على كتاب " الأشاعرة في ميزان أهل السنة نقدٌ لكتاب (أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم)" تأليف الأخ الفاضل: فيصل بن قزار الجاسم.
وقد استعرضته وتصفحته من أوله إلى آخره ، وقرأت منه في مواطن عديدة وكنت أحب أن أقرأه كاملاً الاأن انشغالي وضيق الوقت حال دون ذلك ، وقد ألفيته كتابا قيماً، أبان فيه صاحبه وفقه الله وجزاه الله خيرا عن موضوعه المتعلق بالأشاعرة ، وما ادعاه بعض الأشاعرة من دعاوى عريضة تتعلق بما يعتقدان ويقولان به ويثنيان به على المذهب الذي ارتضياه لنفسيهما، واعتقدا ما يعتقد الأشاعرة في الله تعالى، أعني الكلام في صفات الله تعالى، وادعيا أن الأشاعرة هم أهل السنة.
وحقيقة الأمر أن الأشاعرة خالفوا أهل السنة وخاصة المتأخرون منهم مخالفة جذرية في مسألة الصفات، وذلك لأنهم بنوا قولهم فيها على قول المعتزلة، لايغادرون من قولهم شيئاً في الأصول، فقرروا ما قرره المعتزلة من أن معرفة الله عقلية، واستدلوا لإثبات وجود الله تعالى بدليل الحدوث أو الامكان، ولما كانوا أتعبوا أنفسهم في إثباته، أعني تقرير وجود الله تعالى ظنوا أنهم فازوا بفرس السبق في هذا المسلك، فراحوا يحافظون على هذا المسلك بكل وسيلة، لأنه عندهم الطريق الوحيد لإثبات وجود الله تعالى، وهو الدليل الذي يقيمون به الحجة على ملاحدة بني آدم المنكرين لوجود الله تعالى، مع أنه دليل فاسد ومسلك كاسد لم يستدل به الأنبياء ولا أهل العلم والدين من الصحابة ومن سلك منهجهم .
أقول لما وصلوا إلى هذه النتيجة – على ضلع- بهذا الدليل راحوا يبطلون كل ما يتعارض معه ويردونه ولا يقبلونه، بل يذمون من قبله أو أخذ به لأنه في الحقيقة على زعمهم سيهدم أصلهم الذي أثبتوا به وجود الله تعالى، فبناءً عليه قرروا أن الله تعالى لا يجوز أن يوصف بصفة تدل على الحدوث أو الجسمية، فأبطلوا جميع الصفات الاختيارية الفعلية كالاستواء والنزول والكلام والرحمة والغضب والمجئ والاتيان وغير ذلك، ثم أبطلوا جميع الصفات التي تدل في زعمهم على الجسمية لأن الجسمية دليل على الحدوث أيضاً، فأبطلوا وصفه جل وعلا بالوجه واليد والقدم والعين والاصبع وسائر ما وصف الله به نفسه، ووصفه به رسوله r متذرعين مرة بالتأويل، ومرة بالتفويض، والأدهى من ذلك والأمر أنهم تجرأوا فقعدوا القواعد لإبطال الاستدلال بشئ من النصوص الشرعية على الصفات التي ينكرونها كما فعل الرازي في كتابه تأسيس التقديس فصاروا بذلك من غلاة النفاة المعطلة لصفات الله تعالى، لهذا صار الأشاعرة على قولين ظاهرين :
قول متقدميهم كالحارث المحاسبي وابن كلاب والأشعري في مذهبه المتوسط والباقلاني، الذين يثبتون الصفات الذاتية، وبعض الصفات الفعلية.
وقول متأخريهم الذين ينفون سائر الصفات الفعلية وسائر الصفات الذاتية إلا ما يسمونه الصفات العقلية: وهي: الحياة والعلم والإرادة والقدرة والكلام والسمع والبصر، على تفصيلات عديدة عندهم في مسألة السمع والبصر، حيث يرجعها بعضهم إلى العلم، أما الكلام فهم متفقون على نفي الحرف والصوت، مما يجعل إثباتهم لصفة الكلام دعوى لامعنى لها، بل ويصبح من لوازمها التي لا مفر لهم منها هو القول بخلق القرآن.
ومن هنا فإن الأشاعرة لا يمكن أن يكونوا من أهل السنة في باب الصفات، كما أنهم في الإيمان مرجئة، وفي أفعال العباد قاربوا مذهب الجبرية، ومع ذلك فهم أقرب الفرق إلى أهل السنة فهم أقرب من المعتزلة والجهمية ومن الرافضة والزيدية وغيرهم.
وقد انبرى لكشف تلبيس من يلبس منهم على من لايعرف حقيقتهم بدعوى أنهم من اهل السنة أخونا الشيخ فيصل بن قزاز الجاسم، في هذا الكتاب القيم، وأبطل دعواهم من جميع الوجوه، وقد استند في ذلك إلى الأدلة الدامغة من كلام الله تعالى ، ومن أحاديث النبي r والتي ثبت أن الأشاعرة لايثبتون مدلولها.
كما نقل عن أئمة أهل السنة وعلمائها إثباتهم للصفات كما وردت في الكتاب والسنة وأنها على الحقيقة تثبت لله تعالى من غير تحريف ولا تأويل ولا تشبيه ولا تكييف.
كما أثبت بما لايدع مجالاً للشك أن السلف ليسوا مؤولة وليسوا مفوضة.
ونقل عن أئمة السنة باستفاضة ما يؤيد ذلك، بل ذكر عنهم ما يدل على أنهم يحرمون التأويل ويرفضونه ويعتبرونه من باب تحريف كلام الله تعالى، كما يرفضون التجهيل المسمى التفويض، لأنه إبطال لدلالة كلام الله تعالى وكلام رسوله rفي أعظم عقيدة وأخطر مسائل الدين ألا وهي صفات الله تعالى، المرتبط بها يقيناً معرفة الله تعالى المعرفة الصحيحة، والتي ينبني عليها عبادته جل وعلا والإيمان به.
كما بين فضيلة الشيخ فيصل بما لايدع مجالاً للشك ما يلبس به بعض المتحذلقين من الأشاعرة ممن يحاولون أن يدعموا دعوى الأشاعرة في التأويل ببعض النقول الشاذة المعزوة إلى بعض السلف يزعمون أن فيها تأويلاً.
فسبحان الله ما أعجب الهوى كيف يفعل بأصحابه - يترك ذاك الكم الهائل من النصوص والتصريحات المثبتة للصفات على منطوق الكتاب والسنة إلى كليمات أكثرها لايصح، أو يكون لها معنى غير ما زعم المستدل بها على التأويل، وصدق الله إذ يقول {فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منهم ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}.
كما جعل خاتمة الأبواب نقوله عن أئمة السنة في ذمهم للأشعرية وأنهم ليسوا من أهل السنة، وذلك لما ثبت عنهم من الابتداع في باب الصفات، وأنهم أرادوا تنزيه الله تعالى بالطريقة التي ينزه بها الجهمية الله تعالى، فوقعوا في شر مما فروا منه، فبدل أن يثبتوا إلهاً ورباً وخالقاً له صفات الجلال والكمال جعلوه تبارك وتعالى أبكم لا يتكلم وجماداً لايتحرك ليس له وجود، لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته، ولا يحب مؤمناً ولا يرضى عنه ولا يغضب على كافر ولا يكرهه، ليس موصوفا بالرحمة ، مع أن كل ما يرى من آثار رحمته تبارك وتعالى، فأين هذا الكلام الهراء الذي ليس فيه توقير للرب جل وعلا، ولا يوصل إلى ذلك مما يثبته السلف له جل وعلا من صفات الكمال والجلال وفق ما أخبر الله تعالى، وأخبر به نبيه r.
فلأخينا الشيخ فيصل الجاسم الدعوات أن الله تبارك وتعالى يبارك في جهوده، ويجزيه خيراً عن أهل السنة، حيث انتصر للحق وأبان عن تلبيسات الملبسين وتقريرات المفسدين وتجهيلات الجاهلين، وقوم ما اعوج من كلامهم، وثقف ما مال من دعواهم في مسألة الصفات، متأسياً في ذلك بمن تقدم من أهل العلم الكبار، الذين ردوا على المبتدعة من الجهمية والمعتزلة في مسألة الصفات، وكذلك من خص من أهل العلم الأشاعرة بالرد كالسجزي رحمه الله في إثبات الحرف والصوت، وكالقاضي أبي يعلى رحمه الله في إبطال التأويلات، وكشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في إبطال قاعدة المتكلمين العقلية في كتابه درء تعارض العقل والنقل، وكذلك نسفه لقواعد الرازي الكلامية الفاسدة في كتابه نقض تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، وغيرهم كثير.
وعليه فأقول: إن أخانا الشيخ فيصل الجاسم قد أجاد وأفاد في كتابه هذا، ونسأل الله أن يسلك بنا وبه سبيل العلماء الصالحين، المدافعين والذابين عن سنة سيد المرسلين، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته وأن يوفقه لكل خير وفلاح، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
وكتبه
سعود بن عبدالعزيز الخلف
أستاذ العقيدة في كلية الدعوة وأصول الدين
بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
18 /1/1428هـ
تقريظ الشيخ / د. أحمد شاكر الجنيدي (مصر)
أستاذ العقيدة الإسلامية
ونائب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الكبير المتعال، والصلاة والسلام على المصطفى المبعوث من ولد عدنان، وعلى آل بيته الطيبين الأطهار، وصحبه البررة الأخيار، ومن تبعهم بإحسان.
وبعد:
فإنه لمن دواعي سروري وغبطتي أن أشاهد وأقرأ بين الحين والآخر كتاباً علمياً يؤصل منهج أهل السنة والجماعة، ويدافع وينافح عن عقيدة سلف الأمة الصالحين، وذلك أن أهل الأهواء لا يكفّون عن نشر بدعهم على الناس بطرق ملتوية غريبة، فيها تحريف للنصوص، واستدلال بما لا يصح، والنقل عن أمثالهم ممن انحرفت بهم السبل، ولقد وجد هؤلاء في حياة أبي الحسن الأشعري مجالاً خصباً للترويج لبدعهم بسبب أن أبا الحسن الأشعري –رحمه الله- نشأ على مذهب الاعتزال في بداية عهده، ثم انتقل إلى مذهب عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان الذي كان يثبت بعض الصفات ويؤول الآخ، ثم ختم الله لأبي الحسن بالخير فانتقل إلى مذهب أهل السنة والجماعة، ومحّص طريقته بالرجوع إلى مذهب السلف الصالح، وقال بما قاله إمام أهل السنة من قبله العالم الرباني أبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني، وقد ذكر كثير من أهل العلم أطوار أبي الحسن الأشعري، ومنهم الإمام الحافظ ابن كثير –رحمه الله- حيث قال: (ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أطوار: أولها: حال الاعتزال التي رجع عنها لا محالة، والحال الثاني: إثبات الصفات العقلية السبع وهي: الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام، وتأويل الخبرية كالوجه، واليدين، والقدم، والساق، ونحو ذلك، والحال الثالث: إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جرياً على منوال السلف، وهي طريقته في الإبانة التي صنفها آخراً). ومع هذا التصريح والتوضيح لأطوار الأشعري إلا أن أصحابه والمنتسبين إليه لم يلتزموا بمنهجه الأخير الذي رجع فيه إلى مذهب السلف، وألف الكتب النافعة فيه كالإبانة، ورسالة إلى أهل الثغر، وغير ذلك، بل أنكر الكثير منهم ما كتبه في معتقده الأخير، وهو ثابت يقيناً له، وثبتوا وتبنوا المرحلة الثانية للأشعري التي فيها تأويلٌ لكثير من الصفات، وغيرها من المخالفات، يقول الشيخ محب الدين الخطيب –رحمه الله-: (أما الأشعرية: أي المذهب الذي المنسوب إليه في علم الكلام فكما أنه لا يمثل الأشعري في طور اعتزاله، فإنه ليس من الإنصاف أيضاً أن يلصق به فيما أراد أن يلقى الله عليه، بل هو مستمد من أقواله التي كان عليها في الطور الثاني، ثم عدل عن كثير منها في آخرته التي أتمها الله عليه بالحسنى)[2].
وإن عجبي لا ينتهي بعد ذلك من قوم يزعمون أن الصحابة y كانوا أشاعرة، فلا أدري هل يظن هؤلاء أن الأشعري سابق على الصحابة وتلقوا منه، أم أن الصحابة تأخروا إلى عصره وأخذوا عنه المعتقد ؟!! إنني أترك القارئ الكريم أن يعرف بنفسه فساد هذا الكلام الذي لا يستحق أن يرد عليه إنسان.
وهذا الكتاب الذي كتبه الأخ الفاضل الباحث الأستاذ / فيصل بن قزار الجاسم من الكتب النافعة المفيدة التي تساهم مساهمة فعالة في بيان مذهب السلف الصالح في أسماء الله وصفاته، وبيان المعتقد الذي رجع إليه الإمام أبو الحسن الأشعري –رحمه الله- كل ذلك بالأدلة الواضحة، والنقول النافعة عن أئمة السلف الصالح، وما كتبه الأشعري نفسه، وقد تمكن الباحث بتوفيق الله من توضيح ذلك وبيانه بسبب فهمه لمعتقد السلف الصالح، ووقوفه على كتبهم الكثيرة في مسائل العقيدة، وهي مبنية على الاستدلال بكتاب الله وصحيح سنة رسول الله r، وما ورد عن الصحابة والتابعين من أهل القرون الفاضلة، كما تناول الباحث في هذا الكتاب مناقشة بعض المتعصبين للمذهب الأشعري في طوره الثاني، وقد نسبوا ذلك ظلماً وعدواناً إلى الصحابة والتابعين، وهذا أمر خطير، وفيه من الافتراء على الصحابة والسلف ما هو معلوم، وقد رد المؤلف عليهم رداً علمياً معتمداً –بعد فضل الله- على الأصول العلمية عند السلف، ولهذا كان موفقاًَ غاية التوفيق، مصيباً كل الإصابة، وقد كفى برده هذا كل منصف باحث عن الحقيقة محب للحق، وإنني أدعو كل أشعري بعد ذلك إلى الوقوف على معتقد الأشعري بعد رجوعه إلى مذهب السلف، لأنه ليس من الإنصاف أن ننسب إليه شيئاً رجع عنه وقال بغيره.
وقد سبق أن قرأت للمؤلف بعض الكتب الأخرى ككتاب (حقيقة الخوارج في الشرع وعبر التاريخ) وكتاب (كشف الشبهات في مسائل العهد والجهاد)، وهي كتب نافعة في بابها، مهمة في العصضر الحاضر الذي كثر فيه الخارجون وافترى المفترون، فجزاه الله خير الجزاء، وأسأل الله عز وجل أن يجعل ما كتبه في ميزان حسناته يوم الدين، وأن ينفع به المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
كتبه
أ.د./ عبد الله شاكر الجنيدي
أستاذ العقيدة الإسلامية
ونائب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية
تقريظ الشيخ / أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان (الأردن)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده، نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فقد أطلعني أخي الباحث فضيلة الشيخ / فيصل بن قزار الجاسم –حفظه الله ورعاه، وسدده، ونفع به- على كتابه القيم (الأشاعرة في ميزان أهل السنة)، فقرأته، فوجدته نافعاً، نصر فيه مذهب السلف الصالح في الأسماء والصفات بأسلوب سهل، وعرض جيد، وحشد فيه نقولات تنبئ عن صبر في البحث، وإدمان نظر، وحسن اختيار، وشدة تتبع لتلكم الدرر والشذرات من كلام الأئمة الأعلام، فنظمها في هذا العقد المحكم المتين، وزيّنه بتلكم الفوائد الأصيلة، وجاءت بصياغة محررة، وبتوثيق من مصادر معتبرة عن أعلام، أجمع –أو كاد- جميع الباحثين على فضلهم، وضرورة الانصياع إلى تقريراتهم، والعض على تأصيلاتهم، ونبذ الدخيل مما قيل عنه –زوراً وبهتاناً- أنه مذهب أهل السنة والجماعة.
وهذه الدراسة الجادة القيمة هي في أصلها نقد –بل نقض- بكتاب (أهل السنة الأشاعرة، شهادة علماء الأمة وأدلتهم) قام الأخ الباحث فيصل –جعله الله فيصلاً بين الحق والباطل- بردّ ترهات تدور على الألسنة، وذلك من خلال الجمع والحشد لكلام أئمة في سائر الفنون، على اختلاف الأمصار والأعصار، وتجنب –عن عمد وقصد- كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه الأئمة العظام من أمثال: ابن القيم، ومن تأثر بدعوتهم من الأعلام المتأخرين، رضي الله عنهم أجمعين، وألحقنا بهم في الصالحين.
وقد ازدان هذا الرد –بحق- بالمقارنة القوية بين الأصيل والدخيل، والجيد والرديء، والسنة والبدعة، وجمع بين الحشد المتقن المختار، والتحليل والتعليق بأسلوب سهل، ونَفَس علمي رصين، بيّن الباحث من خلاله الفرق الكبير، والبون الشاسع بين مذهب السلف الصالح ومذهب الأشاعرة، وزيّف فيه المؤلف تلكم الدعوة الظالمة أن "الأشاعرة" هم "أهل السنة والجماعة" !
ولا أكتم القارئ الكريم إني وجدت فيما قرأت من تقريرات –جاءت في معرض الرد-: أدباً في المناقشة، وترفعاً عن المهاترة، وتمالكاً وقوة نَفَس، تنبئ عن دقة فهم، ودماثة خلق، وحسن قصد، والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحداً.
وأخيراً، فقد قام الأخ الباحث –أحسن الله إليه- بواجب كفائي، كفّى فيه ووفّى، جامعاً ماتعاً نافعاً، على ما عهدناه منه، وقد أحسن وأجاد فيه، وينح في بالي، وخطر في خيالي –أكثر من مرة- أثناء قراءتي له ذلك المثل العربي: (أعط القوس باريها)، فهو أهل لمثل هذه المنازلة، وكفيل برد نلكم المشاغبة، التي لا تثبت أمام الحقائق العلمية، القائمة على البراهين القوية، والحجج الدامغة، فإنه (لا أمير في العلم إلا العلم)، ولا بقاء –في المآل- إلا للحق والعدل (الخير)، فإن الحق ثقيل، ولكنه مريء، بينما الباطل خفيف –ولذا قد ينتشر- ولكنه وبيء.
أجزل الله لمؤلف هذا الكتاب المثوبة والعطاء، ونفع الله به دينه، ونصر به الحق، وجعل لكتابه هذا الرضى والقبول، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتبه
أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان
9 محرم 1428هـ
27/1/2007
تقريظ الشيخ / أ.د. أبو عمر عبد العزيز النورستاني (باكستان)
مدير الجامعة الأثرية (بيشاور) باكستان
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، حمداً يملأ السموات والأرض، ويملأ ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، والصلاة والسلام على من قال: هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، وعلى آله وصحبه الذين أثبتوا صفات الله تعالى العلى، وأسمائه الحسنى بلا تأويل، ولا تفويض، ولا تعطيل، ولا تجسيم، ولا تمثيل، ولا تشبيه، ولا تكييف.
أما بعد: فإن هذه الآونة الأخيرة آونة تجميع المسلمين وتوحيد صفوفهم، لأن أعداءهم محيطون من ورائهم، ولا نجاح لهم إلا بحول الله وقوته، ثم بتوحيد صفوفهم وكلمتهم فيما بينهم، ولكن لله في عباده شئون، وبعض الناس لهم فكرة وقادة يفكرون دائماً في شيء يمزق توحيد المسلمين ويثير الخلاف بينهم بإلقاء الشبهات والوساوس في عقيدة أهل السنة والجماعة بالانتساب إليهم وليسوا منهم، بدعاوى باطلة لا أساس لها، ثم لا يأتون على دعواهم بحجة بل ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، وقد ثبت من حديث ابن عباس t أن رسول الله r قال: (لو يُعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم أموالهم). [البخاري (4552)، ومسلم (1711)]
ولكن الله حافظ دينه وناصر عباده المخلصين الذين رفعوا علم أسمائه الحسنى، وصفاته العلى، فيقيّض جنداً من جنوده، وعبداً منة عباده لإزالة هذه الشبهات، والوساوس، والانتسابات العارية عن الدليل.
فقد اطلعت على كتاب ألفه الشيخ الفاضل فيصل بن قزار الجاسم حفظه الله رداً على كتاب (أهل السنة الأشاعرة) ألفه الشيخان حمد السنان، وفوزي العنجري.
فوجدته شاملاً بموضوعه، كاملاً في معانيه، كافٍ في مراده، مع عفة اللسان والدعوة الصادقة إلى توحيد الله في أسمائه الحسنى وصفاته العلى، غير ذام ولا قادح ولا جارح، بل ملتزم بالمنهج العملي الأصيل من حيث الألفاظ والمعاني، يحيل النصوص لأربابها مع العزو والتثبت، بعبارة سليمة صحيحة رد فيها تلك الشبهات والوساوس والدعاوى التي ادعاها المؤلفان في كتابهما، وكشف كل دعي يدعي الانتساب إلى مذهب السلف الصالح أهل السنة والجماعة.
وأرى أن هذا الكتاب كسهم مرمي في الدفاع عن ساحة أهل السنة والجماعة، وهو شاهد حق في رد تلك الشبهات والوساوس والدعاوى التي ادعاها المؤلفان.
فجزى الله الأخ الفاضل فيصل خير الجزاء، وأن يزيده علماً نافعاً، وأن يبارك في علمه، وشكر الله له هذا العمل لأنه قام بالدفاع عن عقيدة أهل السنة والسلف الصالح رحمهم الله تعالى، وبيان الحق وإعطاء كل ذي حق حقه.
إنه سميع قريب مجيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
وكتبه أبو عمر عبد العزيز النورستاني
مدير الجامعة الأثرية (بيشاور) باكستان
m
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين وبعد ،،
فقد وقع في يدي كتاب بعنوان "أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم" لاثنين من الأشاعرة. فوجدت مؤلفيه قد حاولا فيه إثبات كون الأشاعرة المنسوبين لأبي الحسن الأشعري هم أهل السنة والجماعة، وتكلفا ذلك حتى خرجا بالكتاب عن البحث العلمي الموضوعي، فقررا بغير دليل، وادعيا بغير برهان ولا حجة، وملآ كتابهما بأقوال الأشاعرة أنفسهم على كونهم أهل الحق والصواب في باب أسماء الله وصفاته.
ومما يظهر للمتأمل أن كثيراً من بحوثه، إن لم تكن أكثرها، لا تخرج عما كتبه محمد زاهد الكوثري في مقالاته، وحواشيه، ومقدماته، وما كتبه أيضاً وهبي سليمان غاوجي كذلك، كما أن بعضها مأخوذ مما كتبه حسن السقاف وهو المعروف بالافتراء والتلفيق مع عدم الأمانة في النقل والتحقيق، وهو لا يختلف كثيراً عن الكوثري، فهما إمامان في هذا !
والكتاب إجمالاً مليء بالمغالطات والمؤاخذات، حتى صار إلى الحشو والتلفيق أقرب منه إلى البحث والتحقيق. وذلك لأمور كثيرة :
الأمر الأول: أن مؤلفيه لم يذكرا على ما يدعيانه من صحة طريقة الأشاعرة في أسماء الله وصفاته أدلة: لا من الكتاب، ولا من السنة، ولا من أقوال سلف الأمة. وإنما ملئاه بدعاوى مجردة بلا بينة ولا برهان. والغريب أنهما ذكرا في عنوانه "وأدلتهم" فصار اسماً على غير مسمى.
الأمر الثاني: أنهما قد ادعيا مراراً وتكراراً موافقة الأشاعرة في معتقدهم لمعتقد السلف والأئمة من الصحابة والتابعين وأتباعهم، ومع ذلك لم يستدلا بكلام واحد من السلف، ولم ينقلا من كتب أئمة السلف في المعتقد البتة، ككتاب "أصول السنة" للإمام أحمد، و"السنة" لابنه عبد الله، و"السنة" للخلال، ولابن أبي عاصم، وكتب الدارمي كـ"الرد على الجهمية"، و"الرد على المريسي"، وكتاب "خلق أفعال العباد" للبخاري، و"التوحيد" لابن خزيمة، ولابن منده، وكتب الطبري كـ "التبصير" و"صريح السنة"، و"شرح أصول اعتقاد أهل السنة" لللالكائي، و"الإبانة" لابن بطة، وغيرها كثير من كتب السنة والردود على المخالفين[3]. وإنما اكتفيا بالنقل من كلام أئمة الأشاعرة ما يزعمون أنه معتقد سلف الأمة. ولا ريب أن هذا خلل كبير، وقصور عظيم في نقل المذاهب والمعتقدات، وهو يدل على جهلهما بأقوال أئمة السنة، وعدم اطلاعهما عليها، وهذا خطأ جوهري يفقد الكتاب قيمته، ويسقطه عن درجة البحث الموضوعي إلى درجة الحشو والتلفيق والدعاوى المجردة.
وصدق أبو نصر السجزي إذ يقول في رسالته إلى أهل زبيد (ص101): (فكل مدع للسنة يجب أن يُطالب بالنقل الصحيح بما يقوله، فإن أتى بذلك عُلم صدقه، وقُبل قوله، وإن لم يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف عُلم أنه مُحدِث زائغ، وأنه لا يستحق أن يُصغا إليه أو يُناظر في قوله، وخصومنا المتكلمون معلوم منهم أجمع اجتناب النقل والقول به، بل تمحينهم لأهله ظاهر، ونفورهم عنه بيّن، وكتبهم عارية عن إسناد، بل يقولون: قال الأشعري، وقال ابن كلاب، وقال القلانسي...)[4] اهـ.
وقال المِبرَد في رده على من امتدح الأشاعرة: (وهذا الذي قال لا يُقبل قوله، لأنه من جملة أتباع الأشعري، ومن يمدح العروس غير أمها وأختها)[5].
الأمر الثالث: أن غاية ما استدلا به وحصلاه في إثبات كون الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة، وأنهم أهل الطريقة المثلى، هو شهادة الأشاعرة أنفسهم لأنفسهم، وهذا عبث لا طائل من ورائه، وحال هذين كحال الرافضي الذي يستشهد على كون الرافضة هم أهل الحق بشهادة أئمة الرافضة.
ومن بدهيات البحث والتحقيق العلمي أن تقرير صحة الطرق والمناهج لا يكون بشهادة أصحابها لأنفسهم، وإنما بالدليل والحجة والبرهان من الكتاب والسنة وأقوال السلف وأئمة السنة.
وصدق أبو نصر السجزي إذ يقول في مثل هذا: (ويتعلق قوم من المغاربة علينا بأن أبا محمد بن أبي زيد وأبا الحسن القابسي قالا : "إن الأشعري إمام" وإذا بان صحة حكايتهم عن هذين فلا يخلو حالهما من أحد وجهين: أن يدعى أنهما كانا على مذهبه فلا يحكم بقولهما بإمامته، وإن كانت لهم منزلة كبيرة، كما لم يحكم بما يقول ابن الباقلاني وأشكاله)[6] اهـ.
الأمر الرابع: أنهما ينسبان لأئمة السنة من الأقوال ما لم يتثبتا من صحة نسبتها إليهم، فتراهما ينقلان عن بعض الصحابة والتابعين ما لم يطلعا على إسناده، ولم يخرجاه من مظانه، كأن ينسبا مثلاً قولاً لابن عباس t، أو مجاهد، وينقلاه عن القرطبي أو غيره بلا إسناد ولا تمحيص، ويجعلاه حجة لهما على ما ادعيا، وهما لا يعرفان ثبوته من عدمه. وهذا يدل على جهل وقلة علم.
الأمر الخامس: أن كل ما لا يعجبهما من أقوال من يعظمونه كالأشعري وغيره، مما فيه إبطال لدعواهما يجعلانه مدسوساً. كما تكلفا إنكار ثبوت كتاب الإبانة المطبوع المتداول للأشعري، وزعما أن أيدي العابثين طالته.
الأمر السادس: أنهما يقرران المسائل اللغوية بغير مستند من أهل اللغة ولا رجوع إلى كتبها، ولكن بما تهواه أنفسهما، كما زعما: أن معنى الشيء هو كيفيته، وأن السؤال عن الكيفية: سؤال عن المعنى، ونفي الكيفية نفي للمعنى. كل هذا هروباً مما يلزمهما من الحجة.
الأمر السابع: أنهما أكثرا من الدعاوى العريضة، خاصة فيما يتعلق بنقل الإجماع على ما يدّعون، كقولهما: إن جميع المالكية والشافعية والحنفية والسمعانية أشاعرة أو ماتريدية. وقد أكثرا جداً من مقولة "هذا مذهب العلماء قاطبة"!!. مع أن دعوى إجماع السلف أو اتفاقهم على نقيض ما ادعوه أقرب وأظهر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في النبوات: (ولأهل الكلام والرأي من دعوى الإجماعات التي ليست صحيحة، بل قد يكون فيها نزاع معروف، وقد يكون إجماع السلف على خلاف ما ادعوا فيه الاجماع ما يطول ذكره)[7].
وقال في منهاج السنة: (ثم إن غالب كتب أهل الكلام والناقلين للمقالات ينقلون في أصول الملل والنحل من المقالات ما يطول وصفه، ونفس ما بعث الله به رسوله وما يقوله أصحابه والتابعون لهم في ذلك الأصل الذي حكوا فيه أقوال الناس لا ينقلونه، لا تعمداً منهم لتركه، بل لأنهم لم يعرفوه، بل ولا سمعوه، لقلة خبرتهم بنصوص الرسول وأصحابه والتابعين)[8].
ولقد خاض الأشعريان في أمور خطيرة، كان الأجدر بهما أن يتأصلا قبل أن يقررا، وأن يتثبتا قبل أن يقلدا. والمؤاخذات عليهما عند التدقيق كثيرة جداً، قد يطول المقام في تفنيد كل واحدة منها، ولكن إيثاراً للاختصار، ورغبة في بيان الحق بأسهل طريق وأقربه، فسأجمل ما على الكتاب من مؤاخذات على النحو التالي:
لقد قررا أن الأشاعرة هم أكثر الأمة.
ثم أنكرا رجوع الأشعري عن معتقده الكلابي وطعنا في صحة نسبة كتاب الإبانة له رجماً بالغيب.
ثم تكلما حول عقيدة ابن كلاب وزعما أن عقيدته هي عقيدة السلف، وأنه موافق لمعتقد إمام أهل السنة أحمد بن حنبل، وادعيا أن ما نُقل من الخلاف بينهما كان خلافاً لفظياً لا حقيقياً.
ثم افتريا على كثير من الأئمة بنسبتهم إلى الأشاعرة كالبخاري والطبري وكثيرين.
ثم ادعيا أن مذهب السلف في أسماء الله وصفاته هو التفويض الذي هو الجهل بالمعنى، وزعما أن مذهب التأويل والتحريف مذهبٌ لبعض السلف، وأن التفويض الذي عليه عامة السلف -كما زعما- هو في حقيقته يعود إلى التأويل، فإن كلا الطريقتين: التفويض، والتأويل في زعمهما قد اتفقا على أن صفات الله الواردة في الكتاب والسنة ليست على حقيقتها، كصفة اليد، والنزول، والاستواء، والوجه، والضحك، والمحبة، ونحوها، وإنما هي على المجاز، وإنما الفرق بين التفويض والتأويل هو تحديد المعنى المجازي، فالمفوضة لا يحددون والمؤولة يحددون، وكلاهما فيما زعما مذهبان معروفان للسلف، وما سواهما فتشبيه وتعطيل.
ثم خاضا في تحريف بعض صفات الله كصفة الكلام لله تعالى، وإنكرا أن يكون الله يتكلم بحرف وصوت، وأنكرا كذلك أن يكون الله عالياً على خلقه بنفسه بائناً منهم، وحرّفا صفة الاستواء، والرؤية، والعين، واليد، وغيرها من الصفات الثابتة لله تعالى.
ثم خاضا في مسألة الجسم وأن الله منزه عنه، وادعيا أن اثبات الصفات لله يستلزم الجسمية.
ثم تكلفا التفريق بين الصفات السبع التي يثبتها الأشاعرة وهي: صفة العلم، والحياة، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، والإرادة، وبين سائر الصفات التي لا يثبتون حقيقتها بل يتأولونها.
وقد خاضا في كثير من التأويلات بنسبتها إلى السلف بغير بينة ولا برهان، ولم يكتفيا بذلك حتى عدا الصحابة من المتكلمين وخاضا في أحاديث الآحاد.
هذه جملة مختصرة مما خاض فيه الأشعريان بالباطل.
ولما كان من الواجب رد الباطل وبيان زيفه حتى لا يلتبس على الناس، جاء هذا الرد والبيان المختصر على بعض ما ادعاه الأشعريان في كتابهما، وخاضا فيه بغير الحق.
ولما كان المقصود أيضاً من الرد هو بيان حقيقة معتقد سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، والوقوف على أصوله التي يُبنى عليها في باب أسماء الله وصفاته، وبيان مخالفة طريقة الأشاعرة لهذه الأصول، فسيكون الرد عبر أبواب خمسة، يندرج تحت كل منها فصول تبين أصول معتقد السلف بالأدلة من كتاب الله، وسنة نبيه r، وكلام أئمة السنة.
ولم أنو استيعاب جميع ما قرره أهل السنة والجماعة في أبواب المعتقد، ولا أن أتعقب جميع أصول الأشاعرة التي خالفوا فيها السلف، فقد أُلّفت في ذلك كتب كثيرة، ولكني اهتممت بهدم ما بنى عليه الأشعريان كتابهما، واكتفيت بما يتحصل به المقصود، ويظهر به الحق، ويتبين به بطلان ما ادعاه الأشعريان من أن الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة.
ولم أنقل في تقرير المعتقد إلا عمن كان من أئمة السنة المعروفين، ومن سار على دربهم من المتأخرين، ممن قد علم القاصي والداني فضلهم وإمامتهم.
وربما نقلت عن بعض من يُنسبون إلى شيء من التأويل من المتأخرين، أو بعض من عُرف عنهم شيء من المخالفات في بعض أبواب الاعتقاد أو العمل: ما وافقوا فيه الحق مما يبطل دعوى الأشعريين ويبين خطأها.
وقد أكرر بعض النقولات، لما تقتضيه من الدلالة في كل موضع بحسبه.
وقد تجنبت عن قصد النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلمكيذه ابن القيم في تقرير مسائل الاعتقاد، كما تجنبت النقل عن أئمة الدعوة النجدية كشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وتلامذته، والعلماء المعاصرين، وغرضي في ذلك التدليل على أن ما قرره هؤلاء العلماء في كتبهم لم يكن أمراً مبتدعاً قد انفردوا به كما يزعم بعض الجهلة، ولكنه كلام السلف والأئمة فيما سطروه في كتبهم، وما نقله الثقات عنهم، فلم يأت شيخ الإسلام ابن تيمية بشيء جديد ولكنه أبان ما خفي على كثير ممن انطبع في قلوبهم التقليد، وترك البحث والتنقيب.
ولا أخفي أنني استفدت كثيراً مما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في الرد على شبهات المبطلين، واقتبست بعض كلامهما مع شيء من التصرف من غير أن أشير إلى ذلك، إذ أن الغرض هو رد الشبهة وإبطال البدعة.
وربما نقلت عنهما شيئاً من كلامهما في الأمور التاريخية، والاستقرائية، والمنهجية، ونحو ذلك.
وقسمت الرد إلى خمسة أبواب، أدرجت تحت كل باب عدة فصول، وتحت كل فصل فروع، على النحو التالي:
(الباب الأول) ذكر أصول أهل السنة والجماعة في باب أسماء الله وصفاته وبيان مخالفة الأشاعرة لها.
وأدرجت تحته سبعة فصول.
(الباب الثاني) ذكر الأدلة على إثبات بعض صفات الله تعالى التي خاض فيها الأشاعرة بالباطل.
وأدرجت تحته خمسة فصول.
(الباب الثالث) الرد على ما نسبه الأشعريان للسلف من تأويل.
وأدرجت تحته اثني عشر فصلاً.
(الباب الرابع) تبرئة أئمة السنة من الأشعرية.
وأدرجت تحته سبعة فصول.
(الباب الخامس) بيان أن الكلابية والأشعرية فرقتان مباينتان لأهل السنة والجماعة. وأدرجت تحته أربعة فصول.
([1]) ذم الكلام وأهله للهروي 4/418 رقم الأثر:1332 طبعة مكتبة الغرباء.
[2] انظر تعليقه على المنتقى من منهاج الاعتدال (ص43).
[3] للمزيد في معرفة مؤلفات السلف في الاعتقاد انظر "تاريخ تدوين العقيدة السلفية" للشيخ عبد السلام بن برجس العبد الكريم.
[4] رسالة السجزي إلى أهل زبيد (ص101).
[5] جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر (ص131).
[6] المرجع السابق (ص227).
[7] النبوات (ص108).
[8] (6/303)
No comments:
Post a Comment