بسم الله الرحمن الرحيم
سنة لبنان بين سندان السذاجة ومطرقة المكر
سنة لبنان نموذج مثالي لضياع المسلمين في هذا الزمان ، هذا الضياع الناتج عن بعدنا عن ديننا، ذلك أن المسلمين وخاصة العرب لا يجمع شتاتهم ويوحد قوتهم إلا الإسلام ، وهذا التاريخ يخبرنا بذلك ، فمتى كان لنا دولة وقوة سوى بالإسلام؟
وحتى قبل البعثة النبوية يخبرنا القرآن عن مملكة سبأ العربية المسلمة ( لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ) سبأ 15-16 .
ولذلك أعلنها الفاروق: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العز بغيره أذلنا الله "، وهذا حال المسلمين اليوم في الغالب حيث لم يعد الإسلام هو قائدنا شعوباً وحكومات .
ومن هذا الضعف تشتت الكلمة وتفرق الصف وضاعت الهيبة، لأن الالتزام بالإسلام على المنهج الرباني يحقق لأصحابه موعود الله: ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ) البقرة 123 ، والإسلام يهدى أتباعه لما فيه مصلحتهم الدنيوية والأخروية، وهذا ما تحقق لهذه الأمة الأمية حين تمسكت بهدي ربها وسنة نبيها، فبرعت في شؤون العلم والقوة والإدارة والحضارة .
وسنة لبنان نموذج مصغر لحال أمة الإسلام اليوم، حيث هم قصعة تكالبت عليها الأمم، لبعدها عن مصدر قوتها المتمثل بالهدي الرباني، فهم بين:
- محب للخير متمسك بالإسلام لكن مع خلل في منهج فهم الإسلام، على تفاوت في ذلك .
- وسياسيين يجهلون كثيراً من مفاهيم الإسلام الأساسية.
وينتج عن هذا تفرق كلمتهم أولاً ، وعدم كمال إصابتهم للنجاح ثانياً لغياب أسس مهمة عنهم .
ولمزيد من البيان نفصل في قوى سنة لبنان :
1- جماعة الإخوان المسلمين (الجماعة الإسلامية) : والتي لها وجود متوسط بين السنة في لبنان، لكنها كغالب جماعة الإخوان تعانى من غياب المنهج الشرعي الصحيح في فهم الدين والدنيا، ولذلك تتعارض و تتضارب اجتهاداتهم الشرعية والسياسية من بلد لبلد بل وأحياناً في نفس البلد وهذا بحث يحتاج إلى تفصيل طويل ليس هذا مكانه ، فالجماعة الإسلامية في لبنان " تتحالف إستراتيجياًً مع حزب الله " !! وذلك بناء على موقف الجماعة من الحزب الذي يعتبر : " الشيعة الجعفرية فرقة من فرق المسلمين، فهم متفقون معنا فى أصول العقيدة والعبادة والأخلاق، وإذا كان هناك قدر من الخلاف في بعض فروع العقيدة أو بعض فروع الفقه، فهي لا تخرجهم مما اتفق عليه المسلمون" بيان للجماعة بتاريخ الموافـق 31 تموز 2006م، وكذلك فللجماعة علاقة قوية بسوريا للآن، لأنها تراها بوابة لبنان على العرب ، بعكس موقف جماعة الإخوان السورية في المنافي والتي تستعد للتحالف مع أمريكا لتغيير نظام بشار !!! وعلاقة الجماعة الإسلامية مع القوى السنية السياسية تشهد حالات من الشد بين فينة وأخرى .
2- الشخصيات الإسلامية الرسمية وتمثلها دار الإفتاء : وهي على وعي و فهم أكبر بمصالح المسلمين، لكنها تفتقد الشعبية والدعم من سياسيي لبنان السنة مما يضعف موقفهم وتأثيرهم.
3- جماعة الأحباش: والذين هم بحق طابور خامس في وسط السنة، ينفذون المصالح السورية في لبنان، ويعرقلون جهود تقوية المسلمين بفتح صراعات ومعارك جانبية وصرف طاقات السنة في مجالات مدمرة عليهم ، والأحباش سيكونون أصحاب النفوذ والحظوة إذا عاد النفوذ السوري إلى لبنان وسيكونون ممثلي السنة العملاء لسوريا لتكميل المشهد بالحضور السني !!
4- التيارات الجهادية: وهذه في الغالب أتت من خلفيات غير إسلامية، ومن ثم تبنت الفكر القتالي والصدامي، وتحظى بدعم خفي من سوريا و حزب الله، بحجة المقاومة والصمود، وهي في الحقيقة مستغلة من قبلهم لتحقيق مخططاتهم لكن بيد سنية !!
5- العائلات السياسية : وهي لا تزال تعيش بعقلية الزعامة الإقطاعية، وتتحالف مع من يساعدها في الوصول للزعامة ولو على حساب مصلحة المسلمين، ولذلك يتحالف خصومها مع أعدائهم !!
فحقيقة الأزمة هي بين جهل بالشرع أو جهل بالواقع ، والمخرج من هذا هو التمسك بالشرع الصحيح الذي يكشف عن حقيقة الواجب حيال الواقع .
فمن فقه حقيقة الشرع يعرف خطورة التحالف مع "حزب الله"، الأمر الذي يدركه قادة الجماعة الإسلامية كما قالوا هم : " إن حزب الله عمد ومن خلال وسائل إعلامه إلى تبني بعض الشخصيات التي تركت الجماعة وتقوم بتحركات مستقلة، كما أن بعض هذه الجماعات تتلقى رعاية مميزة من الحزب على الصعيد العملي، وكل ذلك يترك بعض التساؤلات والإشكالات حول الأهداف الكامنة وراء هذه الرعاية، خصوصاً أن الأوساط الشعبية في الساحة الإسلامية بدأت تتحدث عن محاولات لاختراق الساحة السنية من "حزب الله" وهذا ليس لمصلحة الحزب والمقاومة".
وقالت الجماعة أيضا: "كما أننا نلفت حزب الله إلى ضرورة الانتباه والحذر على صعيد المعركة السياسية والشعبية والإعلامية التي يخوضها ضد الحكومة ورئيسها فؤاد السنيورة. فهذه المعركة تترك انعكاسات سلبية في الساحة الإسلامية وتؤدي إلى زيادة الاحتقان الشعبي وتعطي الآخرين المبرر والحجج لتوتير الأجواء السياسية والأمنية وهذا ما يريده الأميركيون أيضاً، ولذا المطلوب الانتباه والحذر على صعيد الأداء السياسي والإعلامي وعدم الدخول في معارك داخلية تسيء إلى الحزب والمقاومة". صحيفة المستقبل- 31 /10/2006 نقلاً عن موقع الجماعة .
كما أن قادة الجماعة يشكون في مجالسهم من ضياع جهودهم في المقاومة بسبب دعايتهم ودعاية أصدقائهم من المشايخ لمقاومة حزب الله .
وهذا يدل على خطأ سياستهم المنبثقة من خطأ المنهج في تقييم الفرق والأحزاب.
ويقابل الإخوان المسلمين تيارات العنف من عصبة الأنصار والقاعدة وغيرهما، والتي لا ترى العالم إلا من منظار تصويب بندقية، ولكنها تغفل عن من يوجه بندقيتها !!
ولذلك لا نستبعد و لا نستغرب قيام بعضهم بحسن نية - وإن كان فيهم قطعاً من هو خبيث النية كابن سبأ – بالهجوم على القوات الدولية في جنوب لبنان، أو اغتيال بعض الشخصيات اللبنانية بل السنية من أعداء سوريا وحزب الله ، باسم الجهاد ونصرة الدين ولكنه في الحقيقة يقدم الخدمات الجليلة لعدوه بسبب غبائه!!
وحتى لا يستغرب البعض صعوبة أن يقع " التيار الجهادي " في خدمة عدوه، نقول له هل سمعت أن هذه التيارات انتصرت للمجاهدين أو الضعفاء أو بلاد المسلمين من النظام السوري أو الإيراني أو حزب الله اللبناني!!؟؟ مع أن مواقع ومنتديات هؤلاء الجهاديين تصرخ بجرائم هذه الأنظمة في العراق وسوريا ولبنان ؟؟
وهل أدركنا كيف يُسخر الغباء السني المدعوم بالحماسة العاطفية لتنفيذ المخططات الشيعية والنصيرية !!
ولذلك نرى ضرورة حفظ ودراسة الخطة السرية الإيرانية
ويبدو أن اللعبة قد بدأت فقد ظهرت بعض البيانات المنسوبة للقاعدة والتيارات الجهادية ، والتي هددت في البيان الأولى حكومة السنيورة العميلة المجرمة !! وفي البيان الثاني هددت حزب الله و الروافض ، ويبدو أن هذه البيانات بعضها مفربك والهدف منها تشتيت الانتباه ، وترسيخ الخطر السني الأصولي وليس "البندقية الشيعية الملتزمة بالمقاومة" !!
أما الطرف الثاني من معادلة أهل السنة وهم السياسيون فعليهم أن يدركوا أهمية البعد الديني لنجاحهم في الآخرة قبل الدنيا، فلن يكون لهم عز وكرامة بغير الإسلام .
وحتى تكتمل الدائرة فإنه يجب تصحيح منهج الفهم الشرعي والاستفادة من السياسيين المخلصين مع التزامهم بالشرع الصحيح، فيتحقق ركنا النجاح: فهم الشرع والواقع .
ونحن نوصي إخواننا في لبنان ـ إزاء الفتن التي توشك أن تقع وقاكم الله شرها ـ بالوحدة والتجمع على رأي واحد إن أمكن و إلا فلا تنجروا خلف أصحاب الحناجر أو الخناجر، فلقد رأينا شرورهم أكثر من خيرهم، مع عدم الاستسلام والركون إلى الوعود بالحماية والأمن ، فإنهم (لا يرقبون في مؤمن إلا و لا ذمة)، وعلى السياسيين أن يتقوا الله في رعيتهم ولا يضيعوا الأمانة التي في أعناقهم بخلافاتهم ومطامعهم، ولعل الفرصة سانحة لدار الإفتاء أن تعود لدورها المتمثل بقيادة الناس بالعلم والحكمة فتجمع السياسيين والجماعات على ميثاق واحد وتنبذ أهل الفرقة والشقاق .
المصدر : الراصد
No comments:
Post a Comment