Thursday, November 19, 2009

الامام الترمذي يبطل عقيدة أهل التفويض الاشاعرة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله


قال الترمذي رحمه
الله في سننه (باب فضل الصدقة) - وما بين المعقوفين [ ] فهو من كلامي - :



662 - حدثنا
أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا وكيع حدثنا عباد بن منصور حدثنا القاسم بن محمد : قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل : ** ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات } و ** يمحق الله الربا ويربي الصدقات }

قال أبو عيسى
[ أي الإمام الترمذي ] هذا حديث حسن صحيح وقد روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا، وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يُتَوَهَّم ولا يقال كيف.

هكذا روي عن مالك و سفيان بن عيينة و عبد الله
بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا هذا تشبيه وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم وقالوا إن الله لم يخلق آدم بيده وقالوا إن معنى اليد ههنا القوة وقال إسحق بن إبراهيم [هو الإمام العلم إسحق بن راهويه صاحب الإمام أحمد ] إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثل سمع فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيها وهو كما قال الله تعالى في كتابه : ** ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }


موقف الأشاعرة من هذا الكلام:

لقد سبق لي أن استشهدت بكلام الترمذي رحمه الله هذا أكثر من مرة في منتدى روض الرياحين الأشعري وغيره مستلاً منه ما يناسب المقام في الرد على محاوري، بل حاورت به بعض الأخوة الأشاعرة على الخاص ولكن لم يكن لهم من تعليق على ما فيه !

أما في منتدى الأصلين الأشعري فقد وجدت أحد الإخوة الأشاعرة ـ
حديثي العهد بالمذهب كما يبدو ـ ينقل بعض هذا الكلام مستغرباً مستغيثاً : (هل تصح نسبة هذا الكلام للترمذي ؟) !!!

وقد هون أحدهم الأمر عليه فقال
: " وأهل السنة ما قالوا "إن الله لم يخلق ءادم بيده"، والتأويل الصحيح عند المتأولين من أهل السنة [يقصد الأشاعرة] لم يكن القوة إنما كان العناية"

وهو رد أقرب ما يكون إلى قول القائل: يكاد المريب يقول
خذوني !
وقوله أن هذا ليس هو التأويل الصحيح... إلخ لا يفيده شيئاً فليس الكلام
عن التأويل الصحيح والتأويل الخاطئ، لكنه عن وصف صاحب هذا التأويل ـ وغيره من التأويلات المخالفة لتفسير السلف ـ أنه من الجهمية، وهذا التأويل ثابت عن طائفة من الأشاعرة بلا ريب.


ففي تهذيب شرح الباجوري على جوهرة التوحيد ـ (مشروع المحدث إصدار 2.02 ص87) :




"

إن الخلف ذهبوا - بعد أن نزّهوا الله تعالى عن الظاهر المتبادر من هذه النصوص - إلى التأويل التفصيلي فقالوا: ... وإن المراد بالوجه الذات، وباليد القدرة ... وإن المراد باليمين في قوله تعالى: {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} القوة"

وقد ذكر الصاوي رحمه الله في شرحه على الجوهرة أمثلة للتأويل السائغ عندهم فقال
: "وباليد والأصابع القدرة" ص 130

هذا مع
ملاحظة أن القوة هي القدرة، وينظر في ذلك معاجم اللغة وأيضاً الإبانة للأشعري رحمه الله.

ومهما يكن من أمر فإن هذا الذي سبق كله ليس بالأمر المستغرب لأن كلام
الترمذي رحمه الله ـ وهو من هو ـ ونقله مذهب السلف بوضوح يعكر كثيراً على مذهب الأشاعرة في التأويل وعلى مذهب متأخريهم في التفويض، ويبين بلا أدنى شك أن هذا الأخير - تفويض المعنى - ليس هو مذهب السلف كما سيأتي، وأن الأول هو قول الجهمية!

لكن الغريب
هو فعل الباجوري ومهذبي شرحه لجوهرة التوحيد حيث أتوا ببعض كلام الترمذي رحمه الله تحت عنوان:

"وإليك بعض أقوال السلف رحمهم الله تعالى في المتشابه:"
فقالوا
:

(وقال الترمذي عند
حديث: (إنْ اللهَ يَقْبلُ الصَّدقَةَ ويأْخْذُها بيمِيِنِه).
وقد قال غير واحد
من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه: يؤْمَنُ به ولا يتَوَهّمْ، ولا يقال كيف؟ هكذا روي عن مالك بن أنس وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمِرُّوها بلا كيف "وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة".)

وأعرضوا بالكلية عن وصف الترمذي رحمه الله تأويلهم هم أنفسهم اليد بالقوة
ـ كما مر قبل قليل ـ أنه قول الجهمية !!

والأكثر غرابة هو قول الإمام أبو
بكر بن العربي الأشعري رحمه الله في عارضة الأحوذي شرح الترمذي 3/166 عند الكلام على هذا الحديث:

" لما كان أبو عيسى
[ أي الإمام الترمذي ] من أهل العلم بالحديث لم يتحصل له قول الجهمية فوهم في بعض [!!!]. الجهمية أصحاب جهم وهو مبتدع أنكر صفات الباري تعالى وتقدس عن قولهم فقالوا ليس لله قدرة و لا قوة ولا علم ولا سمع ولا بصر وقالوا إن اليد بمعنى النعمة والنعمة خلق من خلق الله خلق به آدم وما شاء من المخلوقات، وأما الذي يقولون إن اليد هي القدرة فهم طائفة من أهل السنة [يريد رحمه الله: طائفة من الأشاعرة] ..."

فابن العربي يشير أولاً إلى أن الكلام في العقائد ومقالات الناس ليس من
اختصاص أهل الحديث وهذا هو سبب وهم الترمذي في نسبة القول للجهمية !!
ثم إنه
يبين أن تأويل اليد بالقدرة قول طائفة من الأشاعرة.

والجواب عن هذا
:
1.أن لفظ الجهمية وإن كان في أصله يطلق على أتباع الجهم إلا أنه صار يطلق على كل من أنكر الصفات أو بعضها من جهمية ومعتزلة وغيرهم، فلا يتوجه هذا الاعتراض للترمذي و لا لأهل الحديث !
2.قال الأشعري رحمه الله في الإبانة 129
"وأيضاً فلو كان أراد القوة [ أي في قوله تعالى:{لما خلقت بيديّ}] لكان معنى ذلك بقدرتيَّ وهذا ناقض لقول مخالفنا وكاسر لمذهبهم لأنهم لا يثبتون قدرة واحدة فكيف يثبتون قدرتين ؟"
والذي ينكر أن يكون لله قدرة ـ كما لا يخفى ـ إنما هم الجهمية، فهذا يعني أنهم أرادوا الفكاك من إثبات صفة اليد فأولوها بما يخالف مذهبهم فتناقضوا، فسجل عليهم الأشعري رحمه الله ذلك، ونقله الترمذي عنهم فرحم الله الترمذي من إمام فذ مقدم في الحديث وفي معرفة أقوال الفرق وأهل الزيغ والضلال بما خفي على أرباب المعقولات.
3.والأهم من ذلك ليس هو صحة نسبة هذا القول إلى طائفة بعينها، بل الحكم على من قال بهذا القول أنه مخالف لأهل السنة والجماعة متنكب طريقهم، وهذا ما لم يتعرض له ابن العربي رحمه الله من قريب أو بعيد.


أما من أراد أن يعرف قول الأشعري ـ نفسه ـ رحمه الله في هذه المسألة فقد فصله في الإبانة ويلخصه قوله (الذي هو قولنا):

الإبانة [ جزء 1 - صفحة 133
]
"وإذا فسدت الأقسام الثلاثة صح القسم الرابع وهو أن معنى قوله تعالى : ( بيدي ) إثبات يدين ليستا جارحتين ولا قدرتين ولا نعمتين لا يوصفان إلا بأن يقال : إنهما يدان ليستا كالأيدي خارجتان عن سائر الوجوه الثلاثة التي سلفت."


ولنا مع هذا
الكلام النفيس للترمذي رحمه الله وقفات، شرح الله صدري وصدر القراء الكرام للحق المبين، الذي كان عليه سلف هذه الأمة الصالحين:

1. أن سلفنا الصالح لم يقولوا
إن هذه الآيات والأحاديث في الصفات من المتشابه الذي يجب رده للمحكم كما هو مذهب الأشاعرة.


2. أن السلف الصالح لم يفرقوا في هذا الباب – الصفات – بين أحاديث الآحاد الصحيحة والأحاديث المتواترة بل تلقوا الجميع بالقبول والإيمان كما قال الترمذي "ويؤمن بها"، وبهذا يعلم بطلان القول المبتدع الذي أخذ به الأشاعرة وهو أن أحاديث الآحاد لا يحتج بها في العقائد.


3.
مذهب السلف في آيات وأحاديث الصفات هو الإمرار، وقد جاء في مواضع قولهم "أمروها بلا كيف" وفي أخرى قولهم "أمروها كما جاءت" وهي عبارة قاطعة لكل مطمع في التأويل، لأن التأويل صرف لها عما جاءت به وليس إمراراً لها بحال من الأحوال، فإن ثبت عن أي من السلف تأويل في موضع ما – ولا يكاد يثبت - فإن هذا لا يمكن بحال أن يكون قاعدة يقاس عليها بل هو بخلاف الأصل عندهم، ولهذا قال إمام الحرمين الجويني في الرسالة النظامية – وهي من أواخر ما كتب - :
وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الرب تعالى.

والذي نرتضيه رأياً وندين الله به عقلاً: اتباع سلف الأمة. فالأولى الاتباع و ترك الابتداع.

والدليل السمعي القاطع في ذلك : أن إجماع الأمة حجة متبعة وهو مستند معظم الشريعة. وقد درج صحب رسول صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم على ترك التعرض لمعانيها ودرك ما فيها ... فإذا تصرم عصرهم وعصر التابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك قاطعاً بأنه الوجه المتبع ، فحق على ذي دين أن يعتقد تنزه الباري عن صفات المحدثين ، ولا يخوض في تأويل المشكلات ويكل معناها إلى الرب تبارك وتعالى" ا.هـ المراد من كلامه.



4. أن الجهمية لما ردوا الأحاديث ـ لسهولة ذلك بادعاء أنها آحاد ـ
احتج عليهم السلف بأن في الآيات ما يؤيدها، فذكروا لهم آيات مما يعده الأشاعرة من المتشابه ( كآيات إثبات صفة اليد ) ولم يردوا عليهم بمثل رد الأشاعرة بإحالتهم لما يعدونه – أي الأشاعرة - وحده من المحكم دون الآخر كقوله تعالى {ليس كمثله شيء}.

5. عدت الجهمية ( من معتزلة وغيرهم ) موقف
السلف من الآيات والأحاديث تشبيهاً، وقد جاء في ترجمة الإمام أحمد رحمه الله في السير للذهبي أنه احتج على المعتزلة ـ لإثبات صفتي السمع والبصر ـ بقوله تعالى {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع و لا يبصر} فتصايحت المعتزلة في حضرة الخليفة " شبه يا أمير المؤمنين شبه " وهو نفس موقف الأشاعرة من السلفيين!!

ووجه الشبه بين موقفي المعتزلة والأشاعرة أن الإمام أحمد لما احتج على الجهمية - لإثبات الصفتين من قوله تعالى {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر} - بحجة عقلية وهي أن إبراهيم عليه السلام يقول لأبيه إن هذه الأصنام لا تسمع ولا تبصر فلا تستحق العبادة فدل على أن المعبود الحق يسمع ويبصر، رموه بالتشبيه لأن هذه الآية ـ على زعمهم ـ يوهم ظاهرها التشبيه.

والأشاعرة كذلك يرمون
السلفيين بالتشبيه لأخذهم بظاهر الآيات – على ما يليق بالله - التي يوهم ظاهرها ـ على زعم الأشاعرة ـ التشبيه.

6. مذهب السلف في آيات
وأحاديث الصفات هو الإمرار بلا كيف، فلو كان مرادهم إمرار لفظ بلا معنى معلوم لهم كما يريد الأشاعرة لكفر المعتزلة باعتراضهم على مجرد إمرار لفظ الآيات وتسمية هذا الفعل تشبيهاً، وهذا يدل دلالة أكيدة على أن السلف كانوا يمرون مع إثبات المعنى وتفويض الكيف .

7. يؤيده قول الترمذي: " وقالوا إن الله لم يخلق آدم بيده وقالوا إن
معنى اليد ههنا القوة" ومعلوم أن الجهمية من معتزلة وغيرهم لم ينكروا اللفظ من قوله تعالى {لما خلقت بيدي} وإلا لكفروا، لكنهم أنكروا المعنى الذي أثبته السلف فوسموهم بذلك بالتشبيه كما يسمنا الأشاعرة، ثم فروا إلى التأويل بالقوة وغيرها كما فعل الأشاعرة حذو القذة بالقذة، ووصف الترمذي هذا التأويل بأنه "قالوا إن الله لم يخلق آدم بيده" فعد تأويلهم هذا تعطيلاً للصفة عن معناها.

8. مما يدل كذلك على أن السلف لم
يكونوا جهلة لا يفقهون معنى ما يقرؤون قول ابن العربي رحمه الله في عارضة الأحوذي في شرح هذا الحديث 3/166 "ومذهب مالك رحمه الله أن كل حديث منها [أي أحاديث الصفات] معلوم المعنى ولذلك قال للذي سأله: الاستواء معلوم والكيفية مجهولة".

9. قال
الترمذي رحمه الله "فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم" فما فسر به السلف هذه الآيات والأحاديث عدته المعتزلة وباقي فرق الجهمية تشبيهاً فروا منه إلى التأويل و لا يمكن أن يكون بحال مجرد إمرار ألفاظ بلا معان لما سبق.

10. أما كلام الإمام ابن راهويه رحمه الله فكما يصلح في الدفاع عن السلف
الصالح وتبرئتهم مما رماهم به الجهمية من التشبيه، يصلح في الدفاع عنا وتبرئتنا مما يرمينا به الأشاعرة من التشبيه مثل قول بعضهم " فقولك يد لا كيدنا يوهم التشبيه في حقه تعالى أنه مركب و أن له جوارحا لكنها تختلف من حيث الكيفية" !!.

11. عد
الترمذي رحمه الله حديث النزول من أحاديث الصفات عند أهل السنة بينما هو ليس كذلك عند الأشاعرة بدليل تفسيره بنزول الملك ـ فليس من العقل القول إن من صفات الله نزول الملك !! ـ حتى قال الكوثري في هامش العقيدة النظامية للجويني أن هذا الحديث ليس من أحاديث الصفات " على التحقيق "، ولا عزاء للسلف الذين ـ بناء على هذا القول ـ ليسوا من أهل التحقيق.

12.مذهب الأشاعرة وكثير من المتكلمين أن الكثير من آيات وأحاديث الصفات من المتشابه الذي يوهم ظاهره التشبيه، فلما قال السلف في أحاديث الصفات أمروها كما جاءت دل على أنها وما وافقها من آيات الصفات ليست من المتشابه الذي يوهم التشبيه على زعم أهل الكلام الفاسد ـ تعالى الله عن قولهم ـ هذا القول الذي يلزم منه أن تُنسب للسلف رزية من اثنتين: فإما أنهم كانوا يجهلون أن هذه الآيات توهم التشبيه فتحصل لأهل الكلام من العلم ما غاب عن جماعتهم وهو محال، وإما أنهم علموا ولم يكتفوا بعدم تحذير الناس من أن الظاهر غير مراد لأنه يوهم التشبيه، بل قالوا لهم: أمروها كما جاءت.
وكيف جاءت؟ الجواب عند المتكلمين: بلفظ ظاهره يوهم التشبيه !
فأي خيانة للمسلمين وأي تلبيس عليهم في دينهم أعظم من ذلك ؟

بالتأكيد ... فإن الأشاعرة لا ينسبون ذلك للسلف، لكنه لازم قولهم للأسف.

هذا والله أعلى وأعلم ورد العلم إليه أسلم وصل اللهم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.




No comments:

Post a Comment