Thursday, March 18, 2010

ما هو الرابط بين ما يجوز تأويله وما لا يجوز؟ (المجاز و التأويل و صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر والقرينة العقلية)

بسم الله

صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر
والتأويل
والقرينة العقلية

من شريط بعنوان:

الأجوبة المفيدة على أسئلة الواسطية

(استمع أو حمل من هنا)

أو استمع هنا :



 http://www.archive.org/details/TaweelSifatSalehAalAl-sheikhWasitiyyah_570

والمقطع موجود في المنتديات أيضا بعنوان :
الأجوبة الجلية على أسئلة العقيدة الواسطية


12/ما هو الرابط بين ما يجوز تأويله وما لا يجوز؟ وهل يجوز تأويل قول الله تعالى ﴿فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾[الحشر:2] وتأويل قوله﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾[النحل:26]؟ 


الجواب: أن هذه المسألة مسألة عظيمة ودقيقة وبعدم معرفتها يكون الخلط بين التأويل والقول بظاهر الكلام أو ما يتضمنه الكلام أو لازم الكلام.

وأذكر أني في أثناء الشرح لما تكلمنا على الصفات, عرضتُ لهذه المسألة لكن أعيدها حتى تتكرر الفائدة:

فالتأويل: هو صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى غيره, صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى غيره، لدليل دل عليه أو لقرينة.

فإذن في التأويل عندنا ظاهر, وهناك صرف اللفظ عن ظاهره, فعِماد فهم التأويل على فهم كلمة (الظاهر).

كما أن المجاز عندهم هو نقل اللفظ من وضعه الأول إلى وضع ثانٍ لعلاقة بينهما, ففهم المجاز الذي يقابله الحقيقة مبني على فهم: الوضع الأول, الوضع الثاني، العلاقة.

والتأويل مبني على فهم الظاهر والقرينة.

فإذن في التأويل شيئان؛ ظاهر وقرينة, مهم أن تعتني بهذين حتى تفهم المسألة.و

في الحقيقة والمجاز هناك ثلاثة ألفاظ؛ وضع أول, وضع ثان, وعلاقة.

الظاهر في التأويل نوعان؛ الظاهر في الكلام نوعان: هناك ظاهر اللفظ, وظاهر تركيبي.

§ ظاهر يظهر من لفظ واحد.

§ وظاهر يظهر من الكلام؛ من الجملة.

ولهذا تعريف التأويل قالوا نقل الكلام أو صرف اللفظ, نقل الكلام من ظاهره المتبادر منه إلى غيره بقرينة، أو صرف اللفظ، فنقل الكلام أو صرف الكلام عن ظاهره هذا راجع إلى الظاهر التركيبي, وصرف اللفظ عن ظاهره هذا راجع إلى اللفظ الإفرادي فمثلا في قول الله جل وعلا ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾[طه:5]، قالوا استوى بمعنى: استولى أو هيمن, هذا تفسير لكلمة استوى, هنا نقل اللفظ من ظاهره إلى معنى آخر بقرينة, ظاهر اللفظ هنا أن استوى بمعنى: علا. هذا معناها في اللغة, فأولوها بمعنى استولى فصار هذا تأويلا, هل هذا تأويل سائغ أم غير سائغ؟ نقول هذا تأويل باطل غير سائغ؛ لأنه نقل اللفظ عن ظاهره المتبادر منه بغير قرينة, القرينة التي يدّعونها, القرينة العقلية, والقرينة العقلية مبنية على أنْ يكون العقل تصوَّر امتناع إثبات ظاهر اللفظ, فلذلك نقله, ومن المتقرر أنّ علوّ الله جل وعلا على عرشه لا يمتنع عقلا –اليس كذلك؟- ما نقول ثابت عقلا، العلو ثابت عقلا الاستواء على العرش لا يمتنع عقلا، فعلى تقدير مجاراتهم في كلامهم نقول هو جائز عقلا, وإذا كان كذلك فيكون نقل اللفظ من ظاهره إلى غيره يكون تأويلا باطلا.

هناك تأويل صحيح ممثل ما ذكر من الآيات مثل قول الله جل وعلا ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾[النحل:26]، ظاهره؛ ظاهر اللفظ أن الإتيان هنا لله جل وعلا (أَتَى اللَّهُ) يعني أنّ الله يأتي لكن أجمع أهل السنة على أنّ هذه الآية ليست من آيات صفة الإتيان، لم؟ لأن الظاهر هنا ظاهر تركيبي ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾[النحل:26] معلوم أنّه لما قال(مِنَ الْقَوَاعِدِ) بأن الله جل وعلا لم يأتِ من القواعد بذاته ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾[النحل:26]، وإنما أتى الله جل وعلا بصفاته يعني بقدرته, بعذابه, بنكاله, كذلك قول الله جل وعلا﴿أَلَمْ تَرَى إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾[الفرقان:45], (أَلَمْ تَرَى إِلَى رَبِّكَ) ليس معناه رؤية الله جل وعلا حيث يمد الظل, وإنما تُرى قدرته جل وعلا حيث يمد الظل، فهذا الظاهر تركيبي، هذا لا يُسمى تأويلا أصلا؛ لأنه القول بظاهر الكلام فما نقلنا الكلام وما صرفنا الكلام عن ظاهره.

فإذن القاعدة المقررة عند أهل السنة أنه في نصوص الغيبيات؛ في الصفات أو في ما يكون يوم القيامة, أو في الملائكة, إلى غير ذلك، لا تأويل فيها، فنأخذ بالظاهر, هذا الظاهر تارة يكون ظاهرا من جهة اللفظ, و تارة يكون ظاهرا من جهة التركيب.

في قول الله جل وعلا﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[الملك:1]، قد تجد من يفسرها بقوله (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) يعني في قبضته وتحت تصرفه, وهذا التفسير إذا كان مع إثبات صفة اليد لله جل وعلا فهو تفسير سائغ؛ لأن الملك بيده, بمعنى أنه تحت تصرفه، لكن في الآية إثبات صفة اليد.

في قول الله جل وعلا ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾[الفتح:10]، قال ابن كثير وغيره: هذا تشديد في أمر البيعة. هذا فيه إثبات صفة اليد لله جل وعلا ومعنى الكلام في ظاهره التركيبي مع إثبات صفة اليد أنّ فيه تشديد أمر البيعة.

فإذا كان أحد من المفسرين فسر بالظاهر التركيبي أو فسر بالمتضمن للكلام، أو فسر باللازم فتنظر فيه هل يؤول الصفات أو لا يؤولها؟ فمثلا لو نظرت إلى هذه الآية (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) ووجدت أن في هذه الآية لم يثبت صفة اليد وإنما قال هذا تشديد في أمر البيعة لأجل أن لا ينكث بها أحد.

تنظر في الموضع الآخر لقوله جل وعلا ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾[ص:75]، وفي قوله ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾[المائدة:64]، هل في ذلك إثبات صفة اليد عند هذا المفسر أو لا؟ فإن أوّل في ذلك الموضع علمنا أنه في هذا الموضع أوّل، وإن أثبت في ذلك الموضع علمنا أنه في هذا الموضع فسّر باللازم والمتضمن.

وهذا من دقيق المسائل إذا لم تفهمه وجاوزه، ولا تأخذ فيه بعدم فهم له؛ لأنّ هذه من دقيق المسائل ولهذا بعضهم يقول البغوي أوّل، أو مثل واحد ألّف ابن كثير بين التفويض أو قال ابن كثير بين التأويل والتفويض أو بين التفويض والتأويل، ويظن أنّ بعض الناس أن ابن كثير فوّض بعض الآيات؛ فوض بعض الصفات أو أوّل، هذا غير صحيح، كذلك البغوي فوّض أو أوّل هذا غير صحيح، لم؟ لأنه قد يفسر باللازم، قد يفسر بالمتضمن، قد يفسر بالظاهر التركيبي، كيف تعلم الفرق بين المؤلف وغيره؟ كما فعل السائل هنا بدقة جيدة قال: ما هو الضابط بين ما يجوز تأويله وما لا يجوز تأويله؟ يلتبس في حق بعض المفسرين فلا تأخذ في الموضع المشكل الذي يحتمل أن يُفسَّر باللازم ولكن أنظر إلى الموضع الذي فيه التنصيص على الصفة فإذا أثبت الموضع الذي فيه التنصيص على الصفة، فإنه هنا ما أول الصفة ولكنه فسر بالمتضمن أو اللازم أو فسر بالظاهر التركيبي، وهذا بحث يحتاج إلى مزيد بسط لكن هذه أصوله.

No comments:

Post a Comment