مذهب الأشاعرة في الأسماء الحسنى، والرد عليهم.
بقلم / تميم بن عبد العزيز القاضي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد :
ذهب عامة الصفاتية - من الكلابيَّة الأشاعرة والماتريدية - إلى إثبات الأسماء، وبعض ما تضمنته من الصفات-على خلاف بينهم في عدد ما يثبتونه منها، إلا أن عامَّتهم على إنكار الصفات الفعلية الاختيارية، والصفات الذاتية الخبرية- وينكرون بقية الصفات، أو يردونها إلى ما أثبتوه منها.
فالأشاعرة قد اتفقوا على إثبات الصفات السبعة المعروفة، وهي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والكلام، والبصر، والسمع ، ثم اختلفوا فيما زاد ذلك.
-فالمتأخرون من الأشعرية اكتفوا بهذه الصفات السبع، وغلاتهم قطعوا بنفي ما سواها، وزعموا أن بقية الصفات راجعة إما إلى الذات-موافقةً للمعتزلة في ذلك- وإما إلى الصفات السبع، كما قرر ذلك الغزالي والرازي وغيرهما [1].
-وزاد بعض الماتريدية صفة ثامنة على ما أثبته متأخروا الأشاعرة، وهي صفة التكوين [2].
-وأما الكلابية، والمتقدمون من الأشاعرة، فقد أثبتوا غير هذه الصفات السبع، وظاهر حال سابقيهم-كأبي الحسن الأشعري، ومتقدمي أصحابه كالباقلاني-إثبات الصفات الخبرية، إلا أن عامة الأشاعرة-متقدمهم ومتأخرهم- على نفي الصفات الاختيارية الفعلية المتعلقة بمشيئة الله [3].
-مذهب الأشاعرة في التوقيف في الأسماء:
-ذهب عامة الأشعرية إلى أن أسماء الله توقيفية، موافقةً لأهل السنة في ذلك[4].
-بينما ذهب الباقلاني منهم إلى جواز القياس فيها، وإثباتها بالعقل، موافقةً للمعتزلة في ذلك[5].
-وذهب الغزالي من الأشاعرة إلى أن الأسماء توقيفية، ولكن الصفات ليست توقيفية، قال الغزالي:«كل ما يرجع إلى الاسم فذلك موقوف على الإذن وما يرجع إلى الوصف فذلك لا يقف على الإذن بل الصادق منه مباح دون الكاذب»[6] ، ووافقه على ذلك الرازي والنسفي[7].
بيان أوجه ضلالهم في الأسماء الحسنى:
تضمن قول الأشاعرة -في باب أسماء الله الحسنى- عدة بدع وضلالات، ومنها:
1- قول بعضهم إن أسماء الله غير توقيفية، كالباقلاني، وسبق نقاش ذلك عند الكلام عن المعتزلة، وبيان وجه الضلال فيه، كما أن من خطأ بعضهم زعمه أن الأسماء توقيفية بخلاف الصفات، والحق أن الباب واحد، فأسماء الله تعالى وصفاته أيضاً على التوقيف.
2- قولهم بنفي الصفات التي تضمنتها كثير من الأسماء، بل أكثر الأسماء، حيث اقتصروا على صفات محدودة، سبعةٍ أو أكثر، وحرَّفوا باقي الصفات، بالنفي، أو بإرجاعها إلى ما أثبتوه من الصفات، كنفيهم صفة علو الذات لله تعالى، وتحريفهم معنى الاستواء إلى الاستيلاء، وإرجاعهم صفة المحبة إلى إرادة الخير والإحسان، إلى غير ذلك من التحريفات.
3- أن ما أثبتوه من هذه الصفات السبع-أو ما زاد عنها-ليس إثباتهم لها موفقاً للحق على التمام، بل لهم في تقريرهم لتفاصيل تلك الصفات أخطاء مشهورة، كقولهم بالكلام النفسي وغيره، حتى إن مذهبهم في بعض ما أثبتوه ليقرب من قول المعتزلة، كإثبات من أثبت منهم رؤية المؤمنين لربهم لكن بلا جهه!! وعند تفصيل قولهم يردونها إلى قدرٍ من الإدراك والعلم الذي لا تخالف فيه المعتزلة[8].
4- ومن أعظم بدع الأشاعرة فيما يتعلق بأسماء الله الحسنى، موقفهم من مسألة خلق الأسماء الحسنى، ذلك أنهم يظهرون القول بأن الأسماء الحسنى غير مخلوقة، ويبدون النكير على المعتزلة لقولهم بخلقها، ولكن عند التحقيق نجد أن مذهبهم في ذلك يرجع إلى مذهب المعتزلة، وذلك يتبين بما يلي:
أ- قولهم إن الاسم هو المسمى، يدل على أن قولهم: إن أسماء الله غير مخلوقة، أي أن المُسَمَّى غير مخلوق، أي أن ذات الله غير مخلوقة، وهذا أمر خارج عن محل النزاع، ولا يخالف فيه المعتزلة، بل لا يخالف فيه كل من يقر بالخالق من أهل الكفر والإشراك.
ب- وأما ما يعنيه أهل السنة في كلامهم عن الأسماء الحسنى، وهي الأسماء المعلومة(كاسم الرحمن والرحيم ...الخ) فهذه مخلوقة عندهم، وهم يسمونها تسميات لا أسماء، وهم قالوا: إنها قد يطلق عليها (أسماء)، أي أن هذا ليس هو الأصل فيها، وإنما قالوا ذلك هروباً من استدلال أهل السنة عليهم -والمعتزلة أيضاً- من أن النصوص جاءت بالجمع في الأسماء، والمُسَمَّى واحد، فاضطروا إلى أن يقولوا: إن تلك تسميات لا أسماء، إنما الاسم واحد، وهو المسمى، وهو ذات الله تعالى، أما تلك الأسماء فهي ألفاظ مخلوقة.
وبذلك فهم خالفوا الحق في عدة أمور:
-قولهم إن الاسم هو المسمى.
-قولهم إن الله ليس له أسماء، بل له اسم واحد، واسمه هو ذاته.
-قولهم عن أسماء الله المعروفة: هي تسميات وليست أسماء.
-قولهم عن هذه التسميات: هي ألفاظ مخلوقة، وأنها غير ثابتة في الأزل، بل حدثت بعد أن لم تكن، وهذا أعظم بدعهم في هذا الباب، وبه وافقوا المعتزلة المصرحين بأن أسماء الله مخلوقة.
ومما يوضح ذلك في مذهب الأشاعرة في الأسماء ما يلي:
1-أنك ترى في طيات كلام الأشاعرة، وفي ردودهم على المعتزلة ما ينبئ عن موافقتهم لهم في أن أسماء الله- والتي هي الأسماء المعروفة كالخالق والرازق...-أنها مخلوقة، وهم يصرحون بأن هذه الأسماء (ويطلقون عليها ألفاظ) أنها مخلوقة، وأنها لم تكن موجودة في الأزل، ويتبين لمن أمعن النظر في كلامهم أن خلافهم مع المعتزلة لفظي.
فعلى سبيل المثال: في شرح المقاصد للتفتازاني قال:«الثابث في الأزل معنى الإلهية والعلم، ولا يلزم من انتفاء الاسم بمعنى اللفظ انتفاء ذلك المعنى»[9].
ففي هذا تصريح بعدم قدم الأسماء(والتي هي أسماء الله عند أهل السنة)، وأنها غير ثابتة في الأزل، أي أنها حادثة بعد أن لم تكن، كما هو صريح مذهب المعتزلة.
2-ولذا فإنك لا ترى في غالب كتب الأشعرية والماتريدية ذم المعتزلة على قولهم بخلق الأسماء، كما يوجد عند أهل السنة، مما دل على اتفاقهم معهم هذه المسألة.
3-قرن بعض الأشاعرة بين قولهم في مسألة الاسم والمسمى ومسألة كلام الله تعالى، ومعلوم مذهب الأشاعرة في كلام الله تعالى.
وهذه مقارنة بين قولي الأشاعرة والمعتزلة في مسألة القران وكلام الله، وبين قولهم في أسماء الله، يبين حقيقة قول الأشاعرة المسألتين، وعلاقة قول الأشاعرة بقول المعتزلة فيهما، وأن الخلاف-عند التحقيق-لفظي فقط:
لام الله وأسماءه الحسنى بين الأشاعرة والمعتزلة (ما وافق قول أهل السنة من ذلك تحته خط).
| كلام الله عند الأشاعرة | أسماء الله عند الأشاعرة | كلام الله عند المعتزلة | أسماء الله عند المعتزلة |
1- 2- | كلام الله غير مخلوق لكن كلام الله هو الكلام النفسي. وليس هو الحروف والألفاظ المقروءة (القرآن ليس كلام الله، بل عبارة عنه) | اسم الله غير مخلوق لكن اسم الله هو ذات الله(الاسم هو المسمى) وليس هو الألفاظ المعروفة(العزيز،الحكيم) | كلام الله مخلوق -وكلام الله هو الحروف والألفاظ المسموعة وهو نفس الحروف والألفاظ المقروءة (فالقران هو كلام الله) | -أسماء الله هي الحروف والألفاظ المسموعة (كالعزيز والحكيم..) وهي نفس الألفاظ المعروفة(العزيز،الحكيم) |
1- 2- 3- 4- | الألفاظ والحروف المسموعة والمقروءة: هي عبارة أو حكاية عن كلام الله، وليست هي نفس كلام الله. وهي مخلوقة | الألفاظ والحروف المسموعة: هي تسميات. وليست هي نفس أسماء الله. وهي مخلوقة | - الألفاظ والحروف المسموعة : ليست عبارة عن كلام الله بل هي نفس كلام الله. وهي مخلوقة(القران مخلوق). | - الألفاظ والحروف المسموعة : ليست تسميات بل هي نفس أسماء الله وهي مخلوقة. |
5- | كلام الله معنى واحد. | اسم الله واحد فقط(المتعدد هو التسميات). | -كلام الله ليس واحداً | -أسماء الله متعددة. |
[1] انظر: المقصد الأسنى للغزالي(157)، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام(6/358).
[2] إشارات المرام(188)، الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات(2/430).
[3] انظر في بيان مذهب الأشعرية في الأسماء الحسنى: الفصل لابن حزم(2/117) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام(5/98-99، 116)(6/358-359)، النبوات(46، 143)، شرح قصيدة ابن القيم (1/251).
[4] انظر:مقالات الاسلاميين للأشعري(525)، مقالات أبي الحسن الأشعري لابن فورك(42)، أصول الدين لعبد القاهر البغدادي(116)، الفرق بين الفرق له(326)، شرح الأسماء الحسنى للرازي(40).
[5] انظر: المقصد الأسنى للغزالي(173)، شرح أسماء الله الحسنى للرازي(40)، شرح المقاصد للتفتازاني(3/256).
[6] المقصد الأسنى( 173)، وانظر: معنى لا إله إلا الله للزركشي(143).
[7] شرح الأسماء الحسنى للرازي(23، 39)، مخطوطة شرح الأسماء الحسنى للنسفي (ورقة12).
[8] انظر: بغية المرتاد(474).
[9] شرح المقاصد(3/253)، وانظر كذلك: شرح أسماء الله الحسنى للرازي(24)
---
No comments:
Post a Comment