قال الله تعالى:
(فاعلم أنه لا إله إلا الله) (1)
كلمة "لا إله إلا الله"-
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم : 24]-
كلمة التوحيد والإخلاص التي دعا إليها النبيُّون كلهم من آدم إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء : 25]-
كلمة التقوى، كما جاء عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وتلميذه مجاهد في قوله -تعالى-
{وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} يقول: شهادة أن لا إله إلا الله.
(2) - كلمة
من كانت آخر كلامه في الدنيا دخل الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)
[رواه أبو داود وغيره، وهو حديث حسن] فضائل
«لا إله إلا الله» كثيرة جدا، اقتصرنا على هذه الأمثلة اختصارًا، وقد كُتب عنها كثيرًا، من أراد الاستزادة فليراجع ذلك في مظانَّه.
هذه الكلمة العظيمة -كلمة التوحيد- يقولها المسلم في صلواته كل يوم، ويسمعها من المؤذن كل يوم مرارًا، لكن هل يعرف كثير من الناس معناها وما دلت عليه ؟!
الهدف من هذا المقال هو تبيين المعنى الصحيح لـ
«لا إله إلا الله»، حتى يعلم المسلم معنى كلمة التوحيد، فيعمل به ويدعو إليه.
معنى "إله"قال ابن فارس
(395 هـ): الهمزة واللام والهاء أصل واحد، وهو التعبُّد. فالإله الله تعالى، وسمّيَ بذلك لأنّه معبود. ويقال تألّه الرجُل، إذا تعبّد.
(3)والإله المعبود، وهو الله عز وجل، ثم استعاره المشركون لما عبدوه (من الأصنام وغيرها) من دون الله تعالى
(4)، لاعتقادهم أَن العبادة تَحُقُّ لها.
(5) وبهذا يظهر غلط من زعم أن قول الله تعالى:
{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف : 84] يدل على أن الله في كل مكان، بل معناها أنه سبحانه وتعالى معبود في السماء والأرض.
جملة من أقوال العلماء في تفسير هذه الآية:-
قتادة ( * ) : أي يُعبد في السماء، ويُعبد في الأرض.
(6) -
ابن جرير الطبري (310هـ) : (يقول تعالى ذكره: والله الذي له الألوهة
( ** ) في السماء معبود، وفي الأرض معبود كما هو في السماء معبود، لا شيء سواه تصلح عبادته; يقول تعالى ذكره: فأفردوا لمن هذه صفته العبادة، ولا تشركوا به شيئا غيره.)
(7)-
ابن أبي زَمَنِين (399هـ) : هو المُوَحَّدُ في السماء وفي الأرض.
(8)-
أبو المظفر السمعاني (489هـ) : أي : معبود في السماء والأرض.
(9)-
ابن كثير (774هـ) : وقوله:
{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} اختلف مفسرو هذه الآية على أقوال، بعد الاتفاق على تخطئة قول الجَهْمِيَّة الأول القائلين بأنه -تعالى عن قولهم علوًا كبيرًا-في كل مكان؛ حيث حملوا الآية على ذلك، فأصح الأقوال أنه المدعو الله في السموات وفي الأرض، أي: يعبده ويوحده ويقر له بالإلهية من في السموات ومن في الأرض، ويسمونه الله، ويدعونه رَغَبًا ورَهَبًا، إلا من كفر من الجن والإنس، وهذه الآية على هذا القول كقوله تعالى:
{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]، أي: هو إله مَنْ في السماء وإله مَنْ في الأرض.
(11)معنى لا إله إلا اللهقول بعض أهل العلم في معنى "لا إله إلا الله" :-
الطبري : معناه النهي عن أن يعبد شيء غير الله الحي القيوم.
(12)وقال:
{وأن لا إله إلا هو}، يقول: وأيقنوا أيضًا أن لا معبود يستحق الألوهة على الخلق إلا الله الذي له الخلق والأمر، فاخلعوا الأنداد والآلهة ، وأفردوا له العبادة.
(13)-
أبو المظفر السمعاني :
{إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} أي : لا أحد يستحق العبادة سواي .
(14)-
البيهقي (458هـ) : فمعنى الإله: المعبود، وقول الموحدين: لا إله إلا الله معناه لا معبود غير الله.
(15) -
القرطبي (671هـ) : قوله تعالى:
{لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} نفي وإثبات. أولها كفر وآخرها إيمان، ومعناه لا معبود إلا الله.
(16)قال أبو هلال العسكري : وأما قول الناس لا معبود إلا الله فمعناه أن لا يستحق العبادة إلا الله تعالى.
(17)-
ابن كثير: فقوله
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} إخبار بأنه المتفرد بالإلهية لجميع الخلائق.
(18)-
السيوطي (911هـ) :
«اللَّه لَا إلَه» أي لا معبود بحق في الوجود
«إلَّا هُوَ».
(19)-
البهوتي (1051 هـ) : (أي لا معبود بحق إلا ذلك الواحد الحق) (20)
وغيرهم كثير
فبهذا يُعلم أن اعتقاد بعض المسلمين بأن معنى
«لا إله إلا الله» أي: لا خالق إلا الله، غلط؛ فإن مشركي العرب وغيرهم كانوا مُقرِّين بأن الله وحده الخالق ولكنهم عبدوا الأصنام والملائكة وغيرها، قال الله عز وجل:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت : 61] وغيرها أدلة كثيرة في القرآن الكريم، سنفرد لها مقالا خاصا بها إن شاء الله.
وشهادة أن لا إله إلا الله تتضمن إفراد الله عز وجل بالخلق والملك والتدبير، فالذي يستحق العبادة هو خالق العباد ومالكهم ومدبر شؤونهم، وقد حجّ الله عز وجل المشركين باعتقادهم بانفراد الله بالخلق والملك والتدبير على إفراده بالعبادة دون آلهتهم الباطلة التي ليس لها شيء من ذلك، وقد كان المشركون يقولون في تلبيتهم
«لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ إِلاَّ شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ)» يَقُولُونَ هَذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ. (21)
ولو كان هناك إله غير الله مستحق للعبادة لكان مماثلا لله عز وجل، فيكون أيضا خالقا ومالكا ومدبرا، وهذا ظاهر الفساد، قال الله عز وجل {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون : 91]
قال الإمام الطبري في تفسير هذه الآية:
(يقول تعالى ذكره: ما لله من ولد، ولا كان معه في القديم، ولا حين ابتدع الأشياء من تصلح عبادته، ولو كان معه في القديم أو عند خلقه الأشياء من تصلح عبادته {مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ} يقول: إذن لاعتزل كل إله منهم {بِمَا خَلَقَ} من شيء، فانفرد به، ولتغالبوا، فلعلا بعضهم على بعض، وغلب القويّ منهم الضعيف؛ لأن القويّ لا يرضى أن يعلوه ضعيف، والضعيف لا يصلح أن يكون إلها، فسبحان الله ما أبلغها من حجة وأوجزها، لمن عقل وتدبر.) (22)
فـ«لا إله إلا الله» تعني: لا معبود بحق إلا الله، أو لا يستحق العبادة إلا هو. والشهادة بذلك تتضمن الشهادة بأنه وحده الخالق المالك المدبر، وأنه لا مثل له ولا نظير، لأن الذي تصلح عبادته هو خالق كل شيء ومدبره ومالكه، ليس كمثله شيء.
للسـؤال أو التعليـق على المقـال
(1) سورة محمد : 19
(2) جامع البيان في تأويل القرآن للطبري (22ج ص254) - تحقيق أحمد شاكر
(3) معجم مقاييس اللغة لابن فارس (ج1 ص127)
(4) المصباح المنير للفيومي، مادة "أله".
(5) لسان العرب مادة: "أله".
(6) جامع البيان للطبري (ج21 ص653) تحقيق شاكر؛ تفسير عبد الرزاق الصنعاني (ج2 ص203)؛ الأسماء والصفات للبيهقي (ج2 ص343).
(7) جامع البيان (ج21 ص652) تحقيق شاكر
(8) تفسير ابن أبي زمنين المجلد 4 ص196.
(9) تفسير السمعاني (ج5 ص119)
(11) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (ج3 ص239-240).
(12) جامع البيان (ج5 ص386) ت. شاكر
(13) جامع البيان (ج 15 ص261) ت. شاكر
(14) تفسير السمعاني (ج3 ص323)
(15) الأسماء والصفات للبيهقي (1ج ص58) ت. الحاشدي.
(16) معجم الفروق اللغوية – (ص68) في الفرق بين قولنا الله وبين قولنا إله؛ أبو هلال العسكري توفي بعد 395 هـ .
(17) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (ج 2 ص 191) ت. هشام البخاري
(18) تفسير القرآن العظيم (ج1 ص678)
(19) تفسير الجلالين ص42
(20) كشاف القناع عن متن الإقناع لمنصور البهوتي (ص9) - تحقيق محمد أمين الضنّاوي
(21) صحيح مسلم ، كتاب الحج / باب التلبية وصفتها ووقتها.
(22) جامع البيان (ج19 ص66) ت. شاكر
( * ) هو قَتادة بن دِعامة السدوسي (61 - 117 هـ) من التابعين.
( ** ) الإلاهَة ، والأُلوهَة ، والأُلُوهِيَّةُ: العبادة. (المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده - 4 / 358)
No comments:
Post a Comment