Friday, May 8, 2009

الأصول الكلامية لنظرية الخلق المستمر عند الأشاعرة

بسم الله الرحمن الرحيم

تبين لنا من المقال السابق (فكرة الخلق المستمر عند الأشاعرة) الصورة النظرية والعملية عند الأشاعرة لمسألة الخلق ، وكيف أنهم يقولون بتجدد المخلوقات في كل لحظة وحين ، وكنت وعدت أن أبين الجزء الكلامي الدقيق من هذه النظرية .

وهذا الجزء يبدأ من نظريتهم المفصلة في كيفية خلق المخلوقات ، وتركب الأجسام
وملخص ما يقررونه فيها ما يلي :

الأجسام مؤلفة ومحدودة ، فهي إذن تنقسم ، وهذا الانقسام لا بد أن يتناهى ، والأجسام تصير بانقسامها أجزاء صغيرة جداً لا تنقسم لدقتها ، وتلك الأجزاء التي لا تتجزأ هي الجواهر الفردة ، وباجتماعها يتألف الجسم ذو الكم أو الطويل العريض العميق .

والعالم كله مكون من جواهر فردة متشابهة متماثلة مجانسة لا اختلاف فيها بوجه من الوجوه ، ولا تحمل أي صفة ذاتية تميز بعضها عن بعض .

وفيما بين الجواهر الفردة يوجد الخلاء ، وهو بعد لا شيء فيه أصلا ، تتحرك فيه الجواهر حركة مستمرة اجتماعاً وافتراقاً دون حصول تداخل بينها .

والزمن مؤلف من أزمنة كثيرة يطلقون عليها مسمى الآنات ، والآن هو أدق جزء من أجزاء الزمن بحيث لا يقبل القسمة لقصر مدته .

وتحمل الجواهر الفردة معاني زائدة عليها لا تنفك عنها تسمى الأعراض ، والأعراض لا تبقى زمانين - أي آنين - فالله عز وجل يخلق الجوهر ، ويخلق فيه أي عرض شاء معاً دفعة واحدة وعندما يخلق ذلك العرض يفنى ويتلاشى ، فيخلق الله عز وجل عرضاً آخر من نوعه ، فيفنى ذلك العرض ويتلاشى ، فيخلق الله عرضاً ثالثاً ، وهكذا دائماً ، طالما الله تعالى يريد بقاء نوع ذلك العرض ، فإن أراد تعالى أن يخلق عرضاً من نوع آخر خلق ، وإن كف عن خلق الأعراض عدم ذلك الجوهر .

فالأعراض بحاجة إلى الخلق في كل لحظة من لحظات الزمن ، وهذا يتم بواسطة القدرة الإلهية ، وهو الذي يجعلنا نرى المخلوقات على ما هي عليه ، لأن الله تعالى يخلقها في كل لحظة وحين ، ولو كف الله تعالى عن خلق الأعراض لفني هذا العالم بأجمعه .

فإن قيل : ما الفائدة التي تعود عليهم من الكلام على الجزء الذي لا يتجزأ ؟ أو العرض الذي لا يبقى زمانين أو الخلاء ونحوها من المسائل الدقيقة التي تعتريها كثير من الإشكاليات ، وقد يظن الناظر فيها من أول وهلة أنه لا حاجة لها بوجه من الوجوه عندهم .

وللإجابة عن هذا التساؤل ينبغي أن نفهم قبل ذلك قضية مهمة ، وهي أن المتكلمين لم يتعبوا في إثبات أمر يراد إثباته ، أو في نفي أمر يراد نفيه لأجل مجرد منافسة الفلاسفة ، أوالتشويش عليهم والتشكيك في أقوالهم فقط ، بل لهم أهداف أخرى أكبر من تلك بكثير فإن ما يراد إثباته من تلك المسائل يمهد الطريق لآرائهم واعتقاداتهم ، وما يراد نفيه من تلك المسائل فيه ما يعكر عليهم ما يعتقدونه ، ويصححونه من الآراء والمذاهب ، وقد لا يكون هذا بطريق مباشر ،كما هو حال مسألتنا هذه ، بل قد يكون ذلك التمهيد ، أو التعكير بعد مقدمات كثيرة ، ولو بعد مائة مقدمة ، ولذلك يحرص أولئك المتكلمون على حسم المسائل من أصلها .

وسبب تقرير المتكلمين لنظرية الخلق المستمر ، أنها محاولة منهم للرد على ملاحدة الفلاسفة المنكرين لوجود الله تعالى أو القائلين بقدم العالم ، وذلك من خلال إثبات حدوث العالم بهذه الطريقة ، وإذا ثبت أن العالم حادث ، فالحادث يحتاج إلى محدث ، وهو الله جل وعلا ، وبهذا يتم الرد على الملاحدة .

وعند تصور مذهب الأشاعرة نعلم لماذا شيخ الإسلام رحمه الله يناقش في مؤلفاته مسائل كلامية كالجوهر الفرد ، والعرض لا يبقى زمانين ونحوها .

هو يريد أن يرد على أصولهم ، فله نظرة عميقة لمذهبهم ، وفي تكملة أخرى سأذكر إن شاء الله بعض ما انبثق عن هذه النظرية من مسائل .

والله أعلم .

اكمل باقي المقالة هنا .. وهي مقالة مميزة

No comments:

Post a Comment