التتمة الأخيرة لمبحث التفويض
وقال الإمام البخاري في كتابه خلق أفعال العباد :
" ومن الدليل على أن الله يتكلم كيف شاء ... " ا.هـ
فأثبت لتكلم الله كيفية لكنه لم يتعرض لبيان الكيفية لأنه محظور
وقال الإمام الصابوني :
" وقرأت لأبي عبد الله ابن أبي البخاري وكان شيخ بخاري في عصره بلا مدافعة وأبو حفص كان من كبار أصحاب محمد بن الحسن الشيباني قال أبو عبد الله أعني ابن أبي حفص هذا سمعت عبد الله بن عثمان وهو عبدان شيخ مرو يقول سمعت محمد بن الحسن الشيباني يقول قال حماد بن أبي حنيفة قلنا لهؤلاء أرأيتم قول الله عز و جل وجاء ربك والملك صفا صفا قالوا أما الملائكة فيجيئون صفا صفا وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى بذلك ولا ندري كيفية مجيئه فقلت لهم إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه أرأيتم إن أنكر أن الملائكة تجيء صفاً صفاً ماهو عندكم ؟
قالوا: كافر مكذب.
قلت: فكذلك من أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب
راوه أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف وإسناده صحيح
فالكيف ثابت في حقيقة الأمر لكنه مجهول عندنا
وقال الإمام ابن أبي زمنين في كتابه في السنة :
"ومن قول أهل السنة : أن الله عز وجل خلق العرش | واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق ، ثم استوى عليه كيف | شاء ، كما أخبر عن نفسه " ا.هـ
فأثبت للاستواء كيفية وعَزا هذا لأهل السنة .
وقال الإمام زكريا بن يحي الساجي رحمه الله (307هـ)
قال: "القول في السنة التي رأيت عليها أصحابنا أهل الحديث، إن الله تعالى على عرشه، في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء" ا.هـ
فهنا أيضا نقل الساجي إثبات الكيف للقرب نقله عن أهل الحديث
وقال الإمام الأشعري كما نقله ابن عساكر في تبيين كذب المفتري نقلا من الإبانة :
" ونقول أن الله تعالى يجيء يوم القيامة كما قال وجاء ربك والملك صفا صفا وأن الله تعالى يقرب من عباده كيف يشاء كما قال ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وكما قال ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى " ا.هـ
وقال أبو الحسن الأشعري في كتابه المقالات لما ذكر مقالة أهل السنة وأهل الحديث فقال :
( ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه و سلم [ إن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول : هل من مستغفر ؟ ] كما جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } ( النساء : 59 ) ويرون اتباع من سلف من أئمة الدين وأن لا يحدثوا في دينهم ما لم يأذن الله ويقرون بأن الله يجيء يوم القيامة كما قال : { وجاء ربك والملك صفا صفا } ( الفجر : 22 ) وأن الله يقرب من خلقه كيف شاء كما قال : { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } ( ق : 16 )
قال الأشعري : ( وبكل ما ذكرنا من أقوالهم نقول وإليه نذهب )
فأثبت للقرب كيفية
وهذا الإمام الأشعري أيضا قد أثبت لقربه كيفية راجعة لمشيئته لكنا لا نعلمها .
وقال الإمام أبو عثمان الصابوني في رسالته في الاعتقاد :
" قرأت فى رسالة أبى بكر الإسماعيلى الى أهل جيلان :
إن الله ينزل إلى السماء الدنيا على ما صح به الخبر عن النبى ، وقد قال عز وجل : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله فى ظلل من الغمام ) وقال : ( وجاء ربك والملك صفا صفا )
نؤمن بذلك كله على ما جاء بلا كيف ، فلو شاء سبحانه أن يبين كيف ذلك فَعَلَ ، فانتهينا إلى ما أحكمه وكففنا عن الذى يتشابه إذ كنا قد أمرنا به فى قوله : ( هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ، هن أم الكتاب وأخر متشابهات ، فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ، ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله ، والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب ) " ا.هـ
كيف نزل وكيف جاء وكيف يأتي ؟ لو شاء الله لبين كل هذا الكيف الذي هو قائم بهذه الصفات ويعلمه الله وحده
فهؤلاء أئمة الإسلام المتفق عليهم يثبتون أن هناك كيفا لكن الله لم يبينه لنا
وقال الإمام أبو بكر الإسماعيلي في رسالته في الاعتقاد :
" ويعتقدون أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسني وموصوف بصفاته التي سمي ووصف بها نفسه ووصفه بها نبيه صلى الله عليه و سلم خلق آدم بيده ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بلا اعتقاد كيف وأنه عز و جل استوى على العرش بلا كيف فإن الله تعالى انتهى من ذلك إلى أنه استوى على العرش ولم يذكر كيف كان استواؤه " ا.هـ
" بلا اعتقاد كيف " و " بلا كيف " نعلمه ونتعرض له
ثم قرر أن الله تعالى لم يذكر كيف كان استواؤه ، إذًا هو قائم به لكنه لم يذكره .
وسئلأبو علي الحسين بن الفضل البجليعن الاستواء وقيل له :
كيفاستوى على عرشه ؟، فقال:
" أنا لا أعرف من أنباء الغيبإلاَّ مقدار ما كُشف لنا، وقد أعلمنا جلّ ذكره انَّه استوى على عرشه ولم يخبرنا كيفاستوى "
رواه الصابوني في عقيدة السلف ص:40
وظاهر عدم التكييف راجع لعدم العلم به لا لانعدامه
قال الحافظ أبو عمر أحمد بن محمد الطلمنكي :
" أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله {وهو معكم أينما كنتم } ، ونحو ذلك من القرآن أنه علمه وأن الله فوق السماوات بذاته مستو على عرشه كيف شاء " ا.هـ
وقال العلامة أبو أحمد الكرجي ، في عقيدته التي ألفها فكتبها الخليفة القادر بالله ، وجمع الناس عليها وأمر ، وذلك في صدر المائة الخامسة وفي آخر أيام الإمام أبي حامد الإسفرائيني شيخ الشافعية ببغداد ، وأمر بإستتابة من خرج عنها من معتزلي ورافضي وخارجي ، فمما قال في تلك العقيدة :
" كان ربنا عزوجل وحده لا شيء معه ولا مكان يحويه فخلق كل شيء بقدرته وخلق العرش لا لحاجة إليه فاستوى عليه إستواء إستقرار كيف شاء وأراد لا إستقرار راحة " ا.هـ
وقرأت لبعض أهل العلم أنه عد ما في هذا المعتقد إجماعا
وقال الإمام معمر بن زياد الأصبهاني :
" وأن الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل والإستواء معقول والكيف مجهول وأنه بائن من خلقه والخلق بائنون منه فلا حلول ولا ممازجة ولا ملاصقة وأنه سميع بصير عليم خبير يتكلم ويرضى ويسخط ويعجب ويضحك ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكا وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا بلا كيف ولا تأويل كيف شاء فمن أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال " ا.هـ
فأثبت للنزول وللاستواء كيفا لكنه مجهول لدينا .
وتأمل نفيه للكيف في الأول ثم إثباته للكيف فهو يبين لك ما أردت إيصاله إليك
ـ " بلا كيف " أي نعلمه أو نتعرض له
ـ و " كيف شاء " مما هو عليه تعالى ويعلمه
وقال الإمام عبدالباقي المواهبي الحنبلي في كتابه العين والأثر :
" والكلام حقيقة الأصوات والحروف وإن سمي به المعنى النفسي وهو نسبة بين مفردين قائمة بالمتكلم فمجاز
... فلم يزل الله متكلما كيف شاء إذا شاء بلا كيف "
وقال العلامة الملطي الشافعي في كتابه التنبيه والرد :
" ومما يدل على أن الله تبارك وتعالى ينزل كيف يشاء إذا شاء صعوده إلى السماء واستواؤه على العرش " ا.هـ
قال الشوكاني :
" ولم يحط بفائدة هذه الآية ويقف عندها ويقتطف من ثمراتها إلا الممرون الصفات على ظاهرها المريحون أنفسهم من التكلفات والتعسفات والتأويلات والتحريفات وهم السلف الصالح كما عرفت فهم الذين اعترفوا بالإحاطة وأوقفوا أنفسهم حيث أوقفها الله وقالوا الله أعلم بكيفية ذاته وما هية صفاته " ا.هـ
فيه إثبات الكيف مع تفويض العلم بهذا الكيف
ومما اشتهر وكان كلمة اتفاق قول العلماء عن كثير من الصفات : " والكيف مجهول "
ولو كان الكيف عدما لما كان مناسبا وصفه في هذا المقام الدقيق بما يفهم منه أنه ليس بعدم بل موجود لكنه مجهول لدينا فقط
كل هذه الأقوال وغيرها دالة على المراد من أن لصفات الله كيفيات ما لكن لا نعلمها فلذلك لانكيفها ولا ننفيها
وهذا شيء ينبغي أن يكون مسلّما ولا يحتاج منا إلى كل هذه النقول فالصفات باعتبارها صفات قائمة حقيقية فلا بد أن يكون لها كنه وحقيقة ولا يمكن أن يكون هناك كنه وحقيقة دون كيفية فما لا كيفية له فليس له كنه ولا حقيقة ، وما كان كذلك فليس بشيء وليس بموجود
وبهذا نكون قد دللنا على الفقرة (أ) و (ب) بكلام السلف وغيرهم من أهل السنة كما وعدنا
وبقيت الفقرة الثالثة (ج) وهي في التفريق بين إثبات المعنى الظاهر وبين التكييف ، فقد سبق أن صفة السمع والبصر ثابتتان بمعناهما المعروف و مع اعتقادنا لمعناهما لا نكيفهما
وهذا الموقف منا في صفة السمع والبصر ونحوهما لم يستشكله المخالفون لنا من أهل التعطيل وقبلوا تفريقنا بين إثبات المعنى ونفي التكييف
لكنهم أو كثير منهم نصبوا لنا الإشكال في هذا التفريق عند إثباتنا للصفات الخبرية كاليدين والنزول ونحوهما وهذا منهم تناقض يكشف ما لديهم من خلط في هذه المسائل
فإليك تطبيقات العلماء وأقوالهم لتنكشف لك الرؤية أكثر
قال الإمام أبو الحسن الأشعري :
" وأن له عينين بلا كيف "
ذكر هذا في كتابه مقالات الإسلاميين وفي الإبانة
وتثنية العينين لم تثبت في لفظ فهذا دليل على إثباته المعنى وأنه عنده غير الكيف
قال الإمام ابن خزيمة :
" باب أخبار ثابتة السند صحيحة القوام
رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب من غير أن نصف الكيفية لأن نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفيه نزول خالقنا إلى سماء الدنيا وأعلمنا أنه ينزل. والله جل وعلا لم يترك ولا نبيه بيان ما بالمسلمين الحاجة إليه من أمر دينهم.
فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الاخبار من ذكر النزول غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفيه النزول.
وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح أن الله جل وعلا فوق سماء الدنيا الذي أخبرنا نبينا أنه ينزل إليه إذ محال في لغة العرب أن يقول نزل من أسفل إلى أعلى ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلى إلى أسفل " ا.هـ
فأثبت معنى النزول وفرق بينه وبين الكيفية ففوض هذا الكيف .
قال العلامة أبو بكر بن موهب المالكي :
" قال الشيخ أبو محمد : إنه فوق عرشه المجيد بذاته، ثم بيّن أن علوه على عرشه إِنما هو بذاته لأنه بائن عن جميع خلقه بلا كيف " ا.هـ
وكذا الإمام أبو نصر السجزى فقد قال في رسالته المشهورة إلى أهل زبيد :
" واعتقاد أهل الحق أن الله سبحانه فوق العرش بذاته من غير مماسة وأن الكرامية ومن تابعهم على قول المماسة ضلال ، وقد أقر الأشعري بحديث النزول ثم قال : [ النزول فعل له يحدثه في السماء ] وقال بعض أصحابه [ المراد به نزول أمره ] ونزول الأمر عندهم لا يصح وعند أهل الحق الذات بلا كيفية
…وعند أهل الحق أن الله سبحانه مباين لخلقه بذاته فوق العرش بلا كيفية بحيث لا مكان وقد أثبت الذي في موطأ مالك بن أنس رحمه الله وفي غيره من كتب العلماء : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للجارية التي أراد عتقها من عليه رقبة مؤمنة : ( أين الله ؟ قالت : في السماء فقال : من أنا ؟ قالت : رسول الله ، قال : اعتقها فإنها مؤمنة " ا.هـ
فأثبت فوقية الذات ونزول الذات وهذا إثبات للمعنى ، ونفى في نفس الوقت الكيف .
فإثبات المعنى غير التكييف
وقال الإمام الزنجاني :
" ولكنه مستو بذاته على عرشه بلا كيف كما أخبر عن نفسه " ا.هـ
هنا أيضا إثبات المعنى ونفي الكيف
الشهرزوري
فصل
من صفاته تبارك وتعالى
فوقيته واستواؤه على عرشه بذاته، كما وصف نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله لله صلى الله عليه وسلم بلا كيف.
فانظر إلى إثبات معنى الاستواء وأنه استواء الذات وفي نفس الوقت نفي الكيف أي نفي التعرض له والعلم به
ويقولالإمام أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجيفي قصيدته فيالسنة:
وأن استواء الرب يعقل كونه ويجهل فيهالكيف جهل الشهارب
وقد سبق أنه نقل قصيدته الإمام ابن الصلاح ونقلها من خط ابن الصلاح غير واحد منهم الإمام الذهبي .
ومن تطبيقات العلماء للأخذ بمعاني النصوص والتفريق بينها وبين الكيف قول الإمام عبد القادر الجيلاني :
" وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش، ثم. قال:
وكونه عز وجل على العرش مذكور في كل كتاب انزل على كل نبي أرسل بلا كيف ، فالاستواء من صفات الذات بعد ما أخبرنا به وأكده في سبع آيات من كتابه والسنة الماثورة به ، وهو صفة لازمة له ولائقة به كاليد والوجه والعين والسمع والبصر والحياة والقدرة ، وكونه خالقاً ورازقاً ومحيياً ومميتاً ، موصوف بها ، ولا نخرج من الكتاب والسنة ، نقرأ الآية والخبر ونؤمن بما فيهما ، ونكل الكيفية في الصفات إلى علم الله عز وجل " ا.هـ
فتأمل إثبات كيفيات موكول علمها إلى الله وقبلها أثبت معنى الاستواء والفوقية ونفى الكيف .
وقال شمس الأئمة أبو العباس السرخسي الحنفي : ( وأهل السنة والجماعة ، أثبتوا ماهو الأصل ، معلوم المعنى بالنص _أي بالآيات القطعية والدلالات اليقينية وتوقفوا فيما هو متشابه وهو الكيفية ، ولم يجوزوا الاشتغال في طلب ذلك)
(شرح الفقه الأكبر لملا علي القاري ص 93)
فالمعنى شيء مثبت أما الكيف فهو شيء آخر مفوض .
قال الإمام أحمد بن إبراهيم الواسطي ت 711 هـ :
" فكذلك نقول نحن حياته معلومة وليست مكيفة وعلمه معلوم وليس مكيفا وكذلك سمعه وبصره معلومان وليس جميع ذلك أعراضا بل هو كما يليق به ومثل ذلك بعينه فوقيته واستواؤه ونزوله ففوقيته معلومة أعني ثابتة كثبوت حقيقة السمع وحقيقة البصر فإنهما معلومان ولا يكيفان كذلك فوقيته معلومة ثابتة غير مكيفة كما يليق به واستواؤه على عرشه معلوم ثابت كثبوت السمع والبصر غير مكيف " ا.هـ
وقال الإمام المفسر القرطبي :
" وَقَدْ كَانَ السَّلَف الْأَوَّل رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ لَا يَقُولُونَ بِنَفْيِ الْجِهَة وَلَا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ , بَلْ نَطَقُوا هُمْ وَالْكَافَّة بِإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا نَطَقَ كِتَابه وَأَخْبَرَتْ رُسُله . وَلَمْ يُنْكِر أَحَد مِنْ السَّلَف الصَّالِح أَنَّهُ اِسْتَوَى عَلَى عَرْشه حَقِيقَة . وَخُصَّ الْعَرْش بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْظَم مَخْلُوقَاته , وَإِنَّمَا جَهِلُوا كَيْفِيَّة الِاسْتِوَاء فَإِنَّهُ لَا تُعْلَم حَقِيقَته . قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : الِاسْتِوَاء مَعْلُوم - يَعْنِي فِي اللُّغَة - وَالْكَيْفَ مَجْهُول , وَالسُّؤَال عَنْ هَذَا بِدْعَة . وَكَذَا قَالَتْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا.
فأثبت المعنى بالصريح ونسبه للسلف وللإمام مالك وفرق بينه وبين الكيف وجعله مجهولا مفوضا وهذا اعتراف هام وما أصرحه :
" الِاسْتِوَاء مَعْلُوم - يَعْنِي فِي اللُّغَة - وَالْكَيْفَ مَجْهُول "
فهناك فرق بينهما
وفيه دلالة على أن الكيف غير منفي في علم الله
وقال الملاَّ علىُّ القاري بعد ذكره قول الإمام مالك:
"الاستواء معلوم والكيف مجهول…" قال :
" اختاره إمامنا الأعظم - أي أبو حنيفة - وكذا كل ما ورد من الآيات والأحاديث المتشابهات من ذكر اليد والعين والوجه ونحوها من الصفات. فمعاني الصفات كلها معلومة وأما كيفيتها فغير معقولة؛ إذْ تَعقُّل الكيف فرع العلم لكيفية الذات وكنهها. فإذا كان ذلك غير معلوم؛ فكيف يعقل لهم كيفية الصفات " ا.هـ
تأمل أخي الكريم كلامه : المعاني معلومة وأما كيفيتها فغير معقولة
وقال العلامة محمد أنور الكشميري في العرف الشذي :
" واعلم أن المشابهات مثل نُزول الله إلى السماء الدنيا ، واستواءه على العرش ، فرأى السلف فيها الإيمان على ظاهره ما ورد إمهاله على ظاهره بلا تأويل وتكييف ، ويفوض أمر الكيفية إلى الله تعالى " ا.هـ
فالمعنى الظاهر عند السلف شيء وهو مثبت ، والتكييف شيء آخر وهو مفوض ، وهذا يقوله الكشميري معترفا لأنه أشعري ماتريدي
وقال الكشميري :
" ودل ماروينا على رغم أنف من قال بأن أبا حنيفة جهمي عياذاً بالله ، فإن أبا حنيفة قائل بما قال السلف الصالحون ، فالحاصل أن نزول الباري إلى سماء الدنيا نزول حقيقة يحمل على ظاهره ويفوض تفصيله وتكييفه إلى الباري عز برهانه ، وهو مذهب الأئمة الأربعة والسلف الصالحين " ا.هـ
تأمل فالتكييف عنده هو تفصيل المعنى
وفيه أن إثبات النزول على حقيقته كما هو ظاهر معناه شيء والتكييف شيء آخر ومع هذا فالكيف يعلمه الله وليس هو بعدم
ـــ ماذا نسمي هذا الذي نقله هذا العالم الأشعري الماتريدي معترفا وعزاه للسلف بما فيهم الأئمة الأربعة ؟
هل هو تأويل ؟ أم تفويض ؟ وإن لم يكن ، فما هو وماذا نسميه ؟!
وهابية أم تيمية وعليه فالأئمة الأربعة وهابيون تيميون !!
ماذا يريد المخالف أكثر من هذه الاعترافات !!
وقال الإمام الذهبي معقبا على أثر مالك في الاستواء :
" وهو قول أهل السنة قاطبة ، أن كيفيةالاستواءلا نعقلها بل نجهلها ، وأن استواءه معلوم ، كما أخبر فيكتابه ، وأنه كما يليق به ، لا نتعمق ولا نتحذلق ، لا نخوض في لوازم ذلك نفياً ولاإثباتاً ، بل نسكت ونقف ، كما وقف السلف " ا.هـ
فالكيفية تجهل لا تنفى مع أن المعنى معلوم ، فالمعنى غير الكيف.
وعلّق الإمام الذهبيُّ على أثر الإمام أبي جعفر الترمذي في إثباته النزول بقوله :
" صدق فقيهُ بغداد وعالمُها في زمانه ؛ إذ السؤال عن النزول ما هو؟ عيٌّ؛ لأنَّه إنما يكون السؤال عن كلمة غريبة في اللغة، وإلاّ فالنزول والكلام والسمع والبصر والعلم والاستواء عباراتٌ جليّةٌ واضحةٌ للسامع، فإذا اتّصف بها من ليس كمثله شيء، فالصفة تابعةٌ للموصوف، وكيفية ذلك مجهولة عند البشر، وكان هذا الترمذي من بحور العلم ومن العباد الورعين " ا.هـ
ففرق بين المعنى المثبت وبين الكيف المجهول عندنا نحن البشر لا عند الله صاحب هذه الصفات
وقال الإمام الشوكاني :
" ومن جملة الصفات التي أمرها السلف على ظاهرها وأجروها على ما جاء به القرآن والسنة من دون تكلف ولا تأويل صفة الاستواء التي ذكرها السائل ، يقولون : نحن نثبت ما أثبته الله لنفسه من استوائه على عرشه على هيئة لا يعلمها إلا هو وكيفية لا يدري بها سواه ، ولا نكلف أنفسنا غير هذا فليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ، ولا تحيط عباده به علما ، وهكذا يقولون في مسألة الجهة التي ذكرها السائل وأشار إلى بعض ما فيه دليل عليها والأدلة في ذلك طويلة كثيرة في الكتاب والسنة وقد جمع أهل العلم منها لا سيما أهل الحديث مباحث طولوها بذكر آيات قرآنية وأحاديث صحيحة .
وقد وقفت من ذلك على مؤلف بسيط في مجلد جمعه مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي رحمه الله ، استوفى فيه كل ما فيه دلالة على الجهة من كتاب أو سنة أو قول صاحب مذهب والمسألة أوضح من أن تلتبس على عارف وأبين من أن يحتاج فيها إلى التطويل " ا.هـ
فأثبت بالصريح معنى الاستواء وفوض كيفيته مثبتا أنها معلومة عند الله
وهذا تفريق منه صريح بين المعنى والكيف .
إذا علمت كل ما تقدم تبين لك أن الخلط وعدم التفريق بين إثبات أصل الكيف وبين تفويض العلم بكنهه وحقيقته هو الذي ورط المخالفين وأوقعهم في الاضطراب والخلط في التعامل مع نصوص السلف
وسبق أن ذكرت المعطلين لصفات الله من المؤولة والمفوضة بأنهم يوافقوننا في نفي التكييف نظريا ولفظيا بينما هم يكيفون الصفات تحت مسمى التنزيه
عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : كنت أنا وأبي عابرين في المسجد ، فسمع قاصاً يقص بحديث النزول ، فقال : إذا كان ليلة النصف من شعبان ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا ، بلا زوال ولا انتقال ولا تغير حال . فارتعد أبي ـ رحمه الله ـ ، واصفر لونه ، ولزم يدي ، وأمسكته حتى سكن ، ثم قال : قف بنا على هذا المتخوض ، فلما حاذاه قال : يا هذا ، رسول الله صلى الله عليه وسلم أغير على ربه عز وجل منك ، قل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . وانصرف "
فالتفصيل في النفي نوع من الخوض في الكيفية
والتكييف غير قاصر على المتجاوزين في الإثبات من المشبهة بل التفصيل في النفي والذي يلهج به طوائف التعطيل هو في أكثره من الخوض في الكيف
قال الإمام الآجري في كتابه الشريعة :
" باب : الإيمان والتصديق بأن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة
قال محمد بن الحسين الآجري رحمه الله : الإيمان بهذا واجب ، ولا يسع المسلم العاقل أن يقول : كيف ينزل ؟ ولا يردد هذا إلا المعتزلة .
وأما أهل الحق فيقولون : الإيمان به واجب بلا كيف ، لأن الأخبار قد صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن الله عز وجل ، ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ، والذين نقلوا إلينا هذه الأخبار هم الذين نقلوا إلينا الأحكام من الحلال والحرام ، وعلم الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والجهاد وكما قبل العلماء منهم ذلك ، كذلك قبلوا منهم هذه السنن ، وقالوا : من ردها فهو ضال خبيث ، يحذرونه ويحذرون منه " ا.هـ
فطلب الكيف عزاه هنا الإمام الآجري للمعتزلة أحد أبرز طوائف التعطيل
طبعا المعتزلة لا يقولون كيف إثباتا وإنما نفيا تماما كما تفعل طوائف التعطيل
وإن كان مراده هنا طلبهم الكيف تعجيزا لأهل الإثبات كما يفعله اليوم معنا كثير من الأشاعرة عندما نجيبهم بمعاني الصفات فيطلبون منا التفصيل في إثبات المعاني تعجيزا
ونقل الإمام الذهبي عن محمد بن الحسن المصري القيرواني قوله في الاستواء :
" وهذا هو الصحيح الذي أقول به من غير تحديد ولا تمكن في مكان ولا كون فيه ولا مماسة
قال الذهبي :
" قلت سلب هذه الأشياء وإثباتها مداره على النقل فلو ورد شيء بذلك نطقنا به وإلا فالسكوت والكف أشبه بشمائل السلف إذ التعرض لذلك نوع من الكيف وهو مجهول وكذلك نعوذ بالله أن نثبت إستواءه بمماسة أو تمكن بلا توقيف ولا أثر بل نعلم من حيث الجملة أنه فوق عرشه كما ورد النص " ا.هـ
والعاقل يعلم صحة هذا الكلام فكل أحد يفصل في وصف شيء لم يره سواء بالنفي أو الإثبات ويغرق في هذا التفصيل دون مستند خاص في هذه الأوصاف فهو خائض فيما لا ينبغي له سواء نفى أم أثبت
ومن هذا تعلم انحراف أهل التعطيل الذين فتحوا باب الخوض بالنفي على مصراعيه فجوزا نفي ما لم ينفه الله عن نفسه ولا نفاه عنه رسوله ولا سلفنا الصالح
ولو كانوا صادقين في حرصهم على كمال الله وتنزيهه لما فتحوا الباب على مصراعيه للنفاة ولو من غير دليل وأغلقوه على المثبتين ولو بالدليل
أو على الأقل لو كانوا صادقين لأغلقوا الباب على الفريقين من باب أن القوم قد احتاطوا بزيادة
أما أن يفتح الباب للنفي والتعطيل دون التقيد بالنصوص ويغلق باب الإثبات ولو مع توافر الأدلة فهذه هي ثالثة الأثافي
وهذا وحده يكشف لك أن غرضهم هو التعطيل ليس إلا
والناظر في كتب من أسرفوا في التعطيل يعلم أن النفي الغير منضبط بالدليل قد ملأ طروحاتهم في هذا الباب فعلى سبيل المثال تجدهم يلهجون بوصف الله سبحانه وتعالى بقولهم :
ليس بجسم مصور ولا جوهر محدود مقدر ولا عرض ولا طويل ولا عريض ولا مركب ولا مؤلف ولا يقبل الانقسام ولا يشغل الأمكنة ولا يصح عليه الحركة ولا السكون ولا الانتقال ولا الحالية ولا المحلية وأنه لا يحده المقدار ولا تحويه الأقطار ولا تحويه جهة من الجهات الست وليس في جهة ولا حيز ولا هو متصل بالعالم ولا هو منفصل عنه ولا هو داخل فيه ولا خارج عنه وأن سائر الجهات فارغة منه وليس شاغلا لواحد منها فلا داخل العالم به مشغول ولا خارج العالم عنه مشغول تعالى عن أن يحويه مكان كما تقدس عن أن يحده زمان ولا يدركه الإحساس
ويوجد عنهم ما هو أشنع من هذا
ما ورد في الحد ومعناه وعلاقته بالكيف
قال العلامة ابن منظور :
" الحد الفصل بين الشيئين لئلا يختلط أحدهما بالآخر أو لئلا يتعدى أحدهما على الآخر وجمعه حدود وفصل ما بين كل شيئين حد بينهما ومنتهى كل شيء حده ... وحد الشيء من غيره يحده حدا وحدده ميزه ... وأصل الحد المنع والفصل بين الشيئين "
وذكر اشتقاقا قال عنه :
" من الحد الذي هو الحيز والناحية "
[ والحد الكف عن الشيء ]
والحد الصرف عن الشيء
وفي المعجم الوسيط : " والشيء من غيره مازه منه "
وقال الجرجاني في التعريفات :
" الحد قول دال على ماهية الشيء "
قال السيوطي في معجم المقاليد :
" الحد : هو القول الدال على ماهية الشيء ، وقيل : إنه قول دال على ما به الشيء هو هو ، وقيل : هو قول يقوم مقام الاسم في الدلالة على الماهية " .
ومع تحفظي على لفظ الحد فلا إشكال في الإخبار عن الله بأنه منفصل عن الخلق ومتميز عنهم وأنه في جهة العلو وأن له تعالى في حق ذاته وصفاته ماهيةً وحقيقةً وكنهًا .
وكل هذه المعاني ثابتة لله وكلها يطلق عليها لفظ الحد وأنا لا أطلقه في حق الله تحفظا واقتصارا على المنصوص عليه ، لكن جماعة من أهل العلم يطلقونه يريدون به بعض هذه المعاني .
كما أنه ينفى عنه عندما يكون بمعنى ممنوع في حق الله كالتكييف والتشبيه .
وإليك بعض التطبيقات عن أهل العلم في هذا :
أ ـ الحد بمعنى التكييف وربما التشبيه :
روى الخلال من طريق حنبل عن أحمد قوله :
" وهو خالق كل شئ وهو كما وصف نفسه سميع بصير بلا حد ولا تقدير قول إبراهيم لأبيه لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا فثبت أن الله سميع بصير صفاته منه لا نتعدى القرآن والحديث "
وبقريب من هذا اللفظ رواه ابن قدامة في تحريم النظر بمحل الشاهد وكذا ابن بطة
فالحد المنفي ليس هو مجرد معنى الصفة بدليل تمثيله بالسمع والبصر اللذين لا خلاف بيننا وبين مخالفينا في إثبات معانيهما وإنما الحد هنا بمعنى التحديد الذي هو التكييف
وجاء في رواية حنبل كما في السنة للخلال :
قلت له أحمد : والمشبهة ما يقولون ؟ قال : من قال بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي فقد شبه الله بخلقه وهذا يحده وهذا كلام سوء "
وهنا أيضا نفي الحد وتفسيره هنا بمعنى التشبيه والتكييف
وقال الخلال في كتاب السنة :
أخبرني عبيد اللّه بن حنبل، أخبرني أبي حنبل ابن أبي إسحق قال: قال عمي يعني أحمد بن حنبل :
نحن نؤمن أن الله تعالى على العرش استوى كيف شاء وكما يشاء، بلا حد ولا صفة يبلغها واصفون، أو يحدها أحد، وصفات الله له ومنه، وهو كما وصف نفسه لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية، وهو يدرك الأبصار، وهو عالم الغيب والشهادة وعلام الغيوب " ا.هـ
ونقل الخلال ( كما في اجتماع الجيوش ) :
عن حنبل عن أحمد :
" وصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه
قال : فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير " ا.هـ
ولا فرق بين الحد المنفي في صفة السمع والبصر والمنفي في صفة اليد والنزول فكلاهما المراد به نفي التكييف
فكما لا يلزم من نفي الحد في السمع نفي المعنى ولا يعتبر من أثبت معنى السمع قد حدد فكذلك لا يلزم من نفي الحد في اليد والنزول نفي المعنى ولا يعتبر من أثبت معنى اليد أو النزول قد حدد
أما دعوى المخالف فلا مستند لها إلا المزاج !!
فتراه يثبت معنى السمع والبصر والقدرة ولا يعتبر نفسه قد حدد
وإنما يسوغ لنفسه عندها التفريق بين الحد وبين إثبات المعنى
والويل لك ثم الويل إن أثبتَّ معنى لأي صفة لا يرى هو إثباتها فأنت عندها محدد للصفات وواقع في هذا المحذور ويصبح هنا إثبات المعنى هو التحديد بعدما كان بينهما فرق هناك !!
وقال أبو عبد الله محمد بن عبدالله ابن أبي زمنين الإمام المشهور من أئمة المالكية في كتابه الذي صنفه في أصول السنة في باب الإيمان بالنزول قال:
ومن قول أهل السنة أن الله ينزل إلى سماء الدنيا، ويؤمنون بذلك من غير أن يحدوا فيه حداً، وذكر الحديث من طريق مالك وغيره -إلى أن قال-: وأخبرني وهب عن ابن وضاح عن الزهري عن ابن عباد قال: وممن أدركت من المشايخ مالك وسفيان وفضيل بن عياض، وعيسى بن المبارك ، ووكيع كانوا يقولون: إن النزول حق.
قال ابن وضاح: وسألت يوسف بن عدي عن النزول قال: نعم أومن به ولا أحد فيه حداً. وسألت عنه ابن معين فقال: نعم أؤمن به ولا أحد فيه حداً اهـ.
وذكر ابن أبي زمنين آيات الصفات وأحاديثها ثم قال بعدها:
" فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه ووصفه بها نبيه وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لم تره العيون فتحده كيف هو ولكن رأته القلوب في حقائق الإيمان " ا.هـ
" لم تره العيون فتحده كيف هو " فيه أن الكيف ثابت في نفسه لكن المنفي هو إدراكنا له والتعليل واضح في إثبات هذا
وقال الإمام ابن شاهين :
" وأن الله ينزل | إلى السماء الدنيا فيقول : هل من سائل فأعطيه بلا حد ولا صفة " ا.هـ
المعنى لا يحتاج إلى شرح ، أيْ ولا صفة تفصيلية لأن ابن شاهين جرى في كتابه على الإثبات وليس بجهمي معتزلي حتى ينفي جنس الصفة وهذا يقرب لك معنى الحد هنا وأنه الكيف فهو المعنى التفصيلي والمقام مقام إنكار التوسع والتفصيل في الإثبات
وقال ابن شاهين :
" وأشهد أن جميع الصفات التي وصفها الله عز وجل في القرآن حق سميع | بصير بلا حد محدود ولا مثال مضروب عز جل أن يضرب له الأمثال " ا.هـ
ونفي التحديد في السمع يفيد أن إثبات المعنى ليس بتحديد
قال الأزهري اللغوي
" والسَمِيعُ من صفات الله وأسمائه . وهو الذي وسِعَ سَمْعُهُ كلّ شيء ؛ كما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الله تبارك وتعالى : ( ) ( المجادلة : 1 ) وقال في موضع آخر : ( مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ ) ( الزخرف : 80 ) قلت : والعَجَب من قوم فسَّروا السَمِيع بمعنى المُسْمِع ، فراراً من وصف الله بأن له سَمْعاً . وقد ذكر الله الفعل في غير موضع من كتابه . فهو سَمِيعٌ : ذو سَمْعٍ بلا تكييف ولا تشبيه بالسميع من خَلْقه ، ولا سَمْعُه كسمع خَلْقه ، ونحن نَصِفُهُ بما وصف به نفسه بلا تحديد ولا تكييف . ولست أنكر في كلام العرب أن يكون السَّمِيعُ سَامِعاً ، ويكون مُسمِعاً . وقد قال عمرو بن مَعْدِي كَرِبَ :
أمِنْ ريحانة الداعي السَّمِيعُ
يؤرِّقني وأصحابي هجوعُ
وهو في هذا البيت بمعنى المُسْمِع ، وهو شاذّ ؛ والظاهر الأكثر من كلام العرب أن يكون السميع بمعنى السامع ، مثل عليم وعالم وقدير وقادر " ا.هـ
قال الإمام أبو بكر محمد بن الحسن المصري القيرواني المتكلم صاحب رسالة الإيماء إلى مسألة الإستواء فساق فيها قول أبي جعفر محمد بن جرير وأبي محمد بن أبي زيد والقاضي عبد الوهاب وجماعة من شيوخ الفقه والحديث أن الله سبحانه مستو على العرش بذاته
قال : وأطلقوا في بعض الأماكن أنه فوق عرشه
ثم قال : " وهذا هو الصحيح الذي أقول به من غير تحديد ولا تمكن في مكان ولا كون فيه ولا مماسة " ا.هـ
قال الذهبي معلقا :
" قلت سلب هذه الأشياء وإثباتها مداره على النقل فلو ورد شيء بذلك نطقنا به وإلا فالسكوت والكف أشبه بشمائل السلف إذ التعرض لذلك نوع من الكيف وهو مجهول وكذلك نعوذ بالله أن نثبت إستواءه بمماسة أو تمكن بلا توقيف ولا أثر بل نعلم من حيث الجملة أنه فوق عرشه كما ورد النص " ا.هـ
وإذا كان الحد هنا بمعنى الكيف والتحديد بمعنى التكييف فإنه يأخذ أحكام الكيف السابقة
فالتكييف منفي عن الله مطلقا أما الكيف فالمنفي هو علمنا به وأما أصله فهو ثابت في كل صفة فكل صفة لها كيفية لكن لا نعلمها نحن قال القاضي أبو يعلى :
" رأيت بخط أبي إسحاق حدثنا أبو بكر أحمد بن نصر الرفاء سمعت أبا بكر بن أبي داود سمعت أبي يقول جاء رجل إلى أحمد بن حنبل فقال لله تعالى حد فقال نعم لا يعلمه إلا هو قال الله تبارك وتعالى وترى الملائكة حافين من حول العرش يقول محدقين " ا.هـ
وسبق قول الإمام ابن أبي زمنين :
" فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه ووصفه بها نبيه وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لم تره العيون فتحده كيف هو ولكن رأته القلوب في حقائق الإيمان " ا.هـ
" لم تره العيون فتحده كيف هو " فيه أن أصل الحد عنده والذي بمعنى الكيف ثابت في نفسه لكن المنفي هو إدراكنا له والتعليل واضح في إثبات هذا
وإن كنت لا أرى التعبير بالحد مطلقا لإجماله ولعدم ثبوته في النصوص المرفوعة ولعدم اشتهاره بين السلف ولاستخدام المتكلمين له استخدامات مشتبهة ولكني بينت المراد منه لدى أصحابه
وعبارة الحد بمعنى التكييف والتشبيه قد يساء استعمالها في غير محلها كما هو الحال اليوم فإن المعطلة يتهمون كل مثبت للصفات بأنه قد حدد وشبه وهم إنما ينظرون بحدقة التعطيل التي تُصوّر لهم الأمور بناء على ذاك المبدإ .
كمن يلبس نظارة سوداء وينظر بها إلى أرض خضراء مفروشة بالعشب ثم إذا قيل له هذه خضراء ، عارضَ وأنكر وزعم أنها يباب فأنى له أن يعترف بخضارها والسواد يغطي عينيه
قال المروذي
سمعت أبا عبد الله قيل له أي شيء أنكر على بشر بن السري ، وأي شيء كانت قصته بمكة ؟
قال : تكلم بشيء من كلام الجهمية فقال إن قوما يحدون ، قيل له التشبيه ؟ فأومأ برأسه نعم
قال : فقام به مؤمل حتى جلس فتكلم ابن عيينة في أمره حتى أخرج ، وأراه كان صاحب كلام
نقله الثقة النبيل والمؤتمن الصدوق الإمام العدل الورع بقية السلف أحمد ابن تيمية في كتابه نقض التأسيس
ب ـ الحد بمعنى الإثبات البيِّن .
وقال الخلال :
" وقال حنبل في موضع آخر، عن أحمد :
ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف نفسه. قد أجمل الله الصفة فحدَّ لنفسه صفة ليس يشبهه شيء " ا.هـ
نقلا عن اجتماع الجيوش لابن القيم
وهذا التعبير بالحد على هذا المعنى غير مشتهر في استعمال العلماء وهو هنا مثبت عند الإمام أحمد وليس بمنفي
ج ـ الحد بمعنى البينونة .
روى الخلال في كتاب السنة : أخبرنا أبوبكر المروذي قال :
سمعت أبا عبدالله قيل له :
روي عن علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك أنه قيل له : كيف نعرف الله عز و جل ؟ قال على العرش بحد .
قال [ أحمد ] : " قد بلغني ذلك عنه " وأعجبه ،
ثم قال أبو عبدالله : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) ثم قال : ( وجاء ربك والملك صفا صفا )
وقال الخلال :
وأنبأنا محمد بن علي الوراق حدثنا أبو بكر الأثرم حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال : قلت لأحمد بن حنبل :
يحكى عن ابن المبارك - وقيل له : كيف تعرف ربنا ؟ - قال : في السماء السابعة على عرشه بحد .
فقال أحمد : هكذا هو عندنا
وأخبرني حرب بن إسماعيل قال : قلت لإسحاق - يعني ابن راهويه - : هو على العرش بحد ؟ قال : نعم بحد
وقال الدارمي :
وسئل عبدالله بن المبارك بم نعرف ربنا ؟
قال : بأنه على عرشه بائن من خلقه
قيل : بحد ؟ قال : بحد
حدثناه الحسن بن الصباح البزار عن على بن الحسين بن شقيق عن ابن المبارك به
وانظر العلو للذهبي
وقال ابن بطة :
حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شهاب قال ثنا أبي أحمد بن عبد الله قال ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم قال حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال قلت لأحمد بن حنبل ...
قال وحدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء قال ثنا أبو جعفر محمد بن داود البصروي قال ثنا أبو بكر المروذي قال سمعت أبا عبد الله وقيل له روى علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك ...
وفيه إقرار أحمد وإسحاق لقوله بحد
وهو في السنة لعبد الله أيضا
وفي التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (7 / 142 )
" قال أبو داود وحدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا يحيى بن موسى وعلي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك قال الرب تبارك وتعالى على السماء السابعة على العرش قيل له بحد ذلك قال نعم هو على العرش فوق سبع سموات "
ورواه البيهقي في الأسماء والصفات من طريق علي بن الحسن
فقول ابن المبارك : " على عرشه بحد " نص على أنه أثبت علو الذات فإن معنى قوله هذا أنه تعالى مباين بهذه الفوقية ومنفصل عن كل خلقه وهذا يعني أن هناك حدا فاصلا بينه وبين خلقه وهذا يستحيل حمله على غير الذات
قال الدارمي :
" ومما يبين ذلك قوله تعالى: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون}.
ففي هذه الآية بيان لتحقيق ما ادعينا للحد، فإنه فوق العرش بائن من خلقه، ولإبطال دعوى الذين ادعوا أن الله في كل مكان..." ا.هـ
وقال أيضاً :
" لأن الكلمة قد اتفقت من الخلق كلهم أن الشيء لا يكون إلا بحد وصفة " ا.هـ انظر الرد على الجهمية
وهو قول أحمد وإسحاق كما في هذه الآثار
د ـ الحد بمعنى الجهة .
ذهب بعض أهل العلم إلى أن الحد الذي أثبته الأئمة ابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه هو بمعنى الجهة وسياق الآثار يحتمله بل منها ما يجعله وجيها حسب عبارة صاحبها والله أعلم
والحد كمصطلح لم يرد لفظه في النصوص وإنما جاء في اصطلاحات أهل العلم وله عدة معاني فمن عبر به وأراد معنى جاء به النص قبلنا منه مراده ولا تلزمنا عبارته ولا مشاحة في الاصطلاح ومن أراد به معنى باطلا رددنا لفظه ومعناه وأنكرنا عليه .
أبرز ما تعلق به المفوضة في إلصاق مذهبهم بمذهب السلف
لقد أثبتنا لك أخي الكريم تقرير السلف الصالح وأئمة السنة إثباتَ الصفات الخبرية بمعانيها الظاهرة دون تفويض لمعانيها ولا تأويل ، وذلك من خلال صريح عباراتهم وتطبيقاتهم الثابتة المتضافرة عبر آثارهم وأقوالهم بصورة لا تدع مجالا للشك بما اجتمعت عليه من إثباتٍ لهذا الأصل .
وأظن أن هذا كاف لحسم هذه القضية وتبرئة السلف مما نسب إليهم من مذهب التفويض الذي هو مذهب نفاة الصفات من متكلمي الأشاعرة .
كيف لا والسلف الصالح بشحومهم ولحومهم قد نقضوا هذه الدعوى ونفوها عن أنفسهم عندما أثبتوا معاني الصفات .
وإذا علمنا أن إلصاق مذهب التفويض بالسلف مع كونه مجرد دعوى عارية عن أي دليل فهي إضافة إلى هذا إنما صدرت من جهة مشبوهة لم تُعرف يوما ما باتباع السلف ولا بتقيُّدها بما كانوا عليه لا في هذا الباب ولا غيره من أبواب العقيدة ، بل هي جهة معروفة باتباع النقيض لمذهب السلف ألا وهو مذهب أهل الكلام الذي كان عامة السلف يحذرون منه وينفرون الناس عنه وعن أهله
وهذه الجهة التي أعنيها هي الأشاعرة .
وقارن على سبيل المثال مذهبهم في باب الإيمان ومسائله ، وخبر الآحاد ، وباب القدر ومسائله ، وقضية خلق القرآن ، والأفعال الاختيارية ، ومعنى الإله ، ومسألة أول واجب على العبد ، والتشكيك في إيمان عامة الأمة بدعوى إبطال إيمان المقلد .
قارنه بمذهب السلف لتعرف قدر السلف عند هؤلاء ومقدار تقيدهم بهم وكيف أنهم في واد والسلف رحمهم الله في واد آخر ، بل يفصل بين الواديين جبال عظيمة ومفازات مهلكة !
فكيف يقبل بعد هذا أن يكون خصوم مذهب السلف هم أولى الناس به وأتبع الناس له ؟!!
ومما يؤكد أن هؤلاء المشبوهين الذين هم من أتباع المتكلمين ليسوا محل ثقة في النقل عن السلف أنهم لا يعرضون التفويض على أنه مذهب للسلف إلا على طاولة واحدة مع التأويل الذي لهج السلف بالنكير عليه وعلى أهله !! يعرضونهما على أنهما خطان متقاربان بل يصبان في مكان واحد !!
بل في كثير من الأحيان ينقل هؤلاء المشبوهون في الصفة الواحدة نفس التأويل الذي أنكره السلف بعينه كتأويل اليد بالقدرة أو الاستواء بالاستيلاء أو الوجه بالذات فينقله المشبوهون مقررين لذلك ويرفقون به الوجه الآخر وهو التفويض وينسبونه للسلف ويدعون أن القولين لا يتعارضان فالأول تأويل مفصل والثاني تأويل مجمل
أنا والله وبالله وتالله لم أر استخفافا بالعقول كهذا !
كيف يزعم هؤلاء بكل هذه الجرأة أن الذي كان ينكره السلف من تأويلات الجهمية هو مذهب يسير بمحاذاة مذهب السلف وأنه لا خلاف حقيقي بينه وبين مذهب السلف
هذا استخفاف له قرنان
إذًا دعوى أن السلف كانوا يفوضون الصفات بمعنى أنهم كانوا ينفون معانيها الظاهرة ويعتقدون أن ظاهرها غير مراد ولا يثبتون في المقابل معنى آخر لها معينا !
هذه الدعوى مع عدم قيام أي دليل على صحتها عنهم فهي إنما صدرت من مشبوه فلا يمكن أن يقبلها منصف !
وإضافة إلى هذا فهي دعوى تصادم واقع السلف مع النصوص مما يؤكد أنها ملفقة ضدهم .
فهاهي نصوص الصفات الخبرية قد بلغت مبلغا عظيما في العدد حتى اعترف بهذا هؤلاء المشبوهون أنفسهم فأين في موطن واحد عن واحد من السلف أنه ينكر هذه الظواهر أو ينادي بإلغائها ؟!
مع أن هذا لو كان قولهم لاشتهر عنهم للحاجة الملحة إليه أمام كثرة النصوص ووفرتها فلما لم يؤثر عنهم شيء من هذا علم أنهم يقرون بهذه الظواهر ولا يرفضونها
وهذا نقوله تنـزلا وإلا فقد ورد عنهم مما لا يحصى الحث على الأخذ بهذه الظواهر والتصريح بأنهم لا ينكرون شيئا منها .
وسأنقل لك نماذج من كلامهم تبين لك أنهم لم يكونوا يستنكرون ظواهر الصفات وأنهم كانوا يقرون النصوص دون أدنى اعتراض على ما اشتملت عليه من ظواهر للصفات وهي والله غيض من فيض
قال الإمام أحمد :
أدركت الناس وما ينكرون من هذه الأحاديث أحاديث الرؤية وكانوا يحدثون بها على الجملة ، يمرونها على حالها غير منكرين لذلك ولا مرتابين " ا.هـ
وعن أبي بكر المروذي قال :
" سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والأسماء والرؤية وقصة العرش ؟ فصححها وقال : تلقتها العلماء بالقبول ، تسلم الأخبار كما جاءت "ا.هـ
وفي رواية أبي طالب للمسائل عن أحمد :
" قلب العبد بين أصبعين ، وخلق أدم بيده ، وكل ما جاء الحديث مثل هذا قلنا به " ا.هـ
وإليك على سبيل المثال طرفا من موقفهم من صفتين بشكل خاص
روى الطبري في تفسيره :
حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام"، قال: هو غير السحاب (1) لم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا، وهو الذي يأتي الله فيه يوم القيامة.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتاده:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام"، قال: يأتيهم الله وتأتيهم الملائكة عند الموت.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عكرمة في قوله:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام"، قال: طاقات من الغمام، والملائكة حوله= قال ابن جريج، وقال غيره: والملائكةُ بالموت
وقال الطبري في تفسير قوله ( بأعيننا ووحينا )
" يقول: بعين الله ووحيه كما يأمرك "
ثم ذكر من ذلك
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس:(واصنع الفلك بأعيننا ووحينا) ، قال: بعين الله،
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة في قوله:(بأعيننا ووحينا) ، قال: بعين الله ووحيه.
وروى ابن أبي حاتم قال :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا " قَالَ:"بِعَيْنِ اللَّهِ وَوَحْيِهِ".
وعند عبد الرزاق عن معمر ، عن قتادة ، في قوله تعالى : ( بأعيننا ووحينا (1) ) ، قال : « بعين الله تعالى ووحيه »
وعن معتمر بن سليمان عن ابيه عن ابي عمران الجوني ولتصنع على عيني قال يربى بعين الله
فلم يذكروا في هاتين الصفتين أمام النصوص إلا ما يدل على إقرار الظاهر
قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه حدثنا وكيع عن إسرائيل بحديث إذا جلس الرب جل جلاله على الكرسي فاقشعر رجل عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الأعمش والثوري يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها نقله الذهبي وقال رواها أبو حاتم عن أحمد
ونقله عن أحمد ابن قدامة في تحريم النظر
وقال عبد الله بن أحمد :
حدثني أبي نا وكيع بحديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبدالله بن خليفة عن عمر رضي الله عنه قال إذا جلس الرب عز و جل على الكرسي فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الاعمش وسفيان يحدثون بهذه الاحاديث لا ينكرونها
وعن أحمد بن نصر أنه سأل سفيان بن عيينة قال :
حديث عبدالله : إن الله عز و جل يجعل السماء على أصبع وحديث إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن ، وإن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الأسواق ، وأنه عز و جل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ونحو هذه الأحاديث ؟
فقال : هذه الأحاديث نرويها ونقر بها كما جاءت بلا كيف
تأمل : " نقر بها "
وروى محمد بن المثنى قال : سمعت بشر بن الحارث يقول : أما سمعت ما قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
وقال صلى الله عليه وسلم: قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الله عز وجل .
ثم قال بشر بن الحارث : هؤلاء الجهمية يتعاظمون هذا " ا.هـ
تأمل فالذين ينفرون من ظاهرها هم المعطلة وليس السلف
وعن حديث الصورة قال محمد بن الحسين الآجري رحمه الله :
" هذه من السنن التي يجب على المسلمين الإيمان بها ، ولا يقال فيها : كيف ؟ ولم ؟ بل تستقبل بالتسليم والتصديق ، وترك النظر، كما قال من تقدم من أئمة المسلمين " ا.هـ
تأمل قوله : " ترك النظر " ويعني به الرأي والعقل الذي يتستر به المعطلة .
وعن إسحاق بن منصور الكوسج قال :
" قلت لأحمد- يعني ابن حنبل - ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة ، حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا أليس تقول بهذه الأحاديث ؟ ويراه أهل الجنة ، يعني ربهم عز وجل ؟ ولا تقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته و اشتكت النار إلى ربها عز وجل حتى وضع فيها قدمه و إن موسى لطلم ملك الموت ، قال أحمد : كل هذا صحيح ، قال إسحاق : هذا صحيح ، ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي " ا.هـ
وقال ابن الماجشون :
" وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تمتليء النار حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول قط قط وينزوي بعضها الى بعض وقال لثابت بن قيس بن شماس لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة وقال فيما بلغنا ان الله ليضحك من ازلكم وقنوطكم وسرعة اجابتكم فقال له رجل من العرب ان ربنا ليضحك قال نعم قال لا نعدم من رب يضحك خيرا في اشباه لهذا مما لم نحصيه
وقال الله تعالى وهو السميع البصير واصبر لحكم ربك فانك بأعيننا وقال ولتصنع على عيني وقال ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي وقال والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون فوالله ما دلهم على عظم ما وصف به نفسه وما تحيط به قبضته الا صغر نظيرها منهم عندهم ان ذلك الذي القى في روعهم وخلق على معرفته قلوبهم فما وصف الله من نفسه وسماه على لسان رسوله سميناه كما سماه ولم نتكلف منه صفة ما سواه لا هذا ولا هذا لا نجحد ما وصف ولا نتكلف معرفة ما لم يصف " ا.هـ
وعن أحمد بن الحسين الخفاف يقول: سمعت الشيخ الجليل أبا محمد المزني يقول: حديث النزول قد صح، والايمان به واجب، ولكن ينبغي أن يعرف أنه كما لا كيف لذاته لا كيف لصفاته.
نقله السمعاني
وعن أبي زرعة الرازي أنه لما سئل عن تفسير قوله : { الرحمن على العرش استوى } فقال : تفسيره كما يقرأ هو على العرش وعلمه في كل مكان ; ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله .
وقال أحمد كما عند اللالكائي وفي الطبقات :
والحديث عندنا على ظاهره كماجاء عن النبي صلى الله عليه و سلم والكلام فيه بدعة ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره ولا تناظر فيه أحدا
وبوب أبو عوانة فقال :
بَيَانُ ضَحِكِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ عَبْدِهِ وَإِلَى عَبِيْدِهِ
وقال الحافظ الإمام قاضي أصبهان وصاحب التصانيف أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني :
" جميع ما في كتابنا كتاب السنة الكبير الذي فيه الأبواب من الأخبار التي ذكرنا أنها توجب العلم فنحن نؤمن بها لصحتها وعدالة ناقليها ويجب التسليم لها على ظاهرها وترك تكلف الكلام في كيفيتها "
فذكر من ذلك النزول إلى السماء الدنيا والإستواء على العرش
ومما قال :
باب ما ذكر أن الله تعالى في سمائه دون أرضه عاصم
باب ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يضع السموات على أصبع ويطوي السموات والأرض بيده
باب ذكر نزول ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان ومطلعه إلى خلقه عاصم
باب ذكر الكلام والصوت والشخص وغير ذلك
باب ذكر قول جهنم هل من مزيد حتى يضع ربنا تبارك وتعالى قدمه فيها
باب ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يضع السموات على أصبع ويطوي السموات والأرض بيده
باب ما ذكر من ضحك ربنا عز وجل
باب في تعجب ربنا من بعض ما يصنع عباده مما يتقرب به إليه
وقَالَ أَبُو بَكْرٍ ابن أبي عاصم : قُلْتُ لأَبِي الرَّبِيعِ فَضَحِكَ تَصْدِيقًا قَالَ نَعَمْ " ا.هـ
وقال اللالكائي :
سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم في نزول الرب تبارك وتعالى "
وروى أبو بكرالمروذي رحمه الله قال سألت أبا عبدالله عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والرؤية والأسراء وقصة
العرش فصححها أبو عبدالله وقال قد تلقتها العلماء بالقبول نسلم الأخبار كما جاءت قال فقلت له إن رجلا اعترض في بعض هذه الأخبار كما جاءت فقال يجفا وقال ما اعتراضه في هذا الموضع يسلم الأخبار كما جاءت
وجاء في رسالة مسدد :
قال :
" لما أشكل على مسدد بن مسرهد أمر الفتنة يعني في القول بخلق القرآن وما وقع فيه الناس من الاختلاف في القدر والرفض والاعتزال وخلق القرآن والإرجاء كتب إلى أحمد بن حنبل أن أكتب إلي سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
وأوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم ولزوم السنة والجماعة فقد علمتم ما حل بمن خالفها وما جاء فيمن اتبعها فإنه بلغنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال إن الله ليدخل العبد الجنة بالسنة يتمسك بها ...
ثم من بعد كتاب الله سنة نبيه صلى الله عليه و سلم والحديث عنه وعن المهديين من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم والتابعين من بعدهم والتصديق بما جاءت به الرسل وابتاع السنة نجاة وهي التي نقلها أهل العلم كابرا عن كابر
واحذروا رأي جهم فإنه صاحب رأي وكلام وخصومات ... وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن ...
وصفوا الله بما وصف به نفسه وانفوا عن الله ما نفاه عن نفسه واحذروا الجدال مع أصحاب الأهواء " ا.هـ
فتأمل حثه على لزوم ما اشتملت عليه النصوص من صفات حتى في مقام ورود الشبهات التي يتذرع بها عادة المعطلة على أنها سبب تأويلهم
وأيضا مما يؤكد ما ذكرت من عدم رفض السلف للظواهر تبويبات الأئمة للصفات من خلال ظواهر النصوص
وقد سبقت تبويبات الإمام ابن أبي عاصم
يقول الإمام الآجري :
باب الإيمان بأن قلوب الخلائق بين إصبعين من أصابع الرب عز وجل بلا كيف
باب الإيمان بأن الله عز وجل يمسك السموات على إصبع والأرضين على إصبع ، والجبال والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، والخلائق كلها على إصبع آجري
باب ما روي أن الله عز وجل يقبض الأرض بيده ، ويطوي السموات بيمينه
باب الإيمان بأن الله عز وجل يأخذ الصدقات بيمينه ، فيربيها للمؤمن
باب الإيمان بأن لله عز وجل يدين ، وكلتا يديه يمين
باب الإيمان بأن الله عز وجل خلق آدم عليه السلام بيده ، وخط التوراة لموسى عليه السلام بيده ، وخلق جنة عدن بيده ، وقد قيل : العرش والقلم ، وقال لسائر الخلق : كن فكان ، فسبحانه ا.هـ
وقال الإمام أبو الشيخ في العظمة مبوبا
" ذكر عرش الرب تبارك وتعالى وكرسيه وعظم خلقهما وعلو الرب تبارك وتعالى فوق عرشه ا.هـ
وقال محمد بن عبد الله بن أبي زمنين في كتابه "أصول السنة":
واعلم بأن أهل العلم بالله وبما جاءت به أنبياؤه ورسله يرون الجهل بما لم يخبر به عن نفسه علماً، والعجز عن ما لم يدع إليه إيماناً، وأنهم ينتهون من وصفه بصفاته وأسمائه إلى حيث انتهى في كتابه على لسان نبيه، انتهى.
وقال الأشعري :
فإن قال قائل : إذا ذكر الله عز و جل الأيدي وأراد يدين فما أنكرتم أن يذكر الأيدي ويريد يدا واحدة ؟
قيل له : ذكر تعالى أيدي وأراد يدين لأنهم أجمعوا على بطلان قول من قال أيدي كثيرة وقول من قال يدا واحدة فقلنا يدان لأن القرآن على ظاهره إلا أن تقوم حجة بأن يكون على خلاف الظاهر .
وقال الإمام الإسماعيلي
" وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا بلا كيف ولا تأويل كيف شاء فمن أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال "
كل هذا وغيره كثير مما يعسر حصره قد ورد عن السلف دالا دلالة قاطعة على الإقرار بظواهر هذه النصوص ، تارة بالمنطوق وتارة بالمفهوم .
وكل هذا غير ما تقدم عنهم من تقريرهم لإثبات المعنى
ومجرد عرض السلف لنصوص الصفات في مقام الحث على لزوم ما دلت عليه ، والحرص على زرع الثقة والطمائنينة بظواهرها ، والتحذير من جحد ما دلت عليه ، والاكتفاء في المقابل بالحض على ترك مالم تأت به هذه النصوص ، وترك التجاوز لدلالاتها ، كل هذا يبين لك أن واقعهم يرفض رفضا تاما دعوى : " أنهم ينفون ظاهرها ويرفضونه وينكرون كونه مرادا " كما يزعم المفوضة فهذا والله كذب صراح سنخاصمهم عليه عند رب العالمين يوم لن يجد المتدثرون بعلم الكلام شيئا مما نسجوه سوى أوهام متلاشية تورث لهم الندم والحسرة على ما لفقوه في حق السلف وسيتبين عندها من هو الحشوي ومن هم النوابت ومن هم المجسمة وسيلقى كل أحد ربه بما قدم وبما قال ويقول
ستعلم يا خَصوم إذا التقينا وعند الله تجتمع الخصوم
إذا علمت كل ما تقدم من استحالة أن يكون السلف على ما عليه المتكلمون من رفض ظواهر نصوص الصفات وذلك بناء على المعطيات المذكورة الثابتة والواضحة بقي الجواب عن جملة من العبارات حاول دعاة التفويض من خلالها إلصاق هذا المذهب بالسلف زورا
ويمكن أن نقسم العبارات المستغلة لإلصاق التفويض بالسلف إلى قسمين :
1 ـ قسم يتكلم عن إعراض السلف عن الاشتغال بتفسير الصفات كتلك التي تنقل عن جماعة من الأئمة بأنهم كانوا يُحَدِّثُونَ بِأحاديث الصفات وَلا يُفَسِّرُونَ شَيْئًا
وكقول الإمام أبي عبيد :
" هذِهِ الأَحَادِيثُ فِي الرِّوَايَةِ هِيَ عِنْدَنَا حَقٌّ ، حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ، غَيْرَ أَنَّا إِذَا سُئِلْنَا عَنْ تَفْسِيرِهَا لا نُفَسِّرُهَا وَمَا أَدْرَكْنَا أَحَدًا يُفَسِّرُهَا
ونحو هذه العبارات التي بهذا المعنى ، وسيأتي ذكر ما ورد منها على وجه التفصيل .
فاستدل بهذه العبارات مَن نَسَب التفويض إلى السلف وزعم أن قوله : " وما أدركنا أحدا يفسرها " ونحوها إنما يدل على أن السلف كانوا لا يثبتون أي معنى للصفات ، وأنهم إنما يثبتون ألفاظ الصفات فقط ويفوضون معانيها ، وعليه فمئات النصوص التي اشتملت على ذكر الصفات الخبرية كلها مجهولة المعنى لا يُدرَى ما المراد منها ومن اعتقد بما دلت عليه النصوص فهو ضال مشبه فلا يجوز إثبات شيء من معاني تلك النصوص !!
طبعا هذا المفوض الذي ينسب تفويضه للسلف من خلال هذه العبارات قد فهم ما فهمه بناء على أن لفظ التفسير عنده يراد به مجرد ذكر أي معنى للكلمة فمن ذكر أي معنى للصفة فقد فسرها ولو كان هذا المعنى مجرد المعنى الظاهر وعليه فنفي تفسير الصفات يساوي عنده نفي أي معنى لها سواء المعنى الظاهر المجمل أو المعنى المفصل ، وهو أيضا فهِم ما فهمه دون أن يجمع ألفاظ وروايات تلك الآثار التي تُبيّن له مرادهم من خلال الألفاظ كاملة .
بالإضافة إلى أن هذه الآثار ليس فيها ما يدل لا من قريب ولا بعيد على أن السلف كانوا يؤولون الظاهر تأويلا مجملا كما تزعم المفوضة
مع أن هذا معنى أساسي للتفويض عندهم ، وللشروع في الجواب أذكر ما يلي :
أمثال هذه العبارات هي كغيرها من عبارات أهل العلم في المسائل العلمية لا تخرج في فهمها عن أصول العلم ولا عن ضوابطه فهناك منهجية ثابتة لا يمكن العدول عنها .
من أهمها عدم حمل أي جملة على مفهوم ما مع الجهل بمعانى بعض ألفاظها وخاصة إن كان اللفظ المجهول هو المقصود بتلك الجملة
ولا فرق بين الجهل بمعنى اللفظ من أصله وبين جهل استعمالاته التي يختلف معنى اللفظ فيها بحسب الاستعمال
فلفظة : " التفسير " استعملها أهل العلم في هذا الباب نفسه استعمالات عدة سأذكرها لأبين من خلالها المراد في تلك العبارات ولكن قبل هذا أذكّر بالمعنى اللغوي لهذه اللفظة لشدة ارتباطه بجل هذه الاستعمالات ولا أقول كلها .
جاء في المعجم الوسيط :
" ( فسر ) الشيء فسرا وضحه ...
و ( التفسير ) : الشرح والبيان ، وتفسير القرآن يقصد منه توضيح معاني القرآن الكريم ، وما انطوت عليه آياته من عقائد وأسرار وحكم وأحكام " ا.هـ
وقال الخليل :
الفَسْرُ التفسير وهو بيان وتفصيل للكِتاب وفَسَره يفسره فَسْراً وفَسَّرَه تفسيراً ا.هـ
وقال الصاحب بن عباد :
التَفْسِيْرُ ؛ وهو بَيَانٌ ؛ وتَفْصِيْلُ الكُتُبِ ا.هـ
إذًا هو المعنى التفصيلي والمفصّل وأيضا المعنى العميق الذي يغوص في الأسرار .
وفي اللسان : الفسر كشف المغطى والتفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل .
وهو قول ثعلب وابن الأعرابي والفيروز آبادي
وهذا تأكيد للعمق في المعنى والتفصيل فيه
قال المناوي في كتابه التوقيف :
" بيان التفسير ما فيه خفاء من المشترك أو المشكل أو المجمل أو الخفي "
فهو تفصيل للمجمل وشرح وإبانة للمشكل والمشترك
وقال ابن الجوزي : التفسير إخراج الشيء من معلوم الخفاء إلى مقام التجلي " ا.هـ
وهذا يؤكد معنى العمق في تلك الكلمة .
إذًا ليس مجرد ذكر المعنى الظاهر للكلمة الذي هو أشبه بالترجمة الظاهرة يسمى تفسيرا في اللغة ، ليس هذا هو التفسير لغة
وعندما نظرنا في استعمالات العلماء في هذا الباب للفظة التفسير وجدنا كثيرا من منها قد استُعمل بالمعنى اللغوي ولا أقول كلها ، فمن تقيد منهم بالمعنى اللغوي ولم يستعمل التفسير إلا فيما كان فيه تفصيل لم يستعمل لفظ التفسير إلا منفيا سواء كان التفصيل بالإثبات كالتكييف أو التفصيل بالنفي كالتأويل فكلاهما تركه السلف وكلاهما نفاه السلف وكلاهما تفسير محظور .
ومن تجوّز في استعمال لفظ التفسير ولم يتقيد بمعناه اللغوي نجده يفرق بين التفسير القائم على التفصيل إثباتا ونفيا فينفيه وينهى عنه ، وبين التفسير الغير مشتمل على تفصيل فيثبته ، وكلامنا كله هنا عن الصفات الثبوتية .
وعليه فنجد التفسير في استعمالهم منه ما هو منفي ومنه ما هو مثبت
وعلى ضوء هذا المعنى لو نظرنا في تلك الأقوال التي تَنقُل عن جمع من السلف عُدولَهم عن تفسير الصفات وتركَهم تفسيرَها لوجدنا أن المعنى الذي يفهم من تلك العبارات منسجم جدا مع بقية ما ورد عن السلف في الصفات بل نجد هذه العبارات التي تنفي التفسير تشابه الكثير من عبارات الأئمة في نفس هذه المسائل
وعليه فقوله :
كانوا يُحَدِّثُونَ بِأحاديث الصفات وَلا يُفَسِّرُونَ شَيْئًا
المراد : لا يُفصّلون في معاني الصفات وأنهم يتركون المعنى التفصيلي للصفة أوْ بعبارة أخرى لا يتعمّقون في معاني الصفات لأن التفصيل أو التعمق هو من الولوج في التكييف إن كان إثباتا وهو محظور أو في التأويل إن كان نفيا وهو محظور أيضا
وكلاهما هو المعنى اللغوي للفظ التفسير ( التعمق والتفصيل )
إذًا السلف لا يفصّلون في إثبات المعاني حتى لا يقعوا في التكييف
وأما مجرد المعنى الظاهر المتبادر من الصفات فلم تنفه هذه العبارت التي تنفي التفسير ولا يدل شيء منها على نفيه ، ولم ينفه السلف قط في أي عبارة عنهم
وإن كان مسمى الإجمال والتفصيل أمر نسبي غير أن من المعنى ما هو مجمل لا خلاف في إجماله كالمعنى الذي هو من قبيل الترجمة ومنه ما هو مفصل لا خلاف في تفصيله كالتكييف ، وما بينهما من معاني فما قارب المجمل فله حكمه وما قارب المفصل أخذ حكمه وما اشتبه فترك التعرض له هو الواجب
ومما تقدم تعلم أنه يمكن تقسيم التفسير إلى تفسير منفي وهو التكييف والتأويل وتفسير مثبت وهو المعنى الظاهر المتبادر من اللفظ
وعندما تتبعنا استعمالات العلماء وجدنا عين ما ذكرناه ، فإليك ما وقفت عليه منها :
أـ استعمال التفسير بمعنى التفصيل في الإثبات وهو التكييف أو التشبيه
فقد جاء عن أبي عبيد نفسه الذي يتعلق به المفوض ما رواه الدارقطني بعلو ومن طريقه ابن البنا في كتابه المختار في أصول الدين :
قال : أخبرنا عُبَيْدُ الله بن أحمد الأزهري, قال: أخبرنا الدارقطني, قال: حدثنا محمد بن مَخْلَد, قال: حدثنا عباس بن محمد الدوري, قال: سمعت أبا عُبَيْدٍ القاسم بن سَلَّام، وذكر الباب الذي يُرْوَى في الرؤيا, والكرسي, وموضع القدمين, وضحك ربنا من قنوط عباده, وقربه من عبده, وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء؟ وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك - عز وجل - قدمه فيها, فتقول: قط قط, وأشباه هذه الأحاديث؛ فقال :
" هذه الأحاديث صِحَاح ، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض , وهي عندنا حق لا نَشُكُّ فيها , ولكن إذا قيل : كيف وضع قدمه ؟ وكيف ضَحِكَ ؟ قلنا : لا نفسر هذا , ولا سمعنا أحدًا يُفَسِّرُهُ ".
فظهر أن مراده بنص كلامه هو تفسير الكيفية : " كيف وضع قدمه ، وكيف ضحك ؟ قلنا : لا يفسر هذا "
فالتكييف هو التفسير المنفي هنا وعليه فأبو عبيد لم ينف عن الصفات معناها الظاهر ومما يؤكد هذا ما ذكره الإمام الأزهري تلميذ تلاميذ الشافعي فهو قد روى أثر أبي عبيدة فقال :
وأخبرني محمد بن إسحاق السعديّ عن العباس الدُّورِيّ أنه سأل أبا عبيدٍ عن تفسيره وتفسير غيره من حديث النزول والرؤية فقال : هذه أحاديثُ رواها لنا الثِّقاتُ عن الثّقات حتى رفعوها إلى النبي عليه السلام ؛ وما رأينا أحداً يفسِّرها ، فنحن نؤمن بها على ما جاءت ولا نفسِّرها .
تأمل قوله : " على ما جاءت "
قال الأزهري : أراد أنها تُترك على ظاهرها كما جاءت .
كذا في كتابه تهذيب اللغة
إذًا المعنى الظاهر لا ينفيه أبو عبيد ولم يُرِده بقوله : " ما رأينا أحدا يفسرها "
فأين ما يشغب به المخالف وأين التفويض ؟!
ومما يؤكد أنهم يستعملون التفسير ويريدون بذلك الكيف ما ذكره الإمام إسماعيل الأصبهاني في " الحجة " له حيث قال :
" ولا نكيف صفات الله عز وجل ، ولا نفسرها تفسير أهل التكييف والتشبيه ، ولا نضرب لها الأمثال ، بل نتلقاها بحسن القبول تصديقاً "
وكلامه واضح يصيح بالمراد
وروى البيهقي في الاعتقاد قال :
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن يزيد سمعت أبا يحيى البزار يقول سمعت العباس بن حمزة يقول سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول سمعت سفيان بن عيينة يقول كل ما وصف الله من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه " .
قال البيهقي : " وإنما أراد به والله أعلم فيما تفسيره يؤدي إلى تكييف وتكييفه يقتضي تشبيهه له بخلقه في أوصاف الحدوث " ا.هـ
فانظر إلى معنى التفسير عند البيهقي وكيف هو في الأصل عنده بمعنى التفصيل الذي يؤدي إلى التكييف مع أن سفيان إنما عبر بالتفسير إثباتا لا نفيا ولكن البيهقي نبه على أصل التفسير عندهم ونبه إلى أن مراد سفيان هو دعوة من يَتُوق إلى التفسير الذي هو بمعنى التفصيل المؤدي إلى التكييف دعوة هؤلاء إلى الاكتفاء بما يفهم من القراءة فقط ( وهو المعنى الظاهر ) فكأنه يقول لهم ـ محاكاة ـ : هذا هو تفسيرنا .
كمن يطلب منك حلوى فتعطيه تمرة وتقول له هذه حلوانا تريد صرفه مثلا عن السكريات الغير طبيعية أو لأي سبب آخر
وعلى كل حال فكلام البيهقي نص في أن الأصل في لفظ التفسير هو التفصيل المؤدي إلى الكيف
بل ما فهمه الإمام البيهقي هو مقتضى إحدى روايات سفيان :
فقد روى اللالكائي فقال :
أخبرنا محمد بن رزق الله قال أخبرنا بن عثمان قال نا عيسى بن موسى بن إسحاق الأنصاري قال سمعت أبي يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول :
" كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيف ولا مثل " ا.هـ
فتأمل : " لا كيف ولا مثل " أي ولا التفسير الذي يؤدي إلى الكيف والمثل .
ومن أمثلة هذا أيضا أنه في بعض الروايات لبعض مرويات السلف جاءت كلمة (الكيف) مكان كلمة (التفسير) فمن ذلك :
قال الوليد بن مسلم سألت الأوزاعي ومالك والثوري والليث عن الأحاديث التي فيها الصفات فكلهم قالوا :
" أمروها كما جاءت بلا تفسير " وفي رواية : " بلا كيف "
لتعلم أن نفي التفسير يأتي بمعنى نفي الكيف
وقال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن ابي سلمة الماجشون احد ائمة المدينة المشاهير قال في كلامه المشهور عنه وقد سئل فيما جحدته الجهمية :
" أما بعد فقد فهمت ما سألت فيما تتابعت فيه الجهمية ومن خالفها في صفة الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير وكلّت الألسن عن تفسير صفته وانحسرت العقول دون معرفة قدره ، وردت عظمتَه العقولُ فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وهي حسيرة فانما امروا بالنظر والتفكير فيما خلق بالتقدير وانما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان فأما الذي يحول ولا يزول ولم يزل وليس له مثل فانه لا يعلم كيف هو الا هو وكيف يعرف قدر من لم يبدأ ولا يموت ولا يبلى وكيف يكون لصفة شيء منه حد او منتهى يعرفه عارف او يحد قدره واصف " ا.هـ
فهنا نفى التفسير بقوله : كلت الألسن عن تفسير صفته
ثم علل قائلا : " وانما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان " فدل على مراده بالتفسير وأنه التكييف والسياق واضح في هذا
وقال الإمام الترمذي في سننه :
" وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه ومعنى قوله في الحديث فيعرفهم نفسه يعني يتجلى لهم " ا.هـ
فقرن التفسير بالكيف
وانظر كيف بيّن معنى الحديث ومعنى تعريفه بنفسه وأنه تعريف حقيقي عن طريق التجلي مع أنه نفى تفسيره ! لتعلم أن مجرد المعنى الظاهر هو مثبت عندهم وغير منفي .
قال إمام الشافعية وكبيرهم الإمام ابن سريج في جوابه في الاعتقاد عن صفات الله :
" ... ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبهين، ولا نزيد عليها ولا ننقص منها، ولا نفسرها ولا نكيفها ولا نترجم عن صفاته بلغة غير العربية، ولا نشير إليها بخواطر القلوب ولا بحركات الجوارح، بل نطلق ما أطلقه الله عز وجل ونفسّر ما فسّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون والأئمة المرضيون من السلف المعروفين بالدين والأمانة، ونجمع على ما أجمعوا عليه، ونمسك عن ما أمسكوا عنه، ونسلم الخبر الظاهر والآية الظاهرة تنزيلها، لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والمكيفة، بل نقبلها بلا تأويل ونؤمن بها بلا تمثيل، ونقول: الإيمان بها واجب، والقول بها سنة، وابتغاء تأويلها بدعة..
فنفى رحمه الله تفسير الصفات وقرنه بالكيف مبينا مراده من التفسير هنا ، وأثبت الترجمة عن معاني الصفات بلغة العرب وأقرها ، ففرّق بين تفسير الكيف وبين الترجمة عن معاني الصفات .
فترجمة الصفة ترجمةً قائمةً على مجرد أصل المعنى هو غير تفسيرها المنفي الذي بمعنى التكييف
ثم قرر أن تفسير الصفات على ضوء تفسير الصحابة والتابعين وأئمة السلف هو السنة المتبعة ، وبين بما أعقبه أنه تفسير مقيد بالمعنى الظاهر للنصوص
وهذا النوع من التفسير المثبت مقابل للنوع الأول من التفسير المنفي .
ثم نزهه من تأويلات المعتزلة والأشاعرة والجهمية
فتبين من كلامه هذا معنى التفسير المنفي والتفسير المثبت حتى لا يخلط مخلّط بينهما .
وبنحو هذا المعنى الذي دندنا عليه هنا بعيدا عن مصطلح التفسير ما نقله العلامة محمد أنور الكشميري ، في كتابه : " العرف الشذي " حيث قال :
" واعلم أن المشابهات مثل نُزول الله إلى السماء الدنيا ، واستواءه على العرش ، فرأى السلف فيها الإيمان على ظاهره ، ما ورد إمهاله على ظاهره بلا تأويل وتكييف ، ويفوض أمر الكيفية إلى الله تعالى ،ويتوهم من جامع الفصولين وهو من معتبراتنا النهي عن الترجمة اللغوية أيضاً للمتشابهات ، لكنّ ( قريحتي ) يحكم أن النهيَ عنه تفسيرُها لا ترجمتها تحت الألفاظ من الحقوق واليد والوجه وغيرهما " ا.هـ
فنقل التفريق بين التفسير [ الذي هو تفصيل مقارب للتكييف ]
وبين الترجمة المراعية للألفاظ وهو عين ما ذكره الإمام ابن سريج لكنه عند ابن سريج بصورة أوضح
ثم أعقب العلامة الكشميري هذا الكلام بشرحه لتفويض السلف ومرجحا أنه مرادهم بالتفويض قائلا عنه :
" تفويض التفصيل والتكييف إلى الله تعالى والإنكار على من تأول برأيه وعقله " ا.هـ
فأثبت بهذا ما ذكرناه من التفريق بين التفصيل في المعنى وهو نوع من التفسير فهو المنفي والمفوض في عبارات السلف ، وبين المعنى المجمل الذي يمثل المعنى الظاهر الذي هو من قبيل الترجمة وهو نوع من التفسير فهو المثبت
ب ـ استعمال التفسير بمعنى التفصيل في النفي وهو التأويل
فعن الأثرم قال :
قلت لأبي عبد الله : حدث محدث وأنا عنده بحديث : " يضع الرحمن فيها قدمه " وعنده غلام ، فأقبل عليَّ الغلام فقال : إن لهذا تفسيرا فقال أبو عبد الله : انظر كما تقول الجهمية سواء .
نقله الإمام الذهبي في العلو عن الأثرم ، ورواه ابن بطة قال : حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء ثنا أحمد بن عبد الله بن شهاب ثنا الأثرم فذكره
فالأثر صريح في أن الإمام أحمد سمى تأويل الجهمية تفسيرا وهو موافق للمعنى اللغوي لأن التأويل في حقيقته تفصيل في النفي وهذا باعتراف المفوضة ، والتفصيل هو معنى التفسير .
وكذا قال الإمام الحميدي في رسالته :
" وما نطق به القرآن والحديث مثل قوله تعالى: " وقالَتِ اليَهُودُ يدُ اللَّه مَغْلُولةً غلّت أيْديهم ولُعِنُوا بما قَالُوا بَلْ يَدَاه مَبْسُوطتان " سورة المائدة آية 64. ومثل قوله تعالى: " والسّمواتُ مَطْوياتٌ بيَمينه " سورة الزمر آية 67. وما أشبه هذا من القرآن والحديث لا نزيد فيه ولا نفسّره، ونقف على ما وقف عليه القرآن والسنة ونقول: " الرحمنُ على العرش استوى " ، ومن زعم غير هذا فهوِ مُبْطِلٌ جهميٌّ .
تأمل يريد تفسير الجهمية الذي هو التأويل بدليل قوله :
" ولا نفسره ... ومن زعم غير هذا فهو مبطل جهمي " ا.هـ
والتفسير الذي عليه الجهمية هو التأويل بلا خلاف ، ولا شك أن عامة تأويلات الجهمية قائمة على التفصيل في النفي
وروى الإمام اللالكائي فقال
أخبرنا أحمد بن محمد بن حفص قال ثنا محمد بن أحمد بن سلمة قال ثنا أبو محمد سهل بن عثمان بن سعيد بن حكيم السلمي قال سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن المهدي بن يونس يقول سمعت أبا سليمان داود بن طلحة سمعت عبد الله بن أبي حنيفة الدوسي يقول :
سمعت محمد بن الحسن يقول :
" اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في صفة الرب عز و جل من غير تغيير ولا وصف ولا تشبيه فمن فسر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم وفارق الجماعة فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة لأنه قد وصفه بصفة لا شيء " ا.هـ
تأمل قوله : " فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا .. فمن قال بقول جهم ... لأنه قد وصفه بصفة لاشيء " ا.هـ
فقول جهم والوصف بلا شيء هو من التفصيل في النفي الذي هو التأويل فالتفسير هنا هو التأويل
ثم ما بال المفوض تمسك بقوله " لم يفسروا " ولم يلتفت إلى قوله " لم يصفوا " فعلى مبدإ استدلاله ينبغي أن يتهم محمد بن الحسن بأنه ينسب مذهب الجهمية إلى السلف فالجهمية هم الذين لم يصفوا ولم يثبتوا الصفات !!
ونحن نعلم مراد محمد بن الحسن منها لكننا نطالب المخالف بأن يكون مرنا في فهم بقية الأثر كما كان مرنا في فهم هذه العبارة
وهذا لتعلم أن المخالف لا يتعامل مع كلام الأئمة بعدل ، فكما أنه لم يفهم من قوله في الأثر " لم يصفوا " نفي الصفات كما هي عقيدة الجهمية فكذلك ينبغي أن يفهم نفي التفسير على وجهه وكما دل عليه سياق الأثر نفسه
وقد كان مشتهرا بين أهل العلم إطلاق لفظ التفسير على تأويل الصفات بناء على أنها قائمة على التفصيل في النفي
وقد ملأ الإمام عثمان بن سعيد الدارمي كتابيه بوصف تأويلات الجهمية على أنها تفسيرات ضالة حتى لهج بوصف كل تأويل للمريسي على أنه تفسير باطل
ومن أمثلة ذلك قوله في باب النزول :
" ومن يلتفت إلى تفسيرك وتفسير صاحبك مع تفسير نبي الرحمة ورسول رب العزة إذ فسر نزوله مشروحاً منصوصاً ..."
وهي أكثر من أن تحصى في هذا المقام
فالتأويل تفسير ممنوع ومنفي .
وقال الإمام ابن قدامة في كتابه : " تحريم النظر " وهو يرد على كلام لابن عقيل ينعى فيه التأويل :
" فإن قال : تركتم تأويل الآيات والأخبار الواردة في الصفات ، وادّعى أن السلف تأولوها وفسروها فقد أفِك وافترى وجاء بالطامة الكبرى .
فإنه لا خلاف في أن مذهب السلف الإقرار والتسليم وترك التعرض للتأويل والتمثيل
ثم إن الأصل عدم تأويلهم فمن ادعى أنهم تأولوها فليأت ببرهان على قوله ، وهذا لا سبيل إلى معرفته إلا بالنقل والرواية
فلينقل لنا ذلك عن رسول الله أو عن صحابته أو عن أحد من التابعين أو الأئمة المرضيين .
ثم المدعي لذلك من أهل الكلام وهم أجهل الناس بالآثار وأقلهم علما بالأخبار وأتركهم للنقل فمن أين لهم علم بهذه " ا.هـ
هذا كلام صريح صراح .
وتأمل قوله عن المؤول ابن عقيل : " وادّعى أن السلف تأولوها وفسروها " ا.هـ
فالتفسير بمعنى التأويل مشهور عند أهل العلم
ونفي التفسير في عبارات كثير من السلف يراد به في مواطن منها كثيرة نفي التأويل لأنه تفصيل في النفي .
وسئل أبو عمر محمد بن عبد الواحد صاحب اللغة وهو ثعلب عن قول النبي ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره
فقال الحديث معروف وروايته سنة والاعتراض بالطعن عليه بدعة وتفسير الضحك تكلف وإلحاد أما قوله وقرب غيره فسرعة رحمته لكم وتغيير ما بكم من ضر " ا.هـ
فالسياق واضح ، فقد شرع بوصف صاحب تفسير الضحك بأنه يعترض ويطعن في الرواية بذلك التفسير ووصف تفسيره بالإلحاد والتكلف وهذا ما دل على أنه أراد تفسير التأويل لأن من يفسر تكييفا وتشبيها يبالغ في قبول الروايات مستغلا لها في حملها على التكييف بينما الاعتراض والطعن في الروايات هو من صنيع المؤولة
وقوله : " إلحاد " ظاهر في أن التفسير قائم على الجحد وهو لا يصدق إلا على تفسير التأويل
وإليك في الختام نموذجا لتأويل من تأويلات المعطلة والذي يتضح فيه معنى التفسير الذي عناه السلف في قولهم دون تفسير
ذكر البيهقي حديث رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" الْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُ أَقْوَامًا وَيَضَعُ آخَرِينَ ، وَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ "
ثم قال :
" فَقَدْ قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي حَاتِمٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْخَبَرِ ، قِيلَ : مَعْنَاهُ تَحْتَ قَدْرَتِهِ وَمُلْكِهِ ، وَفَائِدَةُ تَخْصِيصِهَا بِالذِّكْرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْقُلُوبَ مَحِلا لِلْخَوَاطِرِ وَالإِيرَادَاتِ وَالْعُزُومِ وَالنِّيَّاتِ ، وَهِيَ مُقَدِّمَاتُ الأَفْعَالِ ، ثُمَّ جَعَلَ سَائِرَ الْجَوَارِحِ تَابَعَةٌ لَهَا فِي الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ ، وَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَفْعَالا مَقْدُورَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى مَخْلُوقَةٌ ، لا يَقَعُ شَيْءٌ دُونَ إِرَادَتِهِ ، وَمَثَّلَ لأَصْحَابِهِ قُدْرَتَهُ الْقَدِيمَةَ بِأَوْضَحِ مَا يَعْقِلُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، لأَنَّ الْمَرْءَ لا يَكُونُ أَقْدَرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى مَا بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا بَيْنَ نِعْمَتَيِ النَّفْعِ وَالدَّفْعِ ، أَوْ بَيْنَ أَثَرَيْهِ فِي الْفَضْلِ وَالْعَدْلِ ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي بَعْضِ هَذِهِ الأَخْبَارِ : إِذَا شَاءَ أَزَاغَهُ وَإِذَا شَاءَ أَقَامَهُ وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ : يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي وَإِنَّمَا ثَنَّى لَفْظَ الإِصْبَعَيْنِ وَالْقُدْرَةُ وَاحِدَةٌ لأَنَّهُ جَرَى عَلَى الْمَعْهُودِ مِنْ لَفْظِ الْمَثَلِ وَزَادَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فِي تَأْكِيدِ التَّأْوِيلِ الأَوَّلِ بِقَوْلِهِمْ : مَا فُلانٌ إِلاَّ فِي يَدِي ، وَمَا فُلانٌ إِلاَّ فِي كَفِّي ، وَمَا فُلانٌ إِلاَّ فِي خِنْصَرِي ، يُرِيدُ بِذَلِكَ إِثْبَاتَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ ، لا أَنَّ خِنْصَرَهُ يَحْوِي فُلانًا ، وَكَيْفَ يَحْوِيهِ وَهِيَ بَعْضٌ مِنْ جَسَدِهِ ؟ وَقَدْ يَكُونُ فُلانٌ أَشَدَّ بَطْشًا وَأَعْظَمَ مِنْهُ جِسْمًا "
فبالله تأمل هذا التفصيل في النفي ثم احكم .
ج ـ التفسير المثبت وهو كل معنى لا يقوم على تفصيل وإنما يقتصر على ظاهر الصفة
قد جاء في عبارات السلف إثبات نوع من التفسير للصفات
قال محمد بن إبراهيم الأصفهاني سمعت أبا زرعة الرازي وسئل عن تفسير {الرحمن على العرش استوى} فغضب ، وقال تفسيرها كما تقرأ هو على عرشه وعلمه في كل مكان "
رواه ابن أبي حاتم في الرد على الجهمية كما نقل ابن القيم
ورواه الحافظ الهروي في ذم الكلام بإسناد ثابت ،فيه جد الحافظ القراب قد روى عنه جمع من الحفاظ وكان معروفا وباقي رجاله أئمة حفاظ
فهنا أثبت أبو زرعة المعنى الظاهر للآية فقال مقرا للظاهر " هو على عرشه " وسماه تفسيرا ، وواضح من سياقه ومن غضبه أنه سمى هذا المعنى تفسيرا تجوّزا ، وأن التفسير في الأصل هو للتفصيل الذي أغضب أبا زرعة .
وقال الإمام الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الطلحي الأصبهاني مصنف الترغيب والترهيب ، وقد سئل عن صفات الرب فقال :
" مذهب مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وحماد ابن سلمة وحماد بن زيد وأحمد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن راهويه أن صفات الله التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله من السمع والبصر والوجه واليدين وسائر أوصافه إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور من غير كيف يتوهم فيها ولا تشبيه ولا تأويل قال ابن عيينة كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره
قال الأصبهاني : أي هو هو على ظاهره لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل " ا.هـ
فبين الإمام الأصبهاني مراد ابن عيينة ، وأن المعنى الظاهر للصفة هو تفسيرها عند السلف لا تفسير أكثر من هذا الظاهر ، وهذا هو التفسير المثبت .
وواضح من السياق أنه إنما سُمّي تفسيرا تجوزا
وقال الإمام الذهبي :
" وكما قال سفيان وغيره قراءتها تفسيرها
يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضائق التأويل والتحريف
وهذا هو مذهب السلف مع إتفاقهم أيضا أنها لا تشبه صفات البشر بوجه ، إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته " ا.هـ
هذه استعمالات العلماء لمسمى التفسير في الصفات قد شرحتها لك مع بيان المعنى اللغوي للفظ التفسير وقد تبين من خلال كل هذا أن من نسب تفويض الصفات إلى السلف من خلال بعض العبارات عنهم والتي تنفي تفسير الصفات قد أبعد بذلك أيما إبعاد وأنه إنما سلك مبدأ منافيا للعلم في ذلك فلا هو راعى معنى التفسير لغة ولا هو راعى استعمالات العلماء ولا هو تتبع عباراتهم وأعمل كل ألفاظهم ولا راعي الثابت عنهم في باب الصفات عموما والله حسيبه في كل هذا وستكتب شهادتهم ويسألون
وإليك الآن أخي الكريم تلك الروايات عن السلف بأسانيدها وألفاظها والتي قد تناولناها بالشرح لعلك تقارن لتتأكد مما ذكرنا والله الموفق
1ـ أثر أبي عبيد القاسم بن سلام
قال ابن بطة :
قال أبو عبيد القاسم بن سلام وذكر عنده هذه الأحاديث التي في الرؤيا فقال :
هذه عندنا حق رواها الثقات عند الثقات إلى أن صارت إلينا إلا أنا إذا قيل لنا فسروها قلنا لا نفسر منها شيئا ولكن نمضها كما جاءت
وقال الآجري في الشريعة :
حدثنا أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان حدثنا العباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول وذكر عنده هذه الأحاديث في الرؤية فقال هذه عندنا حق نقلها الناس بعضهم عن بعض // إسناده صحيح
قال الإمام الأزهري
وأخبرني محمد بن إسحاق السعديّ عن العباس الدُّورِيّ أنه سأل أبا عبيدٍ عن تفسيره وتفسير غيره من حديث النزول والرؤية فقال : هذه أحاديثُ رواها لنا الثِّقاتُ عن الثّقات حتى رفعوها إلى النبي عليه السلام ؛ وما رأينا أحداً يفسِّرها ، فنحن نؤمن بها على ما جاءت ولا نفسِّرها . قال الأزهري : أراد أنها تُترك على ظاهرها كما جاءت . تهذيب اللغة
وفي السنة للخلال
حدثنا أبو بكرقال ثنا أبو الفضل عباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول هذه الأحاديث حق لا يشك فيها نقلها الثقات بعضهم عن بعض حتى صارت إلينا نصدق بها ونؤمن بها على ما جاءت
قال الدارقطني في كتاب الصفات :
حدثنا محمد بن مخلد حدثنا العباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام وذكر الباب الذى يروى فيه حديث الرؤية والكرسى وموضع القدمين وضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء وأن جهنم لا تمتلىء حتى يضع ربك عز و جل قدمه فيها فتقول قط قط وأشباه هذه الأحاديث فقال هذه أحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض وهى عندنا حق لا شك فيها ولكن إذا قيل كيف وضع قدمه وكيف ضحك قلنا لا يفسر هذا ولا سمعنا أحدا يفسره
وأخبرنا عُبَيْدُ الله بن أحمد الأزهري, قال: أخبرنا الدارقطني, قال: حدثنا محمد بن مَخْلَد, قال: حدثنا عباس بن محمد الدوري, قال: سمعت أبا عُبَيْدٍ القاسم بن سَلَّام، وذكر الباب الذي يُرْوَى في الرؤيا, والكرسي, وموضع القدمين, وضحك ربنا من قنوط عباده, وقربه من عبده, وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء؟ وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك - عز وجل - قدمه فيها, فتقول: قط قط, وأشباه هذه الأحاديث؛ فقال: هذه الأحاديث صِحَاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض, وهي عندنا حق لا نَشُكُّ فيها, ولكن إذا قيل: كيف وضع قدمه؟ وكيف ضَحِكَ؟ قلنا: لا نفسر هذا, ولا سمعنا أحدًا يُفَسِّرُهُ.
قال الإمام اللالكائي :
أخبرنا أحمد بن محمد بن الجراح ومحمد بن مخلد قالا ثنا عباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام وذكر عنده هذه الأحاديث ضحك ربنا عز و جل من قنوط عباده وقرب غيره
والكرسي موضع القدمين وأن جهنم لتمتلىء فيضع ربك قدمه فيها وأشباه هذه الأحاديث
فقال أبو عبيد : هذه الأحاديث عندنا حق يرويها الثقات بعضهم عن بعض إلا أنا إذا سئلنا عن تفسيرها قلنا ما أدركنا أحدا يفسر منها شيئا ونحن لا نفسر منها شيئا نصدق بها ونسكت
وقال البيهقي :
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ الأَصْبَهَانِيُّ ، فِيمَا أَجَازَ لَهُ جَدُّهُ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ ، يَقُولُ : هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا : ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غَيْرِهِ ، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رَبُّكَ قَدَمَهُ فِيهَا ، وَالْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ فِي الرِّوَايَةِ هِيَ عِنْدَنَا حَقٌّ ، حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ، غَيْرَ أَنَّا إِذَا سُئِلْنَا عَنْ تَفْسِيرِهَا لا نُفَسِّرُهَا وَمَا أَدْرَكْنَا أَحَدًا يُفَسِّرُهَا
وقال الإمام الذهبي في السير :
أخبرنا أبو محمد بن علوان، أخبرنا عبدالرحمن بن إبراهيم، أخبرنا عبدالمغيث بن زهير، حدثنا أحمد بن عبيدالله، حدثنا محمد بن علي العشاري، أخبرنا أبو الحسن الدارقطني، أخبرنا محمد بن مخلد، أخبرنا العباس الدوري، سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام - وذكر الباب الذي يروى فيه الرؤية، والكرسي موضع القدمين (2)، وضحك ربنا، وأين كان ربنا (3) - فقال: هذه أحاديث صحاح (4)، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل: كيف يضحك ؟ وكيف وضع قدمه ؟ قلنا: لا نفسر هذا، ولا سمعنا أحدا يفسره "
وهذا إسناد جيد في الشواهد فابن كادش الذي اعتمد بعض المتأخرين اتهامه بالوضع هو بريء من هذا وغايته أنه اعترف بوضع حديث وتاب منه وليس هذا محل البيان
وأما العشاري فهو إمام ثقة ومن اتهمه بالوضع فقد كذب على هذا الإمام وسأبين في فرصة مناسبة تزوير الجهمية لحقائق العلم فيما يخص هذين الراويين
2ــ قول جماعة من السلف : " أمروها كما جاءت بلا تفسير "
قال الإمام الآجري :
حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد قال : حدثنا أبو حفص عمر بن مدرك القاضي قال : حدثنا الهيثم بن خارجة قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : سألت الأوزاعي و الثوري و مالك بن أنس ، و الليث بن سعد : عن الأحاديث التي فيها الصفات ؟ فكلهم قال :
" أمروها كما جاءت بلا تفسير " .
وقال الإمام اللالكائي :
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد القزويني قال ثنا محمد بن أحمد بن منصور القطان قال ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال ثنا إسماعيل بن أبي الحارث قال ثنا الهيثم بن خارجة قال سمعت الوليد بن مسلم يقول
سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية فقالوا :
" أمروها بلا كيف "
وفي السنة للخلال :
حدثنا أبو بكر قال ثنا الفضل بن سليمان قال ثنا الهيثم بن خارجة قال ثنا الوليد بن مسلم قال سألت سفيان والأوزاعي ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا نمرها كما جاءت
وقال الإمام ابن بطة :
حدثنا القافلائي قال ثنا محمد بن إسحاق قال ثنا الهيثم بن خارجة قال ثنا الوليد بن مسلم قال سألت الأوزاعي والثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن الأحاديث التي في الصفات وكلهم قال :
" أمروها كما جاءت بلا تفسير "
3 ـ أثر محمد بن الحسن الشيباني .
قال الإمام اللالكائي :
أخبرنا أحمد أخبرنا محمد بن أحمد بن سليمان قال ثنا أبو علي الحسن بن يوسف بن يعقوب قال ثنا أبو محمد أحمد بن علي بن زيد الغجدواني قال ثنا أبو عبد الله محمد بن أبي عمرو الطواويسي قال ثنا عمرو بن وهب يقول سمعت شداد بن حكيم
يذكر عن محمد بن الحسن في الأحاديث التي جاءت أن الله يهبط إلى سماء الدنيا ونحو هذا من الأحاديث إن هذه الأحاديث قد روتها الثقات فنحن نرويها ونؤمن بها ولا نفسرها
وروى اللالكائي قال
أخبرنا أحمد بن محمد بن حفص قال ثنا محمد بن أحمد بن سلمة قال ثنا أبو محمد سهل بن عثمان بن سعيد بن حكيم السلمي قال سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن المهدي بن يونس يقول سمعت أبا سليمان داود بن طلحة سمعت عبد الله بن أبي حنيفة الدوسي يقول
سمعت محمد بن الحسن يقول اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في صفة الرب عز و جل من غير تغيير ولا وصف ولا تشبيه فمن فسر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم وفارق الجماعة فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة لأنه قد وصفه بصفة لا شيء
4 ــ أثر سفيان بن عيينة " قراءته تفسيره "
قال الإمام البيهقي :
وأخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محبور الدهان ، حَدَّثَنَا أبو العباس أحمد بن هارون الفقيه ، حَدَّثَنَا أبو يحيى زكريا بن يحيى البزاز ، حَدَّثَنَا أبو عبد الله محمد بن الموفق ، حَدَّثَنَا إسحاق بن موسى الأنصاري ، قال : سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : ما وصف الله تبارك وتعالى به نفسه في كتابه فقراءته تفسيره ، ليس لأحد أن يفسره بالعربية ولا بالفارسية
وفي إسناده من لم يوثق
وقال البيهقي :
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن حمش ، سمعت أبا العباس الأزهري ، سمعت سعيد بن يعقوب الطالقاني ، سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : كل ما وصف الله تعالى من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني محمد بن يزيد ، سمعت أبا يحيى البزاز ، يقول : سمعت العباس بن حمزة ، يقول : سمعت أحمد بن أبي الحواري ، يقول : سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : كل ما وصف الله تعالى من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته ، والسكوت عليه .
ثم قال البيهقي :
" وإنما أراد به والله أعلم فيما تفسيره يؤدي إلى تكييف وتكييفه يقتضي تشبيهه له بخلقه في أوصاف الحدوث "
وقال البيهقي :
أخبرنا أبو بكر بن الحارث ، أَخْبَرَنَا أبو محمد بن حيان ، حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، حَدَّثَنَا أبو حاتم ، حَدَّثَنَا إسحاق بن موسى ، قال : سمعت ابن عيينة ، يقول : ما وصف الله تعالى به نفسه فتفسيره قراءته ، ليس لأحد أن يفسره إلا الله تبارك وتعالى ، أو رسله صلوات الله عليهم
وروى اللالكائي فقال :
أخبرنا محمد بن رزق الله قال أخبرنا بن عثمان قال نا عيسى بن موسى بن إسحاق الأنصاري قال سمعت أبي يقول
سمعت سفيان بن عيينة يقول كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيف ولا مثل
وقال ابن عبد البر في التمهيد :
أخبرنا أبو القاسم خلف بن القاسم قال حدثنا عبدالله بن جعفر بن الورد قال حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن إبراهيم عن أحمد بن نصر أنه سأل سفيان بن عيينة قال :
حديث عبدالله إن الله عز و جل يجعل السماء على أصبع وحديث إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن وإن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الأسواق وأنه عز و جل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ونحو هذه الأحاديث ؟
فقال :
" هذه الأحاديث نرويها ونقر بها كما جاءت بلا كيف "
تأمل " نقر بها كما جاءت "
وقال الإمام ابن بطة :
حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن مسعدة الأصبهاني قال سمعت محمد بن أيوب الرازي يقول : أخبرنا إسحاق بن موسى قال : قال سفيان بن عيينة :
" ما وصف الله نفسه فقراءته تفسيره ليس لأحد أن يفسره إلا الله عز و جل "
وعن حديث الصورة
حدثني أبي سمعت الحميدي وحدثنا سفيان بهذا الحديث ويقول هذا حق ويتكلم وابن عيينة ساكت قال أبي رحمه الله ما ينكر ابن عيينة قوله
سنة ع
حدثنا محمد بن سليمان بن حبيب لوين سمعت ابن عيينة غير مرة يقول الايمان قول وعمل قال ابن عيينة اخذناه ممن قبلنا قول وعمل وأنه لايكون قول إلا بعمل قيل لابن عيينة يزيد وينقص قال فأيش إذًا
قيل لابن عيينة : هذه الاحاديث التي ترويها في الرؤية قال حق على ما سمعناها // إسناده صحيح
جواب عمن يستدل بابن عيينة
حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي حدثنا محمد بن سليمان لوين قال
قيل لسفيان بن عينية هذه الأحاديث التي تروى في الرؤية فقال حق على ما سمعناها مما نثق به // رجاله ثقات
5 ـ أثر وكيع بن الجراح .
وقال الدارقطني في الصفات :
حدثنا محمد بن مخلد حدثنا العباس بن محمد الدورى قال سمعت يحيى بن معين يقول شهدت زكريا بن عدى يسأل وكيعا فقال يا أبا سفيان هذه الأحاديث يعنى مثل الكرسى موضع القدمين ونحو هذا فقال وكيع أدركنا اسماعيل بن أبى خالد وسفيان وسليمان يحدثون بهذه الأحاديث ولا يفسرون شيئا
وقال البيهقي :
قال أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ ، يَقُولُ : شَهِدْتُ زَكَرِيَّا بْنَ عَدِيٍّ ، سَأَلَ وَكِيعًا ، فَقَالَ : يَا أَبَا سُفْيَانَ ، هَذِهِ الأَحَادِيثُ يَعْنِي مِثْلَ : الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ وَنَحْوَ هَذَا ؟ فَقَالَ وَكِيعٌ : أَدْرَكْنَا إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ ، وَسُفْيَانَ ، وَمِسْعَرًا يُحَدِّثُونَ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ وَلا يُفَسِّرُونَ شَيْئًا
لكن روى الدولابي في الكنى عن الدوري قال :
قال : سمعت يحيى يقول :
» شهدت زكريا بن عدي سأل وكيعا ، فقال : يا أبا سفيان هذه الأحاديث ، يعني مثل : حديث الكرسي ، موضع القدمين ، ونحوها فقال وكيع : « أدركنا إسماعيل بن أبي خالد ، وسفيان ، ومسعرا يحدثون بهذه الأحاديث ، ولا يفسرون بشيء » .
وهو في تاريخ الدوري كما روى الدولابي
والعبد لله يفهم من لفظ الدوري الذي في تاريخه أن التفسير هنا يراد به التأويل لأنه عداه بحرف الباء
وهو على هذا موافق لاستعمالات السلف السابقة والتي عبرت عن التأويل بالتفسير
ويؤيد هذا التوجيه ما روي عن وكيع نفسه وبسياق مقارب
قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه حدثنا وكيع عن إسرائيل بحديث إذا جلس الرب جل جلاله على الكرسي فاقشعر رجل عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الأعمش والثوري يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها نقله الذهبي وقال رواها أبو حاتم عن أحمد
ونقله عن أحمد ابن قدامة في تحريم النظر
وقال عبد الله بن أحمد :
حدثني أبي نا وكيع بحديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبدالله بن خليفة عن عمر رضي الله عنه قال إذا جلس الرب عز و جل على الكرسي فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الاحاديث لا ينكرونها
فهذا قاض للنزاع ودال بصراحة على أن المنقول عنهم هو ترك التفسير الذي هو التأويل فهم لا ينكرون الأحاديث لا يؤولونها لا يفسرونها بالتأويل لأن التأويل هو إنكار لظاهر الأحاديث وهم لا ينكرون شيئا من أحاديث الصفات
وهذا آخر ما تيسر من هذا المبحث والله الموفق
وكتبه العبد الفقير إلى توفيق الله ومرضاته محمد بن خليفة الرباح
وقال الإمام البخاري في كتابه خلق أفعال العباد :
" ومن الدليل على أن الله يتكلم كيف شاء ... " ا.هـ
فأثبت لتكلم الله كيفية لكنه لم يتعرض لبيان الكيفية لأنه محظور
وقال الإمام الصابوني :
" وقرأت لأبي عبد الله ابن أبي البخاري وكان شيخ بخاري في عصره بلا مدافعة وأبو حفص كان من كبار أصحاب محمد بن الحسن الشيباني قال أبو عبد الله أعني ابن أبي حفص هذا سمعت عبد الله بن عثمان وهو عبدان شيخ مرو يقول سمعت محمد بن الحسن الشيباني يقول قال حماد بن أبي حنيفة قلنا لهؤلاء أرأيتم قول الله عز و جل وجاء ربك والملك صفا صفا قالوا أما الملائكة فيجيئون صفا صفا وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى بذلك ولا ندري كيفية مجيئه فقلت لهم إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه أرأيتم إن أنكر أن الملائكة تجيء صفاً صفاً ماهو عندكم ؟
قالوا: كافر مكذب.
قلت: فكذلك من أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب
راوه أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف وإسناده صحيح
فالكيف ثابت في حقيقة الأمر لكنه مجهول عندنا
وقال الإمام ابن أبي زمنين في كتابه في السنة :
"ومن قول أهل السنة : أن الله عز وجل خلق العرش | واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق ، ثم استوى عليه كيف | شاء ، كما أخبر عن نفسه " ا.هـ
فأثبت للاستواء كيفية وعَزا هذا لأهل السنة .
وقال الإمام زكريا بن يحي الساجي رحمه الله (307هـ)
قال: "القول في السنة التي رأيت عليها أصحابنا أهل الحديث، إن الله تعالى على عرشه، في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء" ا.هـ
فهنا أيضا نقل الساجي إثبات الكيف للقرب نقله عن أهل الحديث
وقال الإمام الأشعري كما نقله ابن عساكر في تبيين كذب المفتري نقلا من الإبانة :
" ونقول أن الله تعالى يجيء يوم القيامة كما قال وجاء ربك والملك صفا صفا وأن الله تعالى يقرب من عباده كيف يشاء كما قال ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وكما قال ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى " ا.هـ
وقال أبو الحسن الأشعري في كتابه المقالات لما ذكر مقالة أهل السنة وأهل الحديث فقال :
( ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه و سلم [ إن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول : هل من مستغفر ؟ ] كما جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } ( النساء : 59 ) ويرون اتباع من سلف من أئمة الدين وأن لا يحدثوا في دينهم ما لم يأذن الله ويقرون بأن الله يجيء يوم القيامة كما قال : { وجاء ربك والملك صفا صفا } ( الفجر : 22 ) وأن الله يقرب من خلقه كيف شاء كما قال : { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } ( ق : 16 )
قال الأشعري : ( وبكل ما ذكرنا من أقوالهم نقول وإليه نذهب )
فأثبت للقرب كيفية
وهذا الإمام الأشعري أيضا قد أثبت لقربه كيفية راجعة لمشيئته لكنا لا نعلمها .
وقال الإمام أبو عثمان الصابوني في رسالته في الاعتقاد :
" قرأت فى رسالة أبى بكر الإسماعيلى الى أهل جيلان :
إن الله ينزل إلى السماء الدنيا على ما صح به الخبر عن النبى ، وقد قال عز وجل : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله فى ظلل من الغمام ) وقال : ( وجاء ربك والملك صفا صفا )
نؤمن بذلك كله على ما جاء بلا كيف ، فلو شاء سبحانه أن يبين كيف ذلك فَعَلَ ، فانتهينا إلى ما أحكمه وكففنا عن الذى يتشابه إذ كنا قد أمرنا به فى قوله : ( هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ، هن أم الكتاب وأخر متشابهات ، فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ، ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله ، والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب ) " ا.هـ
كيف نزل وكيف جاء وكيف يأتي ؟ لو شاء الله لبين كل هذا الكيف الذي هو قائم بهذه الصفات ويعلمه الله وحده
فهؤلاء أئمة الإسلام المتفق عليهم يثبتون أن هناك كيفا لكن الله لم يبينه لنا
وقال الإمام أبو بكر الإسماعيلي في رسالته في الاعتقاد :
" ويعتقدون أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسني وموصوف بصفاته التي سمي ووصف بها نفسه ووصفه بها نبيه صلى الله عليه و سلم خلق آدم بيده ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بلا اعتقاد كيف وأنه عز و جل استوى على العرش بلا كيف فإن الله تعالى انتهى من ذلك إلى أنه استوى على العرش ولم يذكر كيف كان استواؤه " ا.هـ
" بلا اعتقاد كيف " و " بلا كيف " نعلمه ونتعرض له
ثم قرر أن الله تعالى لم يذكر كيف كان استواؤه ، إذًا هو قائم به لكنه لم يذكره .
وسئلأبو علي الحسين بن الفضل البجليعن الاستواء وقيل له :
كيفاستوى على عرشه ؟، فقال:
" أنا لا أعرف من أنباء الغيبإلاَّ مقدار ما كُشف لنا، وقد أعلمنا جلّ ذكره انَّه استوى على عرشه ولم يخبرنا كيفاستوى "
رواه الصابوني في عقيدة السلف ص:40
وظاهر عدم التكييف راجع لعدم العلم به لا لانعدامه
قال الحافظ أبو عمر أحمد بن محمد الطلمنكي :
" أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله {وهو معكم أينما كنتم } ، ونحو ذلك من القرآن أنه علمه وأن الله فوق السماوات بذاته مستو على عرشه كيف شاء " ا.هـ
وقال العلامة أبو أحمد الكرجي ، في عقيدته التي ألفها فكتبها الخليفة القادر بالله ، وجمع الناس عليها وأمر ، وذلك في صدر المائة الخامسة وفي آخر أيام الإمام أبي حامد الإسفرائيني شيخ الشافعية ببغداد ، وأمر بإستتابة من خرج عنها من معتزلي ورافضي وخارجي ، فمما قال في تلك العقيدة :
" كان ربنا عزوجل وحده لا شيء معه ولا مكان يحويه فخلق كل شيء بقدرته وخلق العرش لا لحاجة إليه فاستوى عليه إستواء إستقرار كيف شاء وأراد لا إستقرار راحة " ا.هـ
وقرأت لبعض أهل العلم أنه عد ما في هذا المعتقد إجماعا
وقال الإمام معمر بن زياد الأصبهاني :
" وأن الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل والإستواء معقول والكيف مجهول وأنه بائن من خلقه والخلق بائنون منه فلا حلول ولا ممازجة ولا ملاصقة وأنه سميع بصير عليم خبير يتكلم ويرضى ويسخط ويعجب ويضحك ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكا وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا بلا كيف ولا تأويل كيف شاء فمن أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال " ا.هـ
فأثبت للنزول وللاستواء كيفا لكنه مجهول لدينا .
وتأمل نفيه للكيف في الأول ثم إثباته للكيف فهو يبين لك ما أردت إيصاله إليك
ـ " بلا كيف " أي نعلمه أو نتعرض له
ـ و " كيف شاء " مما هو عليه تعالى ويعلمه
وقال الإمام عبدالباقي المواهبي الحنبلي في كتابه العين والأثر :
" والكلام حقيقة الأصوات والحروف وإن سمي به المعنى النفسي وهو نسبة بين مفردين قائمة بالمتكلم فمجاز
... فلم يزل الله متكلما كيف شاء إذا شاء بلا كيف "
وقال العلامة الملطي الشافعي في كتابه التنبيه والرد :
" ومما يدل على أن الله تبارك وتعالى ينزل كيف يشاء إذا شاء صعوده إلى السماء واستواؤه على العرش " ا.هـ
قال الشوكاني :
" ولم يحط بفائدة هذه الآية ويقف عندها ويقتطف من ثمراتها إلا الممرون الصفات على ظاهرها المريحون أنفسهم من التكلفات والتعسفات والتأويلات والتحريفات وهم السلف الصالح كما عرفت فهم الذين اعترفوا بالإحاطة وأوقفوا أنفسهم حيث أوقفها الله وقالوا الله أعلم بكيفية ذاته وما هية صفاته " ا.هـ
فيه إثبات الكيف مع تفويض العلم بهذا الكيف
ومما اشتهر وكان كلمة اتفاق قول العلماء عن كثير من الصفات : " والكيف مجهول "
ولو كان الكيف عدما لما كان مناسبا وصفه في هذا المقام الدقيق بما يفهم منه أنه ليس بعدم بل موجود لكنه مجهول لدينا فقط
كل هذه الأقوال وغيرها دالة على المراد من أن لصفات الله كيفيات ما لكن لا نعلمها فلذلك لانكيفها ولا ننفيها
وهذا شيء ينبغي أن يكون مسلّما ولا يحتاج منا إلى كل هذه النقول فالصفات باعتبارها صفات قائمة حقيقية فلا بد أن يكون لها كنه وحقيقة ولا يمكن أن يكون هناك كنه وحقيقة دون كيفية فما لا كيفية له فليس له كنه ولا حقيقة ، وما كان كذلك فليس بشيء وليس بموجود
وبهذا نكون قد دللنا على الفقرة (أ) و (ب) بكلام السلف وغيرهم من أهل السنة كما وعدنا
وبقيت الفقرة الثالثة (ج) وهي في التفريق بين إثبات المعنى الظاهر وبين التكييف ، فقد سبق أن صفة السمع والبصر ثابتتان بمعناهما المعروف و مع اعتقادنا لمعناهما لا نكيفهما
وهذا الموقف منا في صفة السمع والبصر ونحوهما لم يستشكله المخالفون لنا من أهل التعطيل وقبلوا تفريقنا بين إثبات المعنى ونفي التكييف
لكنهم أو كثير منهم نصبوا لنا الإشكال في هذا التفريق عند إثباتنا للصفات الخبرية كاليدين والنزول ونحوهما وهذا منهم تناقض يكشف ما لديهم من خلط في هذه المسائل
فإليك تطبيقات العلماء وأقوالهم لتنكشف لك الرؤية أكثر
قال الإمام أبو الحسن الأشعري :
" وأن له عينين بلا كيف "
ذكر هذا في كتابه مقالات الإسلاميين وفي الإبانة
وتثنية العينين لم تثبت في لفظ فهذا دليل على إثباته المعنى وأنه عنده غير الكيف
قال الإمام ابن خزيمة :
" باب أخبار ثابتة السند صحيحة القوام
رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب من غير أن نصف الكيفية لأن نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفيه نزول خالقنا إلى سماء الدنيا وأعلمنا أنه ينزل. والله جل وعلا لم يترك ولا نبيه بيان ما بالمسلمين الحاجة إليه من أمر دينهم.
فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الاخبار من ذكر النزول غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفيه النزول.
وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح أن الله جل وعلا فوق سماء الدنيا الذي أخبرنا نبينا أنه ينزل إليه إذ محال في لغة العرب أن يقول نزل من أسفل إلى أعلى ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلى إلى أسفل " ا.هـ
فأثبت معنى النزول وفرق بينه وبين الكيفية ففوض هذا الكيف .
قال العلامة أبو بكر بن موهب المالكي :
" قال الشيخ أبو محمد : إنه فوق عرشه المجيد بذاته، ثم بيّن أن علوه على عرشه إِنما هو بذاته لأنه بائن عن جميع خلقه بلا كيف " ا.هـ
وكذا الإمام أبو نصر السجزى فقد قال في رسالته المشهورة إلى أهل زبيد :
" واعتقاد أهل الحق أن الله سبحانه فوق العرش بذاته من غير مماسة وأن الكرامية ومن تابعهم على قول المماسة ضلال ، وقد أقر الأشعري بحديث النزول ثم قال : [ النزول فعل له يحدثه في السماء ] وقال بعض أصحابه [ المراد به نزول أمره ] ونزول الأمر عندهم لا يصح وعند أهل الحق الذات بلا كيفية
…وعند أهل الحق أن الله سبحانه مباين لخلقه بذاته فوق العرش بلا كيفية بحيث لا مكان وقد أثبت الذي في موطأ مالك بن أنس رحمه الله وفي غيره من كتب العلماء : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للجارية التي أراد عتقها من عليه رقبة مؤمنة : ( أين الله ؟ قالت : في السماء فقال : من أنا ؟ قالت : رسول الله ، قال : اعتقها فإنها مؤمنة " ا.هـ
فأثبت فوقية الذات ونزول الذات وهذا إثبات للمعنى ، ونفى في نفس الوقت الكيف .
فإثبات المعنى غير التكييف
وقال الإمام الزنجاني :
" ولكنه مستو بذاته على عرشه بلا كيف كما أخبر عن نفسه " ا.هـ
هنا أيضا إثبات المعنى ونفي الكيف
الشهرزوري
فصل
من صفاته تبارك وتعالى
فوقيته واستواؤه على عرشه بذاته، كما وصف نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله لله صلى الله عليه وسلم بلا كيف.
فانظر إلى إثبات معنى الاستواء وأنه استواء الذات وفي نفس الوقت نفي الكيف أي نفي التعرض له والعلم به
ويقولالإمام أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجيفي قصيدته فيالسنة:
وأن استواء الرب يعقل كونه ويجهل فيهالكيف جهل الشهارب
وقد سبق أنه نقل قصيدته الإمام ابن الصلاح ونقلها من خط ابن الصلاح غير واحد منهم الإمام الذهبي .
ومن تطبيقات العلماء للأخذ بمعاني النصوص والتفريق بينها وبين الكيف قول الإمام عبد القادر الجيلاني :
" وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش، ثم. قال:
وكونه عز وجل على العرش مذكور في كل كتاب انزل على كل نبي أرسل بلا كيف ، فالاستواء من صفات الذات بعد ما أخبرنا به وأكده في سبع آيات من كتابه والسنة الماثورة به ، وهو صفة لازمة له ولائقة به كاليد والوجه والعين والسمع والبصر والحياة والقدرة ، وكونه خالقاً ورازقاً ومحيياً ومميتاً ، موصوف بها ، ولا نخرج من الكتاب والسنة ، نقرأ الآية والخبر ونؤمن بما فيهما ، ونكل الكيفية في الصفات إلى علم الله عز وجل " ا.هـ
فتأمل إثبات كيفيات موكول علمها إلى الله وقبلها أثبت معنى الاستواء والفوقية ونفى الكيف .
وقال شمس الأئمة أبو العباس السرخسي الحنفي : ( وأهل السنة والجماعة ، أثبتوا ماهو الأصل ، معلوم المعنى بالنص _أي بالآيات القطعية والدلالات اليقينية وتوقفوا فيما هو متشابه وهو الكيفية ، ولم يجوزوا الاشتغال في طلب ذلك)
(شرح الفقه الأكبر لملا علي القاري ص 93)
فالمعنى شيء مثبت أما الكيف فهو شيء آخر مفوض .
قال الإمام أحمد بن إبراهيم الواسطي ت 711 هـ :
" فكذلك نقول نحن حياته معلومة وليست مكيفة وعلمه معلوم وليس مكيفا وكذلك سمعه وبصره معلومان وليس جميع ذلك أعراضا بل هو كما يليق به ومثل ذلك بعينه فوقيته واستواؤه ونزوله ففوقيته معلومة أعني ثابتة كثبوت حقيقة السمع وحقيقة البصر فإنهما معلومان ولا يكيفان كذلك فوقيته معلومة ثابتة غير مكيفة كما يليق به واستواؤه على عرشه معلوم ثابت كثبوت السمع والبصر غير مكيف " ا.هـ
وقال الإمام المفسر القرطبي :
" وَقَدْ كَانَ السَّلَف الْأَوَّل رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ لَا يَقُولُونَ بِنَفْيِ الْجِهَة وَلَا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ , بَلْ نَطَقُوا هُمْ وَالْكَافَّة بِإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا نَطَقَ كِتَابه وَأَخْبَرَتْ رُسُله . وَلَمْ يُنْكِر أَحَد مِنْ السَّلَف الصَّالِح أَنَّهُ اِسْتَوَى عَلَى عَرْشه حَقِيقَة . وَخُصَّ الْعَرْش بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْظَم مَخْلُوقَاته , وَإِنَّمَا جَهِلُوا كَيْفِيَّة الِاسْتِوَاء فَإِنَّهُ لَا تُعْلَم حَقِيقَته . قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : الِاسْتِوَاء مَعْلُوم - يَعْنِي فِي اللُّغَة - وَالْكَيْفَ مَجْهُول , وَالسُّؤَال عَنْ هَذَا بِدْعَة . وَكَذَا قَالَتْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا.
فأثبت المعنى بالصريح ونسبه للسلف وللإمام مالك وفرق بينه وبين الكيف وجعله مجهولا مفوضا وهذا اعتراف هام وما أصرحه :
" الِاسْتِوَاء مَعْلُوم - يَعْنِي فِي اللُّغَة - وَالْكَيْفَ مَجْهُول "
فهناك فرق بينهما
وفيه دلالة على أن الكيف غير منفي في علم الله
وقال الملاَّ علىُّ القاري بعد ذكره قول الإمام مالك:
"الاستواء معلوم والكيف مجهول…" قال :
" اختاره إمامنا الأعظم - أي أبو حنيفة - وكذا كل ما ورد من الآيات والأحاديث المتشابهات من ذكر اليد والعين والوجه ونحوها من الصفات. فمعاني الصفات كلها معلومة وأما كيفيتها فغير معقولة؛ إذْ تَعقُّل الكيف فرع العلم لكيفية الذات وكنهها. فإذا كان ذلك غير معلوم؛ فكيف يعقل لهم كيفية الصفات " ا.هـ
تأمل أخي الكريم كلامه : المعاني معلومة وأما كيفيتها فغير معقولة
وقال العلامة محمد أنور الكشميري في العرف الشذي :
" واعلم أن المشابهات مثل نُزول الله إلى السماء الدنيا ، واستواءه على العرش ، فرأى السلف فيها الإيمان على ظاهره ما ورد إمهاله على ظاهره بلا تأويل وتكييف ، ويفوض أمر الكيفية إلى الله تعالى " ا.هـ
فالمعنى الظاهر عند السلف شيء وهو مثبت ، والتكييف شيء آخر وهو مفوض ، وهذا يقوله الكشميري معترفا لأنه أشعري ماتريدي
وقال الكشميري :
" ودل ماروينا على رغم أنف من قال بأن أبا حنيفة جهمي عياذاً بالله ، فإن أبا حنيفة قائل بما قال السلف الصالحون ، فالحاصل أن نزول الباري إلى سماء الدنيا نزول حقيقة يحمل على ظاهره ويفوض تفصيله وتكييفه إلى الباري عز برهانه ، وهو مذهب الأئمة الأربعة والسلف الصالحين " ا.هـ
تأمل فالتكييف عنده هو تفصيل المعنى
وفيه أن إثبات النزول على حقيقته كما هو ظاهر معناه شيء والتكييف شيء آخر ومع هذا فالكيف يعلمه الله وليس هو بعدم
ـــ ماذا نسمي هذا الذي نقله هذا العالم الأشعري الماتريدي معترفا وعزاه للسلف بما فيهم الأئمة الأربعة ؟
هل هو تأويل ؟ أم تفويض ؟ وإن لم يكن ، فما هو وماذا نسميه ؟!
وهابية أم تيمية وعليه فالأئمة الأربعة وهابيون تيميون !!
ماذا يريد المخالف أكثر من هذه الاعترافات !!
وقال الإمام الذهبي معقبا على أثر مالك في الاستواء :
" وهو قول أهل السنة قاطبة ، أن كيفيةالاستواءلا نعقلها بل نجهلها ، وأن استواءه معلوم ، كما أخبر فيكتابه ، وأنه كما يليق به ، لا نتعمق ولا نتحذلق ، لا نخوض في لوازم ذلك نفياً ولاإثباتاً ، بل نسكت ونقف ، كما وقف السلف " ا.هـ
فالكيفية تجهل لا تنفى مع أن المعنى معلوم ، فالمعنى غير الكيف.
وعلّق الإمام الذهبيُّ على أثر الإمام أبي جعفر الترمذي في إثباته النزول بقوله :
" صدق فقيهُ بغداد وعالمُها في زمانه ؛ إذ السؤال عن النزول ما هو؟ عيٌّ؛ لأنَّه إنما يكون السؤال عن كلمة غريبة في اللغة، وإلاّ فالنزول والكلام والسمع والبصر والعلم والاستواء عباراتٌ جليّةٌ واضحةٌ للسامع، فإذا اتّصف بها من ليس كمثله شيء، فالصفة تابعةٌ للموصوف، وكيفية ذلك مجهولة عند البشر، وكان هذا الترمذي من بحور العلم ومن العباد الورعين " ا.هـ
ففرق بين المعنى المثبت وبين الكيف المجهول عندنا نحن البشر لا عند الله صاحب هذه الصفات
وقال الإمام الشوكاني :
" ومن جملة الصفات التي أمرها السلف على ظاهرها وأجروها على ما جاء به القرآن والسنة من دون تكلف ولا تأويل صفة الاستواء التي ذكرها السائل ، يقولون : نحن نثبت ما أثبته الله لنفسه من استوائه على عرشه على هيئة لا يعلمها إلا هو وكيفية لا يدري بها سواه ، ولا نكلف أنفسنا غير هذا فليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ، ولا تحيط عباده به علما ، وهكذا يقولون في مسألة الجهة التي ذكرها السائل وأشار إلى بعض ما فيه دليل عليها والأدلة في ذلك طويلة كثيرة في الكتاب والسنة وقد جمع أهل العلم منها لا سيما أهل الحديث مباحث طولوها بذكر آيات قرآنية وأحاديث صحيحة .
وقد وقفت من ذلك على مؤلف بسيط في مجلد جمعه مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي رحمه الله ، استوفى فيه كل ما فيه دلالة على الجهة من كتاب أو سنة أو قول صاحب مذهب والمسألة أوضح من أن تلتبس على عارف وأبين من أن يحتاج فيها إلى التطويل " ا.هـ
فأثبت بالصريح معنى الاستواء وفوض كيفيته مثبتا أنها معلومة عند الله
وهذا تفريق منه صريح بين المعنى والكيف .
إذا علمت كل ما تقدم تبين لك أن الخلط وعدم التفريق بين إثبات أصل الكيف وبين تفويض العلم بكنهه وحقيقته هو الذي ورط المخالفين وأوقعهم في الاضطراب والخلط في التعامل مع نصوص السلف
وسبق أن ذكرت المعطلين لصفات الله من المؤولة والمفوضة بأنهم يوافقوننا في نفي التكييف نظريا ولفظيا بينما هم يكيفون الصفات تحت مسمى التنزيه
عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : كنت أنا وأبي عابرين في المسجد ، فسمع قاصاً يقص بحديث النزول ، فقال : إذا كان ليلة النصف من شعبان ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا ، بلا زوال ولا انتقال ولا تغير حال . فارتعد أبي ـ رحمه الله ـ ، واصفر لونه ، ولزم يدي ، وأمسكته حتى سكن ، ثم قال : قف بنا على هذا المتخوض ، فلما حاذاه قال : يا هذا ، رسول الله صلى الله عليه وسلم أغير على ربه عز وجل منك ، قل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . وانصرف "
فالتفصيل في النفي نوع من الخوض في الكيفية
والتكييف غير قاصر على المتجاوزين في الإثبات من المشبهة بل التفصيل في النفي والذي يلهج به طوائف التعطيل هو في أكثره من الخوض في الكيف
قال الإمام الآجري في كتابه الشريعة :
" باب : الإيمان والتصديق بأن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة
قال محمد بن الحسين الآجري رحمه الله : الإيمان بهذا واجب ، ولا يسع المسلم العاقل أن يقول : كيف ينزل ؟ ولا يردد هذا إلا المعتزلة .
وأما أهل الحق فيقولون : الإيمان به واجب بلا كيف ، لأن الأخبار قد صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن الله عز وجل ، ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ، والذين نقلوا إلينا هذه الأخبار هم الذين نقلوا إلينا الأحكام من الحلال والحرام ، وعلم الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والجهاد وكما قبل العلماء منهم ذلك ، كذلك قبلوا منهم هذه السنن ، وقالوا : من ردها فهو ضال خبيث ، يحذرونه ويحذرون منه " ا.هـ
فطلب الكيف عزاه هنا الإمام الآجري للمعتزلة أحد أبرز طوائف التعطيل
طبعا المعتزلة لا يقولون كيف إثباتا وإنما نفيا تماما كما تفعل طوائف التعطيل
وإن كان مراده هنا طلبهم الكيف تعجيزا لأهل الإثبات كما يفعله اليوم معنا كثير من الأشاعرة عندما نجيبهم بمعاني الصفات فيطلبون منا التفصيل في إثبات المعاني تعجيزا
ونقل الإمام الذهبي عن محمد بن الحسن المصري القيرواني قوله في الاستواء :
" وهذا هو الصحيح الذي أقول به من غير تحديد ولا تمكن في مكان ولا كون فيه ولا مماسة
قال الذهبي :
" قلت سلب هذه الأشياء وإثباتها مداره على النقل فلو ورد شيء بذلك نطقنا به وإلا فالسكوت والكف أشبه بشمائل السلف إذ التعرض لذلك نوع من الكيف وهو مجهول وكذلك نعوذ بالله أن نثبت إستواءه بمماسة أو تمكن بلا توقيف ولا أثر بل نعلم من حيث الجملة أنه فوق عرشه كما ورد النص " ا.هـ
والعاقل يعلم صحة هذا الكلام فكل أحد يفصل في وصف شيء لم يره سواء بالنفي أو الإثبات ويغرق في هذا التفصيل دون مستند خاص في هذه الأوصاف فهو خائض فيما لا ينبغي له سواء نفى أم أثبت
ومن هذا تعلم انحراف أهل التعطيل الذين فتحوا باب الخوض بالنفي على مصراعيه فجوزا نفي ما لم ينفه الله عن نفسه ولا نفاه عنه رسوله ولا سلفنا الصالح
ولو كانوا صادقين في حرصهم على كمال الله وتنزيهه لما فتحوا الباب على مصراعيه للنفاة ولو من غير دليل وأغلقوه على المثبتين ولو بالدليل
أو على الأقل لو كانوا صادقين لأغلقوا الباب على الفريقين من باب أن القوم قد احتاطوا بزيادة
أما أن يفتح الباب للنفي والتعطيل دون التقيد بالنصوص ويغلق باب الإثبات ولو مع توافر الأدلة فهذه هي ثالثة الأثافي
وهذا وحده يكشف لك أن غرضهم هو التعطيل ليس إلا
والناظر في كتب من أسرفوا في التعطيل يعلم أن النفي الغير منضبط بالدليل قد ملأ طروحاتهم في هذا الباب فعلى سبيل المثال تجدهم يلهجون بوصف الله سبحانه وتعالى بقولهم :
ليس بجسم مصور ولا جوهر محدود مقدر ولا عرض ولا طويل ولا عريض ولا مركب ولا مؤلف ولا يقبل الانقسام ولا يشغل الأمكنة ولا يصح عليه الحركة ولا السكون ولا الانتقال ولا الحالية ولا المحلية وأنه لا يحده المقدار ولا تحويه الأقطار ولا تحويه جهة من الجهات الست وليس في جهة ولا حيز ولا هو متصل بالعالم ولا هو منفصل عنه ولا هو داخل فيه ولا خارج عنه وأن سائر الجهات فارغة منه وليس شاغلا لواحد منها فلا داخل العالم به مشغول ولا خارج العالم عنه مشغول تعالى عن أن يحويه مكان كما تقدس عن أن يحده زمان ولا يدركه الإحساس
ويوجد عنهم ما هو أشنع من هذا
ما ورد في الحد ومعناه وعلاقته بالكيف
قال العلامة ابن منظور :
" الحد الفصل بين الشيئين لئلا يختلط أحدهما بالآخر أو لئلا يتعدى أحدهما على الآخر وجمعه حدود وفصل ما بين كل شيئين حد بينهما ومنتهى كل شيء حده ... وحد الشيء من غيره يحده حدا وحدده ميزه ... وأصل الحد المنع والفصل بين الشيئين "
وذكر اشتقاقا قال عنه :
" من الحد الذي هو الحيز والناحية "
[ والحد الكف عن الشيء ]
والحد الصرف عن الشيء
وفي المعجم الوسيط : " والشيء من غيره مازه منه "
وقال الجرجاني في التعريفات :
" الحد قول دال على ماهية الشيء "
قال السيوطي في معجم المقاليد :
" الحد : هو القول الدال على ماهية الشيء ، وقيل : إنه قول دال على ما به الشيء هو هو ، وقيل : هو قول يقوم مقام الاسم في الدلالة على الماهية " .
ومع تحفظي على لفظ الحد فلا إشكال في الإخبار عن الله بأنه منفصل عن الخلق ومتميز عنهم وأنه في جهة العلو وأن له تعالى في حق ذاته وصفاته ماهيةً وحقيقةً وكنهًا .
وكل هذه المعاني ثابتة لله وكلها يطلق عليها لفظ الحد وأنا لا أطلقه في حق الله تحفظا واقتصارا على المنصوص عليه ، لكن جماعة من أهل العلم يطلقونه يريدون به بعض هذه المعاني .
كما أنه ينفى عنه عندما يكون بمعنى ممنوع في حق الله كالتكييف والتشبيه .
وإليك بعض التطبيقات عن أهل العلم في هذا :
أ ـ الحد بمعنى التكييف وربما التشبيه :
روى الخلال من طريق حنبل عن أحمد قوله :
" وهو خالق كل شئ وهو كما وصف نفسه سميع بصير بلا حد ولا تقدير قول إبراهيم لأبيه لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا فثبت أن الله سميع بصير صفاته منه لا نتعدى القرآن والحديث "
وبقريب من هذا اللفظ رواه ابن قدامة في تحريم النظر بمحل الشاهد وكذا ابن بطة
فالحد المنفي ليس هو مجرد معنى الصفة بدليل تمثيله بالسمع والبصر اللذين لا خلاف بيننا وبين مخالفينا في إثبات معانيهما وإنما الحد هنا بمعنى التحديد الذي هو التكييف
وجاء في رواية حنبل كما في السنة للخلال :
قلت له أحمد : والمشبهة ما يقولون ؟ قال : من قال بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي فقد شبه الله بخلقه وهذا يحده وهذا كلام سوء "
وهنا أيضا نفي الحد وتفسيره هنا بمعنى التشبيه والتكييف
وقال الخلال في كتاب السنة :
أخبرني عبيد اللّه بن حنبل، أخبرني أبي حنبل ابن أبي إسحق قال: قال عمي يعني أحمد بن حنبل :
نحن نؤمن أن الله تعالى على العرش استوى كيف شاء وكما يشاء، بلا حد ولا صفة يبلغها واصفون، أو يحدها أحد، وصفات الله له ومنه، وهو كما وصف نفسه لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية، وهو يدرك الأبصار، وهو عالم الغيب والشهادة وعلام الغيوب " ا.هـ
ونقل الخلال ( كما في اجتماع الجيوش ) :
عن حنبل عن أحمد :
" وصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه
قال : فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير " ا.هـ
ولا فرق بين الحد المنفي في صفة السمع والبصر والمنفي في صفة اليد والنزول فكلاهما المراد به نفي التكييف
فكما لا يلزم من نفي الحد في السمع نفي المعنى ولا يعتبر من أثبت معنى السمع قد حدد فكذلك لا يلزم من نفي الحد في اليد والنزول نفي المعنى ولا يعتبر من أثبت معنى اليد أو النزول قد حدد
أما دعوى المخالف فلا مستند لها إلا المزاج !!
فتراه يثبت معنى السمع والبصر والقدرة ولا يعتبر نفسه قد حدد
وإنما يسوغ لنفسه عندها التفريق بين الحد وبين إثبات المعنى
والويل لك ثم الويل إن أثبتَّ معنى لأي صفة لا يرى هو إثباتها فأنت عندها محدد للصفات وواقع في هذا المحذور ويصبح هنا إثبات المعنى هو التحديد بعدما كان بينهما فرق هناك !!
وقال أبو عبد الله محمد بن عبدالله ابن أبي زمنين الإمام المشهور من أئمة المالكية في كتابه الذي صنفه في أصول السنة في باب الإيمان بالنزول قال:
ومن قول أهل السنة أن الله ينزل إلى سماء الدنيا، ويؤمنون بذلك من غير أن يحدوا فيه حداً، وذكر الحديث من طريق مالك وغيره -إلى أن قال-: وأخبرني وهب عن ابن وضاح عن الزهري عن ابن عباد قال: وممن أدركت من المشايخ مالك وسفيان وفضيل بن عياض، وعيسى بن المبارك ، ووكيع كانوا يقولون: إن النزول حق.
قال ابن وضاح: وسألت يوسف بن عدي عن النزول قال: نعم أومن به ولا أحد فيه حداً. وسألت عنه ابن معين فقال: نعم أؤمن به ولا أحد فيه حداً اهـ.
وذكر ابن أبي زمنين آيات الصفات وأحاديثها ثم قال بعدها:
" فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه ووصفه بها نبيه وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لم تره العيون فتحده كيف هو ولكن رأته القلوب في حقائق الإيمان " ا.هـ
" لم تره العيون فتحده كيف هو " فيه أن الكيف ثابت في نفسه لكن المنفي هو إدراكنا له والتعليل واضح في إثبات هذا
وقال الإمام ابن شاهين :
" وأن الله ينزل | إلى السماء الدنيا فيقول : هل من سائل فأعطيه بلا حد ولا صفة " ا.هـ
المعنى لا يحتاج إلى شرح ، أيْ ولا صفة تفصيلية لأن ابن شاهين جرى في كتابه على الإثبات وليس بجهمي معتزلي حتى ينفي جنس الصفة وهذا يقرب لك معنى الحد هنا وأنه الكيف فهو المعنى التفصيلي والمقام مقام إنكار التوسع والتفصيل في الإثبات
وقال ابن شاهين :
" وأشهد أن جميع الصفات التي وصفها الله عز وجل في القرآن حق سميع | بصير بلا حد محدود ولا مثال مضروب عز جل أن يضرب له الأمثال " ا.هـ
ونفي التحديد في السمع يفيد أن إثبات المعنى ليس بتحديد
قال الأزهري اللغوي
" والسَمِيعُ من صفات الله وأسمائه . وهو الذي وسِعَ سَمْعُهُ كلّ شيء ؛ كما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الله تبارك وتعالى : ( ) ( المجادلة : 1 ) وقال في موضع آخر : ( مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ ) ( الزخرف : 80 ) قلت : والعَجَب من قوم فسَّروا السَمِيع بمعنى المُسْمِع ، فراراً من وصف الله بأن له سَمْعاً . وقد ذكر الله الفعل في غير موضع من كتابه . فهو سَمِيعٌ : ذو سَمْعٍ بلا تكييف ولا تشبيه بالسميع من خَلْقه ، ولا سَمْعُه كسمع خَلْقه ، ونحن نَصِفُهُ بما وصف به نفسه بلا تحديد ولا تكييف . ولست أنكر في كلام العرب أن يكون السَّمِيعُ سَامِعاً ، ويكون مُسمِعاً . وقد قال عمرو بن مَعْدِي كَرِبَ :
أمِنْ ريحانة الداعي السَّمِيعُ
يؤرِّقني وأصحابي هجوعُ
وهو في هذا البيت بمعنى المُسْمِع ، وهو شاذّ ؛ والظاهر الأكثر من كلام العرب أن يكون السميع بمعنى السامع ، مثل عليم وعالم وقدير وقادر " ا.هـ
قال الإمام أبو بكر محمد بن الحسن المصري القيرواني المتكلم صاحب رسالة الإيماء إلى مسألة الإستواء فساق فيها قول أبي جعفر محمد بن جرير وأبي محمد بن أبي زيد والقاضي عبد الوهاب وجماعة من شيوخ الفقه والحديث أن الله سبحانه مستو على العرش بذاته
قال : وأطلقوا في بعض الأماكن أنه فوق عرشه
ثم قال : " وهذا هو الصحيح الذي أقول به من غير تحديد ولا تمكن في مكان ولا كون فيه ولا مماسة " ا.هـ
قال الذهبي معلقا :
" قلت سلب هذه الأشياء وإثباتها مداره على النقل فلو ورد شيء بذلك نطقنا به وإلا فالسكوت والكف أشبه بشمائل السلف إذ التعرض لذلك نوع من الكيف وهو مجهول وكذلك نعوذ بالله أن نثبت إستواءه بمماسة أو تمكن بلا توقيف ولا أثر بل نعلم من حيث الجملة أنه فوق عرشه كما ورد النص " ا.هـ
وإذا كان الحد هنا بمعنى الكيف والتحديد بمعنى التكييف فإنه يأخذ أحكام الكيف السابقة
فالتكييف منفي عن الله مطلقا أما الكيف فالمنفي هو علمنا به وأما أصله فهو ثابت في كل صفة فكل صفة لها كيفية لكن لا نعلمها نحن قال القاضي أبو يعلى :
" رأيت بخط أبي إسحاق حدثنا أبو بكر أحمد بن نصر الرفاء سمعت أبا بكر بن أبي داود سمعت أبي يقول جاء رجل إلى أحمد بن حنبل فقال لله تعالى حد فقال نعم لا يعلمه إلا هو قال الله تبارك وتعالى وترى الملائكة حافين من حول العرش يقول محدقين " ا.هـ
وسبق قول الإمام ابن أبي زمنين :
" فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه ووصفه بها نبيه وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لم تره العيون فتحده كيف هو ولكن رأته القلوب في حقائق الإيمان " ا.هـ
" لم تره العيون فتحده كيف هو " فيه أن أصل الحد عنده والذي بمعنى الكيف ثابت في نفسه لكن المنفي هو إدراكنا له والتعليل واضح في إثبات هذا
وإن كنت لا أرى التعبير بالحد مطلقا لإجماله ولعدم ثبوته في النصوص المرفوعة ولعدم اشتهاره بين السلف ولاستخدام المتكلمين له استخدامات مشتبهة ولكني بينت المراد منه لدى أصحابه
وعبارة الحد بمعنى التكييف والتشبيه قد يساء استعمالها في غير محلها كما هو الحال اليوم فإن المعطلة يتهمون كل مثبت للصفات بأنه قد حدد وشبه وهم إنما ينظرون بحدقة التعطيل التي تُصوّر لهم الأمور بناء على ذاك المبدإ .
كمن يلبس نظارة سوداء وينظر بها إلى أرض خضراء مفروشة بالعشب ثم إذا قيل له هذه خضراء ، عارضَ وأنكر وزعم أنها يباب فأنى له أن يعترف بخضارها والسواد يغطي عينيه
قال المروذي
سمعت أبا عبد الله قيل له أي شيء أنكر على بشر بن السري ، وأي شيء كانت قصته بمكة ؟
قال : تكلم بشيء من كلام الجهمية فقال إن قوما يحدون ، قيل له التشبيه ؟ فأومأ برأسه نعم
قال : فقام به مؤمل حتى جلس فتكلم ابن عيينة في أمره حتى أخرج ، وأراه كان صاحب كلام
نقله الثقة النبيل والمؤتمن الصدوق الإمام العدل الورع بقية السلف أحمد ابن تيمية في كتابه نقض التأسيس
ب ـ الحد بمعنى الإثبات البيِّن .
وقال الخلال :
" وقال حنبل في موضع آخر، عن أحمد :
ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف نفسه. قد أجمل الله الصفة فحدَّ لنفسه صفة ليس يشبهه شيء " ا.هـ
نقلا عن اجتماع الجيوش لابن القيم
وهذا التعبير بالحد على هذا المعنى غير مشتهر في استعمال العلماء وهو هنا مثبت عند الإمام أحمد وليس بمنفي
ج ـ الحد بمعنى البينونة .
روى الخلال في كتاب السنة : أخبرنا أبوبكر المروذي قال :
سمعت أبا عبدالله قيل له :
روي عن علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك أنه قيل له : كيف نعرف الله عز و جل ؟ قال على العرش بحد .
قال [ أحمد ] : " قد بلغني ذلك عنه " وأعجبه ،
ثم قال أبو عبدالله : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) ثم قال : ( وجاء ربك والملك صفا صفا )
وقال الخلال :
وأنبأنا محمد بن علي الوراق حدثنا أبو بكر الأثرم حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال : قلت لأحمد بن حنبل :
يحكى عن ابن المبارك - وقيل له : كيف تعرف ربنا ؟ - قال : في السماء السابعة على عرشه بحد .
فقال أحمد : هكذا هو عندنا
وأخبرني حرب بن إسماعيل قال : قلت لإسحاق - يعني ابن راهويه - : هو على العرش بحد ؟ قال : نعم بحد
وقال الدارمي :
وسئل عبدالله بن المبارك بم نعرف ربنا ؟
قال : بأنه على عرشه بائن من خلقه
قيل : بحد ؟ قال : بحد
حدثناه الحسن بن الصباح البزار عن على بن الحسين بن شقيق عن ابن المبارك به
وانظر العلو للذهبي
وقال ابن بطة :
حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شهاب قال ثنا أبي أحمد بن عبد الله قال ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم قال حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال قلت لأحمد بن حنبل ...
قال وحدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء قال ثنا أبو جعفر محمد بن داود البصروي قال ثنا أبو بكر المروذي قال سمعت أبا عبد الله وقيل له روى علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك ...
وفيه إقرار أحمد وإسحاق لقوله بحد
وهو في السنة لعبد الله أيضا
وفي التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (7 / 142 )
" قال أبو داود وحدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا يحيى بن موسى وعلي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك قال الرب تبارك وتعالى على السماء السابعة على العرش قيل له بحد ذلك قال نعم هو على العرش فوق سبع سموات "
ورواه البيهقي في الأسماء والصفات من طريق علي بن الحسن
فقول ابن المبارك : " على عرشه بحد " نص على أنه أثبت علو الذات فإن معنى قوله هذا أنه تعالى مباين بهذه الفوقية ومنفصل عن كل خلقه وهذا يعني أن هناك حدا فاصلا بينه وبين خلقه وهذا يستحيل حمله على غير الذات
قال الدارمي :
" ومما يبين ذلك قوله تعالى: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون}.
ففي هذه الآية بيان لتحقيق ما ادعينا للحد، فإنه فوق العرش بائن من خلقه، ولإبطال دعوى الذين ادعوا أن الله في كل مكان..." ا.هـ
وقال أيضاً :
" لأن الكلمة قد اتفقت من الخلق كلهم أن الشيء لا يكون إلا بحد وصفة " ا.هـ انظر الرد على الجهمية
وهو قول أحمد وإسحاق كما في هذه الآثار
د ـ الحد بمعنى الجهة .
ذهب بعض أهل العلم إلى أن الحد الذي أثبته الأئمة ابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه هو بمعنى الجهة وسياق الآثار يحتمله بل منها ما يجعله وجيها حسب عبارة صاحبها والله أعلم
والحد كمصطلح لم يرد لفظه في النصوص وإنما جاء في اصطلاحات أهل العلم وله عدة معاني فمن عبر به وأراد معنى جاء به النص قبلنا منه مراده ولا تلزمنا عبارته ولا مشاحة في الاصطلاح ومن أراد به معنى باطلا رددنا لفظه ومعناه وأنكرنا عليه .
أبرز ما تعلق به المفوضة في إلصاق مذهبهم بمذهب السلف
لقد أثبتنا لك أخي الكريم تقرير السلف الصالح وأئمة السنة إثباتَ الصفات الخبرية بمعانيها الظاهرة دون تفويض لمعانيها ولا تأويل ، وذلك من خلال صريح عباراتهم وتطبيقاتهم الثابتة المتضافرة عبر آثارهم وأقوالهم بصورة لا تدع مجالا للشك بما اجتمعت عليه من إثباتٍ لهذا الأصل .
وأظن أن هذا كاف لحسم هذه القضية وتبرئة السلف مما نسب إليهم من مذهب التفويض الذي هو مذهب نفاة الصفات من متكلمي الأشاعرة .
كيف لا والسلف الصالح بشحومهم ولحومهم قد نقضوا هذه الدعوى ونفوها عن أنفسهم عندما أثبتوا معاني الصفات .
وإذا علمنا أن إلصاق مذهب التفويض بالسلف مع كونه مجرد دعوى عارية عن أي دليل فهي إضافة إلى هذا إنما صدرت من جهة مشبوهة لم تُعرف يوما ما باتباع السلف ولا بتقيُّدها بما كانوا عليه لا في هذا الباب ولا غيره من أبواب العقيدة ، بل هي جهة معروفة باتباع النقيض لمذهب السلف ألا وهو مذهب أهل الكلام الذي كان عامة السلف يحذرون منه وينفرون الناس عنه وعن أهله
وهذه الجهة التي أعنيها هي الأشاعرة .
وقارن على سبيل المثال مذهبهم في باب الإيمان ومسائله ، وخبر الآحاد ، وباب القدر ومسائله ، وقضية خلق القرآن ، والأفعال الاختيارية ، ومعنى الإله ، ومسألة أول واجب على العبد ، والتشكيك في إيمان عامة الأمة بدعوى إبطال إيمان المقلد .
قارنه بمذهب السلف لتعرف قدر السلف عند هؤلاء ومقدار تقيدهم بهم وكيف أنهم في واد والسلف رحمهم الله في واد آخر ، بل يفصل بين الواديين جبال عظيمة ومفازات مهلكة !
فكيف يقبل بعد هذا أن يكون خصوم مذهب السلف هم أولى الناس به وأتبع الناس له ؟!!
ومما يؤكد أن هؤلاء المشبوهين الذين هم من أتباع المتكلمين ليسوا محل ثقة في النقل عن السلف أنهم لا يعرضون التفويض على أنه مذهب للسلف إلا على طاولة واحدة مع التأويل الذي لهج السلف بالنكير عليه وعلى أهله !! يعرضونهما على أنهما خطان متقاربان بل يصبان في مكان واحد !!
بل في كثير من الأحيان ينقل هؤلاء المشبوهون في الصفة الواحدة نفس التأويل الذي أنكره السلف بعينه كتأويل اليد بالقدرة أو الاستواء بالاستيلاء أو الوجه بالذات فينقله المشبوهون مقررين لذلك ويرفقون به الوجه الآخر وهو التفويض وينسبونه للسلف ويدعون أن القولين لا يتعارضان فالأول تأويل مفصل والثاني تأويل مجمل
أنا والله وبالله وتالله لم أر استخفافا بالعقول كهذا !
كيف يزعم هؤلاء بكل هذه الجرأة أن الذي كان ينكره السلف من تأويلات الجهمية هو مذهب يسير بمحاذاة مذهب السلف وأنه لا خلاف حقيقي بينه وبين مذهب السلف
هذا استخفاف له قرنان
إذًا دعوى أن السلف كانوا يفوضون الصفات بمعنى أنهم كانوا ينفون معانيها الظاهرة ويعتقدون أن ظاهرها غير مراد ولا يثبتون في المقابل معنى آخر لها معينا !
هذه الدعوى مع عدم قيام أي دليل على صحتها عنهم فهي إنما صدرت من مشبوه فلا يمكن أن يقبلها منصف !
وإضافة إلى هذا فهي دعوى تصادم واقع السلف مع النصوص مما يؤكد أنها ملفقة ضدهم .
فهاهي نصوص الصفات الخبرية قد بلغت مبلغا عظيما في العدد حتى اعترف بهذا هؤلاء المشبوهون أنفسهم فأين في موطن واحد عن واحد من السلف أنه ينكر هذه الظواهر أو ينادي بإلغائها ؟!
مع أن هذا لو كان قولهم لاشتهر عنهم للحاجة الملحة إليه أمام كثرة النصوص ووفرتها فلما لم يؤثر عنهم شيء من هذا علم أنهم يقرون بهذه الظواهر ولا يرفضونها
وهذا نقوله تنـزلا وإلا فقد ورد عنهم مما لا يحصى الحث على الأخذ بهذه الظواهر والتصريح بأنهم لا ينكرون شيئا منها .
وسأنقل لك نماذج من كلامهم تبين لك أنهم لم يكونوا يستنكرون ظواهر الصفات وأنهم كانوا يقرون النصوص دون أدنى اعتراض على ما اشتملت عليه من ظواهر للصفات وهي والله غيض من فيض
قال الإمام أحمد :
أدركت الناس وما ينكرون من هذه الأحاديث أحاديث الرؤية وكانوا يحدثون بها على الجملة ، يمرونها على حالها غير منكرين لذلك ولا مرتابين " ا.هـ
وعن أبي بكر المروذي قال :
" سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والأسماء والرؤية وقصة العرش ؟ فصححها وقال : تلقتها العلماء بالقبول ، تسلم الأخبار كما جاءت "ا.هـ
وفي رواية أبي طالب للمسائل عن أحمد :
" قلب العبد بين أصبعين ، وخلق أدم بيده ، وكل ما جاء الحديث مثل هذا قلنا به " ا.هـ
وإليك على سبيل المثال طرفا من موقفهم من صفتين بشكل خاص
روى الطبري في تفسيره :
حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام"، قال: هو غير السحاب (1) لم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا، وهو الذي يأتي الله فيه يوم القيامة.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتاده:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام"، قال: يأتيهم الله وتأتيهم الملائكة عند الموت.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عكرمة في قوله:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام"، قال: طاقات من الغمام، والملائكة حوله= قال ابن جريج، وقال غيره: والملائكةُ بالموت
وقال الطبري في تفسير قوله ( بأعيننا ووحينا )
" يقول: بعين الله ووحيه كما يأمرك "
ثم ذكر من ذلك
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس:(واصنع الفلك بأعيننا ووحينا) ، قال: بعين الله،
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة في قوله:(بأعيننا ووحينا) ، قال: بعين الله ووحيه.
وروى ابن أبي حاتم قال :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا " قَالَ:"بِعَيْنِ اللَّهِ وَوَحْيِهِ".
وعند عبد الرزاق عن معمر ، عن قتادة ، في قوله تعالى : ( بأعيننا ووحينا (1) ) ، قال : « بعين الله تعالى ووحيه »
وعن معتمر بن سليمان عن ابيه عن ابي عمران الجوني ولتصنع على عيني قال يربى بعين الله
فلم يذكروا في هاتين الصفتين أمام النصوص إلا ما يدل على إقرار الظاهر
قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه حدثنا وكيع عن إسرائيل بحديث إذا جلس الرب جل جلاله على الكرسي فاقشعر رجل عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الأعمش والثوري يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها نقله الذهبي وقال رواها أبو حاتم عن أحمد
ونقله عن أحمد ابن قدامة في تحريم النظر
وقال عبد الله بن أحمد :
حدثني أبي نا وكيع بحديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبدالله بن خليفة عن عمر رضي الله عنه قال إذا جلس الرب عز و جل على الكرسي فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الاعمش وسفيان يحدثون بهذه الاحاديث لا ينكرونها
وعن أحمد بن نصر أنه سأل سفيان بن عيينة قال :
حديث عبدالله : إن الله عز و جل يجعل السماء على أصبع وحديث إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن ، وإن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الأسواق ، وأنه عز و جل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ونحو هذه الأحاديث ؟
فقال : هذه الأحاديث نرويها ونقر بها كما جاءت بلا كيف
تأمل : " نقر بها "
وروى محمد بن المثنى قال : سمعت بشر بن الحارث يقول : أما سمعت ما قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
وقال صلى الله عليه وسلم: قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الله عز وجل .
ثم قال بشر بن الحارث : هؤلاء الجهمية يتعاظمون هذا " ا.هـ
تأمل فالذين ينفرون من ظاهرها هم المعطلة وليس السلف
وعن حديث الصورة قال محمد بن الحسين الآجري رحمه الله :
" هذه من السنن التي يجب على المسلمين الإيمان بها ، ولا يقال فيها : كيف ؟ ولم ؟ بل تستقبل بالتسليم والتصديق ، وترك النظر، كما قال من تقدم من أئمة المسلمين " ا.هـ
تأمل قوله : " ترك النظر " ويعني به الرأي والعقل الذي يتستر به المعطلة .
وعن إسحاق بن منصور الكوسج قال :
" قلت لأحمد- يعني ابن حنبل - ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة ، حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا أليس تقول بهذه الأحاديث ؟ ويراه أهل الجنة ، يعني ربهم عز وجل ؟ ولا تقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته و اشتكت النار إلى ربها عز وجل حتى وضع فيها قدمه و إن موسى لطلم ملك الموت ، قال أحمد : كل هذا صحيح ، قال إسحاق : هذا صحيح ، ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي " ا.هـ
وقال ابن الماجشون :
" وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تمتليء النار حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول قط قط وينزوي بعضها الى بعض وقال لثابت بن قيس بن شماس لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة وقال فيما بلغنا ان الله ليضحك من ازلكم وقنوطكم وسرعة اجابتكم فقال له رجل من العرب ان ربنا ليضحك قال نعم قال لا نعدم من رب يضحك خيرا في اشباه لهذا مما لم نحصيه
وقال الله تعالى وهو السميع البصير واصبر لحكم ربك فانك بأعيننا وقال ولتصنع على عيني وقال ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي وقال والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون فوالله ما دلهم على عظم ما وصف به نفسه وما تحيط به قبضته الا صغر نظيرها منهم عندهم ان ذلك الذي القى في روعهم وخلق على معرفته قلوبهم فما وصف الله من نفسه وسماه على لسان رسوله سميناه كما سماه ولم نتكلف منه صفة ما سواه لا هذا ولا هذا لا نجحد ما وصف ولا نتكلف معرفة ما لم يصف " ا.هـ
وعن أحمد بن الحسين الخفاف يقول: سمعت الشيخ الجليل أبا محمد المزني يقول: حديث النزول قد صح، والايمان به واجب، ولكن ينبغي أن يعرف أنه كما لا كيف لذاته لا كيف لصفاته.
نقله السمعاني
وعن أبي زرعة الرازي أنه لما سئل عن تفسير قوله : { الرحمن على العرش استوى } فقال : تفسيره كما يقرأ هو على العرش وعلمه في كل مكان ; ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله .
وقال أحمد كما عند اللالكائي وفي الطبقات :
والحديث عندنا على ظاهره كماجاء عن النبي صلى الله عليه و سلم والكلام فيه بدعة ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره ولا تناظر فيه أحدا
وبوب أبو عوانة فقال :
بَيَانُ ضَحِكِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ عَبْدِهِ وَإِلَى عَبِيْدِهِ
وقال الحافظ الإمام قاضي أصبهان وصاحب التصانيف أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني :
" جميع ما في كتابنا كتاب السنة الكبير الذي فيه الأبواب من الأخبار التي ذكرنا أنها توجب العلم فنحن نؤمن بها لصحتها وعدالة ناقليها ويجب التسليم لها على ظاهرها وترك تكلف الكلام في كيفيتها "
فذكر من ذلك النزول إلى السماء الدنيا والإستواء على العرش
ومما قال :
باب ما ذكر أن الله تعالى في سمائه دون أرضه عاصم
باب ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يضع السموات على أصبع ويطوي السموات والأرض بيده
باب ذكر نزول ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان ومطلعه إلى خلقه عاصم
باب ذكر الكلام والصوت والشخص وغير ذلك
باب ذكر قول جهنم هل من مزيد حتى يضع ربنا تبارك وتعالى قدمه فيها
باب ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يضع السموات على أصبع ويطوي السموات والأرض بيده
باب ما ذكر من ضحك ربنا عز وجل
باب في تعجب ربنا من بعض ما يصنع عباده مما يتقرب به إليه
وقَالَ أَبُو بَكْرٍ ابن أبي عاصم : قُلْتُ لأَبِي الرَّبِيعِ فَضَحِكَ تَصْدِيقًا قَالَ نَعَمْ " ا.هـ
وقال اللالكائي :
سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم في نزول الرب تبارك وتعالى "
وروى أبو بكرالمروذي رحمه الله قال سألت أبا عبدالله عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والرؤية والأسراء وقصة
العرش فصححها أبو عبدالله وقال قد تلقتها العلماء بالقبول نسلم الأخبار كما جاءت قال فقلت له إن رجلا اعترض في بعض هذه الأخبار كما جاءت فقال يجفا وقال ما اعتراضه في هذا الموضع يسلم الأخبار كما جاءت
وجاء في رسالة مسدد :
قال :
" لما أشكل على مسدد بن مسرهد أمر الفتنة يعني في القول بخلق القرآن وما وقع فيه الناس من الاختلاف في القدر والرفض والاعتزال وخلق القرآن والإرجاء كتب إلى أحمد بن حنبل أن أكتب إلي سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
وأوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم ولزوم السنة والجماعة فقد علمتم ما حل بمن خالفها وما جاء فيمن اتبعها فإنه بلغنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال إن الله ليدخل العبد الجنة بالسنة يتمسك بها ...
ثم من بعد كتاب الله سنة نبيه صلى الله عليه و سلم والحديث عنه وعن المهديين من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم والتابعين من بعدهم والتصديق بما جاءت به الرسل وابتاع السنة نجاة وهي التي نقلها أهل العلم كابرا عن كابر
واحذروا رأي جهم فإنه صاحب رأي وكلام وخصومات ... وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن ...
وصفوا الله بما وصف به نفسه وانفوا عن الله ما نفاه عن نفسه واحذروا الجدال مع أصحاب الأهواء " ا.هـ
فتأمل حثه على لزوم ما اشتملت عليه النصوص من صفات حتى في مقام ورود الشبهات التي يتذرع بها عادة المعطلة على أنها سبب تأويلهم
وأيضا مما يؤكد ما ذكرت من عدم رفض السلف للظواهر تبويبات الأئمة للصفات من خلال ظواهر النصوص
وقد سبقت تبويبات الإمام ابن أبي عاصم
يقول الإمام الآجري :
باب الإيمان بأن قلوب الخلائق بين إصبعين من أصابع الرب عز وجل بلا كيف
باب الإيمان بأن الله عز وجل يمسك السموات على إصبع والأرضين على إصبع ، والجبال والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، والخلائق كلها على إصبع آجري
باب ما روي أن الله عز وجل يقبض الأرض بيده ، ويطوي السموات بيمينه
باب الإيمان بأن الله عز وجل يأخذ الصدقات بيمينه ، فيربيها للمؤمن
باب الإيمان بأن لله عز وجل يدين ، وكلتا يديه يمين
باب الإيمان بأن الله عز وجل خلق آدم عليه السلام بيده ، وخط التوراة لموسى عليه السلام بيده ، وخلق جنة عدن بيده ، وقد قيل : العرش والقلم ، وقال لسائر الخلق : كن فكان ، فسبحانه ا.هـ
وقال الإمام أبو الشيخ في العظمة مبوبا
" ذكر عرش الرب تبارك وتعالى وكرسيه وعظم خلقهما وعلو الرب تبارك وتعالى فوق عرشه ا.هـ
وقال محمد بن عبد الله بن أبي زمنين في كتابه "أصول السنة":
واعلم بأن أهل العلم بالله وبما جاءت به أنبياؤه ورسله يرون الجهل بما لم يخبر به عن نفسه علماً، والعجز عن ما لم يدع إليه إيماناً، وأنهم ينتهون من وصفه بصفاته وأسمائه إلى حيث انتهى في كتابه على لسان نبيه، انتهى.
وقال الأشعري :
فإن قال قائل : إذا ذكر الله عز و جل الأيدي وأراد يدين فما أنكرتم أن يذكر الأيدي ويريد يدا واحدة ؟
قيل له : ذكر تعالى أيدي وأراد يدين لأنهم أجمعوا على بطلان قول من قال أيدي كثيرة وقول من قال يدا واحدة فقلنا يدان لأن القرآن على ظاهره إلا أن تقوم حجة بأن يكون على خلاف الظاهر .
وقال الإمام الإسماعيلي
" وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا بلا كيف ولا تأويل كيف شاء فمن أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال "
كل هذا وغيره كثير مما يعسر حصره قد ورد عن السلف دالا دلالة قاطعة على الإقرار بظواهر هذه النصوص ، تارة بالمنطوق وتارة بالمفهوم .
وكل هذا غير ما تقدم عنهم من تقريرهم لإثبات المعنى
ومجرد عرض السلف لنصوص الصفات في مقام الحث على لزوم ما دلت عليه ، والحرص على زرع الثقة والطمائنينة بظواهرها ، والتحذير من جحد ما دلت عليه ، والاكتفاء في المقابل بالحض على ترك مالم تأت به هذه النصوص ، وترك التجاوز لدلالاتها ، كل هذا يبين لك أن واقعهم يرفض رفضا تاما دعوى : " أنهم ينفون ظاهرها ويرفضونه وينكرون كونه مرادا " كما يزعم المفوضة فهذا والله كذب صراح سنخاصمهم عليه عند رب العالمين يوم لن يجد المتدثرون بعلم الكلام شيئا مما نسجوه سوى أوهام متلاشية تورث لهم الندم والحسرة على ما لفقوه في حق السلف وسيتبين عندها من هو الحشوي ومن هم النوابت ومن هم المجسمة وسيلقى كل أحد ربه بما قدم وبما قال ويقول
ستعلم يا خَصوم إذا التقينا وعند الله تجتمع الخصوم
إذا علمت كل ما تقدم من استحالة أن يكون السلف على ما عليه المتكلمون من رفض ظواهر نصوص الصفات وذلك بناء على المعطيات المذكورة الثابتة والواضحة بقي الجواب عن جملة من العبارات حاول دعاة التفويض من خلالها إلصاق هذا المذهب بالسلف زورا
ويمكن أن نقسم العبارات المستغلة لإلصاق التفويض بالسلف إلى قسمين :
1 ـ قسم يتكلم عن إعراض السلف عن الاشتغال بتفسير الصفات كتلك التي تنقل عن جماعة من الأئمة بأنهم كانوا يُحَدِّثُونَ بِأحاديث الصفات وَلا يُفَسِّرُونَ شَيْئًا
وكقول الإمام أبي عبيد :
" هذِهِ الأَحَادِيثُ فِي الرِّوَايَةِ هِيَ عِنْدَنَا حَقٌّ ، حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ، غَيْرَ أَنَّا إِذَا سُئِلْنَا عَنْ تَفْسِيرِهَا لا نُفَسِّرُهَا وَمَا أَدْرَكْنَا أَحَدًا يُفَسِّرُهَا
ونحو هذه العبارات التي بهذا المعنى ، وسيأتي ذكر ما ورد منها على وجه التفصيل .
فاستدل بهذه العبارات مَن نَسَب التفويض إلى السلف وزعم أن قوله : " وما أدركنا أحدا يفسرها " ونحوها إنما يدل على أن السلف كانوا لا يثبتون أي معنى للصفات ، وأنهم إنما يثبتون ألفاظ الصفات فقط ويفوضون معانيها ، وعليه فمئات النصوص التي اشتملت على ذكر الصفات الخبرية كلها مجهولة المعنى لا يُدرَى ما المراد منها ومن اعتقد بما دلت عليه النصوص فهو ضال مشبه فلا يجوز إثبات شيء من معاني تلك النصوص !!
طبعا هذا المفوض الذي ينسب تفويضه للسلف من خلال هذه العبارات قد فهم ما فهمه بناء على أن لفظ التفسير عنده يراد به مجرد ذكر أي معنى للكلمة فمن ذكر أي معنى للصفة فقد فسرها ولو كان هذا المعنى مجرد المعنى الظاهر وعليه فنفي تفسير الصفات يساوي عنده نفي أي معنى لها سواء المعنى الظاهر المجمل أو المعنى المفصل ، وهو أيضا فهِم ما فهمه دون أن يجمع ألفاظ وروايات تلك الآثار التي تُبيّن له مرادهم من خلال الألفاظ كاملة .
بالإضافة إلى أن هذه الآثار ليس فيها ما يدل لا من قريب ولا بعيد على أن السلف كانوا يؤولون الظاهر تأويلا مجملا كما تزعم المفوضة
مع أن هذا معنى أساسي للتفويض عندهم ، وللشروع في الجواب أذكر ما يلي :
أمثال هذه العبارات هي كغيرها من عبارات أهل العلم في المسائل العلمية لا تخرج في فهمها عن أصول العلم ولا عن ضوابطه فهناك منهجية ثابتة لا يمكن العدول عنها .
من أهمها عدم حمل أي جملة على مفهوم ما مع الجهل بمعانى بعض ألفاظها وخاصة إن كان اللفظ المجهول هو المقصود بتلك الجملة
ولا فرق بين الجهل بمعنى اللفظ من أصله وبين جهل استعمالاته التي يختلف معنى اللفظ فيها بحسب الاستعمال
فلفظة : " التفسير " استعملها أهل العلم في هذا الباب نفسه استعمالات عدة سأذكرها لأبين من خلالها المراد في تلك العبارات ولكن قبل هذا أذكّر بالمعنى اللغوي لهذه اللفظة لشدة ارتباطه بجل هذه الاستعمالات ولا أقول كلها .
جاء في المعجم الوسيط :
" ( فسر ) الشيء فسرا وضحه ...
و ( التفسير ) : الشرح والبيان ، وتفسير القرآن يقصد منه توضيح معاني القرآن الكريم ، وما انطوت عليه آياته من عقائد وأسرار وحكم وأحكام " ا.هـ
وقال الخليل :
الفَسْرُ التفسير وهو بيان وتفصيل للكِتاب وفَسَره يفسره فَسْراً وفَسَّرَه تفسيراً ا.هـ
وقال الصاحب بن عباد :
التَفْسِيْرُ ؛ وهو بَيَانٌ ؛ وتَفْصِيْلُ الكُتُبِ ا.هـ
إذًا هو المعنى التفصيلي والمفصّل وأيضا المعنى العميق الذي يغوص في الأسرار .
وفي اللسان : الفسر كشف المغطى والتفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل .
وهو قول ثعلب وابن الأعرابي والفيروز آبادي
وهذا تأكيد للعمق في المعنى والتفصيل فيه
قال المناوي في كتابه التوقيف :
" بيان التفسير ما فيه خفاء من المشترك أو المشكل أو المجمل أو الخفي "
فهو تفصيل للمجمل وشرح وإبانة للمشكل والمشترك
وقال ابن الجوزي : التفسير إخراج الشيء من معلوم الخفاء إلى مقام التجلي " ا.هـ
وهذا يؤكد معنى العمق في تلك الكلمة .
إذًا ليس مجرد ذكر المعنى الظاهر للكلمة الذي هو أشبه بالترجمة الظاهرة يسمى تفسيرا في اللغة ، ليس هذا هو التفسير لغة
وعندما نظرنا في استعمالات العلماء في هذا الباب للفظة التفسير وجدنا كثيرا من منها قد استُعمل بالمعنى اللغوي ولا أقول كلها ، فمن تقيد منهم بالمعنى اللغوي ولم يستعمل التفسير إلا فيما كان فيه تفصيل لم يستعمل لفظ التفسير إلا منفيا سواء كان التفصيل بالإثبات كالتكييف أو التفصيل بالنفي كالتأويل فكلاهما تركه السلف وكلاهما نفاه السلف وكلاهما تفسير محظور .
ومن تجوّز في استعمال لفظ التفسير ولم يتقيد بمعناه اللغوي نجده يفرق بين التفسير القائم على التفصيل إثباتا ونفيا فينفيه وينهى عنه ، وبين التفسير الغير مشتمل على تفصيل فيثبته ، وكلامنا كله هنا عن الصفات الثبوتية .
وعليه فنجد التفسير في استعمالهم منه ما هو منفي ومنه ما هو مثبت
وعلى ضوء هذا المعنى لو نظرنا في تلك الأقوال التي تَنقُل عن جمع من السلف عُدولَهم عن تفسير الصفات وتركَهم تفسيرَها لوجدنا أن المعنى الذي يفهم من تلك العبارات منسجم جدا مع بقية ما ورد عن السلف في الصفات بل نجد هذه العبارات التي تنفي التفسير تشابه الكثير من عبارات الأئمة في نفس هذه المسائل
وعليه فقوله :
كانوا يُحَدِّثُونَ بِأحاديث الصفات وَلا يُفَسِّرُونَ شَيْئًا
المراد : لا يُفصّلون في معاني الصفات وأنهم يتركون المعنى التفصيلي للصفة أوْ بعبارة أخرى لا يتعمّقون في معاني الصفات لأن التفصيل أو التعمق هو من الولوج في التكييف إن كان إثباتا وهو محظور أو في التأويل إن كان نفيا وهو محظور أيضا
وكلاهما هو المعنى اللغوي للفظ التفسير ( التعمق والتفصيل )
إذًا السلف لا يفصّلون في إثبات المعاني حتى لا يقعوا في التكييف
وأما مجرد المعنى الظاهر المتبادر من الصفات فلم تنفه هذه العبارت التي تنفي التفسير ولا يدل شيء منها على نفيه ، ولم ينفه السلف قط في أي عبارة عنهم
وإن كان مسمى الإجمال والتفصيل أمر نسبي غير أن من المعنى ما هو مجمل لا خلاف في إجماله كالمعنى الذي هو من قبيل الترجمة ومنه ما هو مفصل لا خلاف في تفصيله كالتكييف ، وما بينهما من معاني فما قارب المجمل فله حكمه وما قارب المفصل أخذ حكمه وما اشتبه فترك التعرض له هو الواجب
ومما تقدم تعلم أنه يمكن تقسيم التفسير إلى تفسير منفي وهو التكييف والتأويل وتفسير مثبت وهو المعنى الظاهر المتبادر من اللفظ
وعندما تتبعنا استعمالات العلماء وجدنا عين ما ذكرناه ، فإليك ما وقفت عليه منها :
أـ استعمال التفسير بمعنى التفصيل في الإثبات وهو التكييف أو التشبيه
فقد جاء عن أبي عبيد نفسه الذي يتعلق به المفوض ما رواه الدارقطني بعلو ومن طريقه ابن البنا في كتابه المختار في أصول الدين :
قال : أخبرنا عُبَيْدُ الله بن أحمد الأزهري, قال: أخبرنا الدارقطني, قال: حدثنا محمد بن مَخْلَد, قال: حدثنا عباس بن محمد الدوري, قال: سمعت أبا عُبَيْدٍ القاسم بن سَلَّام، وذكر الباب الذي يُرْوَى في الرؤيا, والكرسي, وموضع القدمين, وضحك ربنا من قنوط عباده, وقربه من عبده, وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء؟ وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك - عز وجل - قدمه فيها, فتقول: قط قط, وأشباه هذه الأحاديث؛ فقال :
" هذه الأحاديث صِحَاح ، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض , وهي عندنا حق لا نَشُكُّ فيها , ولكن إذا قيل : كيف وضع قدمه ؟ وكيف ضَحِكَ ؟ قلنا : لا نفسر هذا , ولا سمعنا أحدًا يُفَسِّرُهُ ".
فظهر أن مراده بنص كلامه هو تفسير الكيفية : " كيف وضع قدمه ، وكيف ضحك ؟ قلنا : لا يفسر هذا "
فالتكييف هو التفسير المنفي هنا وعليه فأبو عبيد لم ينف عن الصفات معناها الظاهر ومما يؤكد هذا ما ذكره الإمام الأزهري تلميذ تلاميذ الشافعي فهو قد روى أثر أبي عبيدة فقال :
وأخبرني محمد بن إسحاق السعديّ عن العباس الدُّورِيّ أنه سأل أبا عبيدٍ عن تفسيره وتفسير غيره من حديث النزول والرؤية فقال : هذه أحاديثُ رواها لنا الثِّقاتُ عن الثّقات حتى رفعوها إلى النبي عليه السلام ؛ وما رأينا أحداً يفسِّرها ، فنحن نؤمن بها على ما جاءت ولا نفسِّرها .
تأمل قوله : " على ما جاءت "
قال الأزهري : أراد أنها تُترك على ظاهرها كما جاءت .
كذا في كتابه تهذيب اللغة
إذًا المعنى الظاهر لا ينفيه أبو عبيد ولم يُرِده بقوله : " ما رأينا أحدا يفسرها "
فأين ما يشغب به المخالف وأين التفويض ؟!
ومما يؤكد أنهم يستعملون التفسير ويريدون بذلك الكيف ما ذكره الإمام إسماعيل الأصبهاني في " الحجة " له حيث قال :
" ولا نكيف صفات الله عز وجل ، ولا نفسرها تفسير أهل التكييف والتشبيه ، ولا نضرب لها الأمثال ، بل نتلقاها بحسن القبول تصديقاً "
وكلامه واضح يصيح بالمراد
وروى البيهقي في الاعتقاد قال :
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن يزيد سمعت أبا يحيى البزار يقول سمعت العباس بن حمزة يقول سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول سمعت سفيان بن عيينة يقول كل ما وصف الله من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه " .
قال البيهقي : " وإنما أراد به والله أعلم فيما تفسيره يؤدي إلى تكييف وتكييفه يقتضي تشبيهه له بخلقه في أوصاف الحدوث " ا.هـ
فانظر إلى معنى التفسير عند البيهقي وكيف هو في الأصل عنده بمعنى التفصيل الذي يؤدي إلى التكييف مع أن سفيان إنما عبر بالتفسير إثباتا لا نفيا ولكن البيهقي نبه على أصل التفسير عندهم ونبه إلى أن مراد سفيان هو دعوة من يَتُوق إلى التفسير الذي هو بمعنى التفصيل المؤدي إلى التكييف دعوة هؤلاء إلى الاكتفاء بما يفهم من القراءة فقط ( وهو المعنى الظاهر ) فكأنه يقول لهم ـ محاكاة ـ : هذا هو تفسيرنا .
كمن يطلب منك حلوى فتعطيه تمرة وتقول له هذه حلوانا تريد صرفه مثلا عن السكريات الغير طبيعية أو لأي سبب آخر
وعلى كل حال فكلام البيهقي نص في أن الأصل في لفظ التفسير هو التفصيل المؤدي إلى الكيف
بل ما فهمه الإمام البيهقي هو مقتضى إحدى روايات سفيان :
فقد روى اللالكائي فقال :
أخبرنا محمد بن رزق الله قال أخبرنا بن عثمان قال نا عيسى بن موسى بن إسحاق الأنصاري قال سمعت أبي يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول :
" كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيف ولا مثل " ا.هـ
فتأمل : " لا كيف ولا مثل " أي ولا التفسير الذي يؤدي إلى الكيف والمثل .
ومن أمثلة هذا أيضا أنه في بعض الروايات لبعض مرويات السلف جاءت كلمة (الكيف) مكان كلمة (التفسير) فمن ذلك :
قال الوليد بن مسلم سألت الأوزاعي ومالك والثوري والليث عن الأحاديث التي فيها الصفات فكلهم قالوا :
" أمروها كما جاءت بلا تفسير " وفي رواية : " بلا كيف "
لتعلم أن نفي التفسير يأتي بمعنى نفي الكيف
وقال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن ابي سلمة الماجشون احد ائمة المدينة المشاهير قال في كلامه المشهور عنه وقد سئل فيما جحدته الجهمية :
" أما بعد فقد فهمت ما سألت فيما تتابعت فيه الجهمية ومن خالفها في صفة الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير وكلّت الألسن عن تفسير صفته وانحسرت العقول دون معرفة قدره ، وردت عظمتَه العقولُ فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وهي حسيرة فانما امروا بالنظر والتفكير فيما خلق بالتقدير وانما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان فأما الذي يحول ولا يزول ولم يزل وليس له مثل فانه لا يعلم كيف هو الا هو وكيف يعرف قدر من لم يبدأ ولا يموت ولا يبلى وكيف يكون لصفة شيء منه حد او منتهى يعرفه عارف او يحد قدره واصف " ا.هـ
فهنا نفى التفسير بقوله : كلت الألسن عن تفسير صفته
ثم علل قائلا : " وانما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان " فدل على مراده بالتفسير وأنه التكييف والسياق واضح في هذا
وقال الإمام الترمذي في سننه :
" وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه ومعنى قوله في الحديث فيعرفهم نفسه يعني يتجلى لهم " ا.هـ
فقرن التفسير بالكيف
وانظر كيف بيّن معنى الحديث ومعنى تعريفه بنفسه وأنه تعريف حقيقي عن طريق التجلي مع أنه نفى تفسيره ! لتعلم أن مجرد المعنى الظاهر هو مثبت عندهم وغير منفي .
قال إمام الشافعية وكبيرهم الإمام ابن سريج في جوابه في الاعتقاد عن صفات الله :
" ... ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبهين، ولا نزيد عليها ولا ننقص منها، ولا نفسرها ولا نكيفها ولا نترجم عن صفاته بلغة غير العربية، ولا نشير إليها بخواطر القلوب ولا بحركات الجوارح، بل نطلق ما أطلقه الله عز وجل ونفسّر ما فسّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون والأئمة المرضيون من السلف المعروفين بالدين والأمانة، ونجمع على ما أجمعوا عليه، ونمسك عن ما أمسكوا عنه، ونسلم الخبر الظاهر والآية الظاهرة تنزيلها، لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والمكيفة، بل نقبلها بلا تأويل ونؤمن بها بلا تمثيل، ونقول: الإيمان بها واجب، والقول بها سنة، وابتغاء تأويلها بدعة..
فنفى رحمه الله تفسير الصفات وقرنه بالكيف مبينا مراده من التفسير هنا ، وأثبت الترجمة عن معاني الصفات بلغة العرب وأقرها ، ففرّق بين تفسير الكيف وبين الترجمة عن معاني الصفات .
فترجمة الصفة ترجمةً قائمةً على مجرد أصل المعنى هو غير تفسيرها المنفي الذي بمعنى التكييف
ثم قرر أن تفسير الصفات على ضوء تفسير الصحابة والتابعين وأئمة السلف هو السنة المتبعة ، وبين بما أعقبه أنه تفسير مقيد بالمعنى الظاهر للنصوص
وهذا النوع من التفسير المثبت مقابل للنوع الأول من التفسير المنفي .
ثم نزهه من تأويلات المعتزلة والأشاعرة والجهمية
فتبين من كلامه هذا معنى التفسير المنفي والتفسير المثبت حتى لا يخلط مخلّط بينهما .
وبنحو هذا المعنى الذي دندنا عليه هنا بعيدا عن مصطلح التفسير ما نقله العلامة محمد أنور الكشميري ، في كتابه : " العرف الشذي " حيث قال :
" واعلم أن المشابهات مثل نُزول الله إلى السماء الدنيا ، واستواءه على العرش ، فرأى السلف فيها الإيمان على ظاهره ، ما ورد إمهاله على ظاهره بلا تأويل وتكييف ، ويفوض أمر الكيفية إلى الله تعالى ،ويتوهم من جامع الفصولين وهو من معتبراتنا النهي عن الترجمة اللغوية أيضاً للمتشابهات ، لكنّ ( قريحتي ) يحكم أن النهيَ عنه تفسيرُها لا ترجمتها تحت الألفاظ من الحقوق واليد والوجه وغيرهما " ا.هـ
فنقل التفريق بين التفسير [ الذي هو تفصيل مقارب للتكييف ]
وبين الترجمة المراعية للألفاظ وهو عين ما ذكره الإمام ابن سريج لكنه عند ابن سريج بصورة أوضح
ثم أعقب العلامة الكشميري هذا الكلام بشرحه لتفويض السلف ومرجحا أنه مرادهم بالتفويض قائلا عنه :
" تفويض التفصيل والتكييف إلى الله تعالى والإنكار على من تأول برأيه وعقله " ا.هـ
فأثبت بهذا ما ذكرناه من التفريق بين التفصيل في المعنى وهو نوع من التفسير فهو المنفي والمفوض في عبارات السلف ، وبين المعنى المجمل الذي يمثل المعنى الظاهر الذي هو من قبيل الترجمة وهو نوع من التفسير فهو المثبت
ب ـ استعمال التفسير بمعنى التفصيل في النفي وهو التأويل
فعن الأثرم قال :
قلت لأبي عبد الله : حدث محدث وأنا عنده بحديث : " يضع الرحمن فيها قدمه " وعنده غلام ، فأقبل عليَّ الغلام فقال : إن لهذا تفسيرا فقال أبو عبد الله : انظر كما تقول الجهمية سواء .
نقله الإمام الذهبي في العلو عن الأثرم ، ورواه ابن بطة قال : حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء ثنا أحمد بن عبد الله بن شهاب ثنا الأثرم فذكره
فالأثر صريح في أن الإمام أحمد سمى تأويل الجهمية تفسيرا وهو موافق للمعنى اللغوي لأن التأويل في حقيقته تفصيل في النفي وهذا باعتراف المفوضة ، والتفصيل هو معنى التفسير .
وكذا قال الإمام الحميدي في رسالته :
" وما نطق به القرآن والحديث مثل قوله تعالى: " وقالَتِ اليَهُودُ يدُ اللَّه مَغْلُولةً غلّت أيْديهم ولُعِنُوا بما قَالُوا بَلْ يَدَاه مَبْسُوطتان " سورة المائدة آية 64. ومثل قوله تعالى: " والسّمواتُ مَطْوياتٌ بيَمينه " سورة الزمر آية 67. وما أشبه هذا من القرآن والحديث لا نزيد فيه ولا نفسّره، ونقف على ما وقف عليه القرآن والسنة ونقول: " الرحمنُ على العرش استوى " ، ومن زعم غير هذا فهوِ مُبْطِلٌ جهميٌّ .
تأمل يريد تفسير الجهمية الذي هو التأويل بدليل قوله :
" ولا نفسره ... ومن زعم غير هذا فهو مبطل جهمي " ا.هـ
والتفسير الذي عليه الجهمية هو التأويل بلا خلاف ، ولا شك أن عامة تأويلات الجهمية قائمة على التفصيل في النفي
وروى الإمام اللالكائي فقال
أخبرنا أحمد بن محمد بن حفص قال ثنا محمد بن أحمد بن سلمة قال ثنا أبو محمد سهل بن عثمان بن سعيد بن حكيم السلمي قال سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن المهدي بن يونس يقول سمعت أبا سليمان داود بن طلحة سمعت عبد الله بن أبي حنيفة الدوسي يقول :
سمعت محمد بن الحسن يقول :
" اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في صفة الرب عز و جل من غير تغيير ولا وصف ولا تشبيه فمن فسر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم وفارق الجماعة فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة لأنه قد وصفه بصفة لا شيء " ا.هـ
تأمل قوله : " فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا .. فمن قال بقول جهم ... لأنه قد وصفه بصفة لاشيء " ا.هـ
فقول جهم والوصف بلا شيء هو من التفصيل في النفي الذي هو التأويل فالتفسير هنا هو التأويل
ثم ما بال المفوض تمسك بقوله " لم يفسروا " ولم يلتفت إلى قوله " لم يصفوا " فعلى مبدإ استدلاله ينبغي أن يتهم محمد بن الحسن بأنه ينسب مذهب الجهمية إلى السلف فالجهمية هم الذين لم يصفوا ولم يثبتوا الصفات !!
ونحن نعلم مراد محمد بن الحسن منها لكننا نطالب المخالف بأن يكون مرنا في فهم بقية الأثر كما كان مرنا في فهم هذه العبارة
وهذا لتعلم أن المخالف لا يتعامل مع كلام الأئمة بعدل ، فكما أنه لم يفهم من قوله في الأثر " لم يصفوا " نفي الصفات كما هي عقيدة الجهمية فكذلك ينبغي أن يفهم نفي التفسير على وجهه وكما دل عليه سياق الأثر نفسه
وقد كان مشتهرا بين أهل العلم إطلاق لفظ التفسير على تأويل الصفات بناء على أنها قائمة على التفصيل في النفي
وقد ملأ الإمام عثمان بن سعيد الدارمي كتابيه بوصف تأويلات الجهمية على أنها تفسيرات ضالة حتى لهج بوصف كل تأويل للمريسي على أنه تفسير باطل
ومن أمثلة ذلك قوله في باب النزول :
" ومن يلتفت إلى تفسيرك وتفسير صاحبك مع تفسير نبي الرحمة ورسول رب العزة إذ فسر نزوله مشروحاً منصوصاً ..."
وهي أكثر من أن تحصى في هذا المقام
فالتأويل تفسير ممنوع ومنفي .
وقال الإمام ابن قدامة في كتابه : " تحريم النظر " وهو يرد على كلام لابن عقيل ينعى فيه التأويل :
" فإن قال : تركتم تأويل الآيات والأخبار الواردة في الصفات ، وادّعى أن السلف تأولوها وفسروها فقد أفِك وافترى وجاء بالطامة الكبرى .
فإنه لا خلاف في أن مذهب السلف الإقرار والتسليم وترك التعرض للتأويل والتمثيل
ثم إن الأصل عدم تأويلهم فمن ادعى أنهم تأولوها فليأت ببرهان على قوله ، وهذا لا سبيل إلى معرفته إلا بالنقل والرواية
فلينقل لنا ذلك عن رسول الله أو عن صحابته أو عن أحد من التابعين أو الأئمة المرضيين .
ثم المدعي لذلك من أهل الكلام وهم أجهل الناس بالآثار وأقلهم علما بالأخبار وأتركهم للنقل فمن أين لهم علم بهذه " ا.هـ
هذا كلام صريح صراح .
وتأمل قوله عن المؤول ابن عقيل : " وادّعى أن السلف تأولوها وفسروها " ا.هـ
فالتفسير بمعنى التأويل مشهور عند أهل العلم
ونفي التفسير في عبارات كثير من السلف يراد به في مواطن منها كثيرة نفي التأويل لأنه تفصيل في النفي .
وسئل أبو عمر محمد بن عبد الواحد صاحب اللغة وهو ثعلب عن قول النبي ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره
فقال الحديث معروف وروايته سنة والاعتراض بالطعن عليه بدعة وتفسير الضحك تكلف وإلحاد أما قوله وقرب غيره فسرعة رحمته لكم وتغيير ما بكم من ضر " ا.هـ
فالسياق واضح ، فقد شرع بوصف صاحب تفسير الضحك بأنه يعترض ويطعن في الرواية بذلك التفسير ووصف تفسيره بالإلحاد والتكلف وهذا ما دل على أنه أراد تفسير التأويل لأن من يفسر تكييفا وتشبيها يبالغ في قبول الروايات مستغلا لها في حملها على التكييف بينما الاعتراض والطعن في الروايات هو من صنيع المؤولة
وقوله : " إلحاد " ظاهر في أن التفسير قائم على الجحد وهو لا يصدق إلا على تفسير التأويل
وإليك في الختام نموذجا لتأويل من تأويلات المعطلة والذي يتضح فيه معنى التفسير الذي عناه السلف في قولهم دون تفسير
ذكر البيهقي حديث رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" الْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُ أَقْوَامًا وَيَضَعُ آخَرِينَ ، وَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ "
ثم قال :
" فَقَدْ قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي حَاتِمٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْخَبَرِ ، قِيلَ : مَعْنَاهُ تَحْتَ قَدْرَتِهِ وَمُلْكِهِ ، وَفَائِدَةُ تَخْصِيصِهَا بِالذِّكْرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْقُلُوبَ مَحِلا لِلْخَوَاطِرِ وَالإِيرَادَاتِ وَالْعُزُومِ وَالنِّيَّاتِ ، وَهِيَ مُقَدِّمَاتُ الأَفْعَالِ ، ثُمَّ جَعَلَ سَائِرَ الْجَوَارِحِ تَابَعَةٌ لَهَا فِي الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ ، وَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَفْعَالا مَقْدُورَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى مَخْلُوقَةٌ ، لا يَقَعُ شَيْءٌ دُونَ إِرَادَتِهِ ، وَمَثَّلَ لأَصْحَابِهِ قُدْرَتَهُ الْقَدِيمَةَ بِأَوْضَحِ مَا يَعْقِلُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، لأَنَّ الْمَرْءَ لا يَكُونُ أَقْدَرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى مَا بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا بَيْنَ نِعْمَتَيِ النَّفْعِ وَالدَّفْعِ ، أَوْ بَيْنَ أَثَرَيْهِ فِي الْفَضْلِ وَالْعَدْلِ ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي بَعْضِ هَذِهِ الأَخْبَارِ : إِذَا شَاءَ أَزَاغَهُ وَإِذَا شَاءَ أَقَامَهُ وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ : يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي وَإِنَّمَا ثَنَّى لَفْظَ الإِصْبَعَيْنِ وَالْقُدْرَةُ وَاحِدَةٌ لأَنَّهُ جَرَى عَلَى الْمَعْهُودِ مِنْ لَفْظِ الْمَثَلِ وَزَادَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فِي تَأْكِيدِ التَّأْوِيلِ الأَوَّلِ بِقَوْلِهِمْ : مَا فُلانٌ إِلاَّ فِي يَدِي ، وَمَا فُلانٌ إِلاَّ فِي كَفِّي ، وَمَا فُلانٌ إِلاَّ فِي خِنْصَرِي ، يُرِيدُ بِذَلِكَ إِثْبَاتَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ ، لا أَنَّ خِنْصَرَهُ يَحْوِي فُلانًا ، وَكَيْفَ يَحْوِيهِ وَهِيَ بَعْضٌ مِنْ جَسَدِهِ ؟ وَقَدْ يَكُونُ فُلانٌ أَشَدَّ بَطْشًا وَأَعْظَمَ مِنْهُ جِسْمًا "
فبالله تأمل هذا التفصيل في النفي ثم احكم .
ج ـ التفسير المثبت وهو كل معنى لا يقوم على تفصيل وإنما يقتصر على ظاهر الصفة
قد جاء في عبارات السلف إثبات نوع من التفسير للصفات
قال محمد بن إبراهيم الأصفهاني سمعت أبا زرعة الرازي وسئل عن تفسير {الرحمن على العرش استوى} فغضب ، وقال تفسيرها كما تقرأ هو على عرشه وعلمه في كل مكان "
رواه ابن أبي حاتم في الرد على الجهمية كما نقل ابن القيم
ورواه الحافظ الهروي في ذم الكلام بإسناد ثابت ،فيه جد الحافظ القراب قد روى عنه جمع من الحفاظ وكان معروفا وباقي رجاله أئمة حفاظ
فهنا أثبت أبو زرعة المعنى الظاهر للآية فقال مقرا للظاهر " هو على عرشه " وسماه تفسيرا ، وواضح من سياقه ومن غضبه أنه سمى هذا المعنى تفسيرا تجوّزا ، وأن التفسير في الأصل هو للتفصيل الذي أغضب أبا زرعة .
وقال الإمام الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الطلحي الأصبهاني مصنف الترغيب والترهيب ، وقد سئل عن صفات الرب فقال :
" مذهب مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وحماد ابن سلمة وحماد بن زيد وأحمد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن راهويه أن صفات الله التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله من السمع والبصر والوجه واليدين وسائر أوصافه إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور من غير كيف يتوهم فيها ولا تشبيه ولا تأويل قال ابن عيينة كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره
قال الأصبهاني : أي هو هو على ظاهره لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل " ا.هـ
فبين الإمام الأصبهاني مراد ابن عيينة ، وأن المعنى الظاهر للصفة هو تفسيرها عند السلف لا تفسير أكثر من هذا الظاهر ، وهذا هو التفسير المثبت .
وواضح من السياق أنه إنما سُمّي تفسيرا تجوزا
وقال الإمام الذهبي :
" وكما قال سفيان وغيره قراءتها تفسيرها
يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضائق التأويل والتحريف
وهذا هو مذهب السلف مع إتفاقهم أيضا أنها لا تشبه صفات البشر بوجه ، إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته " ا.هـ
هذه استعمالات العلماء لمسمى التفسير في الصفات قد شرحتها لك مع بيان المعنى اللغوي للفظ التفسير وقد تبين من خلال كل هذا أن من نسب تفويض الصفات إلى السلف من خلال بعض العبارات عنهم والتي تنفي تفسير الصفات قد أبعد بذلك أيما إبعاد وأنه إنما سلك مبدأ منافيا للعلم في ذلك فلا هو راعى معنى التفسير لغة ولا هو راعى استعمالات العلماء ولا هو تتبع عباراتهم وأعمل كل ألفاظهم ولا راعي الثابت عنهم في باب الصفات عموما والله حسيبه في كل هذا وستكتب شهادتهم ويسألون
وإليك الآن أخي الكريم تلك الروايات عن السلف بأسانيدها وألفاظها والتي قد تناولناها بالشرح لعلك تقارن لتتأكد مما ذكرنا والله الموفق
1ـ أثر أبي عبيد القاسم بن سلام
قال ابن بطة :
قال أبو عبيد القاسم بن سلام وذكر عنده هذه الأحاديث التي في الرؤيا فقال :
هذه عندنا حق رواها الثقات عند الثقات إلى أن صارت إلينا إلا أنا إذا قيل لنا فسروها قلنا لا نفسر منها شيئا ولكن نمضها كما جاءت
وقال الآجري في الشريعة :
حدثنا أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان حدثنا العباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول وذكر عنده هذه الأحاديث في الرؤية فقال هذه عندنا حق نقلها الناس بعضهم عن بعض // إسناده صحيح
قال الإمام الأزهري
وأخبرني محمد بن إسحاق السعديّ عن العباس الدُّورِيّ أنه سأل أبا عبيدٍ عن تفسيره وتفسير غيره من حديث النزول والرؤية فقال : هذه أحاديثُ رواها لنا الثِّقاتُ عن الثّقات حتى رفعوها إلى النبي عليه السلام ؛ وما رأينا أحداً يفسِّرها ، فنحن نؤمن بها على ما جاءت ولا نفسِّرها . قال الأزهري : أراد أنها تُترك على ظاهرها كما جاءت . تهذيب اللغة
وفي السنة للخلال
حدثنا أبو بكرقال ثنا أبو الفضل عباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول هذه الأحاديث حق لا يشك فيها نقلها الثقات بعضهم عن بعض حتى صارت إلينا نصدق بها ونؤمن بها على ما جاءت
قال الدارقطني في كتاب الصفات :
حدثنا محمد بن مخلد حدثنا العباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام وذكر الباب الذى يروى فيه حديث الرؤية والكرسى وموضع القدمين وضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء وأن جهنم لا تمتلىء حتى يضع ربك عز و جل قدمه فيها فتقول قط قط وأشباه هذه الأحاديث فقال هذه أحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض وهى عندنا حق لا شك فيها ولكن إذا قيل كيف وضع قدمه وكيف ضحك قلنا لا يفسر هذا ولا سمعنا أحدا يفسره
وأخبرنا عُبَيْدُ الله بن أحمد الأزهري, قال: أخبرنا الدارقطني, قال: حدثنا محمد بن مَخْلَد, قال: حدثنا عباس بن محمد الدوري, قال: سمعت أبا عُبَيْدٍ القاسم بن سَلَّام، وذكر الباب الذي يُرْوَى في الرؤيا, والكرسي, وموضع القدمين, وضحك ربنا من قنوط عباده, وقربه من عبده, وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء؟ وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك - عز وجل - قدمه فيها, فتقول: قط قط, وأشباه هذه الأحاديث؛ فقال: هذه الأحاديث صِحَاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض, وهي عندنا حق لا نَشُكُّ فيها, ولكن إذا قيل: كيف وضع قدمه؟ وكيف ضَحِكَ؟ قلنا: لا نفسر هذا, ولا سمعنا أحدًا يُفَسِّرُهُ.
قال الإمام اللالكائي :
أخبرنا أحمد بن محمد بن الجراح ومحمد بن مخلد قالا ثنا عباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام وذكر عنده هذه الأحاديث ضحك ربنا عز و جل من قنوط عباده وقرب غيره
والكرسي موضع القدمين وأن جهنم لتمتلىء فيضع ربك قدمه فيها وأشباه هذه الأحاديث
فقال أبو عبيد : هذه الأحاديث عندنا حق يرويها الثقات بعضهم عن بعض إلا أنا إذا سئلنا عن تفسيرها قلنا ما أدركنا أحدا يفسر منها شيئا ونحن لا نفسر منها شيئا نصدق بها ونسكت
وقال البيهقي :
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ الأَصْبَهَانِيُّ ، فِيمَا أَجَازَ لَهُ جَدُّهُ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ ، يَقُولُ : هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا : ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غَيْرِهِ ، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رَبُّكَ قَدَمَهُ فِيهَا ، وَالْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ فِي الرِّوَايَةِ هِيَ عِنْدَنَا حَقٌّ ، حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ، غَيْرَ أَنَّا إِذَا سُئِلْنَا عَنْ تَفْسِيرِهَا لا نُفَسِّرُهَا وَمَا أَدْرَكْنَا أَحَدًا يُفَسِّرُهَا
وقال الإمام الذهبي في السير :
أخبرنا أبو محمد بن علوان، أخبرنا عبدالرحمن بن إبراهيم، أخبرنا عبدالمغيث بن زهير، حدثنا أحمد بن عبيدالله، حدثنا محمد بن علي العشاري، أخبرنا أبو الحسن الدارقطني، أخبرنا محمد بن مخلد، أخبرنا العباس الدوري، سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام - وذكر الباب الذي يروى فيه الرؤية، والكرسي موضع القدمين (2)، وضحك ربنا، وأين كان ربنا (3) - فقال: هذه أحاديث صحاح (4)، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل: كيف يضحك ؟ وكيف وضع قدمه ؟ قلنا: لا نفسر هذا، ولا سمعنا أحدا يفسره "
وهذا إسناد جيد في الشواهد فابن كادش الذي اعتمد بعض المتأخرين اتهامه بالوضع هو بريء من هذا وغايته أنه اعترف بوضع حديث وتاب منه وليس هذا محل البيان
وأما العشاري فهو إمام ثقة ومن اتهمه بالوضع فقد كذب على هذا الإمام وسأبين في فرصة مناسبة تزوير الجهمية لحقائق العلم فيما يخص هذين الراويين
2ــ قول جماعة من السلف : " أمروها كما جاءت بلا تفسير "
قال الإمام الآجري :
حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد قال : حدثنا أبو حفص عمر بن مدرك القاضي قال : حدثنا الهيثم بن خارجة قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : سألت الأوزاعي و الثوري و مالك بن أنس ، و الليث بن سعد : عن الأحاديث التي فيها الصفات ؟ فكلهم قال :
" أمروها كما جاءت بلا تفسير " .
وقال الإمام اللالكائي :
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد القزويني قال ثنا محمد بن أحمد بن منصور القطان قال ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال ثنا إسماعيل بن أبي الحارث قال ثنا الهيثم بن خارجة قال سمعت الوليد بن مسلم يقول
سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية فقالوا :
" أمروها بلا كيف "
وفي السنة للخلال :
حدثنا أبو بكر قال ثنا الفضل بن سليمان قال ثنا الهيثم بن خارجة قال ثنا الوليد بن مسلم قال سألت سفيان والأوزاعي ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا نمرها كما جاءت
وقال الإمام ابن بطة :
حدثنا القافلائي قال ثنا محمد بن إسحاق قال ثنا الهيثم بن خارجة قال ثنا الوليد بن مسلم قال سألت الأوزاعي والثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن الأحاديث التي في الصفات وكلهم قال :
" أمروها كما جاءت بلا تفسير "
3 ـ أثر محمد بن الحسن الشيباني .
قال الإمام اللالكائي :
أخبرنا أحمد أخبرنا محمد بن أحمد بن سليمان قال ثنا أبو علي الحسن بن يوسف بن يعقوب قال ثنا أبو محمد أحمد بن علي بن زيد الغجدواني قال ثنا أبو عبد الله محمد بن أبي عمرو الطواويسي قال ثنا عمرو بن وهب يقول سمعت شداد بن حكيم
يذكر عن محمد بن الحسن في الأحاديث التي جاءت أن الله يهبط إلى سماء الدنيا ونحو هذا من الأحاديث إن هذه الأحاديث قد روتها الثقات فنحن نرويها ونؤمن بها ولا نفسرها
وروى اللالكائي قال
أخبرنا أحمد بن محمد بن حفص قال ثنا محمد بن أحمد بن سلمة قال ثنا أبو محمد سهل بن عثمان بن سعيد بن حكيم السلمي قال سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن المهدي بن يونس يقول سمعت أبا سليمان داود بن طلحة سمعت عبد الله بن أبي حنيفة الدوسي يقول
سمعت محمد بن الحسن يقول اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في صفة الرب عز و جل من غير تغيير ولا وصف ولا تشبيه فمن فسر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم وفارق الجماعة فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة لأنه قد وصفه بصفة لا شيء
4 ــ أثر سفيان بن عيينة " قراءته تفسيره "
قال الإمام البيهقي :
وأخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محبور الدهان ، حَدَّثَنَا أبو العباس أحمد بن هارون الفقيه ، حَدَّثَنَا أبو يحيى زكريا بن يحيى البزاز ، حَدَّثَنَا أبو عبد الله محمد بن الموفق ، حَدَّثَنَا إسحاق بن موسى الأنصاري ، قال : سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : ما وصف الله تبارك وتعالى به نفسه في كتابه فقراءته تفسيره ، ليس لأحد أن يفسره بالعربية ولا بالفارسية
وفي إسناده من لم يوثق
وقال البيهقي :
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن حمش ، سمعت أبا العباس الأزهري ، سمعت سعيد بن يعقوب الطالقاني ، سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : كل ما وصف الله تعالى من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني محمد بن يزيد ، سمعت أبا يحيى البزاز ، يقول : سمعت العباس بن حمزة ، يقول : سمعت أحمد بن أبي الحواري ، يقول : سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : كل ما وصف الله تعالى من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته ، والسكوت عليه .
ثم قال البيهقي :
" وإنما أراد به والله أعلم فيما تفسيره يؤدي إلى تكييف وتكييفه يقتضي تشبيهه له بخلقه في أوصاف الحدوث "
وقال البيهقي :
أخبرنا أبو بكر بن الحارث ، أَخْبَرَنَا أبو محمد بن حيان ، حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، حَدَّثَنَا أبو حاتم ، حَدَّثَنَا إسحاق بن موسى ، قال : سمعت ابن عيينة ، يقول : ما وصف الله تعالى به نفسه فتفسيره قراءته ، ليس لأحد أن يفسره إلا الله تبارك وتعالى ، أو رسله صلوات الله عليهم
وروى اللالكائي فقال :
أخبرنا محمد بن رزق الله قال أخبرنا بن عثمان قال نا عيسى بن موسى بن إسحاق الأنصاري قال سمعت أبي يقول
سمعت سفيان بن عيينة يقول كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيف ولا مثل
وقال ابن عبد البر في التمهيد :
أخبرنا أبو القاسم خلف بن القاسم قال حدثنا عبدالله بن جعفر بن الورد قال حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن إبراهيم عن أحمد بن نصر أنه سأل سفيان بن عيينة قال :
حديث عبدالله إن الله عز و جل يجعل السماء على أصبع وحديث إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن وإن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الأسواق وأنه عز و جل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ونحو هذه الأحاديث ؟
فقال :
" هذه الأحاديث نرويها ونقر بها كما جاءت بلا كيف "
تأمل " نقر بها كما جاءت "
وقال الإمام ابن بطة :
حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن مسعدة الأصبهاني قال سمعت محمد بن أيوب الرازي يقول : أخبرنا إسحاق بن موسى قال : قال سفيان بن عيينة :
" ما وصف الله نفسه فقراءته تفسيره ليس لأحد أن يفسره إلا الله عز و جل "
وعن حديث الصورة
حدثني أبي سمعت الحميدي وحدثنا سفيان بهذا الحديث ويقول هذا حق ويتكلم وابن عيينة ساكت قال أبي رحمه الله ما ينكر ابن عيينة قوله
سنة ع
حدثنا محمد بن سليمان بن حبيب لوين سمعت ابن عيينة غير مرة يقول الايمان قول وعمل قال ابن عيينة اخذناه ممن قبلنا قول وعمل وأنه لايكون قول إلا بعمل قيل لابن عيينة يزيد وينقص قال فأيش إذًا
قيل لابن عيينة : هذه الاحاديث التي ترويها في الرؤية قال حق على ما سمعناها // إسناده صحيح
جواب عمن يستدل بابن عيينة
حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي حدثنا محمد بن سليمان لوين قال
قيل لسفيان بن عينية هذه الأحاديث التي تروى في الرؤية فقال حق على ما سمعناها مما نثق به // رجاله ثقات
5 ـ أثر وكيع بن الجراح .
وقال الدارقطني في الصفات :
حدثنا محمد بن مخلد حدثنا العباس بن محمد الدورى قال سمعت يحيى بن معين يقول شهدت زكريا بن عدى يسأل وكيعا فقال يا أبا سفيان هذه الأحاديث يعنى مثل الكرسى موضع القدمين ونحو هذا فقال وكيع أدركنا اسماعيل بن أبى خالد وسفيان وسليمان يحدثون بهذه الأحاديث ولا يفسرون شيئا
وقال البيهقي :
قال أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ ، يَقُولُ : شَهِدْتُ زَكَرِيَّا بْنَ عَدِيٍّ ، سَأَلَ وَكِيعًا ، فَقَالَ : يَا أَبَا سُفْيَانَ ، هَذِهِ الأَحَادِيثُ يَعْنِي مِثْلَ : الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ وَنَحْوَ هَذَا ؟ فَقَالَ وَكِيعٌ : أَدْرَكْنَا إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ ، وَسُفْيَانَ ، وَمِسْعَرًا يُحَدِّثُونَ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ وَلا يُفَسِّرُونَ شَيْئًا
لكن روى الدولابي في الكنى عن الدوري قال :
قال : سمعت يحيى يقول :
» شهدت زكريا بن عدي سأل وكيعا ، فقال : يا أبا سفيان هذه الأحاديث ، يعني مثل : حديث الكرسي ، موضع القدمين ، ونحوها فقال وكيع : « أدركنا إسماعيل بن أبي خالد ، وسفيان ، ومسعرا يحدثون بهذه الأحاديث ، ولا يفسرون بشيء » .
وهو في تاريخ الدوري كما روى الدولابي
والعبد لله يفهم من لفظ الدوري الذي في تاريخه أن التفسير هنا يراد به التأويل لأنه عداه بحرف الباء
وهو على هذا موافق لاستعمالات السلف السابقة والتي عبرت عن التأويل بالتفسير
ويؤيد هذا التوجيه ما روي عن وكيع نفسه وبسياق مقارب
قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه حدثنا وكيع عن إسرائيل بحديث إذا جلس الرب جل جلاله على الكرسي فاقشعر رجل عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الأعمش والثوري يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها نقله الذهبي وقال رواها أبو حاتم عن أحمد
ونقله عن أحمد ابن قدامة في تحريم النظر
وقال عبد الله بن أحمد :
حدثني أبي نا وكيع بحديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبدالله بن خليفة عن عمر رضي الله عنه قال إذا جلس الرب عز و جل على الكرسي فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الاحاديث لا ينكرونها
فهذا قاض للنزاع ودال بصراحة على أن المنقول عنهم هو ترك التفسير الذي هو التأويل فهم لا ينكرون الأحاديث لا يؤولونها لا يفسرونها بالتأويل لأن التأويل هو إنكار لظاهر الأحاديث وهم لا ينكرون شيئا من أحاديث الصفات
وهذا آخر ما تيسر من هذا المبحث والله الموفق
وكتبه العبد الفقير إلى توفيق الله ومرضاته محمد بن خليفة الرباح
---
No comments:
Post a Comment