بسم الله الرحمن الرحيم
تأويلات السقاف لنصوص الصفات
أول السقاف الاستواء في قوله تعالى ((الرحمن على العرش استوى )) بالاستيلاء والقهر حيث قال ص54 ((ومعنى الاستواء هنا القهر لا علو الاجسام والارتفاع لقوله تعالى (وهو القاهر فوق عباده) ))
قلت وهذا التأويل باطل من وجوه
الأول أنه بدعة مخالف لما كان عليه السلف قال اللالكائي في السنة 662 قال أخبرنا أحمد حدثنا عبد الله حدثنا ابن شيرويه ثنا إسحاق [ابن راهويه] حدثنا بشر بن عمر قال: «سمعت غير واحد من المفسرين يقولون "الرحمن على العرش استوى" ؛ على العرش ارتفع»
قلت إسناده صحيح
وفي هذ الرد على من زعم أن السلف كانوا مفوضة ، والاستيلاء يستلزم المغالبة
كما قال ابن الأعرابي أحد علماء اللغة أتاه رجل فقال له: ما معنى قول الله عز وجل {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}؟ فقال: "هو كما أخبر عز وجل"، فقال: يا أبا عبد الله ليس هذا معناه، إنما معناه استولى، قال: "اسكت ما أنت وهذا، لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاداً فإذا غلب أحدهما قيل استولى، أما سمعت النابغة:
إلا لمثلك أو من أنت سابقة *** سبق الجواد إذا استولى على الأمد ))
رواه اللالكائي( 666 ) في السنة وإسناده صحيح ونقله عنه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (1/119)
و قدحاول السقاف أن يرد هذا محتجاً بقوله تعالى ((وهو القاهر فوق عباده)) وهذ مغالطة مكشوفة فالاستيلاء شيء والقهر شيء آخر فالاستيلاء لا يوجد الا بعد ان لم يكن كما شهد بذلك ابن الأعرابي بخلاف القهر الذي هو صفة لازمة لله عزوجل ثم ان الاستواء مخصوص بالعرش والقهر متعدي الى جميع المخلوقات وهذا أيضاً يقال في الغلبة الموجودة في قوله تعالى (( والله غالب على أمره )) وهي غير المغالبة ولكن السقاف غارق في العجمة من أعلى عمامته المزركشة الى أخمص قدميه فهو لا يفرق بين الغلبة والمغالبة
فالمغالبة تقع بين اثنين قد وقع بينهما جنس المكافأة كمثل القتل والمقاتلة فيقال (( قتلت ذبابة )) ولا يقال (( قاتلت ذبابة ))
ومن الفروق الجوهرية بين الغلبة أو القهر والاستيلاء أن فعل الاستيلاء يتعدى بعلى وعادة ما يكون على شيء له قيمة سواء كان مادياً أو معنوياً بخلاف فعل الغلبة فانه لا يتعدى إلا إلى المفعول
ثم إن القهر والغلبة صفتان ذاتيتان لا تنفكان عن الله عز وجل بخلاف الإستواء فإنه صفة فعلية وهذا يظهر من قوله تعالى (( ثم استوى على العرش )) فالفعل وقع بعد إن لم يكن واقعاً
واحتج السقاف في ص55 بقوله تعالى (( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار )) ملزماً السلفيين بأن يقولوا في الملك ما قالوا في الاستيلاء
وجواب هذا أن يقال معنى الآية انتفاء الملك المقيد عن المخلوقات يوم القيامة فلا ملك ولا محاسب إلا الله وهذا غير متحقق الا في يوم القيامة وهذا يبطل الالزام
ومن مبطلات تأويل الاستواء بالاستيلاء أن لفظ الاستواء تكرر سبع مرات في الكتاب وفي مواطن عديدة في السنة وتكرار اللفظ على ماهو عليه دليل على إرادة المتكلم للمعنى الأقرب الى ذهن السامع وهو العلو وقد اعترف علماء الأشعرية أن نصوص الصفات موهمة _ زعموا _ للأثبات الذي يسمونه تشبيها حتى قال قائلهم
وكل نص اوهم التشبيها *** فأوله أو فوضه ورم تنزيها
ونقول لهم أيضا كما أثبتم لله استيلاء لا كاستيلاء المخلوقات ولم تكونوا مشبهة باثباتكم هذا مع اتفاق اللفظ فنحن ايضا نثبت لله استواء ومجيئا ونزولاً لا كاستواء ومجيء ونزول المخلوقات مع اتفاق اللفظ ولا نكون مشبهة
ومن مبطلات تأويل الاستواء بالاستيلاء أن الاستواء مخصوص بالعرش فلا يوجد في أدلة الكتاب والسنة أنه سبحانه وتعالى مستو على الأرض مثلاً ، واذا خص الاستواء بالعرش وكان وجود العرش حقيقيا فلا معنى له إلا العلو لأن العرش عادة ما يكون عالياً وتقول العرب عرشت اللحم أي رفعته ومن أول العرش بالملك فقد أبعد النجعة لقوله تعالى (( وكان عرشه على الماء )) ويستحيل أن يكون معناه وكان ملكه على الماء !!
وقوله تعالى ((وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ)) ويستحيل أن يكون معناه ويحمل ملك ربك !!!!
النص الثاني
وتأول السقاف قوله تعالى (( أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ
تَمُورُ )) على المكانة حيث قال في ص57((. فيكون معنى الاية ءأمنتم من العظيم الجليل صاحب الرفعة والربوبية والبطش أن يخسف بكم الارض (وتقدم استعمال العرب للفظ السماء على العلو المعنوي لا الحسي) . أو يكون المراد بقوله تعالى : * (من في السماء) * سيدنا جبريل أو أي ملك يرسله الله ليخسف أي قرية أو أي موضع من الارض ، كما أرسل الملك الذي خسف الارض بقوم سيدنا لوط عليه السلام ، والملائكة مسكنها السماء ))
قلت وهذا مردود لأنه هروب من تشبيه المكان الى تشبيه المكانة كما تقدم ثم إن العرب اذا قالت فلان في السماء نعرف من واقع الممدوح أن المادح يقصد المكانة لأن هذا الممدوح معنا في الأرض وهذه القرينة لا تنطبق على رب العالمين فتنبه
ثم إن هذا مخالف لتفسير السلف كما قدمنا
وأما تأويله بجبريل فضعيف لأن الله عز وجل إنما يحذرنا نفسه قال تعالى (( ويحذركم الله نفسه ))
ولم تأت لفظة (( أمنتم )) في سياق تحذير في القرآن إلا والمقصود بها رب العالمين
قال تعالى ((أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً ))
ثم إذا كان جبريل _ عليه السلام _ قد خسف الأرض بقوم لوط فهل هو من يرسل الحاصب على أيضاً ؟
النص الثالث
تأول السقاف نصوص تنزيل القرآن بأن المقصود بها تنزل الملائكة حيث قال في ص 57_ 58 ((، وأما الايات التي فيها ذكر النزول كقوله تعالى : * (نزل به الروح الامين) * الشعراء : 192 وقوله تعالى : * (إنا أنزلناه في ليلة القدر) * فلا دلالة فيها لما تريده المجسمة البتة ، وانما فيه أن الملائكة تنزل من السماء مسكنهم الاصلي إلى الارض ، وأن القرآن نقله سيدنا جبريل عليه السلام من السماء أو من اللوح المحفوظ الذي هو فوق السماء السابعة إلى الارض بأمر الله تعالى . وكل ما أنعم الله به علينا من نعم ورزق أمدنا به يقال : أتانا من عند الله أو أنزله الله تعالى إلينا ، ومنه قوله تعالى : * (وأنزلنا الحديد) * مع أن الحديد يستخرج من باطن الارض ، ويقال : نزل الامر بهم ، ومنه قوله تعالى : * (فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين) ومنه قوله تعالى : (وأنزل لكم من الانعام ثمانية أزواج) الزمر 6 ، وهذه الانعام لم تمطر السماء بها قط ))
قلت جواب هذا من وجوه
أولها أن تأويله لنزول القرآن بنزول جبريل ينقضه قوله تعالى (( تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ))
ولم يقل من اللوح المحفوظ
الثاني قوله تعالى (( وأنزلنا الحديد )) ليس فيه ذكر المنزل منه فلم يقل (( وأنزلنا الحديد من السماء )) مثلاً
علماً بأنه قد روي أن الحديد قد نزل مع آدم
قال ابن جرير 26075- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن علباء بن أحمر، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: ثلاثة أشياء نزلت مع آدم صلوات الله عليه: السندان والكلبتان، والميقعة، والمطرقة
قلت والثلاثة المذكورة من أدوات الحدادين وإسناد هذا الخبر ضعيف فيه محمد بن الرازي
وعليه يكون ظاهر الآية سالماً من التأويل
ومن أهل العلم من ذهب إلى أن الحديد منزل من الجبال وهذا لا يمتنع
الوجه الثالث وقوله تعالى (( وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج )) الإنزال فيه حقيقي
قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (6/11) (( فإنه ينزل الماء من أصلاب الذكور إلى بطون الإناث ثم ينزل الأجنة من يطون الإناث إلى الأرض فأنزل منها ثمانية أزواج
ومن المشهور في اللغة أنه يقال عن ابن آدم : أنزل الماء ))
قلت وليس في الآية أن الأزواج الثمانية نزلت من السماء فالسقاف يظن أن كل منزل لابد وأن يكون منزلاً من السماء وهذا من جهله باللغة
النص الرابع
وتأول السقاف قوله تعالى (( إليه يصعد الكلم الطيب )) على أنه كناية عن القبول حيث قال قال ص55 ((قوله تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) . ومعنى الاية أن هذا كناية عن القبول والرضى ))
وهذا باطل اذ لو كان هذا المعنى لقال عنده يصعد الكلم الطيب لا إليه فنحن نقول هذا عمل مقبول عند رب العالمين ولا نقول مقبول إلى رب العالمين !!!
النص الخامس
زعم السقاف في ص60_63 أن ليس في قصة الاسراء والمعراج وتكلم في ذلك كلاماً طويلاً لا حاجة لنا في ذكره غير أن أقام الحجة على نفسه بنفسه
حيث قال في ص62((وفي صحيح مسلم (1 / 161) عن أبي ذر قال : سألت رسول الله (ص) هل رأيت ربك ، قال : " نور أنى أراه " . وفي البخاري (8 / 606) ومسلم (1 / 159) عن مسروق قال : قلت لعائشة رضي الله عنها : يا أمتاه هل رأى محمد (ص) ربه ؟ فقالمت : لقد قف شعري مما قلت ! ! أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب : من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب . ثم قرأت * (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير) * . * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب))
ومن هنا تأتي حجتنا فلم يسأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم (( هل رأيت ربك )) بعدما علموا أنه عرج به إلى السماء ؟
الجواب : أنهم يعتقدون أن الله في السماء فلما علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج به إلى السماء فكروا في احتمال رؤيته لربه فتأمل
ثم ذكر في ص62 حديث (( لا تفضلوني على يونس بن متى )) ثم أوله تأويلاً بعيداً زاعماً أن معناه لم أكن أقرب الى الله من يونس بن متى في بطن الحوت!!!!
قال السقاف في ص62_63 ((قال المحدث الزبيدي " في اتحاف السادة المتقين " (2 / 105) : ذكر الامام قاضي القضاة ناصر الدين بن المنير الاسكندري المالكي في كتابه " المنتقى في شرف المصطفى " لما تكلم على الجهة وقرر نفيها ، قال : ولهذا أشار الامام مالك رحمه الله تعالى في قوله (ص) " لا تفضلوني على يونس بن متى " فقال مالك إنما خص يونس بالتنبيه على التنزيه لانه (ص) رفع إلى العرش ويونس عليه السلام هبط إلى قاموس البحر ونسبتهما مع ذلك من حيث الجهة إلى الحق جل جلاله نسبة واحدة ، ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه السلام أقرب من يونس بن متى وأفضل ولما نهى عن ذلك ))
قلت هذا كذبٌ على الإمام مالك لم ينقله هذا المبتدع بسندٍ متصل إلى الإمام
وأما التأويل فالرد على هذا التأويل أن الحديث عام وتخصيصه بهذا الأمر تحكم مكشوف والمعنى الصحيح أن منع التفضيل من حيث النبوة والرسالة قال تعالى (( لا نفرق بين أحد من رسله )) ويدخل في ذلك غير الأنبياء من باب أولى
النص السادس
وزعم السقاف أن قوله تعالى (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) سيق مساق الإنكار على اليهود الذين يعتقدون إمكان ذلك
حيث قال في ص81((فيقول الله موبخا لهم : هل تتخيلون أن يأتيكم الله في غمامة أو سحابة هو والملائكة حتى تؤمنوا ؟ ! أي على تصوركم الفاسد أيها المشبهة المجسمة ! ! وهم الذين يقولون بأن الله تعالى لما فرغ من خلق السموات والارض تعب فأراد أن يستريح فاستلقى على العرش ! ! فابن تيمية يريد أن يعتمد عقيدتهم تلك التي وبخهم عليها رب العزة وذمهم باعتقادها ! ! ))
قلت هذا التأويل بطل لأن قوله تعالى (( هل ينظرون )) لم يأت في القرآن إلا والذي بعده أمر سيتحقق كقوله تعالى (( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ )) وقوله (( هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )) وهو صريح جداً وهذا ما فهمه السلف
قال ابن أبي حاتم الرازي في تفسيره برقم 1995 حدثنا أبو زرعة عن ثقة) حدثنا الحسن بن عون البصري حدثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة في قوله تعالى (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) وذلك يوم القيامة
وفي هذا الأثر إثبات أن السلف كانوا مثبتة ولم يكونوا مفوضة ولم يؤخذ على قتادة إلا القول بالقدر
وروى أيضا برقم 1997 عن حجاج بن حمزة ثنا شبابة ثناورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (( قوله (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) كان يقول هو غير السحاب ولم يكن لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا وهو الذي يأتي الله فيه الله يوم القيامة
وقد احتج السقاف براويةورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لإثبات التأويل عن مجاهد في مقدمة تحقيقه لدفع الشبه وقال ابن جرير في تفسيره برقم 3672 من طريق محمد بن عمرو ثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح فذكره
وروى أيضا برقم 1998 عن أبيه ثنا محمد بن الوزير الدمشقي ثنا الوليد ( هو بن مسلم وهو ثقة ) سألت زهير بن محمد عن قول الله (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) قال ظلل من الغمام منظوم بالياقوت مكلل بالجواهر والزبرجد ))
وقلت وهذا سندٌ صحيح وهذا الأثر برهان آخر على كذب من زعم أن السلف كانوا مفوضة
النص السابع
وقد ذكر السقاف في ص 98 مجموعة من الأسئلة الإلحادية الساقطة لإبطال احتجاج أهل السنة بالمشيئة على الصفات الفعلية
ومن أمثلة هذه الأسئلة الساقطة (( هل يستطيع الله أن يفني نفسه ؟)) نعوذ بالله من الضلال
ومن أظلم الظلم ما وقع من حسن السقاف من قياس هذه الأسئلة الساقطة على إثبات أهل السنة للصفات الواردة في النصوص الصحيحة الصريحة وهذا القياس فاسد من وجوه اذكر منها إثنين
الأول
أن هذه الأسئلة تتعارض مع الصفات الثابتة لله عز وجل فالسؤال الذي ذكرته آنفاً ( مكرهاً) يتعارض مع صفة البقاء لله عز وجل والسؤال الذي فيه الإستفسار عن إمكانية وجود إله آخر يتعارض مع صفة الأحدية لله عز وجل والسؤال الذي فيه الإستفسار عن إمكانية وجود صخرة لا يمكن لله عز وجل حملها ( تعالى الله عما يقوله الجاحدون علواً كبيراً ) يتنافى مع صفة القدرة لله عز وجل
وأما السقاف فقد رأى في تعطيل الصفات الفعلية جواباً على هذه الهرطقات
الثاني
أن الصفات التي يثبتها السلفيون قد جاءت بها الأدلة الصحيحة الصريحة بخلاف تلك الترهات الإلحادية المتعارضة مع النصوص
والقدرة لا تتعلق بالممتنعات لأنها ليست بشيء وهذه الإيرادات التي أوردها السقاف كلها ممتنعات كقول من يقول (( أريد بحراً من الماء لا ماء فيه )) فهذا ينقض أوله آخره فهو ممتنع
وأما المستحيلات كمثل معجزات الأنبياء وأن يخلق الله فيلاً بأجنحة مثلاً
كلها تتعلق بها القدرة
لذا فقوله تعالى (( وهو على كل شيءٍ قدير )) عام لا استثناء فيه
وقد تأول السقاف في ص111 هذه الآية بقوله ((إن الله على كل مخلوق قدير))
ويريد بذلك أن الله عز وجل ليس بقادرٍ على نفسه وبالتالي ينفي الصفات الفعلية المتعلقة بالمشيئة لذا أورد تلك الأسئلة الإلحادية زاعماً أن جوابه خير جواب
ويكفي لنقض هذا الهراء قوله تعالى في الحديث القدسي (( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً )) رواه مسلم( 2577)
فتحريمه الظلم على نفسه دليل على أنه قادر على نفسه وهذا الفعل غير متعدي
واعلم أن أفعال الله عز وجل متعدية كالخلق والرزق والإماته ومعنى متعدية أي أنها تقع على مفعول وهي داخلة في المشيئة وبالتالي داخلة في القدرة
وغير متعدية كالمجيء والنزول وهي كسابقتها ومن تناقضات ثلة من المعطلة أنهم لا يدخلون هذا النوع في القدرة مع إدخالهم للنوع الأول حتى قال قائلهم أن الله على نفسه ليس بقادر
مع العلم أن الأفعال المتعدية ناتجة عن قدرة الله عز وجل على نفسه بإدخالها في القدرة يدخل النوع الثاني
قال تعالى في وصف نفسه (( فعال لما يريد )) وهذا عام في المتعدي وغير المتعدي
النص الثامن
احتج السقاف في ص91 بقوله تعالى(( وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) على تأويل صفة الوجه
قلت وهذا مردود منقوض لأن إضافة الوجه للجمادات والظروف غير إضافته للأحياء والوجه في لغة العرب لا يضاف إلى حي موجود وإلا وكان المقصود به الوجه الحقيقي
وقد دلت العديد من الآيات والأحاديث على إثبات صفة الوجه لرب العالمين
قال تعالى (( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )) وقد احتج أهل السنة بهذه الآية على إبطال تأويل الوجه بالذات لأنه لو كان الوجه والذات شيئا واحدا لقال (( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)) ولما كان الوجه غير الذات عوملت صفة الوجه غير معاملة الذات فرفعت صفتها بينما كلمة الرب مجرورو
وقد قال تعالى في نفس السورة (( تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام )) فجاءت الصفة مجرورة
و قد احتج أهل السنة بهذه الآية أيضا على إبطال تأويل الوجه بالثواب إذ لا يقال عن الثواب أنه ذو جلال وإكرام
ومما احتج به أهل السنة على إبطال تأويل الوجه بالذات أو بالثواب حديث ابن عمرو (( كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم)) رواه أبو داود 466 بسند قوي
ففرق بين الإستعاذة بالذات والإستعاذة بالوجه هذا من جهة
ومن جهة أخرى الإستعاذة بالمخلوق لا تجوز والثواب مخلوق
ومن الأحاديث التي تدل على إثبات هذه الصفة ما رواه مسلم من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن))
وهذا الحديث يدل على بطلان تأويل الوجه بالثواب
وقد تأول بعض المبتدعة الوجه بالجاه وهذا باطل لأن الجاه يأتي منه الوجاهة وليس الوجه والأحاديث السابقة تدل على بطلان هذا التأويل
ومما يدل على بطلان هذا التأويل ما رواه مسلم 296 من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (( إن الله تعالى لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام. يخفض القسط ويرفعه. يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل. حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)) ولا يقال في اللغة سبحات جاهه !!!!وهذا الحديث يبطل جميع التأويلات
وقد أثبت السلف صفة الوجه لرب العالمين
قال ابن جرير الطبري في تفسيره 13667 حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} بلغنا أن المؤمنين لما دخلوا الجنة ناداهم مناد: إن الله وعدكم الحسنى وهي الجنة! وأما الزيادة: فالنظر إلى وجه الرحمن.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله
قلت السند الأول يقوي الثاني
واحتج السقاف بقوله تعالى (( كل شيء هالك إلا وجهه )) على تأويل الوجه بالذات باعتبار أننا لو حملنا الآية على حقيقتها للزم المجسمة (الموحدون) إثبات الفناء لبقية الصفات.
قلت : وهذا إلزام ساقط ذكر الوجه في الآية من باب إطلاق الخاص وإرادة العام ؛ كقوله تعالى (( اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ))
فهل معنى هذا أن أخوة يوسف لا يريدون إلا وجه يعقوب صلى الله عليه وسلم ؟!! أو أن يعقوب صلى الله عليه وسلم لا وجه له ؟!!
أول السقاف الاستواء في قوله تعالى ((الرحمن على العرش استوى )) بالاستيلاء والقهر حيث قال ص54 ((ومعنى الاستواء هنا القهر لا علو الاجسام والارتفاع لقوله تعالى (وهو القاهر فوق عباده) ))
قلت وهذا التأويل باطل من وجوه
الأول أنه بدعة مخالف لما كان عليه السلف قال اللالكائي في السنة 662 قال أخبرنا أحمد حدثنا عبد الله حدثنا ابن شيرويه ثنا إسحاق [ابن راهويه] حدثنا بشر بن عمر قال: «سمعت غير واحد من المفسرين يقولون "الرحمن على العرش استوى" ؛ على العرش ارتفع»
قلت إسناده صحيح
وفي هذ الرد على من زعم أن السلف كانوا مفوضة ، والاستيلاء يستلزم المغالبة
كما قال ابن الأعرابي أحد علماء اللغة أتاه رجل فقال له: ما معنى قول الله عز وجل {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}؟ فقال: "هو كما أخبر عز وجل"، فقال: يا أبا عبد الله ليس هذا معناه، إنما معناه استولى، قال: "اسكت ما أنت وهذا، لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاداً فإذا غلب أحدهما قيل استولى، أما سمعت النابغة:
إلا لمثلك أو من أنت سابقة *** سبق الجواد إذا استولى على الأمد ))
رواه اللالكائي( 666 ) في السنة وإسناده صحيح ونقله عنه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (1/119)
و قدحاول السقاف أن يرد هذا محتجاً بقوله تعالى ((وهو القاهر فوق عباده)) وهذ مغالطة مكشوفة فالاستيلاء شيء والقهر شيء آخر فالاستيلاء لا يوجد الا بعد ان لم يكن كما شهد بذلك ابن الأعرابي بخلاف القهر الذي هو صفة لازمة لله عزوجل ثم ان الاستواء مخصوص بالعرش والقهر متعدي الى جميع المخلوقات وهذا أيضاً يقال في الغلبة الموجودة في قوله تعالى (( والله غالب على أمره )) وهي غير المغالبة ولكن السقاف غارق في العجمة من أعلى عمامته المزركشة الى أخمص قدميه فهو لا يفرق بين الغلبة والمغالبة
فالمغالبة تقع بين اثنين قد وقع بينهما جنس المكافأة كمثل القتل والمقاتلة فيقال (( قتلت ذبابة )) ولا يقال (( قاتلت ذبابة ))
ومن الفروق الجوهرية بين الغلبة أو القهر والاستيلاء أن فعل الاستيلاء يتعدى بعلى وعادة ما يكون على شيء له قيمة سواء كان مادياً أو معنوياً بخلاف فعل الغلبة فانه لا يتعدى إلا إلى المفعول
ثم إن القهر والغلبة صفتان ذاتيتان لا تنفكان عن الله عز وجل بخلاف الإستواء فإنه صفة فعلية وهذا يظهر من قوله تعالى (( ثم استوى على العرش )) فالفعل وقع بعد إن لم يكن واقعاً
واحتج السقاف في ص55 بقوله تعالى (( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار )) ملزماً السلفيين بأن يقولوا في الملك ما قالوا في الاستيلاء
وجواب هذا أن يقال معنى الآية انتفاء الملك المقيد عن المخلوقات يوم القيامة فلا ملك ولا محاسب إلا الله وهذا غير متحقق الا في يوم القيامة وهذا يبطل الالزام
ومن مبطلات تأويل الاستواء بالاستيلاء أن لفظ الاستواء تكرر سبع مرات في الكتاب وفي مواطن عديدة في السنة وتكرار اللفظ على ماهو عليه دليل على إرادة المتكلم للمعنى الأقرب الى ذهن السامع وهو العلو وقد اعترف علماء الأشعرية أن نصوص الصفات موهمة _ زعموا _ للأثبات الذي يسمونه تشبيها حتى قال قائلهم
وكل نص اوهم التشبيها *** فأوله أو فوضه ورم تنزيها
ونقول لهم أيضا كما أثبتم لله استيلاء لا كاستيلاء المخلوقات ولم تكونوا مشبهة باثباتكم هذا مع اتفاق اللفظ فنحن ايضا نثبت لله استواء ومجيئا ونزولاً لا كاستواء ومجيء ونزول المخلوقات مع اتفاق اللفظ ولا نكون مشبهة
ومن مبطلات تأويل الاستواء بالاستيلاء أن الاستواء مخصوص بالعرش فلا يوجد في أدلة الكتاب والسنة أنه سبحانه وتعالى مستو على الأرض مثلاً ، واذا خص الاستواء بالعرش وكان وجود العرش حقيقيا فلا معنى له إلا العلو لأن العرش عادة ما يكون عالياً وتقول العرب عرشت اللحم أي رفعته ومن أول العرش بالملك فقد أبعد النجعة لقوله تعالى (( وكان عرشه على الماء )) ويستحيل أن يكون معناه وكان ملكه على الماء !!
وقوله تعالى ((وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ)) ويستحيل أن يكون معناه ويحمل ملك ربك !!!!
النص الثاني
وتأول السقاف قوله تعالى (( أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ
تَمُورُ )) على المكانة حيث قال في ص57((. فيكون معنى الاية ءأمنتم من العظيم الجليل صاحب الرفعة والربوبية والبطش أن يخسف بكم الارض (وتقدم استعمال العرب للفظ السماء على العلو المعنوي لا الحسي) . أو يكون المراد بقوله تعالى : * (من في السماء) * سيدنا جبريل أو أي ملك يرسله الله ليخسف أي قرية أو أي موضع من الارض ، كما أرسل الملك الذي خسف الارض بقوم سيدنا لوط عليه السلام ، والملائكة مسكنها السماء ))
قلت وهذا مردود لأنه هروب من تشبيه المكان الى تشبيه المكانة كما تقدم ثم إن العرب اذا قالت فلان في السماء نعرف من واقع الممدوح أن المادح يقصد المكانة لأن هذا الممدوح معنا في الأرض وهذه القرينة لا تنطبق على رب العالمين فتنبه
ثم إن هذا مخالف لتفسير السلف كما قدمنا
وأما تأويله بجبريل فضعيف لأن الله عز وجل إنما يحذرنا نفسه قال تعالى (( ويحذركم الله نفسه ))
ولم تأت لفظة (( أمنتم )) في سياق تحذير في القرآن إلا والمقصود بها رب العالمين
قال تعالى ((أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً ))
ثم إذا كان جبريل _ عليه السلام _ قد خسف الأرض بقوم لوط فهل هو من يرسل الحاصب على أيضاً ؟
النص الثالث
تأول السقاف نصوص تنزيل القرآن بأن المقصود بها تنزل الملائكة حيث قال في ص 57_ 58 ((، وأما الايات التي فيها ذكر النزول كقوله تعالى : * (نزل به الروح الامين) * الشعراء : 192 وقوله تعالى : * (إنا أنزلناه في ليلة القدر) * فلا دلالة فيها لما تريده المجسمة البتة ، وانما فيه أن الملائكة تنزل من السماء مسكنهم الاصلي إلى الارض ، وأن القرآن نقله سيدنا جبريل عليه السلام من السماء أو من اللوح المحفوظ الذي هو فوق السماء السابعة إلى الارض بأمر الله تعالى . وكل ما أنعم الله به علينا من نعم ورزق أمدنا به يقال : أتانا من عند الله أو أنزله الله تعالى إلينا ، ومنه قوله تعالى : * (وأنزلنا الحديد) * مع أن الحديد يستخرج من باطن الارض ، ويقال : نزل الامر بهم ، ومنه قوله تعالى : * (فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين) ومنه قوله تعالى : (وأنزل لكم من الانعام ثمانية أزواج) الزمر 6 ، وهذه الانعام لم تمطر السماء بها قط ))
قلت جواب هذا من وجوه
أولها أن تأويله لنزول القرآن بنزول جبريل ينقضه قوله تعالى (( تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ))
ولم يقل من اللوح المحفوظ
الثاني قوله تعالى (( وأنزلنا الحديد )) ليس فيه ذكر المنزل منه فلم يقل (( وأنزلنا الحديد من السماء )) مثلاً
علماً بأنه قد روي أن الحديد قد نزل مع آدم
قال ابن جرير 26075- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن علباء بن أحمر، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: ثلاثة أشياء نزلت مع آدم صلوات الله عليه: السندان والكلبتان، والميقعة، والمطرقة
قلت والثلاثة المذكورة من أدوات الحدادين وإسناد هذا الخبر ضعيف فيه محمد بن الرازي
وعليه يكون ظاهر الآية سالماً من التأويل
ومن أهل العلم من ذهب إلى أن الحديد منزل من الجبال وهذا لا يمتنع
الوجه الثالث وقوله تعالى (( وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج )) الإنزال فيه حقيقي
قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (6/11) (( فإنه ينزل الماء من أصلاب الذكور إلى بطون الإناث ثم ينزل الأجنة من يطون الإناث إلى الأرض فأنزل منها ثمانية أزواج
ومن المشهور في اللغة أنه يقال عن ابن آدم : أنزل الماء ))
قلت وليس في الآية أن الأزواج الثمانية نزلت من السماء فالسقاف يظن أن كل منزل لابد وأن يكون منزلاً من السماء وهذا من جهله باللغة
النص الرابع
وتأول السقاف قوله تعالى (( إليه يصعد الكلم الطيب )) على أنه كناية عن القبول حيث قال قال ص55 ((قوله تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) . ومعنى الاية أن هذا كناية عن القبول والرضى ))
وهذا باطل اذ لو كان هذا المعنى لقال عنده يصعد الكلم الطيب لا إليه فنحن نقول هذا عمل مقبول عند رب العالمين ولا نقول مقبول إلى رب العالمين !!!
النص الخامس
زعم السقاف في ص60_63 أن ليس في قصة الاسراء والمعراج وتكلم في ذلك كلاماً طويلاً لا حاجة لنا في ذكره غير أن أقام الحجة على نفسه بنفسه
حيث قال في ص62((وفي صحيح مسلم (1 / 161) عن أبي ذر قال : سألت رسول الله (ص) هل رأيت ربك ، قال : " نور أنى أراه " . وفي البخاري (8 / 606) ومسلم (1 / 159) عن مسروق قال : قلت لعائشة رضي الله عنها : يا أمتاه هل رأى محمد (ص) ربه ؟ فقالمت : لقد قف شعري مما قلت ! ! أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب : من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب . ثم قرأت * (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير) * . * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب))
ومن هنا تأتي حجتنا فلم يسأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم (( هل رأيت ربك )) بعدما علموا أنه عرج به إلى السماء ؟
الجواب : أنهم يعتقدون أن الله في السماء فلما علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج به إلى السماء فكروا في احتمال رؤيته لربه فتأمل
ثم ذكر في ص62 حديث (( لا تفضلوني على يونس بن متى )) ثم أوله تأويلاً بعيداً زاعماً أن معناه لم أكن أقرب الى الله من يونس بن متى في بطن الحوت!!!!
قال السقاف في ص62_63 ((قال المحدث الزبيدي " في اتحاف السادة المتقين " (2 / 105) : ذكر الامام قاضي القضاة ناصر الدين بن المنير الاسكندري المالكي في كتابه " المنتقى في شرف المصطفى " لما تكلم على الجهة وقرر نفيها ، قال : ولهذا أشار الامام مالك رحمه الله تعالى في قوله (ص) " لا تفضلوني على يونس بن متى " فقال مالك إنما خص يونس بالتنبيه على التنزيه لانه (ص) رفع إلى العرش ويونس عليه السلام هبط إلى قاموس البحر ونسبتهما مع ذلك من حيث الجهة إلى الحق جل جلاله نسبة واحدة ، ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه السلام أقرب من يونس بن متى وأفضل ولما نهى عن ذلك ))
قلت هذا كذبٌ على الإمام مالك لم ينقله هذا المبتدع بسندٍ متصل إلى الإمام
وأما التأويل فالرد على هذا التأويل أن الحديث عام وتخصيصه بهذا الأمر تحكم مكشوف والمعنى الصحيح أن منع التفضيل من حيث النبوة والرسالة قال تعالى (( لا نفرق بين أحد من رسله )) ويدخل في ذلك غير الأنبياء من باب أولى
النص السادس
وزعم السقاف أن قوله تعالى (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) سيق مساق الإنكار على اليهود الذين يعتقدون إمكان ذلك
حيث قال في ص81((فيقول الله موبخا لهم : هل تتخيلون أن يأتيكم الله في غمامة أو سحابة هو والملائكة حتى تؤمنوا ؟ ! أي على تصوركم الفاسد أيها المشبهة المجسمة ! ! وهم الذين يقولون بأن الله تعالى لما فرغ من خلق السموات والارض تعب فأراد أن يستريح فاستلقى على العرش ! ! فابن تيمية يريد أن يعتمد عقيدتهم تلك التي وبخهم عليها رب العزة وذمهم باعتقادها ! ! ))
قلت هذا التأويل بطل لأن قوله تعالى (( هل ينظرون )) لم يأت في القرآن إلا والذي بعده أمر سيتحقق كقوله تعالى (( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ )) وقوله (( هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )) وهو صريح جداً وهذا ما فهمه السلف
قال ابن أبي حاتم الرازي في تفسيره برقم 1995 حدثنا أبو زرعة عن ثقة) حدثنا الحسن بن عون البصري حدثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة في قوله تعالى (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) وذلك يوم القيامة
وفي هذا الأثر إثبات أن السلف كانوا مثبتة ولم يكونوا مفوضة ولم يؤخذ على قتادة إلا القول بالقدر
وروى أيضا برقم 1997 عن حجاج بن حمزة ثنا شبابة ثناورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (( قوله (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) كان يقول هو غير السحاب ولم يكن لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا وهو الذي يأتي الله فيه الله يوم القيامة
وقد احتج السقاف براويةورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لإثبات التأويل عن مجاهد في مقدمة تحقيقه لدفع الشبه وقال ابن جرير في تفسيره برقم 3672 من طريق محمد بن عمرو ثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح فذكره
وروى أيضا برقم 1998 عن أبيه ثنا محمد بن الوزير الدمشقي ثنا الوليد ( هو بن مسلم وهو ثقة ) سألت زهير بن محمد عن قول الله (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) قال ظلل من الغمام منظوم بالياقوت مكلل بالجواهر والزبرجد ))
وقلت وهذا سندٌ صحيح وهذا الأثر برهان آخر على كذب من زعم أن السلف كانوا مفوضة
النص السابع
وقد ذكر السقاف في ص 98 مجموعة من الأسئلة الإلحادية الساقطة لإبطال احتجاج أهل السنة بالمشيئة على الصفات الفعلية
ومن أمثلة هذه الأسئلة الساقطة (( هل يستطيع الله أن يفني نفسه ؟)) نعوذ بالله من الضلال
ومن أظلم الظلم ما وقع من حسن السقاف من قياس هذه الأسئلة الساقطة على إثبات أهل السنة للصفات الواردة في النصوص الصحيحة الصريحة وهذا القياس فاسد من وجوه اذكر منها إثنين
الأول
أن هذه الأسئلة تتعارض مع الصفات الثابتة لله عز وجل فالسؤال الذي ذكرته آنفاً ( مكرهاً) يتعارض مع صفة البقاء لله عز وجل والسؤال الذي فيه الإستفسار عن إمكانية وجود إله آخر يتعارض مع صفة الأحدية لله عز وجل والسؤال الذي فيه الإستفسار عن إمكانية وجود صخرة لا يمكن لله عز وجل حملها ( تعالى الله عما يقوله الجاحدون علواً كبيراً ) يتنافى مع صفة القدرة لله عز وجل
وأما السقاف فقد رأى في تعطيل الصفات الفعلية جواباً على هذه الهرطقات
الثاني
أن الصفات التي يثبتها السلفيون قد جاءت بها الأدلة الصحيحة الصريحة بخلاف تلك الترهات الإلحادية المتعارضة مع النصوص
والقدرة لا تتعلق بالممتنعات لأنها ليست بشيء وهذه الإيرادات التي أوردها السقاف كلها ممتنعات كقول من يقول (( أريد بحراً من الماء لا ماء فيه )) فهذا ينقض أوله آخره فهو ممتنع
وأما المستحيلات كمثل معجزات الأنبياء وأن يخلق الله فيلاً بأجنحة مثلاً
كلها تتعلق بها القدرة
لذا فقوله تعالى (( وهو على كل شيءٍ قدير )) عام لا استثناء فيه
وقد تأول السقاف في ص111 هذه الآية بقوله ((إن الله على كل مخلوق قدير))
ويريد بذلك أن الله عز وجل ليس بقادرٍ على نفسه وبالتالي ينفي الصفات الفعلية المتعلقة بالمشيئة لذا أورد تلك الأسئلة الإلحادية زاعماً أن جوابه خير جواب
ويكفي لنقض هذا الهراء قوله تعالى في الحديث القدسي (( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً )) رواه مسلم( 2577)
فتحريمه الظلم على نفسه دليل على أنه قادر على نفسه وهذا الفعل غير متعدي
واعلم أن أفعال الله عز وجل متعدية كالخلق والرزق والإماته ومعنى متعدية أي أنها تقع على مفعول وهي داخلة في المشيئة وبالتالي داخلة في القدرة
وغير متعدية كالمجيء والنزول وهي كسابقتها ومن تناقضات ثلة من المعطلة أنهم لا يدخلون هذا النوع في القدرة مع إدخالهم للنوع الأول حتى قال قائلهم أن الله على نفسه ليس بقادر
مع العلم أن الأفعال المتعدية ناتجة عن قدرة الله عز وجل على نفسه بإدخالها في القدرة يدخل النوع الثاني
قال تعالى في وصف نفسه (( فعال لما يريد )) وهذا عام في المتعدي وغير المتعدي
النص الثامن
احتج السقاف في ص91 بقوله تعالى(( وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) على تأويل صفة الوجه
قلت وهذا مردود منقوض لأن إضافة الوجه للجمادات والظروف غير إضافته للأحياء والوجه في لغة العرب لا يضاف إلى حي موجود وإلا وكان المقصود به الوجه الحقيقي
وقد دلت العديد من الآيات والأحاديث على إثبات صفة الوجه لرب العالمين
قال تعالى (( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )) وقد احتج أهل السنة بهذه الآية على إبطال تأويل الوجه بالذات لأنه لو كان الوجه والذات شيئا واحدا لقال (( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)) ولما كان الوجه غير الذات عوملت صفة الوجه غير معاملة الذات فرفعت صفتها بينما كلمة الرب مجرورو
وقد قال تعالى في نفس السورة (( تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام )) فجاءت الصفة مجرورة
و قد احتج أهل السنة بهذه الآية أيضا على إبطال تأويل الوجه بالثواب إذ لا يقال عن الثواب أنه ذو جلال وإكرام
ومما احتج به أهل السنة على إبطال تأويل الوجه بالذات أو بالثواب حديث ابن عمرو (( كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم)) رواه أبو داود 466 بسند قوي
ففرق بين الإستعاذة بالذات والإستعاذة بالوجه هذا من جهة
ومن جهة أخرى الإستعاذة بالمخلوق لا تجوز والثواب مخلوق
ومن الأحاديث التي تدل على إثبات هذه الصفة ما رواه مسلم من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن))
وهذا الحديث يدل على بطلان تأويل الوجه بالثواب
وقد تأول بعض المبتدعة الوجه بالجاه وهذا باطل لأن الجاه يأتي منه الوجاهة وليس الوجه والأحاديث السابقة تدل على بطلان هذا التأويل
ومما يدل على بطلان هذا التأويل ما رواه مسلم 296 من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (( إن الله تعالى لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام. يخفض القسط ويرفعه. يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل. حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)) ولا يقال في اللغة سبحات جاهه !!!!وهذا الحديث يبطل جميع التأويلات
وقد أثبت السلف صفة الوجه لرب العالمين
قال ابن جرير الطبري في تفسيره 13667 حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} بلغنا أن المؤمنين لما دخلوا الجنة ناداهم مناد: إن الله وعدكم الحسنى وهي الجنة! وأما الزيادة: فالنظر إلى وجه الرحمن.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله
قلت السند الأول يقوي الثاني
واحتج السقاف بقوله تعالى (( كل شيء هالك إلا وجهه )) على تأويل الوجه بالذات باعتبار أننا لو حملنا الآية على حقيقتها للزم المجسمة (الموحدون) إثبات الفناء لبقية الصفات.
قلت : وهذا إلزام ساقط ذكر الوجه في الآية من باب إطلاق الخاص وإرادة العام ؛ كقوله تعالى (( اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ))
فهل معنى هذا أن أخوة يوسف لا يريدون إلا وجه يعقوب صلى الله عليه وسلم ؟!! أو أن يعقوب صلى الله عليه وسلم لا وجه له ؟!!
No comments:
Post a Comment