Monday, September 6, 2010

تسفيه أدعياء التنزيه - نقض شبهات ابن الجوزي والسقاف حول مذهب السلف في الصفات

بسم الله الرحمن الرحيم

نقض شبهات ابن الجوزي والسقاف حول مذهب السلف في الصفات

الشبهة الأولى

زعم السقاف في ص15 أن النضر بن شميل قد أول صفة القدم معتمداً على حكاية أوردها البيهقي
قال البيهقي في الأسماء والصفات ص352 (( وفيما كتب إلي أبو نصر بن قتادة من كتاب أبي الحسن بن مهدي الطبري حكاية أن النضر بن شميل قال إن معنى حديث : " حتى يضع الجبار فيها قدمه " أي من سبق في علمه أنه من أهل النار ))
قلت هذا معضل فابن مهدي من تلاميذ الأشعري والنضر بن شميل من شيوخ إسحاق بن راهوية ( شيخ البخاري ) وليس بهذه الأسانيد تثبت عقائد الأئمة



الشبهة الثانية



وذكر السقاف في ص15 في محاولته البائسة لإثبات التأويل عن السلف ما حكاه أبو عبيد الهروي عن الحسن البصري أنه قال: القدم: هم الذين قدمهم الله تعالى من شرار خلقه وأثبتهم لها
قلت وهذا معضل لم يخجل السقاف من إيراده للإحتجاج



الشبهة الثالثة



احتج السقاف في ص218 بقوله تعالى (( نسوا الله فنسيهم )) على وجوب التأويل


والجواب عن هذا أن صفة النسيان لا تقاس على غيرها من الصفات الثبوتية لرب العالمين كالوجه واليد وغيرها من وجوه ثلاثة
الأول أن صفة النسيان صفة نقص بيد أن بقية الصفات صفات كمال ( على الأقل في حق المخلوق وهذه نقطة متفق عليها )


الثاني أنها سيقت سياق المقابلة بينما فقوله تعالى (( نسوا الله فنسيهم)) فيه مقابلة الله تعالى لنسيانهم بنسيان بينما سيقت بقية الصفات مساق الإخبار


الثالث أن صفة النسيان جاء نفيها تفصيليا فقد قال تعالى (( وما كان ربك نسيا )) فما تركنا ظاهر تلك الآية إلا لظاهر هذه الآية بينما يزعم المعطلة أن بقية الصفات التي ينفونها جاء نفيها إجمالا في قوله تعالى (( ليس كمثله شيء )) وقد بينا بطلان هذا القيل فيما تقدم فيحتاج المعطلة لنفي تفصيلي لصفة اليد مثلا لكي يستقيم لهم قياسها على صفة النسيان



ومن معاني النسيان في اللغة الترك فيحمل عليها الإثبات ويحمل النفي على النسيان المعروف جمعاً بين النصوص



ولا يوجد في السياق ما يدل على بطلان حمل النسيان في هذه الآية على الترك بل إن له نظائره في الكتاب كقوله تعالى (( فنسي آدم ولم نجد له عزما )) والله الموفق




ومثل هذا يقال في حديث (( يا ابن آدم مرضت ولم تعدني ...)) رواه مسلم

فالحديث فيه تفسير



حيث يقول العبد (( كيف أعودك وأنت رب العالمين ))



فيأتي الجواب (( عبدي مرض فلو عدته لوجدتني عنده ))



فالحديث فسر نفسه بنفسه فلا تقاس عليه النصوص الأخرى التي تركت دون تأويل



والمرض صفة نقص في المحدثات فكيف تقاس على صفات الكمال


وهل يستطيع المعطلة أن يقفوا على المنابر ويحدثوا بأحاديث الصفات دون إردافها بالتأويلات كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؟!!



وينبغي التنبه لأمر مهم وهو أن ثبوت صحة تأويل من التأويلات لا يدل على صحتها جميعاً فالأشاعرة أنفسهم يردون تأويلات المعتزلة للسمع والبصر والمعتزلة يردون تأويلات المرجئة لنصوص دخول الأعمال في مسمى الإيمان وهكذا



من هذا يعلم أن السقاف في مقدمته هذه إنما يرقم على الماء



الشبهة الرابعة

 واحتج السقاف في ص11 بما ورد عن ابن عباس وغيره من السلف  من حمل قوله تعالى (( يوم يكشف عن ساق )) على الشدة على مشروعية التأويل


والجواب أن التأويل تعريفه صرف اللفظ من معنى راجح إلى معنى مرجوح لقرينة
وهذا لا ينطبق على الآية إذ ظاهرها لا يدل على الصفة فالساق لم تأتِ مضافة لرب العالمين
وقراءة ابن عباس (( يوم تكشف عن ساق )) فالقراءة تفرض عليه ذلك وحتى لو كانت القراءة موافقة لقراءة الجمهور فهذا ليس بتأويل



السيوطي هذا الخبر في (( الدر المنثور ))(6/255) وقال : (( وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن منده من طريق : عمرو ابن دينار ، قال : كان ابن عباس يقرأ : { يوم يكشف عن ساق } – بفتح التاء - . قال أبو حاتم السجستاني : أي تكشف الآخرة عن ساقها


ومثله قوله تعالى (( وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )) فمن حملها على القوة بناءً على أن الأيد مصدر آد يئيد أيداً ليس مؤلاً إذ أن الأيد لم تأت مضافة لرب العالمين


وقد ثبت عن ابن عباس آثار عديدة في إثبات الصفات لم يرفع القوم بها رأساً من أشهرها قوله (( الكرسي موضع القدمين )) (وقد خرجته في الدفاع عن حديث الجارية )


وقد ثبت إثبات صفة الساق عن الصحابي الجليل ابن مسعود
رواه حنبل بن إسحاق في الفتن حديث رقم 44 حدثنا قبيصة ومحمد بن كثير واللفظ لقبيصة حدثنا سفيان بن سعيد الثوري عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء قال:تذاكرنا الدجال عند عبد الله ( يعني ابن مسعود ) فقال ((
تفترقون أيها الناس لخروجه على ثلاث فرق: فرقة تتبعه، وفرقة تلحق بأرض آبائها بمنابت الشيح، وفرقة تأخذ شط الفرات، يقاتلهم ويقاتلونه، حتى يجتمع المؤمنون بقرى الشام، فيبعثون إليهم طليعة، فيهم فارس على فرس أشقر وأبلق.
قال: فيقتتلون، فلا يرجع منهم بشر.
قال سلمة:
فحدثني أبو صادق، عن ربيعة بن ناجذ:
أن عبد الله بن مسعود قال: فرس أشقر.
قال عبد الله: ويزعم أهل الكتاب أن المسيح ينزل إليه.
قال: سمعته يذكر عن أهل الكتاب حديثا غير هذا.
ثم يخرج يأجوج ومأجوج، فيمرحون في الأرض، فيفسدون فيها.
ثم قرأ عبد الله: {وهم من كل حدب ينسلون} [الأنبياء: 96].
قال: ثم يبعث الله عليهم دابة مثل هذا النغف، فتلج في أسماعهم ومناخرهم، فيموتون منها، فتنتن الأرض منهم، فيجأر إلى الله، فيرسل ماء يطهر الأرض منهم.
قال: ثم يبعث الله ريحا، فيها زمهرير باردة، فلم تدع على وجه الأرض مؤمنا إلا كفته تلك الريح.
قال: ثم تقوم الساعة على شرار الناس، ثم يقوم الملك بالصور بين السماء والأرض، فينفخ فيه.
والصور: قرن، فلا يبقى خلق في السماوات والأرض إلا مات، إلا من شاء ربك.
ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون، فليس من بني آدم خلق إلا منه شيء.
قال: فيرسل الله ماء من تحت العرش، كمني الرجال، فتنبت لحمانهم وجثمانهم من ذلك الماء، كما ينبت الأرض من الثرى.
ثم قرأ عبد الله: {والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا، فسقناه إلى بلد ميت، فأحيينا به الأرض بعد موتها، كذلك النشور} [فاطر: 9].
قال: ثم يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض، فينفخ فيه، فينطلق كل نفس إلى جسدها حتى يدخل فيه، ثم يقومون، فيحيون حياة رجل واحد، قياما لرب العالمين.
قال: ثم يتمثل الله -تعالى- إلى الخلق، فيلقاهم، فليس أحد يعبد من دون الله شيئا إلا وهو مرفوع له يتبعه.
قال: فيلقى اليهود، فيقول: من تعبدون؟
قال: فيقولون: نعبد عزيرا.
قال: هل يسركم الماء؟
فيقولون: نعم، إذ يريهم جهنم كهيئة السراب.
قال:
ثم قرأ عبد الله: {وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا} قال: ثم يلقى النصارى، فيقول: من تعبدون؟
فيقولون: المسيح.
قال: فيقول: هل يسركم الماء؟
قال: فيقولون: نعم.
قال: فيريهم جهنم كهيئة السراب.
ثم كذلك لمن كان يعبد من دون الله شيئا.
قال:
ثم قرأ عبد الله: {وقفوهم إنهم مسؤولون}



قال: ثم يتمثل الله -تعالى- للخلق، حتى يمر على المسلمين.
قال: فيقول: من تعبدون؟
فيقولون: نعبد الله، ولا نشرك به شيئا.
فينتهرهم مرتين أو ثلاثا، فيقول: من تعبدون؟
فيقولون: نعبد الله، ولا نشرك به شيئا.
قال: فيقولون: هل تعرفون ربكم؟
قال: فيقولون: سبحانه إذا اعترف لنا عرفناه.
قال: فعند ذلك يكشف عن ساق، فلا يبقى مؤمن إلا خر لله ساجدا، ويبقى المنافقون ظهورهم طبقا واحدا، كأنما فيها السفافيد.
قال: فيقولون: ربنا.
فيقول: قد كنتم تدعون إلى السجود وأنتم سالمون.
قال: ثم يأمر بالصراط فيضرب على جهنم، فيمر الناس كقدر أعمالهم زمرا كلمح البرق، ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، ثم كأسرع البهائم، ثم كذلك، حتى يمر الرجل سعيا، ثم مشيا، ثم يكون آخرهم رجلا يتلبط على بطنه.
قال: فيقول: أي رب، لماذا أبطأت بي؟
فيقول: لم أبطأ بك، إنما أبطأ بك عملك.
قال: ثم يأذن الله -تعالى- في الشفاعة.
فيكون أول شافع: روح القدس جبريل - عليه الصلاة والسلام -، ثم إبراهيم خليل الله، ثم موسى، ثم عيسى -عليهما الصلاة والسلام-.
قال: ثم يقوم نبيكم رابعا، لا يشفع أحد بعده فيما يشفع فيه، وهو المقام المحمود الذي ذكره الله -تبارك وتعالى-: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [الإسراء: 79].
قال: فليس من نفس، إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة، أو بيت في النار.
قال: وهو يوم الحسرة.
قال: فيرى أهل النار البيت الذي في الجنة.
ثم يقال: لو عملتم.
قال: فتأخذهم الحسرة.
قال: ويرى أهل الجنة البيت في النار.
فيقال: لولا أن منَّ الله عليكم.
قال: ثم يشفع الملائكة، والنبيون، والشهداء، والصالحون، والمؤمنون، فيشفعهم الله.
قال: ثم يقول الله: أنا أرحم الراحمين، فيخرج من النار أكثر مما أخرج من جميع الخلق برحمته.
قال: ثم يقول: أنا أرحم الراحمين.
قال:
ثم قرأ عبد الله: {ما سلككم في سقر، قالوا: لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين، وكنا نخوض مع الخائضين، وكنا نكذب بيوم الدين} [المدثر: 42- 45].
قال: فعقد عبد الله بيده أربعا، ثم قال:
هل ترون في هؤلاء من خير؟ ما ينزل فيها أحد فيه خير.
فإذا أراد الله -عز وجل- أن لا يخرج منها أحد، غير وجوههم وألوانهم.
قال: فيجيء الرجل فينظر، ولا يعرف أحدا.
فيناديه الرجل، فيقول: يا فلان، أنا فلان.
فيقول: ما أعرفك.
فعند ذلك يقول: {ربنا أخرجنا منها، فإن عدنا فإنا ظالمون}.
فيقول عند ذلك: {اخسئوا فيها، ولا تكلمون} [المؤمنون: 107- 108].
فإذا قال ذلك، أطبقت عليهم، فلا يخرج منهم بشر
قلت قبيصة في روايته عن الثوري كلام ولكنه توبع في هذا الإسناد
وتوبع عند الحاكم حيث قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الزاهد الأصبهاني،حدثنا الحسين بن حفص، حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء فذكره
وأبو الزعراء هذا وثقه ابن حبان والعجلي وابن سعد وصحح له الحاكم وقال البخاري لا يتابع على حديثه فعلى هذا هو حسن الحديث والحسين بن حفص ثقة نبيل


قلت وبهذا يثبت هذا الأثر وفيه إثبات ابن مسعود لصفة الساق إذ أن الأثر صريح في أن الكشف عن الساق خاص بالمؤمنين وأدعياء الإيمان أما شدة الخطب فتقع على جميع الناس فتأمل
والأثر صريح في أن الكشف عن الساق هي العلامة التي يعرف بها المؤمنون ربهم وهذا لا يمكن أن ينطبق على شدة الخطب فشدة الخطب تقع على جميع الناس ولا اختصاص لهذه الأمة بها
ثم إن شدة الخطب ليست علامة يعرف بها المؤمنون ربهم
ومن هذا يعلم أن سواء كان اللفظ الراجح في الحديث المرفوع ساق أو ساقه فصفة الساق ثابتة



الشبهة الخامسة

زعم السقاف في ص16  أن السلف يثبتون العلو المعنوي لا الحسي محتجاً بما جاء في تفسير ابن جرير (1 / 192)  من قوله (( والعجب ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله : (ثم استوى إلى السماء) الذي هو بمعنى : العلو والارتفاع . هربا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه إذا تأوله بمعناه المفهوم ، كذلك أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر ، ثم لم يبج مما هرب منه ، فيقال له : زعمت أن تأويل قوله : (استوى) : أقبل ، أفكان مدبرا عن السماء فأقبل إليها ؟ فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل ولكنه إقبال تدبير ، قيل له : فكذلك فقل : علا عليها علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال ))
قلت وكلمة ابن جرير الأخيرة إنما قالها للإلزام وإلا فهو قد قال في بداية كلامه (( قال أبو جعفر: الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه: منها انتهاء شباب الرجل وقوته، فيقال إذا صار كذلك: قد استوى الرجل، ومنها استقامة ما كان فيه أود من الأمور والأسباب، يقال منه: استوى لفلان أمره: إذا استقام له بعد أود. ومنه قول الطرماح بن حكيم:
طال على رسم مهدد أبده وعفا واستوى به بلده
يعني: استقام به.
ومنها الإقبال على الشيء بالفعل، كما يقال: استوى فلان على فلان بما يكرهه ويسوءه بعد الإحسان إليه. ومنها الاحتياز والاستيلاء كقولهم: استوى فلان على المملكة، بمعنى احتوى عليها وحازها. ومنها العلو والارتفاع، كقول القائل: استوى فلان على سريره، يعني به علوه عليه. وأولى المعافي بقول الله جل ثناؤه: {ثم استوى إلى السماء فسواهن} علا عليهن وارتفع فدبرهن بقدرته وخلقهن سبع سموات ))
قلت هذا واضح في أنه اختار معنى العلو والإرتفاع ومثاله علو الرجل على سريره وهذا لا يكون معنوياً فقط كما لا يخفى وقد بتر السقاف هذا الجزء لئلا ينتقض غزله
ولفظة الإرتفاع تدل على العلو الحقيقي
إذ لا يمكن التعبير بها عن العلو المعنوي
قال في اللسان (( ويقال: ارْتَفَعَ الشيءُ ارْتِفاعاً بنفسه إذا عَلا))


والرفعة غير الإرتفاع


وابن جرير من مثبتي العلو


قال ابن جرير في تفسيره لسورة الملك (( {أم أمنتم من في السماء} وهو الله ))
وقال في تفسير سورة المعارج (( يقول تعالى ذكره: تصعد الملائكة والروح، وهو جبريل عليه السلام إليه، يعني إلى الله جل وعز ))
قلت ولا يمكن حمل هذا على العلو المعنوي فيكون المعنى تصعد الملائكة في المكانة إلى مكانة الله والعياذ بالله
وقال في تفسير سورة الأنعام (( {واستكبروا عنها} يقول: وتكبروا عن التصديق بها وأنفرا من اتباعها والانقياد لها تكبرا، لا تفتح لهم لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم أبواب السماء، ولا يصعد لهم في حياتهم إلى الله قول ولا عمل، لأن أعمالهم خبيثة. وإنما يرفع الكلم الطيب والعمل الصالح، كما قال جل ثناؤه: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه))
وقال في تفسير سورة فاطر (( يقول تعالى ذكره: إلى الله يصعد ذكر العبد إياه وثناؤه عليه {والعمل الصالح يرفعه} يقول: ويرفع ذكر العبد ربه إليه عمله الصالح، وهو العمل بطاعته، وأداء فرائضه، والانتهاء إلى ما أمر به ))
قلت وثبت هذا المعنى عن ابن عباس
فقد قال ابن جرير حدثني علي، ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} قال: الكلام الطيب: ذكر الله، والعمل الصالح: أداء فرائضه؛ فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه، حمل عليه ذكر الله فصعد به إلى الله


قلت والسقاف يحتج بما في صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس _ انظر ص11_ ولا يمكن حمل كلام ابن عباس على العلو المعنوي فيكون الكلم الطيب يصعد في المكانة إلى مكانة الله والعياذ بالله
وهذا يبطل افتراء السقاف على السلف في أنهم كانوا مفوضة او مؤولة
ولقطع دابر المفترين إليك هذا الأثر الثابت
قال البيهقي في كتابه الأسماء والصفات (2/310)

 : أنبأنا الحاكم ،حدثنا الأصم ، حدثنا محمد بن الجهم حدثنا يحيى بن زياد الفراء قال: "وقد قال عبد الله بن عباس: {ثُمّ اسْتَوَى} صعد، وهو كقولك للرجل كان قاعدا فاستوى قائماً، وكان قائمًا فاستوى قاعدًا، وكل في كلام العرب جائز"
قلت إسناده صحيح ومحمد بن الجهم وثقه الدارقطني  كما ((تاريخ بغداد)) (2/161)





والفراء إمام في العربية وهو أعلى طبقة من جرير


وهذا يبطل زعم السقاف في أن السلف كانوا يحملون الإستواء على العلو المعنوي فقط



الشبهة السادسة

أخذ السقاف في ص12 ينسب للإمام أحمد بن حنبل التأويل زاعماً أنه أول المجيء بمجيء الثواب
وقد ورد ذلك عن الإمام في رواية حنبل بن إسحاق فقد ذكر ذلك  ابن كثير في " البداية والنهاية " (10 / 327)
وهي معلولة بتفرد إسحاق وبمخالفتها للثابت المشهور عن الإمام أحمد فإن إسحاق مع وثاقته له أغاليط وأوهام فيما ينقله عن أحمد
قال الحافظ الذهبي – رحمه الله – في (( السير)) (13/51)  : (( له مسائل كثيرة عن أحمد ، ويتفرد ، ويغرب )) .



ونقل العليمى في (( المنهج الأحمد ))  (1/245)  عن أبي بكر الخلال قوله : (( قد جاء حنبل عن أحمد بمسائل أجاد فيها الرواية ، وأغرب بشيء يسير ، وإذا نظرت في مسائله شبهتها في حسنها وإشباعها وجودتها بمسائل الأثرم ))



 ونقل الحافظ ابن رجب في فتح الباري (9/279)  عن ابن حامد قوله : رأيت بعض أصحابنا حكى عن أبي عبدالله الإتيان ، أنه قال : تأتي قدرته ، قال : وهذا على حدَّ التوهم من قائله ، وخطأ في إضافته إليه


وقد أنكر إسحاق بن شاقلا هذه الرواية كما نقل ذلك شيخ الإسلام في الفتاوى



وقد ثبت عن الإمام أحمد إثبات صفة المجيء



نقل القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات ورقة 85 من المخطوط ( مستفاد من تحقيق بيان تلبيس الجهمية ) (( وقد قال أحمد في رواية أبي طالب وقول الله عز وجل (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة )) (( وجاء ربك والملك صفاً صفاً )) فمن قال أن الله لا يرى فقد كفر ))


وقد ثبتت عن الإمام أحمد آثار عديدة تدل على أنه كان من مثبتة الصفات


أذكر منها ما جاء في رواية الميموني للمسائل ( 27 )   (( من زعم أن يديه نعمتاه فكيف يصنع بقوله : { خلقت بيدي } مشددة )) وما جاء في رواية أبي طالب للمسائل (( قلب العبد بين أصبعين ، وخلق أدم بيده ، وكل ما جاء الحديث مثل هذا قلنا به ))


عن يوسف بن موسى البغدادي أنه قيل لأبي عبدالله أحمد بن حنبل : الله عز وجل فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه ، وقدرته وعمله في كل مكان ؟ قال : نعم على العرش ، وعلمه لا يخلو منه مكان



قلت رواه الخلال كما أفاد بذلك الذهبي في العلو ( ص130) وابن القيم في اجتماع الجيوش ( ص200) وإسناده قوي






وقد روى النجاد في ( ق : 87 / ب )  (( الرد على من يقول القرآن مخلوق )) عن عبد الله بن أحمد قوله سألت أبي – رحمة الله – عن قوم يقولون : لما كلم الله عز وجل موسى لم يتكلم بصوت ، فقال أبي : ، بلى ، إن ربك عز وجل تكلم بصوت ، هذه الأحاديث نرويها كما جاءت ))



ويدل هذا الأثر على أن معنى قول السلف (( أمروها كما جاءت )) هو أثبتوها كما جاءت
وسيأتي معنا  إثبات الإمام أحمد لصفة النزول وغيرها من الصفات


وعلى فرض أن الإمام أحمد أول صفة المجيء فقد ثبت عمن هم أعلى طبقة منه إثباتها


قال ابن أبي حاتم الرازي في تفسيره برقم 1995 حدثنا أبو زرعة حدثنا الحسن بن عون البصري حدثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد  عن قتادة في قوله تعالى (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) وذلك يوم القيامة


وفي هذا الأثر إثبات أن السلف كانوا مثبتة ولم يكونوا مفوضة ولم يؤخذ على قتادة إلا القول بالقدر


وروى أيضا برقم 1997 عن حجاج بن حمزة ( قال عنه أبوزرعة (( شيخ مسلم صدوق )) كما في ترجمته في تاريخ الإسلام ) ثنا شبابة ثناورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (( قوله (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) كان يقول هو غير السحاب ولم يكن لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا وهو الذي يأتي الله فيه الله يوم القيامة


وقد احتج السقاف براويةورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لإثبات التأويل عن مجاهد في مقدمة تحقيقه لدفع الشبه



 وقال ابن جرير في تفسيره برقم 3672 من طريق محمد بن عمرو ثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح فذكره


وروى أيضا برقم 1998 عن أبيه ثنا محمد بن الوزير الدمشقي ثنا الوليد سألت زهير بن محمد عن قول الله (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) قال ظلل من الغمام منظوم بالياقوت مكلل بالجواهر والزبرجد ))


وهذا برهان آخر على كذب من زعم أن السلف كانوا مفوضة ويستفاد من هذه الآثار أنه لم ينعقد إجماع على تفويض أو تأويل صفة المجيء بل على العكس الإجماع منعقد على إثباتها
وقد أثبت ابن جرير الطبري صفة المجيء
حيث قال في تفسيره (( وقوله: ((وجاء ربك والملك صفا صفا))
يقول تعالى ذكره: وإذا جاء ربك يا محمد وأملاكه صفوفا صفا بعد صف **
وقد قال القرطبي ( وهو من أهل التأويل ) في تفسيره (( والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون: يجيء وينزل ويأتي. ولا يكيفون لأنه "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" ))

وقوله ولا يكيفون يدل على أنهم يثبتون المعنى ولكن أشاعرة اليوم يعتبرون هذا القول من أقوال أهل التجسيم والتشبيه



الشبهة السابعة



واحتج السقاف بما أورده ابن كثير في البداية والنهاية (10 / 327) عن الإمام أحمد من طريق أبي الحسن الميموني ، عن أحمد بن حنبل أنه أجاب الجهمية حين احتجوا عليه بقوله تعالى (( وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون )) قال : يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث ، لا الذكر نفسه هو المحدث ، وعن حنبل ، عن أحمد أنه قال : يحتمل أن يكون ذكراً آخر غير القرآن


قلت والجواب أن هذا الأثر لا نعرف له طريقاً صحيحاً عن الإمام أحمد وابن كثير علقه (وهو غير موجود في بعض النسخ )


الثاني أنه حتى لو ثبت فالحامل للإمام أحمد على هذا القول هو تلك النصوص القطعية الدالة على أن القرآن كلام الله




وقد أجاب الباقلاني على احتجاج المعتزلة بالآية السابقة على خلق القرآن بجول سديد في كتابه الإنصاف
قال الباقلاني (( فإن احتجوا بقوله تعالى: "ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث" فوصفه بالحدث والحدث هو الخلق الجواب من ثلاثة أوجه: أحدها: أن الآية حجة عليهم، لأنها تدل على أن من الذكر ما ليس بمحدث، لأنه لم يقل ما يأتيهم من ذكر إلا كان محدثاً. فثبت أن من الذكر ما هو قديم ليس بمحدث، فيجب أن يكون القرآن؛ لأن الإجماع قد وقع على أن كل ذكر غيره مخلوق، فلم يبق ذكر غير مخلوق. غير كلامه، سبحانه وتعالى ))



والحق أن يقال إن كان المقصود بالحدوث وقوع الفعل من الله عز وجل بعد إن لم يكن واقعاً فهذا معنى صحيح



وأفعال الله عز وجل تسمى حوادث بهذا الإعتبار وليست بمخلوقة لأن أصلها قديم وهي واقعة قبل خلق المخلوقات



ومن زعم أن أفعال الله كلها قديمة فقد ناقض المعقول والمنقول



فالله عز وجل تقع منه أفعال بعد إن لك تكن واقعةً فعلى سبيل المثال الله عز وجل يجيء يوم القيامة لفصل القضاء بين العباد وهو سبحانه لا يجيء قبل ذلك



الشبهة الثامنة

ثم قال السقاف : (تأويل آخر عن الإمام أحمد : قال الحافظ الذهبي في (( سير أعلام النبلاء ))(10/578) : (( قال أبو الحسن عبد الملك الميموني : قال رجل لأبي عبدالله – أحمد بن حنبل:- ذهبت إلى خلف البزار أعظه ، بلغني أنه حدث بحديث عن الأحوص ، عن عبدالله بن مسعود ، قال : ما خلق الله شيئاً أعظم من آية الكرسي .. وذكر الحديث . فقال أبو عبدالله – أحمد بن حنبل -: ما كان ينبغي أن يحدث بهذا في هذه الأيام – يريد زمن المحنة – والمتن : (( ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي ((وقد قال أحمد بن حنبل لما أوردوا عليه هذا يوم المحنة : إن الخلق واقع هاهنا على السماء والأرض وهذه الأشياء ، لا على القرآن))
قلت الجواب على هذا من وجهين


الأول قال الترمذي( 3045 )حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان بن عيينة – في تفسير حديث عبد الله بن مسعود قال : ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي – قال سفيان : لأن آية الكرسي هو كلام الله ، وكلام الله أعظم من خلق الله ، من السماء والأرض . وسنده صحيح
فهذا التفسير من سفيان ليس تأويلاً فهو لم يصرف الكلام عن ظاهره فظاهر الكلام أن آية الكرسي أعظم من السموات والأراضي
وظاهر النص يدل على أن الخلق واقع على السموات والأرضين لا على آية الكرسي لأنها ليست سماءً ولا أرضاً فتنبيه
فأحمد إنما أخذ هذا من ظاهر النص كما لا يخفى
الثاني أن النص يحتاج لإثبات عن أحمد فإن الذهبي قد علقه



الشبهة التاسعة



وقال السقاف في ص14 (( روى الخلال بسنده ، عن حنبل ، عن عمه الإمام أحمد بن حنبل أنه سمعه يقول : احتجوا على يوم المناظرة ، فقالوا : (( تجيء يوم القيامة سورة البقرة … )) الحديث . قال : فقلت لهم : إنما هو الثواب . فتأمل في هذا التأويل الصريح ))
قلت والجواب على هذا من وجوه
الأول أن حنبل قد تفرد بهذا الأثر وقد تقدم القول فيما يتفرد فيه
الثاني الواسطة بين حنبل والخلال مجهولة


الثالث أن حمل الحديث على الثواب هو المتعين لما ورد في حديث النواس بن سمعان مرفوعاً : (( يأتي القرآن وأهله الذين يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران … الحديث )).



 قال الإمام الترمذي في (( الجامع ))(5/148) : (( ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم هذا الحديث أو ما يشبه من هذه الأحاديث أنه يجيء ثواب قراءة القرآن . وفي حديث النواس عن النبي ما يدل على ما فسروا ، إذ قال النبي : وأهله الذين يعملون به في الدنيا ، ففي هذا دلالة أنه يجيء ثواب العمل ))
قلت فهذا مأخوذ من ظاهر النص وليس تأويلاً كما يزعم السقاف



الشبهة العاشرة

وذكر السقاف في ص18 التأويل المنسوب إلى الإمام مالك رضي الله عنه (( قال ابن عدي : حدثنا محمد بن هارون بن حسان ، حدثنا صالح بن أيوب ، حدثنا حبيب بن أبي حبيب ، حدثني مالك ، قال : (( يتنزل ربنا تبارك وتعالى : أمره ، فأما هو فدائم لا يزول )) . قال صالح ، فذكرت ذلك ليحيى بن بكير ، فقال : حسن والله ، ولم أسمعه من مالك . قلت – ( القائل هو السقاف ) - : ورواية ابن عبد البر من طريق أخرى فتنبه ))
والسند فيه حبيب بن أبي حبيب
قال أحمد : (( ليس بثقة ، . . كان يكذب ))
وقال أبو داود (( كان من أكذب الناس ))
وقال أبو أحمد الحاكم: (( روى أحاديث شبيهة بالموضوعة عن مالك، وابن ابي ذئب، وهشام بن سعد ))
وقال أبو داود في رواية ((يضع الحديث ))


وصالح بن أيوب مجهول كما في الميزان للذهبي


وأما الطريق الأخرى التي فرح بها السقاف


فأورده ابن عبد البر في (( التمهيد ))(7/143) وقال : (( وقد روى محمد بن علي الجبلي – وكان من ثقات المسلمين بالقيروان – قال : حدثنا جامع بن سوادة بمصر ، قال : حدثنا مطرف ، عن مالك بن أنس ، أنه سئل عن الحديث (( إن الله ينزل في الليل إلى سماء الدنيا )) فقال مالك : يتنزل أمره ))


جامع بن سوادة ضعيف ضعفه الدارقطني


وقال الذهبي في الميزان (( جامع بن سوادة: عن آدم بن أبي إياس بخبر باطل في الجمع بين الزوجين كأنه آفته ))
ثم إن الواسطة بين ابن عبد البر والجبلي مجهولة


وقد ثبت عن الإمام مالك إثبات العلو


رروى أبو داود في المسائل (ص263)  بسند صحيح عن عبدالله بن نافع عن الامام مالك أنه قال (( الله في السماء وعلمه في كل مكان ))



وعبدالله بن نافع هذا هو الصائغ وقد عده ابن معين من الأثبات في مالك وقال عنه ابن سعد (( لزم مالك لزوما شديدا )) وقال أحمد (( كان أعلم الناس برأي مالك وحديثه )) وقال أبوداود (( كان عبدالله عالما بمالك )) وقال أحمد بن صالح (( أعلم الناس بمالك وحديثه )) وعلى فرض أنه بن ثابت فهو ثقة أيضاً ( انظر تهذيب التهذيب



 وعلى فرض أنه بن ثابت فهو ثقة أيضاً


وهذا الأثر لا يمكن حمله على العلو المعنوي لقول مالك (( وعلمه في كل مكان )) فدل ذلك على أنه يرد على الجهمية الذي يقولون بأن الله في كل مكان


والجهمية لم ينكروا العلو المعنوي
وكما علم الله في كل مكان حقيقة فهو في السماء حقيقة


وأما قوله (( أمروها كما جاءت بلا كيف )) في نصوص الصفات فهو دليل على الإثبات لوجهين أولها أنه لا يقال (( بلا كيف )) إلا بعد الإثبات إذ ما لا يثبت أصلا لا يحتاج الى نفي الكيف عنه أو نفي العلم بكيفيته


وقد نقل الترمذي عن السلف هذه العبارة بلفظ آخر وهي (( ولا يقال كيف ))


فنفي السؤال عن الكيف يدل على ثبوت المعنى فنفي السؤال عن كيفية المعدوم عبث محض
والثاني أن الإمام مالك ثبت عنه إثبات العلو فهذا دليل على أنه كان يعني الإثبات



الشبهة الحادية عشر



من الأكاذيب التي يكررها السقاف مراراً وتكراراً _ منها في 102 من الكتاب المنتقد _ زعمه أن شيخ الإسلام أثبت لله صفة الحركة وإليك نص كلام شيخ الإسلام لتعلم أي كذاب هذا العلوي!
قال شيخ الإسلام في درء التعارض (2 / 4)  (( وأمثال ذلك وأئمة السنة والحديث على إثبات النوعين وهو الذي ذكره عنهم من نقل مذهبهم كحرب الكرماني وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما بل صرح هؤلاء بلفظ الحركة وان ذلك هو مذهب أئمة السنة والحديث من المتقدمين والمتأخرين وذكر حرب الكرماني انه قول من لقيه من أئمة السنة كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بين منصور وقال عثمان بن سعيد وغيرة أن الحركة من لوازم الحياة فكل حي متحرك وجعلوا نفي هذا من أقوال الجهمية نفاة الصفات الذين اتفق السلف والأئمة على تضليلهم وتبديعهم ))




ثم قال (( وطائفة اخرى من السلفيه كنعيم بن حماد الخزاعي والبخاري صاحب الصحيح وابي بكر بن خزيمة وغيرهم كأبي عمر بن عبد البر وأمثاله يثبتون المعنى الذي يثبته هؤلاء ويسمون ذلك فعلا ونحوه ومن هؤلاء من يمتنع عن إطلاق لفظ الحركة لكونه غير مأثور
وأصحاب احمد منهم من يوافق هؤلاء كأبي بكر عبد العزيز وابي عبد الله بن بطة وامثالهما ))
قلت فهذا شيخ الإسلام ينقل أقوالاً في المسألة ولم يرجح وقد رجح في مواطن أخرى
وقد صرح شيخ الإسلام بان لفظ الحركة مجمل حيث قال في الفتاوى(5/566)   (( وَقَبْلَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ لَفْظَ الْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ وَالتَّغَيُّرِ وَالتَّحَوُّلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَلْفَاظٌ مُجْمَلَةٌ))


ومذهب شيخ الإسلام في الألفاظ المجملة ألا يطلق القول بإثباتها أو نفيها كما صرح بذلك في التدمرية والحموية


وقد نفى شيخ الإسلام عن الإمام أحمد القول بإثبات الحركة في كتاب الإستقامة حيث قال(1/73)    (( والمنصوص عن الإمام أحمد إنكار نفي ذلك ولم يثبت عنه إثبات لفظ الحركة ))


قال (( وقد نقل في رسالة عنه إثبات لفظ الحركة مثل ما في العقيدة التي كتبها حرب بن اسماعيل وليست هذه العقيدة ثابتة عن الإمام أحمد بألفاظها فإنى تأملت لها ثلاثة أسانيد مظلمة برجال مجاهيل والألفاظ هي ألفاظ حرب بن إسماعيل لا ألفاظ الإمام أحمد ولم يذكرها المعنيون بجمع كلام الإمام أحمد كأبي بكر الخلال في كتاب السنة وغيره من العراقيين العالمين بكتاب أحمد ولا رواها المعروفون بنقل كلام الإمام لا سيما مثل هذه الرسالة الكبيرة وإن كانت راجت على كثير من المتأخرين ))


وقدد صرح شيخ الإسلام في مواطن عديدة أنه على عقيدة أحمد من أشهرها مناظرته على العقيدة الواسطية



الشبهة الثانية عشر



وزعم السقاف في ص9 أن إثبات الأشاعرة لصفة السمع والبصر لا يقاس على إثبات السلفيين للمجيء والنزول وغيرها
وذلك لأنهم أثبتوا السمع والبصر دون إثبات الجارحة
والجواب عن هذا
أن وجه القياس هو إثبات معنى الصفة دون تعيين كيفيتها فكيفية البصر هي انطباع صورة المرأي في الشبكية
وهذه الكيفية لا تثبت في حق رب العالمين
فكما أثبت الأشاعرة لله معنى الصفة دون تعيين الكيفية ولم يلزمهم التشبيه أو التجسيم
فكذلك نحن نثبت لله الصفة دون تعيين الكيفية ولا يلزمنا التشبيه والتجسيم
وأما إقحام السقاف لأداة الصفة في المسألة فلا وجه له فأداة الصفة شيء وكيفيتها شيء آخر
ووما كان للسقاف أن يخوض في هذه المسائل فهو ضعيف في علم الكلام فهو يقيس كما في كتابه تنقيح الفهوم العالية عدم تعلق القدرة بالمعدوم لذاته ( كخلق الله لشيء أقوى منه والعياذ بالله ) على تعلق القدرة بأفعال الإله( كالمجيء والنزول)


ويجعل انتفاء الأول دليلاً على انتفاء الثاني متناسياً ان النصوص اثبتت الثاني دون الأول بل الأول منتفي إجماعاً
وهذا من أفسد ما وقفت عليه من القياس



الشبهة الثالثة عشر



وزعم السقاف في ص18 أن سفيان الثوري مؤول بحجة أنه حمل المعية في قوله تعالى (( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم )) على معية العلم
والجواب عن هذا


أن يقال أن هذا ليس بتأويل لأن المعية في لغة العرب لا تستلزم الممازجة فالعرب تقول مشينا ومعنا القمر وهو ليس ممتزج معهم فآيات المعية لا تعارض آيات العلو


فمنها قوله تعالى (( إنني معكما أسمع وأرى )) فذكر السمع والرؤية المستلزمان للعلم دليل على أن المعية بالعلم


ومنها قوله تعالى (( ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم )) الآية فذكر النجوى دليل على أن المقصود بالمعية معية العلم ويؤيد ذلك قوله تعالى في بداية الآية (( ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض )) وقوله تعالى في آخر الآية (( إن الله بكل شيء عليم ))


ومنها قوله تعالى (( وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير )) فذكر صفة البصر دليل على أن المعية بالعلم ويؤيد ذلك قوله تعالى في نفس الآية (( يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها )) الآية


فهذا مأخوذ من ظاهر النص لا صرف للفظ عن ظاهره



وزعم السقاف أنه لا يمكن حمل قوله تعالى (( والله معكم)) على معية العلم لأن الله علم على الذات لا الصفة فأقول جواباً على هذا الهراء أن العرب قد تطلق الموصوف وتريد إحدى صفاته كقولهم فلان مع فلان دائما ويقصدون بذلك أنه يؤيده دائما ولا يخفى أن التأييد صفة



فالمعية بين المخلوقات لا تستلزم المحايثة فضلاً عنها بين الخالق والمخلوق والسلف أعلم باللغة من هذا الجهول وقد أجمعوا على تفسير المعية بمعية العلم







ومثله قوله تعالى (( لا تحزن ان الله معنا ))


وتقول العرب فلان مع فلان دائما ويقصدون بذلك أنه يؤيده دائما ولا يخفى أن التأييد صفة



الشبهة الرابعة عشر



وحاول السقاف في ص 16 أن  يلصق التأويل بسفيان بن عيينة بحجة أنه حمل قوله صلى الله عليه وسلم (( وإن آخر وطأة وطئها الله بوج ))


على أنها آخر غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم
والجواب عن هذا من وجهين
الأول أن هذا الحديث( وهو في مسند أحمد ومعجم الطبراني الكبير من رواية عمر بن عبد العزيز عن خولة بنت حكيم رضي الله عنها


ورواية عمر عن خولة مرسلة كما نص على ذلك الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمة خولة بنت حكيم رضي الله عنها


والمرسل ضعيف والتأويل لا يكون إلا للخبر الصحيح إذ أن التأويل فرع عن القبول كما هو معلوم فلا يلزمنا ما ذهب إليه سفيان

الثاني أن ما ذهب إليه سفيان ليس تأويلاً بل هو المتعين إذ أن تسمية النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الموطن من الطائف  وهو (وج)


مع كون غزوة الطائف  آخر غزاة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم في جزيرة العرب لم يدع مجالاً لأي تفسير آخر


فهذا هو المعنى الراجح لا المرجوح

الشبهة الخامسة عشر

نقل السقاف في ص21 قول الترمذي (4 / 692)  (( ‏والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل ‏ ‏سفيان الثوري ‏ ‏ومالك بن أنس ‏ ‏وابن المبارك ‏ ‏وابن عيينة ‏ ‏ووكيع ‏ ‏وغيرهم أنهم رووا هذه الأشياء ثم قالوا ‏ ‏تروى هذه الأحاديث ونؤمن بها ولا يقال كيف وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن ‏ ‏تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه)) باتراً أوله و آخره ليثبت زعمه في أن هذا تفويض
وأول الكلام الذي بتره السقاف فقوله (( ‏وقد روي عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏روايات كثيرة مثل هذا ما يذكر فيه أمر الرؤية أن الناس يرون ربهم وذكر القدم وما أشبه هذه الأشياء )) فكلامه يدل على الإثبات إذ لم يفرق بين الرؤية والقدم


وقوله (( ولا يقال كيف )) دليل على إثبات المعنى ومثال ذلك لو قلت لك أفي بيتكم حديقة ؟ فإذا قلتَ لا لم يجز لي أن أسألك عن الكيفية ولم يجز لك نهيي عن ذلك
ولكن لو قلت لي نعم في بيتنا حديقة ولكن لا تسألني عن الكيفية لاستقام كلامك فما لم يثبت أصله لم يحتاج المتكلم إلى نفي العلم بكيفيته أو النهي عن السؤال عن كيفيته


وأما آخر الكلام الذي بتره السقاف (( ومعنى قوله في الحديث فيعرفهم نفسه ‏ ‏يعني يتجلى لهم ‏))


فهذا نص صريح في إثبات صفة التجلي وهي صفة فعليه فأين التفويض ؟!!!
وللترمذي كلام آخر في الصفات صريح في الإثبات
قال الترمذي (9/185) (( ‏وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان وهو على العرش كما وصف في كتابه ))


وهذا صريح في إثبات العلو الحسي وليس معناه العلو المعنوي لأن الترمذي كان في صدد نفي كون الله في الأرض كما هو ظاهر الحديث المنكر الذي كان الترمذي يتكلم عنه (( لو أنكم دليتم رجلا بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله ))


وله كلام آخر صريح في إثبات الصفات وهو قوله (3/50_51)  (( ‏وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف ‏ ‏هكذا روي عن ‏ ‏مالك ‏ ‏وسفيان بن عيينة ‏ ‏وعبد الله بن المبارك ‏ ‏أنهم قالوا في هذه الأحاديث ‏ ‏أمروها ‏ ‏بلا كيف ‏ ‏وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة ‏ ‏وأما ‏ ‏الجهمية ‏ ‏فأنكرت هذه الروايات وقالوا هذا تشبيه ‏ ‏وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر فتأولت ‏ ‏الجهمية ‏ ‏هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم وقالوا إن الله لم يخلق ‏ ‏آدم ‏ ‏بيده وقالوا إن معنى اليد هاهنا القوة ‏ ‏و قال ‏ ‏إسحق بن إبراهيم ‏ ‏إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثل سمع فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيها وهو كما قال الله تعالى في كتابه ‏(( ‏ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) ))
وهذا كلام صريح في الإثبات لوجوه


الأول عدم تفريقه بين اليد والسمع والبصر بل أثبتها جميعاً ‏


الثاني قوله (( وفسروها على غير ما فسرها أهل العلم )) مما يدل أن لأهل العلم تفسير لهذه الآيات والأحاديث وقد تقدم ذكر الكثير منها ومنها تفسير الترمذي الذي ذكرناه للتو


الثالث نفي السؤال عن الكيفية وقد تقدم شرحه


الرابع إثبات الترمذي لصفة العلو


الخامس نفيه للتوهم وإنما يحصل توهم التشبيه والتجسيم لمن يثبت الصفات أما المعطلة فذلك منتفي في حقهم
وما نقله الترمذي عن إسحاق حق لا مرية فيه فلو كان الإتفاق باللفظ يقتضي الإتفاق في المعنى أو التشابه لكانت يد الجمل كيد الباب ويد النملة كيد الفيل وساق النبات كساق الإنسان والأمثلة على ذلك كثيرة


وهذه من النقاط التي لا يقرها السقاف ولا المعطلة عموماً فكيف يزعم أن الترمذي يوافقه على التعطيل



الشبهة السادسة عشر

وزعم السقاف في ص21 أن الإمام أحمد وقع في التفويض محتجا بقوله في أحاديث الصفات (( نمرها كما جاءت بلا كيف ولا معنى )) أو كما قال رحمه


وهذا الأثر تفرد به حنبل بن إسحاق وقد تقدم الكلام على تفرداته
وعلى فرض صحتا فإن المعنى المنفي هو المعنى الذي يتوهمه الجهمية بدليل أن السائل سأله عن أحاديث الرؤية أيضاً


وقد ثبت عن الإمام أحمد ثبوتا يقرب التواتر إثباته للرؤية



قال الخلال في السنة  أخبرني موسى بن محمد الوراق قال عبيد الله بن أحمد الحلبي سمعت أبا عبد الله وحدثني بحديث جرير بن عبد الله في الرؤية فلما فرغ قال على الجهمية لعنة الله



وفي (( مسائل إسحاق بن إبراهيم النيسابوري )) (2/152/1850) قال : (( سمعت أبا عبدالله يقول : من لم يؤمن بالرؤية فهو جهمي ، والجهمي كافر ))







وقد تقدم ذكر الآثار الصحيحة عن أحمد في إثبات الصفات



الشبهة السابعة عشر



وزعم السقاف أن السلف المفوضة بزعمه كفار عند شيخ الإسلام إذ أنه يقول في التفويض في منهاج السنة (1/ 180)(( فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والالحاد ))


فيجاب على هذا الكذاب الأثيم بأن يقال


أثبت العرش ثم انقش فلم يثبت عن السلف أنهم كانوا مفوضة


ثم إنه لو ثبت لا يلزم شيخ الإسلام تكفيرهم فهو يفرق بين الحكم على الفعل والحكم على المعين
صرح ابن تيمية، رحمه الله تعالى، بمذهبه هذا في العديد من كتاباته، فقال في «مجموع الفتاوى» (2/229): «هذا مع أني دائمًا –و من جالسني يعلم ذلك مني- أني من أعظم الناس نهيًا عن أن ينسب معين إلى تكفير و تفسيق و معصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرًُا تارة و فاسقًا تارة أخرى و عاصيًا أخرى. و إني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، و ذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية و المسائل العملية».
فهو لا يكفر المؤول والمفوض إذا لم تقم عليهم الحجة


وقال أيضاً (3/371) (( و أنا و الله من أعظم الناس معاونة على إطفاء كل شر فيها و في غيرها و إقامة كل خير. و ابن مخلوف لو عمل مهما عمل و الله ما أقدر على خير إلا و أعمله معه و لا أعين عليه عدوه قط، و لا حول و لا قوة إلا بالله، هذه نيتي و عزمي مع علمي بجميع الأمور، فإني أعلم أن الشيطان ينزغ بين المؤمنين و لن أكون عونًا للشيطان على إخواني المسلمين ))


فلم يكفر ابن مخلوف مع كونه من مخالفيه في مسائل الإعتقاد


وقال أيضاً (5/254) (( و هذا يبين أن كل من أقر بالله فعنده من الإيمان بحسب ذلك، ثم من لم تقم عليه الحجة بما جاءت به الأخبار لم يكفر بجحده، و هذا يبين أن عامة أهل الصلاة مؤمنون بالله و رسوله، و إن اختلفت اعتقاداتهم في معبودهم و صفاته، إلا من كان منافقًا يظهر الإيمان بلسانه و يبطن الكفر بالرسول فهذا ليس بمؤمن ))


ولا يخفى أن نصه هذا يدخل فيه الأشاعرة والماتردية مؤولهم ومفوضهم



وقال أيضاً ( 7/617) ((و بيان هذا الموضوع مما يزيل الشبهة، فإن كثيرًا من الفقهاء يظن أن كل من قيل هو كافر فإنه يجب أن تجري عليه أحكام المرتد ردة ظاهرة، فلا يرث و لا يورث و لا يناكح، حتى أجروا هذه الأحكام على من كفروه بالتأويل من أهل البدع. و ليس الأمر كذلك، فإنه قد ثبت أن الناس كانوا ثلاثة أصناف؛ مؤمن و كافر مظهر للكفر و منافق مظهر للإسلام مبطن للكفر. و كان في المنافقين من يعلمه الناس بعلامات و دلالات، بل لا يشكون في نفاقه، و من نزل القرآن ببيان نفاقه كابن أُبَي و أمثاله. و مع هذا فلما مات هؤلاء ورثهم ورثتهم المسلمون. و كان إذا مات لهم ميت آتوهم ميراثه، و كانت تعصم دماؤهم، حتى تقوم السنة الشرعية على أحدهم بما يوجب عقوبته))


ولنقلب السحر على الساحر ونلزم السقاف بتكفير السلف الذين أثبتوا الصفات وقد تقدم الكثير من نصوصهم


ولنلزم السقاف بتكفير أبي عمران الجوني المتفق على علمه وفضله


فقد جاء عنه أثر رواه عبدالله بن أحمد في السنة، قال:
حدثني محمد بن أبي بكر بن علي المقدمي، وسويد بن سعيد الهروي، قالا: حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عمران الجوني: {ولتصنع على عيني} قال: «يربى بعين الله»، وإسناده صحيح كلهم ثقات إلا سويد بن سعيد الهروي فيه كلام ولكنه متابع هنا
والأثر رواه أيضاً ابن أبي حاتم في تفسيره وأبو نعيم في الحلية


واعلم أن الشيخ أحمد الغماري يوثق سويد بن سعيد الهروي وقد بنى رسالته (( درء الضعف عن حديث من عشق فعف )) على هذا التوثيق


وهو متعقب فيما ذهب إليه ولكني ذكرت هذا للإلزام فالغماري هو الحافظ الذي لا يبارى عند السقاف



الشبهة الثامنة عشر



نقل السقاف في ص71 قول الإمام مالك (( و لا يقال كيف وكيف عنه مرفوع )) محتجاً به على التعطيل وقد قدمنا أن نفي المعرفة بالكيف أو النهي عن السؤال عن الكيفية دليلٌ على الإثبات ولكن لي وقفتان مع السقاف



وقد السقاف  بتر نص مالك
فالأثر كما نقله الحافظ ابن حجر الذي ينقل عنه السقاف


عن عبد الله بن وهب قال كنا عند مالك فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله " الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ فأطرق مالك فأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال: الرحمن على العرش استوى وصف به نفسه ولا يقال كيف، وكيف عنه مرفوع
والسقاف بتر ما تحته خط ولا يخفى على اللبيب سبب هذا البتر


فالسائل كما ترى سأل عن كيفية الإستواء والسؤال عن كيفية الشيء تدل على معرفة معنى الشيء وإثبات أصله
إذ لا يسأل عن كيفية المعدوم


وقد يسأل عن كيفية الشيء وقصده التشكيك


فأجابه مالك بقوله (( استوى كما وصف نفسه ))


ومن شم رائحة اللغة يدرك يقيناً دلالة هذه العبارة على الإثبات


فلو قال قائل فلان ذكي كما وصف نفسه


فهو قطعاً يثبت له صفة الذكاء


وهو قطعاً يعرف معنى الذكاء

الشبهة التاسعة عشر



ونقل السقاف في صفحة 19 من مقدمته المتهافته في أثناء محاولته إثبات أن السلف كانوا مفوضة قول الأشعري في الإبانة صفحة 21 من طبعة فوقية حسين (( وأن الله تعالى استوى على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده ، استواء منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال ، لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ، ومقهورون في قبضته ، وهو فوق العرش وفوق كل شئ إلى تخوم الثرى ، فوقية لا تزيده قربا إلى العرش والسماء ، بل هو رفيع الدرجات عن العرش كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى وهو مع ذلك قريب من كل موجود وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد وهو على كل شئ شهيد))


نقل السقاف هذا النص ليثبت أن الأشعري كان مفوضاً في إبانته وجوابه من وجوه
الأول ان السقاف بتر الجزء الذي يدل على الإثبات من كلام الأشعري وهو قوله بعد نصه السابق مباشرةً (( وأن له سبحانه وجها بلا كيف كما قال تعالى (( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ))
وأن له سبحانه يدين بلا كيف كما قال سبحانه (( يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ )) وكما قال تعالى (( بل يداه مبسوطتان))
أن له سبحانه عينين بلا كيف كما قال سبحانه (( تجري بأعيننا )) أ.ه
الثاني أن الأشعري قد أبان عن عقيدته في الإستواء في نفس الكتاب حيث قال (( إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء ؟
قيل له: نقول: إن الله عز وجل يستوي على عرشه استواء يليق به من غير طول استقرار، كما قال: (الرحمن على العرش استوى)، وقد قال تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)، وقال تعالى: (بل رفعه الله إليه)، وقال تعالى: (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه)، وقال تعالى حاكيا عن فرعون لعنه الله: (يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا)، كذب موسى عليه السلام في قوله: إن الله سبحانه فوق السماوات .
وقال تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) صفحة 115
فالسماوات فوقها العرش، فلما كان العرش فوق السماوات قال: (أأمنتم من في السماء) ... لأنه مستو على العرش الذي فوق السماوات، وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السماوات، وليس إذا قال: (أأمنتم من في السماء) يعني جميع السماوات، وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات، ألا ترى الله تعالى ذكر السماوات، فقال تعالى: (وجعل القمر فيهن نورا)، ولم يرد أن القمر يملأهن جميعا، وأنه فيهن جميعا، ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء؛ لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماوات، فلولا أن الله عز وجل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش، كما لا يحطّونها إذا دعوا إلى الأرض ))
قلت وهذا كلام صريح في الإثبات
الثالث أن النص الذي نقله السقاف مشكوك في نسبته للأشعري لأمور
الأول أنه انفردت به طبعة الدكتورة فوقية وقد اعترف السقاف بهذا
الثاني أن ابن عساكر في تبيين كذب المفتري نقل هذا المقطع من الإبانة دون ذكر الكلام المتوسع عن الإستواء وإليك ما نقله ابن عساكر في تبيين كذب المفتري صفحة 57 (( قائل قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون قيل له قولنا الذي به تقول وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان عليه أحمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون ولمن خالف قوله قوله مجانبون لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق عند ظهور الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم وكبير مفهم وعلى جميع أئمة المسلمين وجملة قولنا أن نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرد من ذلك شيئا وأن الله إله واحد صمد لا إله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن الله استوى على عرشه كما قال (( الرحمن على العرش استوى)) وأن له وجها كما قال (( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام )) وأن له يدا كما قال (( بل يداه مبسوطتان )) وقال (( لما خلقت بيدي )) وان له عينا بلا كيف كما قال ((تجري بأعيننا )) وأن من زعم أن اسم الله غيره كان ضالاً ))
فابن عساكر لم ينقل سوى الإثبات عن الأشعري وبهذا يتسق النص ويكون نسقه واحداً
الثالث أني وجدت النص الذي نقله السقاف من نسخة الدكتورة فوقية في كتاب (( قواعد العقائد )) للغزالي في باب التنزيه
ويظهر على النص أنه من كلام المتأخرين ويبدو أنه تم إدخاله من أحد النساخ على الإبانة للأشعري



الشبهة العشرون



وذكر السقاف في ص20 تأويل الأشعري لصفتي الرضا والغضب في رسالته إلى أهل الثغر حيث نقل قول الأشعري (( وأجمعوا على أنه عز وجل يرضى عن الطائعين له وأن رضاه عنهم إرادته لنعيمهم.. وأنه يحب التوابين.. ويسخط على الكافرين ويغضب عليهم وأن غضبه إرادته لعذابهم ))


والجواب على هذا من وجوه
الأول أن هذا الإجماع منقوض بقاعدة السلف الكلية (( أمروها كما جاءت بلا كيف ))
الثاني أن ابن جرير الطبري قال في تفسيره لقوله تعالى (( غير المغضوب عليهم))
قال (( وقال بعضهم: غضب الله على من غضب عليه من عاده ذم منه لهم ولأفعالهم، وشتم منه لهم بالقول. وقال بعضهم: الغضب منه معنى مفهوم، كالذي يعرف من معاني الغضب. غير أنه وإن كان كذلك من جهة الإثبات، فمخالف معناه منه معنى ما يكون من غضب الآدميين الذين يزعجهم ويحركهم ويشق عليهم ويؤذيهم؛ لأن الله جل ثناؤه لا تحل ذاته الآفات، ولكنه له صفة كما العلم له صفة، والقدرة له صفة على ما يعقل من جهة الإثبات ))
قلت فانظر كيف جعل صفة الغضب كصفة العلم وصفة القدرة تثبت على وجه لا يشبه نعوت المخلوقات وهذا ينقض الإجماع المزعوم
وقال ابن جرير أيضاً في تفسير قوله تعالى (( رضي الله عنهم ورضوا عنه ))


قال (( يقول: هذا الذي أعطاهم الله من الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها، مرضيا عنهم، وراضين عن ربهم، هو الظفر العظيم ))


قلت ففرق بين الرضا والإنعام


الثالث ان الأشعري نقل في هذه الرسالة إجماعات على الإثبات حيث قال في ص236 من رسالة الثغر التي حققها الجنيدي


((وأجمعوا على وصف الله بجميع ما وصف به نفسه ووصفه به نبيه من غير اعتراض فيه ولا تكيف له وأن الإيمان به واجب وترك التكييف له لازم))


قلت ترك التكييف دليل على الإثبات إذ ان المعدوم لا يمكن تكييفه
فالنهي عن تكييف المعدوم محض لغو
وقال في ص69 من رسالة الثغر التي حققها الجليند :
أجمعوا على أنه عز وجل يسمع ويرى وأن له تعالى يدين مبسوطتين وأن الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه من غير أن يكون جوازاً وأن يديه تعالى غير نعمته وقد دل على ذلك تشريفه لآدم عليه السلام حيث خلقه بيده ، وتقريعه لإبليس على الاستكبار عن السجود مع ما شرفه به بقوله : (( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ))



الشبهة الحادية العشرون

واحتج السقاف لمذهب التفويض يقوله تعالى (( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ))
والجواب على هذا من وجوه


الأول أننا لو فوضنا معاني آيات الصفات فإننا سنعمم ذلك على جميعها بما فيه آيات السمع والبصر وإلا مالدليل على التفريق بينها وبين الصفات الأخرى وقد قدمنا أن السلف يسوون بين صفة اليد وصفتي السمع والبصر وهنا يظهر تناقض القوم


الثاني أننا قد قدمنا الأدلة على براءة السلف من التفويض بما لا يدع مجالاً لمرتاب وهذا يؤكد أن جعل معاني الصفات من المتشابه الذي لا يعلمه إلا بدعة شنيعة


الثالث أن جماعة من أهل العلم قرأوا الآية بالوصل أي بعطف الراسخين بالعلم على الله عز وجل حيث يكون معنى الآية أن الله والراخين بالعلم يعلمون تأويله
اختار هذا مجاهد
قال ابن جرير في تفسيره لهذه الآية حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. {والراسخون في العلم} يعلمون تأويله ويقولون آمنا به
قلت وإسناده حسن ويعله البعض بالإنقطاع بين ابن أبي نجيح ومجاهد


والجواب أن ابن أبي نجيح أخذ تفسير مجاهد من كتاب القاسم بن بزة كما ذكر ذلك ابن حبان في الثقات فعلى هذا لا يضر الإنقطاع لمعرفتنا بالواسطة
قال ابن حبان في (الثقات) : (7-331) وفي (مشاهير علماء الأمصار):(146)
((ماسمع التفسير عن مجاهد أحد غير القاسم بن أبي بزة, نظر الحكم بن عتيبة وليث بن أبي سليم وابن نجيح وابن جريج وابن عيينة في كتاب القاسم ونسخوه ثم دلسوه عن مجاهد))


وأما إعلاله بتدليس ابن أبي نجيح فمن العجائب إذ أنه لم يسمع من مجاهد أصلاً ومن شروط التدليس أن التلميذ المدلس قد ثبت أصل سماعه من الشيخ


والمتشابه الذي ذكره مجاهد محمول عندي على المجمل الذي فصل في موضع آخر والمنسوخ والعام الذي خصص في موضع آخر فهذه مزلة قدم للعامة وأما الراسخون فلا تزل أقدامهم
وقد اختار النووي قول مجاهد حيث قال في شرحه لصحيح مسلم عند كلامه على حديث (( إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّىَ اللَّهُ، فَاحْذَرُوهُمْ ))


قال رحمه الله (( والأصح الأول، وأن الراسخين يعلمونه لأنه يبعد أن يخاطب الله عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته، وقد اتفق أصحابنا وغيرهم من المحققين على أنه يستحيل أن يتكلم الله تعالى بما لا يفيد ))
قلت هذا الكلام في غاية التحرير وقد قال تعالى (( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ))


فالله عز وجل أنزل علينا القرآن لنتبدبره لا لنفوضه


وللإنصاف هذا ما يذهب إليه السقاف الآن فهو الآن يعترف بضعف مذهب النفويض
الرابع أن معنى التأويل في الآية ما يؤول إليه الأمر أو حقيقته كما في قوله تعالى (( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ))


وهذا من الغيب الذي لا ينازع أحد بانفراد الله عز وجل بعلمه



الشبهة الثانية والعشرون



وزعم السقاف أن الذهبي قد تراجع عن عقيدة ابن تيمية في الصفات وأن ذلك يتضح في كتابه (( سير أعلام النبلاء )) فهو يؤول أحياناً ويفوض أحياناً انظر هذه الدعوى في صفحة 61

أقول وهذه مجازفة من السقاف

فأما زعمه أن الذهبي يؤول فكذب بل إن الذهبي صرح في عدة مواطن من السير أن مذهب السلف ترك التأويل ومفهوم هذا بدعية التأويل

واما ما نقله عن أحمد من تأويل المجيء فقد يكون حمله على الإلزام لأنه صرح بالنهي عن تأويل المجيء

فقال في (20 /320) من السير (( ومسألة النزول فالإيمان به واجب، وترك الخوض في لوازمه أولى، وهو سبيل السلف، فما قال هذا: نزوله بذاته، إلا إرغاماً لمن تأوله، وقال: نزوله إلى السماء بالعلم فقط. نعوذ بالله من المراء في الدين.
وكذا قوله: "وجاء ربُّك" الفجر ونحوه، فنقول: جاء، وينزل، وننهى عن القول: ينزل بذاته، كما لا نقول: ينزل بعلمه، بل نسكت ولا نتفاصح على الرسول صلى الله عليه وسلم بعبارات مبتدعة، والله أعلم ))

ونقل قول القصاب في (16/213_214) (( كل صفة وصف الله بها نفسه أو وصفه بها رسوله فليست صفة مجاز ولو كانت صفة مجاز لتحتم تأويلها ولقيل: معنى البصر كذا ومعنى السمع كذا ولفسرت بغير السابق إلى الأفهام فلما كان مذهب السلف إقرارها بلا تأويل علم أنها غير محمولة على المجاز وإنما هي حق بين ))

قلت أقر الذهبي هذه العبارة وهي صريحة في أن السلف لم يكن مذهبهم التأويل

ونقل الذهبي قول السجزي في (17/656)  وأئمتنا كسفيان، ومالك، والحمادين، وابن عيينة، والفضيل، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، متفقون على أن الله سبحانه فوق العرش، وعلمه بكل مكان، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا، وأنه يغضب ويرضى، ويتكلم بما شاء))

قلت أقر الذهبي هذه العبارة وهي صريحة بالإثبات وهي متأخرة عن العبارة التي يزعم السقاف أن صريحة بالتفويض

ونقل الذهبي قول ابن أبي حاتم في (13/84) ((أدركنا العلماء في جميع الأمصار فكان من مذهبهم أن الله على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه بلا كيف أحاط بكل شي علماً))

ووصف الذهبي الحافظ ابن عبد البر أنه في أصول الديانة على مذهب السلف في (18 _161 ) من السير

ونصوص ابن عبد البر في إثبات الصفات أشهر من أن يدلل عليها

وقال الذهبي في ترجمة أبي ذر الهروي (17 /558_559) (( وقد ألف كتاباً سماه: الإبانة، يقول فيه: فإن قيل: فما الدليل على أن لله وجهاً ويداً ؟ قال: قوله: "وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ" الرحمن وقوله: "ما مَنَعَكَ أنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ" فأثبت تعالى لنفسه وجهاً ويداً. إلى أن قال: فإن قيل: فهل تقولون: إنه في كل مكان ؟ قيل: معاذ الله ! بل هو مستو على عرشه كما أخبر في كتابه. إلى أن قال: وصفات ذاته التي لم تزل ولا يزال موصوفاً بها: الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والوجه واليدان والعينان والغضب والرضى. فهذا نص كلامه. وقال نحوه في كتاب التمهيد له، وفي كتاب الذب عن الأشعري وقال: قد بينا دين الأمة وأهل السنة أن هذه الصفات تمر كما جاءت بغير تكييف ولا تحديد ولا تجنيس ولا تصوير.
قلت: فهذا المنهج هو طريقة السلف، وهو الذي أوضحه أبو الحسن وأصحابه، وهو التسليم لنصوص الكتاب والسنة، وبه قال ابن الباقلاني، وابن فورك، والكبار إلى زمن أبي المعالي، ثم زمن الشيخ أبي حامد، فوقع اختلاف وألوان، نسأل الله العفو ))

قلت هذا تصريحٌ من الذهبي في أن مذهب السلف هو الإثبات وأما نصوصه الموهمة للتفويض

فإما أن يقال أنها محمولة على الجهل بكيفية الصفة أو المعنى الحقيقي على ما هي عليه

أو يقال أن الذهبي قال بالتفوض برهةً من الزمن ثم عاد للإثبات

وقال الذهبي عن تفسير ابن جرير في (14/280) ((وهذا تفسير هذا الإمام مشحون في آيات الصفات بأقوال السلف على الإثبات لها لا على النفي والتأويل وأنها لا تشبه صفات المخلوقين أبداً))

فأين السقاف عن كل هذه النصوص حتى يزعم أن الذهبي كان يؤول ويفوض ومفهوم ذلك أنه لا يثبت

وقال الذهبي في (13 _ 299) (( أراد أن الصفات تابعة للموصوف فإذا كان الموصوف تعالى:" ليس كمثله شيء"- الشورى:11- في ذاته المقدسة فكذلك صفاته لا مثل لها إذ لا فرق بين القول في الذات والقول في الصفات وهذا هو مذهب السلف))

قلت فهل يقال أن الذهبي يفوض وجود الذات !!! كما يفوض الصفات!!!

وقد أثنى الذهبي على كتاب السنة للخلال حيث قال في (11_ 291) (( ومن نظر في كتاب السنة لأبي بكر الخلال رأى فيه علماً غزيراً ونقلاً كثيراً وقد أوردت من ذلك جملة في ترجمة أبي عبد الله في تاريخ الإسلام وفي كتاب العزة للعلي العظيم فترني عن إعادته هنا عدم النية فنسأل الله الهدى وحسن القصد ))

قلت هذا يدل على أنه لم يتراجع عما كتب في كتاب (( العلو للعلي العظيم )) الذي تحرف في المطبوعة إلى ((العزة للعلي العظيم )) وليس للذهبي كتاباً بهذا الإسم

وأما السقاف فيحذر من كتاب السنة للخلال كما في صفحة 75 من مقدمته على دفع شبه التشبيه



الشبهة الثالثة والعشرون

قال السقاف في حاشية صفحة 70 (( ومن عجيب التناقضات أن الشيخ المتناقض !!_ يعني الألباني _ لا يقبل رواية أبي مطيع للفقه الأكبر وبزعم أنها لا تصح لأن في متن الفقه الأكبر ما يخالف عقيدته ومشربه ))

قلت بل هو من عجيب كذبك وتدليسك يا ابن السقاف

فمن أين لك أن الشيخ الألباني يقبل رواية أبي مطيع عن أبي حنيفة في إثبات العلو

ودونك كلام الشيخ في مختصر العلو 136 (( قلت أبو مطيع هذا من كبار أصحاب أبي حنيفة وفقهائهم ، قال المؤلف في الميزان

(( كان بصيراً بالرأي علامة كبير الشأن ولكنه واهٍ في ضبط الأثر ، وكان ابن المبارك يعظمه ويجله لدينه وعلمه ، قال ابن معين ليس بشيء ))

قلت ها أنت ترى أن الشيخ الألباني قد نقل كلام الذهبي في جرح أبو مطيع وهذا تضعيف ضمني للأثر كما لا يخفى على صغار الطلبة

وقال الشيخ في الصفحة التي بعدها (( قلت والقصة المشار إليها تأتي قريباً في ترجمة أبي يوسف إن شاء الله تعالى

وفيها دلالة على أن أصحاب أبي حنيفة الأول كانوا مع السلف في الإيمان بعلوه تعالى على خلقه ، وذلك مما يعطي بعض القوة لهذه الروايات المروية عن أبي حنيفة ، ومن ذلك تصريح الإمام أبي جعفر الطحاوي الحنفي في عقيدته بأن الله تعالى مستغنٍ عن العرش وما دونه ، محيطٌ بكل شيء وفوقه ))

قلت قول الشيخ (( يعطي بعض القوة ))

لا يعني بالضرورة القوة التي توصلها إلى درجة الإحتجاج

وحتى لو كانت القوة التي توصلها لدرجة الإحتجاج ، فالشيخ لم يحتج برواية أبي مطيع بمفردها كما أوهم الأفاك

وليعلم أننا لا نعدم الفائدة من إيرادنا الأثر المنقول عن أبي حنيفة في إثبات العلو من طريق ابي مطيع البلخي

لأن الجمع الغفير من الحنفية يقبلون رواية أبي مطيع فيكون ذلك على سبيل الإلزام لهم

وزعم السقاف أن عنده شريطاً للشيخ الألباني يقول فيه أن رواية أبي مطيع مقبولة عن أبي حنيفة فقط

والسقاف ليس بثقة ولا مأمون

فلا بد من متابع وإلا الرد

وكلام الشيخ الألباني المسطور يخالف هذا وهو العمدة في معرفة مذهبه في المسألة



الشبهة الرابعة والعشرون



وزعم السقاف الأفاك في صفحة 75 أن ابن خزيمة قد ندم على تصنيف كتاب التوحيد وأن البيهقي نقل ذلك في صفحة 267من كتاب الأسماء والصفات

وهذا كذبٌ صريح

وإليك نص الروايتين اللتين يتكيء عليهما الأفاك

قال البيهقي وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ الْعَبَّاسِ الضَّبِّيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْفَضْلِ الْبَطَايينِيَّ ، وَنَحْنُ بِالرِّيِّ يَقُولُ ـ وَكَانَ أَبُو الْفَضْلِ يَحْجُبُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ إِذَا رَكِبَ ـ قَالَ : خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ يَوْمًا قُرْبَ الْعَصْرِ مِنْ مَنْزِلِهِ فَتَبِعْتُهُ وَأَنَا لَا أَدْرِي أَيْنَ مَقْصِدُهُ ، إِلَى أَنْ بَلَغَ بَابَ مَعْمَرٍ ، فَدَخَلَ دَارْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ خَرَجَ وَهُوَ مُنْقَسِمُ الْقَلْبِ ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمَرْبَعَةَ الصَّغِيرَةَ وَقَرُبَ مِنْ خَانِ مَكِّيٍّ وَقَفَ وَقَالَ لِمَنْصُورٍ الصَّيْدَلَانِيِّ : تَعَالَ . فَعَدَا إِلَيْهِ مَنْصُورٌ ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لَهُ : مَا صَنْعَتُكَ ؟ قَالَ : أَنَا عَطَّارٌ . قَالَ : تُحْسِنُ صَنْعَةَ الْأَسَاكِفَةِ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : تُحْسِنُ صَنْعَةَ النَّجَّارِينَ ؟ قَالَ : لَا . فَقَالَ لَنَا : إِذَا كَانَ الْعَطَّارُ لَا يُحْسِنُ غَيْرَ مَا هُوَ فِيهِ ، فَمَا تُنْكِرُونَ عَلَى فَقِيهٍ رَاوِي حَدِيثٍ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الْكَلَامَ وَقَدْ قَالَ لِي مُؤَدِّبِي ـ يَعْنِي الْمُزَنِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ غَيْرَ مَرَّةٍ : كَانَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْهَانَا عَنِ الْكَلَامِ . قُلْتُ : أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا كَانَ مُعْتَزِلِيًّا أَلْقَى فِي سَمِعِ الشَّيْخِ شَيْئًا مِنْ بِدْعَتِهِ وَصَوَّرَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ ، يُرِيدُ أَبَا عَلِيٍّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ ، وَأَبَا بَكْرِ بْنَ إِسْحَاقَ الصِّبْغِيَّ ، وَأَبَا مُحَمَّدِ بْنَ يَحْيَى بْنِ مَنْصُورٍ الْقَاضِي ، وَأَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي عُثْمَانَ الْحِيرِيَّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ ، أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَتَكَلَّمُ بَعْدَمَا تَكَلَّمَ فِي الْأَزَلِ ، حَتَّى خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَطَالَتْ خُصُومَتُهُمْ ، وَتَكَلَّمَ بِمَا يُوهِمُ الْقَوْلَ بِحُدُوثِ الْكَلَامِ ، مَعَ اعْتِقَادِهِ قِدَمَهُ ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ الْفَقِيهَ أَمْلَى اعْتِقَادَهُ وَاعْتِقَادَ رُفَقَائِهِ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ ، وَعَرَضَهُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فَاسْتَصْوَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَارْتَضَاهُ وَاعْتَرَفَ فِيمَا حَكَيْنَا عَنْهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَتَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يُحْسِنِ الْكَلَامَ ، وَكَانَ فِيمَا أَمْلَى مِنِ اعْتِقَادِهِمْ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ عَنْ نُسْخَةِ ذَلِكَ الْكِتَابِ : مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَلَّ ذِكْرُهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ إِلَّا مَرَّةً وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا مَا تَكَلَّمَ بِهِ ثُمَّ انْقَضَى كَلَامُهُ كَفَرَ بِاللَّهِ ، بَلْ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا ، وَلَا يَزَالُ مُتَكَلِّمًا ، لَا مِثْلَ لَكَلَامِهِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ ، نَفَى اللَّهُ تَعَالَى الْمِثْلَ عَنْ كَلَامِهِ ، كَمَا نَفَى الْمِثْلَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَنَفَى النَّفَادَ عَنْ كَلَامِهِ كَمَا نَفَى الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ وَقَالَ تَعَالَى : قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي فَكَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرُ بَائِنٍ عَنِ اللَّهِ لَيْسَ هُوَ دُونَهُ وَلَا غَيْرُهُ وَلَا هُوَ هُوَ ، بَلْ هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتٍ كَعِلْمِهِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ ، لَمْ يَزَلْ رَبُّنَا عَالِمًا ، وَلَا يَزَالُ عَالِمًا ، وَلَمْ يَزَلْ يَتَكَلَّمُ ، وَلَا يَزَالُ يَتَكَلَّمُ ، فَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِالصِّفَاتِ الْعُلَى ، وَلَمْ يَزَلْ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ الَّتِي هِيَ صِفَاتُ ذَاتِهِ وَاحِدًا وَلَا يَزَالُ ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ . وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ : الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِهِ خَلْقًا وَلَا مَخْلُوقًا ، وَلَا فِعْلًا وَلَا مَفْعُولًا ، وَلَا مُحْدِثًا وَلَا حَدَثًا وَلَا أَحْدَاثًا

قلت هذه الرواية ليس فيها أي كلام عن كتاب التوحيد

بل ليس فيها إلا الخلاف حول صفة الكلام وكتاب التوحيد لابن خزيمة لم يتكلم فيه عن الكلام فقط بل تكلم فيه عن صفة العلو والوجه واليدان والضحك وغيرها من الصفات

غير أن هذه الرواية تحتاج إلى إثبات

فالبطاييني هذا لم أتمكن من الوقوف على ترجمةٍ له

وأما الثانية

فيقول فيها البيهقي وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا الحسن علي بن أحمد الزاهد البوشنجي يقول : دخلت على عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي بالري فأخبرته بما جرى بنيسابور بين أبي بكر بن خزيمة وبين أصحابه ، فقال : ما لأبي بكر والكلام ؟ إنما الأولى بنا وبه أن لا نتكلم فيما لم نتعلمه . فخرجت من عنده حتى دخلت على أبي العباس القلانسي فقال : كان بعض القدرية من المتكلمين وقع إلى محمد بن إسحاق فوقع لكلامه عنده قبول . ثم خرجت إلى بغداد فلم أدع بها فقيها ولا متكلما إلا عرضت عليه تلك المسائل ، فما منهم أحد إلا وهو يتابع أبا العباس القلانسي على مقالته ، ويغتم لأبي بكر محمد بن إسحاق فيما أظهره . قلت : القصة فيه طويلة ، وقد رجع محمد بن إسحاق إلى طريقة السلف وتلهف على ما قال

قلت البيهقي أورد هذه القصة بعد السابقة مباشرةً فالمقصود فيها الفتنة المذكورة في القصة الأولى وهي الخلاف حول مسألة الكلام فأين الندم على تصنيف كتاب التوحيد ؟!!

بل لا يمكن للخساف ان يثبت أن هذه القصة حدثت بعد تصنيف كتاب التوحيد

وهذه القصة تحتاج إلى إثبات أيضاً فعلي بن أحمد البوشنجي لم أتمكن من الوقوف على ترجمةٍ له



الشبهة الخامسة والعشرون



قال السقاف في صفحة 75 (( وكتاب السنة المنسوب لابن أحمد والذي في سنده الخضر بن المثنى وهو مجهول ))


قلت هذا كذب صريح فإن إسناد كتاب السنة لعبد الله بن أحمد ليس فيه الخضر بن المثنى



وقد وجدت نصاً للخطيب البغدادي يثبت فيه نسبة هذا الكتاب لعبدالله بن أحمد وذلك في تاريخ بغداد (3/204) حيث قال (( وحدثنا عنه عبد الله بن أحمد في كتاب الرد على الجهمية حدثنا محمد بن عبد الواحد حدثنا محمد بن العباس قال: قرئ على بن المنادي وأنا أسمع في ذكر من مات سنة ثمان وستين ومائتين. قال: فمنهم بمدينتنا محمد بن محمد بن العطار يوم الأحد لأربع خلون من صفر مات فجأة كان عنده التفسير عن سنيد بن داود. وكتاب أحمد بن شبويه عن بن المبارك في الأخبار))


قلت وكتاب الرد على الجهمية هو كتاب السنة فقد أسماه الذهبي كتاب السنة والرد على الجهمية و ذلك في كتاب العرش ولا يعرف لعبد الله بن أحمد كتاباً مسنداً في الرد على الجهمية غير كتاب السنة


وقد أثبت نسبته الذهبي في العرش بعد روايته له بإسناده مما يدل انه يوثق رجاله


قال الذهبي (( رواه عبد الله بن أحمد في كتاب "السنة" الذي أجازه لي غير واحد منهم ابن أبي الخير.، عن أبي زرعة الكفتواني ، أنبأنا أبو عبد الله الخلال ، أنبأنا أبو المظفر بن شبيب ، أنبأنا أبو عمر السلمي ، أنبأنا أحمد بن محمد اللنباني عنه))

وقد ذكر محقق كتاب العرش الشيخ محمد بن خليفة التميمي تراجم هؤلاء الرواة وجميعهم ثقات


و أثبت الحافظ ابن حجر نسبة الكتاب إلى عبدالله بن أحمد في الإصابة حيث قال (( وقال البغوي سكن الكوفة وقال أبو أحمد الحاكم ذكره إبراهيم بن عبد الله الخزاعي فيمن غلبت عليهم الكنى من الصحابة وأخرج بن السكن وابن أبي خيثمة والبغوي وعبد الله بن أحمد في كتاب السنة له والطبراني من طريق إسرائيل عن ثوير بن أبي فاختة سمعت رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له أبو الخطاب وسئل عن الوتر فقال أحب الي أن أوتر إذ أصلي إلى نصف الليل "إن الله يهبط إلى السماء الدنيا في الساعة السابعة فيقول: هل من داع"- الحديث-))

والحافظ ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة حيث قال (( قال عبد اللّه ابن الإمام أحمد في كتاب السنة "سألت أبي عن قوم يقولون: لما كلم اللّه موسى لم يتكلم بصوت. فقال أبي: بلى، تكلم بصوت، هذه الأحاديث نرويها كما جاءت". والمقصود ههنا: الإِشارة إلى ما وقع في حق الحافظ، من التحامل عليه، والتعصب.
وقرأت بخط الإِمام الحافظ الذهبي- رداً على ما نقل الإِجماع على تكفيره- أما قول "أجمعوا" فما أجمعوا، بل أفتى بذلك بعض أئمة الأشاعرة ممن كفروه، وكفرهم هو، ولم يبد من الرجل أكثر مما يقوله خلق من العلماء الحنابلة والمحدثين: من أن الصفات الثابت محمولة على الحقيقة، لا على المجاز، أعني أنها تجري على مواردها، لا يعبر عنها بعبارات أخرى، كم فعلته المعتزلة، أو المتأخرون من الأشعرية. هذا مع أن صفاته تعالى لا يماثلها شيء))



الشبهة السادسة والعشرون



وزعم السقاف في صفحة 74 أنه لا يثبت عن أحمد إثبات العلو لعدم ثبوت كتاب الرد على الجهمية ونقل السقاف كلام الذهبي في إنكاره نسبة الكتاب للإمام أحمد

والجواب على ذلك من وجهين

الأول أن رسالة الرد على الجهمية ثابتة عن الإمام أحمد رضي الله عنه

قال الإمام ابن القيم في كتاب اجتماع الجيوش الإسلامية (( قال الخلال: كتبت هذا الكتاب من خط عبد اللّه، وكتبه عبد اللّه من خط أبيه، واحتج القاضي أبو يعلى في كتابه إبطال التأويل بما نقله منه عن أحمد، وذكر ابن عقيل في كتابه بعض ما فيه عن أحمد، ونقله عن أصحابه قديماً وحديثاً، ونقل منهم البيهقي، وعزاه إلى أحمد، وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية عن أحمد، ولم يُسْمَع عن أحد من متقدمي أصحابه ولا متأخريهم طعنٌ فيه))

قلت فالحنابلة أعلم بإمام مذهبهم من الذهبي الشافعي

وقول الخلال (( كتبت هذا الكتاب من خط عبد اللّه، وكتبه عبد اللّه من خط أبيه))

يكفي لإثبات نسبة الكتاب عن الإمام أحمد فالخلال من تلاميذ عبد الله بن أحمد فهو أعلم بخط شيخه

وإذا كان من دفع له هذا الكتاب هو الخضر بن المثنى فجزم الخلال بكون هذا الخط خط عبدالله هو توثيق ضمني للخضر

ومن أراد المزيد حول نسبة هذا الكتاب للإمام أحمد فلينظر مقدمة شيخنا دغش بن شبيب العجمي على كتاب الرد على الجهمية والزنادقة

ورسالة الشيخ حماد الأنصاري في إثبات نسبة هذا الكتاب للإمام أحمد

وهي مطبوعة في مقدمة تحقيق الشيخ خالد بن عثمان المصري لكتاب الرد على الجهمية والزنادقة

الثاني هو أنه ثبت عن الإمام أحمد نصوص أخرى في إثبات العلو

قال يوسف بن موسى القطان : "وقيل لأبي عبد الله : الله فوق السماء السابعة على عرشه، بائن من خلقه، وعلمه وقدرته بكل مكان؟ قال: نعم".
رواه الخلال في السنة عن يوسف  وقد تقدم تخريج هذا الأثر



وقول السائل ((بائن من خلقه )) يؤكد أنه يقصد العلو الحسي لا المعنوي

والعلو المعنوي ليس محل نزاع حتى ينبه عليه الأئمة ويسألة عنه الناس



الشبهة السابعة والعشرون



وتكلم السقاف عن عقيدة الإمام الشافعي وتكلم في جرح الهكاري والعشاري وعبدالغني المقدسي وذلك في صفحة 72 من مقدمته سيئة الذكر

وأقول لسنا بحجاة لرواية هؤلاء الثلاثة فقد ثبت إثبات عن الشافعي من غير طريقهم

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (13/418) الطبعة السلفية (( وأخرج ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبد الأعلى سمعت الشافعي يقول: لله أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر، فثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه ))

قلت هذا سندٌ صحيح فلا عشاري هنا ولا هكاري ولا حتى مقدسي

وكتاب مناقب الشافعي لابن أبي حاتم من مرويات الحافظ في معجمه المفهرس (183)

وليس في سنده العشاري أو الهكاري أو المقدسي

ونفي الشافعي للتشبيه يدل على أنه يثبت الصفات _ كما صرح بذلك _ إذ أن المفوض لا يثبت شيئاً فلا يرد عليه استلزام التشبيه _الذي يتصوره أصحاب العقول المريضة_



الشبهة الثامنة  والعشرون



وقال السقاف في الصفحة المشار إليها (( اما ابو محمد المقدسي فهو ممن اباح العلماء دمه كما يجد ذلك من طالع ترجمته لكونه مجسما صرفا انظر كتاب الذيل على الروضتين المسمى ايضا تراجم رجال لقرنين للحافظ ابي شامة المقدسي ص 46 - 47 ))

قلت أبو محمد المقدسي هذا هو الحافظ عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي صاحب الكمال في أسماء الرجال وعمدة الأحكام

وما طعن به السقاف عليه ساقط

قال الذهبي في تاريخ الإسلام رداً على من نقل الإجماع على تكفيره (الورقة 273 _أحمد الثالث )

(( قوله وإجماع الفقهاء على الفتيا بتكفيره كلام ناقص، وهو كذب صريح، وإنما أفتى بذلك بعض الشافعية الذين تعصبوا عليه، وأما الشيخ الموفق وأبو اليمن الكندي شيخا الحنفية والحنابلة فكانا معه. ولكن نعوذ بالله من الظلم والجهل ))

قلت والإحالة السابقة مستفادة من تحقيق سير أعلام النبلاء

وترجمة المقدسي في سير أعلام النبلاء في (21/443_ 456) راجعها لرؤية كلام العلماء في الثناء على عبد الغني المقدسي

وجاء فيها قول الذهبي (( وَذَكَرَ أَبُو المُظَفَّرِ الوَاعِظ فِي (مِرَآة الزَّمَانِ)، قَالَ: كَانَ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ يَقرَأُ الحَدِيْث بَعْد الجُمُعَة، قَالَ: فَاجْتَمَعَ القَاضِي مُحْيِي الدِّيْنِ، وَالخَطِيْب ضِيَاء الدِّيْنِ، وَجَمَاعَة، فَصعدُوا إِلَى القَلْعَة، وَقَالُوا لوَالِيهَا: هَذَا قَدْ أَضلّ النَّاس، وَيَقُوْلُ بالتّشبيه.
فَعقدُوا لَهُ مَجْلِساً، فَنَاظرهُم، فَأَخذُوا عَلَيْهِ موَاضِع، مِنْهَا: قَوْلُهُ: لاَ أُنزهه تَنزِيهاً يَنفِي حَقِيْقَة النُّزَول، وَمِنْهَا: كَانَ اللهُ وَلاَ مَكَان، وَلَيْسَ هُوَ اليَوْم عَلَى مَا كَانَ، وَمِنْهَا: مَسْأَلَة الحرف وَالصّوت، فَقَالُوا: إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا كَانَ، فَقَدْ أَثْبَت لَهُ المَكَان، وَإِذَا لَمْ تنزهه عَنْ حقِيْقَة النُّزَول، فَقَدْ جوزت عَلَيْهِ الانتقَالَ، وَأَمَّا الحرف وَالصّوت فَلَمْ يَصحَّ عَنْ إِمَامك، وَإِنَّمَا قَالَ إِنَّهُ كَلاَم اللهِ، يَعْنِي غَيْر مَخْلُوْق.
وَارتفعت الأَصوَات، فَقَالَ وَالِي القَلْعَة الصَّارم برغش: كُلّ هَؤُلاَءِ عَلَى ضلاَلَة وَأَنْت عَلَى الحَقِّ؟ ))

ثم قال الذهبي بعدها بسطور ((قُلْتُ: قَدْ بلوتُ عَلَى أَبِي المُظَفَّرِ المجَازفَة وَقِلَّة الوَرَع فِيمَا يُؤرّخه -وَاللهُ الموعدُ -وَكَانَ يَترفّض، رَأَيْت لَهُ مُصَنّفاً فِي ذَلِكَ فِيْهِ دَوَاهٍ، وَلَوْ أَجْمَعت الفُقَهَاء عَلَى تَكفِيره -كَمَا زَعَم- لَمَا وَسعهُم إِبقَاؤُه حيّاً، فَقَدْ كَانَ عَلَى مقَالَته بِدِمَشْقَ أَخُوْهُ الشَّيْخ العِمَاد وَالشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ، وَأَخُوْهُ القُدْوَةُ الشَّيْخ أَبُو عُمَرَ، وَالعَلاَّمَة شَمْس الدِّيْنِ البُخَارِيّ، وَسَائِر الحَنَابِلَة، وَعِدَّة مِنْ أَهْلِ الأَثر، وَكَانَ بِالبَلَدِ أَيْضاً خلق مِنَ العُلَمَاءِ لاَ يُكفّرُوْنَهُ، نَعم، وَلاَ يُصرّحُوْنَ بِمَا أَطْلَقَهُ مِنَ العبَارَة لَمَّا ضَايقوهُ، وَلَوْ كَفّ عَنْ تِلْكَ العبَارَات، وَقَالَ بِمَا وَردت بِهِ النّصوص لأَجَاد وَلسلم، فَهُوَ الأَوْلَى، فَمَا فِي تَوسيع العبَارَات المُوهِمَة خَيْر، وَأَسوَأ شَيْء قَالَهُ: أَنَّهُ ضلل العُلَمَاء الحَاضِرِيْنَ، وَأَنَّهُ عَلَى الحَقِّ، فَقَالَ كلمَة فِيْهَا شَرّ وَفسَاد وَإِثَارَة لِلبلاَء، رَحِمَ اللهُ الجَمِيْع وَغفر لَهُم، فَمَا قصدهُم إِلاَّ تَعَظِيْم البَارِي- عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الطّرفِيْن، وَلَكِنَّ الأَكمل فِي التعَظِيْم وَالتنزِيه الوُقُوْف مَعَ أَلْفَاظ الكِتَاب وَالسّنَّة، وَهَذَا هُوَ مَذْهَب السَّلَف -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ))

قلت لا يمكن الجزم بأن عبدالغني المقدسي أطلق تلك الألفاظ لأن الناقل لهذه القصة مطعونٌ فيه كما صرح الذهبي

وقد قال عبد الغني المقدسي في كتابه الإقتصاد في الإعتقاد (( فمن السنة اللازم السكوت عما لم يرد به نص عن الله أو رسوله أو يتفق المسلمون على إطلاقه وترك التعرض له بنفي أو إثبات ))

نقلت هذا من مخطوطة الإقتصاد ورقة 12

قال الحافظ ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة(2/24) (( وقرأت بخط الإِمام الحافظ الذهبي- رداً على ما نقل الإِجماع على تكفيره- أما قول "أجمعوا" فما أجمعوا، بل أفتى بذلك بعض أئمة الأشاعرة ممن كفروه، وكفرهم هو، ولم يبد من الرجل أكثر مما يقوله خلق من العلماء الحنابلة والمحدثين: من أن الصفات الثابت محمولة على الحقيقة، لا على المجاز، أعني أنها تجري على مواردها، لا يعبر عنها بعبارات أخرى، كم فعلته المعتزلة، أو المتأخرون من الأشعرية. هذا مع أن صفاته تعالى لا يماثلها شيء))

قلت وهذا كافٍ لإبطال هراء السقاف



الشبهة التاسعة والعشرون



وأكثر السقاف من نعت القاضي أبي يعلى بالمجسم

وهذا في الواقع غير صحيح

وأخذٌ بلازم المذهب ولازم المذهب ليس بلازم

فما بالك إذا نفى المُلزم التزامه بما أُلزم به

قال القاضي أبو يعلى الحنبلي في إبطال التأويلات _ط النجدي_ (1/83) (( فإن قيل صفوه بجسم لا كالأجسام

قيل: لا نصفه بذلك لأن الشرع لم يرد بذلك ))

قلت وما بالك إذا صرح المُلزم بنقيض ما أُلزم به

قال القاضي في إبطال التأويلات (2/395) (( لأنه ليس بجسمٍ ولا جوهر ))

قلت وهذا يجعلنا نجزم ببراءة القاضي من تهمة التجسيم إلى أننا لا نوافقه على نفي الجسمية وغيرها مما لم يرد نفيه ولا إثباته في النصوص

وقد أكثر القاضي ابو يعلى في إبطال التأويلات من نفي بعض الأمور التي لم ترد النصوص بنفيها ولا إثباتها

فقد أثبت النزول بدون إنتقال ولا شغل مكان في (1/130)

وأثبت القبضة على غير معنى الجارحة والعضو والبعض في (1/169)

وأثبت قدماً على غير معنى الجارحة والأبعاض في (1/196)

وغيرها من المواطن في إبطال التأويلات

وهذا كله خلاف منهج أهل السنة والجماعة الذين يسكتون عن هذه الألفاظ فلا يثبوتنها ولا ينفونها

كما أن القاضي قد وقع في التفويض في عدة مواطن من إبطال التأويلات

فقد قال أثناء كلامه على حديث الشاب الأمرد ( 1/149) (( فهذا حد الفراش في الشاهد فأما الفراش المذكور في الخبر فلا نعقل معناه كغيره من الصفات ))

وأوغل في التفويض في (1/218) حيث قال (( بل نثبت ذلك كما أثبتنا الوجه واليدين والسمع والبصر وإن لم نعقل معناه ))

قلت السمع والبصر حتى الأشاعرة يثبتون معانيها ولعل القاضي قال ذلك تنزلاً

فإنه قد اثبت معاني السمع والبصر في (2/338) حيث قال (( وإنما المراد تحقيق السمع والبصر الذي في إثباته المقصود أن الله عز وجل يرى المرئيات برؤيته ويسمع المسموعات بسمعه ))

قلت ونفى القاضي في نفس الصفحة أن يكون المقصود بالسمع والبصر العلم

وهذا هو عين الإثبات فقد ذكر متعلقات الصفة ونفى عنها التأويلات

ونحن نقول مثل هذا في صفة اليدين

فنقول (( اليد صفة لله كتب بها التوراة وخلق بيديه آدم وغرس الجنة بيده كلتاهما يمين يقبض بيده ويبسط وهما غبر القدرة والنعمة قطعاً ))

وبهذا نوافق السلف ونباين المؤولة والمفوضة

وهذا منهجنا في جميع الصفات

وخلاصة القول في القاضي أبو يعلى

ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في درء التعارض (7/34) (( ونوع ثالث سمعوا الأحاديث والآثار وعظموا مذهب السلف وشاركوا المتكلمين الجهمية في بعض أصولهم الباقية ولم يكن لهم من الخبرة بالقرآن والحديث والآثار ما لأئمة السنة والحديث لا من جهة المعرفة والتمييز بين صحيحها وضعيفها ولا من جهة الفهم لمعانيها وقد ظنوا صحة بعض الأصول العقلية للنفاة الجهمية ورأوا ما بينهما من التعارض
وهذا حال أبي بكر بن فورك والقاضي أبي يعلى وابن عقيل وأمثالهم ))

الشبهة الثلاثون



واحتج السقاف بما جاء عن الإمام مالك (( الإستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول )) على نفي الكيف ويريد بذلك التعطيل _ انظر مقدمته ص71_

والجواب أن معنى غير معقول أي لا يدرك بالعقل

قال الذهبي في العلو (ص104) وقال: "هذا ثابت عن مالك، وتقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك، وهو قول أهل السنة قاطبة أن كيفية الاستواء لا نعقلها، بل نجهلها، وأن الاستواء معلوم كما أخبر في كتابه، وأنه كما يليق به، لا نتعمق، ولا نتحذلق، ولا نخوض في لوازم ذلك نفيا ولا إثباتا، بل نسكت ونقف كما وقف السلف، ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إلى بيانه الصحابة والتابعون، ولما وسعهم إقراره وإمراره والسكوت عنه، ونعلم يقينا مع ذلك أن الله جل جلاله لا مثل له في صفاته، ولا في استوائه، ولا في نزوله، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا"

وقال الدرامي _ المجسم عند السقاف_ في الرد على الجهمية ( فقرة 105) قال أبو سعيد رحمه الله وصدق مالك لا يعقل منه كيف ولا يجهل منه الاستواء والقرآن ينطق ببعض ذلك في غير آية ))

ومما يقوي هذا التفسير إثبات الإمام مالك لصفة العلو حيث قال (( الله في السماء وعلمه في كل مكان ))

أخرجه أبو داود في مسائل الإمام أحمد (ص263)، ط:دار المعرفة.
وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/106-107، برقم11، و1/280، برقم532). والآجري في الشريعة 1077، برقم652-653). وابن بطة في الإبانة (-تتمة الرد على الجهمية ، ح110). وابن مندة في التوحيد (3/307، برقم893). واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/401). وابن عبد البر في التمهيد (7/138). والقاضي عياض في ترتيب المدارك (2/43). وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/53)، وفي درء تعارض العقل والنقل (6/262)، وقال: "كل هذه الأسانيد صحيحة". وأورده الذهبي في العلو (ص103)، وفي سير أعلام النبلاء (8/101)، وأورده في الأربعين في صفات رب العالمين (ص59، برقم39) و (ص63، برقم45). وأورده ابن القيم كما في مختصر الصواعق (2/213) وقال: "ذكره الطلمنكي وابن عبد البر وعبد الله بن أحمد وغيرهم". وصححه الألباني في مختصر العلو (ص140).

استفدت هذا التخريج من تحقيق الشيخ محمد بن خليفة التميمي لكتاب العرش للذهبي



الشبهة الحادية والثلاثون



وقال السقاف في ص 75 وهو يعدد الكتب التي تحتوي على عقائد فاسدة _ بزعمه _ (( كتب ابن تيمية فإن جميعها لا يخلو من تشبيه ))

قلت شيخ الإسلام بريءٌ من هذه الفرية ، ومفهوم التشبيه عند السقاف غير مفهوم التشبيه عند السلف

قال إسحاق بن راهويه (( إنما يكون التشبيه إذا قال : يدٌ كيدي ، أو سمعٌ كسمعي ، فهذا تشبيه ))

انظر سنن الترمذي (3/42) وقد أقر الترمذي هذا الكلام

ولا يلزمنا مفهوم السقاف للتشبيه كما أن الأشاعرة لا يلزمهم مفهوم المعتزلة للتشبيه

قال القونوي الحنفي (( حتى بعض المفسرين كعبد الجبار والزمخشري وغيرهما يسمون كل من أثبت شيئاً من الصفات أو قال برؤية الذات مشبها ))

انظر شرح القاري على الفقه الأكبر ص25 واستفدت هذا النقل من كتاب (( أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة )) للشيخ محمد الخميس

وبناءً على النقل السابق يكون السقاف وأسلافة مشبهةً عند المعتزلة !!!! علماً بأن السقاف لا يثبت الرؤية ولكنه يثبت بعض الصفات

وأختم بنقلٍ مهم عن شيخ الإسلام في هذه المسألة

قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (2/111) (( مذهب سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل يثبتون لله ما أثبته من الصفات وينفون عن مماثلة المخلوقات يثبتون له صفات الكمال وينفون عنه ضروب الأمثال ينزهونه عن النقص والتعطيل وعن التشبيه والتمثيل إثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل (( ليس كمثله شيء رد على الممثلة وهو السميع البصير )) (سورة الشورى: 11 )رد على المعطلة
ومن جعل صفات الخالق مثل صفات المخلوق فهو المشبه المبطل المذموم ))

وقال أيضاً ( 2/105_ 106 ) (( وأما من لا يطلق على الله اسم الجسم كأئمة أهل الحديث والتفسير والتصوف والفقه مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم وشيوخ المسلمين المشهورين في الأمة ومن قبلهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فهؤلاء ليس فيهم من يقول إن الله جسم وإن كان أيضا ليس من السلف والأئمة من قال إن الله ليس بجسم ولكن من نسب التجسيم إلى بعضهم فهو بحسب ما اعتقده من معنى الجسم ورآه لازما لغيره
فالمعتزلة والجهمية ونحوهم من نفاة الصفات يجعلون كل من أثبتها مجسما مشبها ومن هؤلاء من يعد من المجسمة والمشبهة من الأئمة المشهورين كمالك والشافعي وأحمد وأصحابهم كما ذكر ذلك أبو حاتم صاحب كتاب الزينة وغيره لما ذكر طوائف المشبهة فقال ومنهم طائفة يقال لهم المالكية ينتسبون إلى رجل يقال له مالك بن أنس ومنهم طائفة يقال لهم الشافعية ينتسبون إلى رجل يقال له الشافعي
وشبهة هؤلاء أن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله تعالى ويقولون إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق ويقولون إن الله يرى في الآخرة
هذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت وغيرهم ))



الشبهة الثانية والثلاثون



ذكر السقاف في ص 78 الكتب التي ينصح بها لتعلم العقيدة الصحيحة _ على زعمه _

فبدأ بكتاب (( الأسماء والصفات )) للإمام البيهقي

والحق أن عقيدة البيهقي غير عقيدة السقاف بل يلزم السقاف اتهام البيهقي بالتجسيم

قال البيهقي في فصلٍ عقده لإثبات صفة اليدين (2/118) ط الحاشدي (( اليدين صفتين لا من حيث الجارحة ))

قلت هذا هو عين مذهب القاضي أبو يعلى _ المجسم عند السقاف _ انظر إبطال التأويلات (1/169)

ولو كان إثبات اليد يقتضي التجسيم _ كما هو مذهب السقاف _ لكان البيهقي جامعاً بين النقيضين علماً بأننا لا ننفي الجارحة لعدم ورود ذلك في النصوص وعدم وروده عن السلف ولكننا هنا في مقام إلزام

وقال البيهقي (2/114) (( العين صفة لا من حيث الحدقة ))

قلت والحدقة جارحة وقد أثبت القاضي أبو يعلى عينين ليستا بجارحتين في إبطال التأويلات (2/347)

وابن الجوزي لا يرتضي هذا فقد قال معلقاً على إثبات القاضي أبو يعلى لصفة الأصابع دون إثبات الجوارح في دفع شبه التشبيه ص207(( وهذا كلام مخبط لأنه إما أن يثبت الجوارح وإما أن يتأولها ))

قلت وهذا ينطبق على إثبات البيهقي لليدين والعين فيلزم الأشاعرة الذين يقرون ابن الجوزي على كلامه _ ومنهم السقاف _ أن يقولوا في كلام البيهقي (( هذا كلامٌ مخبط فإما إثبات الجوارح أو التأويل ))

وبهذا يظهر التباين بين عقد البيهقي وعقد متأخري الأشاعرة

وبناءً على ما تقدم ليستيقظ أفراخ الجهمية يكفوا عن التمسح بالإمام البيهقي



ويمكن للمعتزلي أن يرد على كلام الأشاعرة السابق بقوله في إثبات الأشاعرة للرؤية (( هذا كلامٌ مخبط فإما إثبات الجهة والصورة وإما التأويل ))

وقال البيهقي أيضاً (2/330) (( ومعنى قوله في هذه الأخبار (( من في السماء )) أي فوق السماء على العرش كما نطق به الكتاب والسنة ))

قلت وهذا إثباتٌ صريحٌ للعلو لا يرتضيه أفراخ الجهمية



الشبهة الثالثة والثلاثون



وذكر السقاف شرح كتاب التوحيد من فتح الباري على أنه من الكتب التي ينصح بها لتعلم العقيدة الصحيحة _ انظر ص79_

قلت عقيدة الحافظ ابن حجر غير عقيدة السقاف

وإليك البراهين

البرهان الأول : قال الحافظ في الفتح (13/410) (( قال ابن بطال اختلف الناس في الاستواء المذكور هنا فقالت المعتزلة معناه الاستيلاء بالقهر والغلبة واحتجوا بقول الشاعر: قد استوى بشر على العراق من غير ودم مهراق وقالت الجسمية معناه الاستقرار.
وقال بعض أهل السنة معناه ارتفع، وبعضهم معناه علا، وبعضهم معناه الملك والقدرة ومنه استوت له الممالك، يقال لمن أطاعه أهل البلاد، وقيل معنى الاستواء التمام والفراغ من فعل الشيء، ومنه قوله تعالى (ولما بلغ أشده واستوى) فعلى هذا فمعنى استوى على العرش أتم الخلق، وخص لفظ العرش لكونه أعظم الأشياء وقيل إن " على " في قوله على العرش بمعنى: إلى، فالمراد على هذا انتهى إلى العرش أي فيما يتعلق بالعرش لأنه خلق الخلق شيئا بعد شيء، ثم قال ابن بطال: فأما قول المعتزلة فإنه فاسد لأنه لم يزل قاهرا غالبا مستوليا، وقوله "ثم استوى " يقتضي افتتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن، ولازم تأويلهم أنه كان مغالبا فيه فاستولى عليه بقهر من غالبه، وهذا منتف عن الله سبحانه، وأما قول المجسمة ففاسد أيضا، لأن الاستقرار من صفات الأجسام ويلزم منه الحلول والتناهي، وهو محال في حق الله تعالى، ولائق بالمخلوقات لقوله تعالى (فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك) وقوله (لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه) قال وأما تفسير استوى: علا فهو صحيح وهو المذهب الحق، وقول أهل السنة لأن الله سبحانه وصف نفسه بالعلي))

قلت في هذا النص فوائد

الفائدة الأولى اعتبار تفسير الإستواء بالعلو من أقوال أهل السنة وهذا ما لا يرتضيه السقاف ولا أشاعرة الحواشي

الفائدة الثانية جعل تفسير الإستواء بالإستيلاء من أقوال المعتزلة _ وهو كذلك _ وهو جمهور مؤولة الأشاعرة وهذا يثبت أن الأشاعرة يتابعون المعتزلة في العديد من بدعهم التي أنكرها عليهم السلف ، بل وجماعة من متقدمي الأشاعرة

البرهان الثاني : قال الحافظ (13/372) (( الذي يظهر من تصرف البخاري في " كتاب التوحيد " أنه يسوق الأحاديث التي وردت في الصفات المقدسة فيدخل كل حديث منها في باب ويؤيده بآية من القرآن للإشارة إلى خروجها عن أخبار الآحاد على طريق التنزل في ترك الاحتجاج بها في الاعتقاديات، وإن من أنكرها خالف الكتاب والستة جميعاً ))

قلت في هذا النص فوائد

الأولى هي أن البخاري عقد كتاب التوحيد لإثبات الصفات ولا يخفى على المتابع لتبويباته أن عقد باباً في الإستواء وآخر في صفة اليد وآخر في صفة الوجه

الثانية هي إثبات الحافظ أن مذهب البخاري الإحتجاج بأخبار الآحاد في العقيدة غير أنه يتنزل مع الجهمية المنكرين لذلك

البرهان الثالث :قال الحافظ في الفتح (13/314) (( وقال الكرماني قيل المراد بالوجه في الآية والحديث الذات أو الوجود أو لفظه زائد أو الوجه الذي لا كالوجوه، لاستحالة حمله على العضو المعروف، فتعين التأويل أو التفويض.
وقال البيهقي: تكرر ذكر الوجه في القرآن والسنة الصحيحة، وهو في بعضها صفة ذات كقوله: إلا رداء الكبرياء على وجهه وهو ما في صحيح البخاري عن أبي موسى، وفي بعضها بمعنى من أجل كقوله (إنما نطعمكم لوجه الله) وفي بعضها بمعنى الرضا كقوله (يريدون وجهه) ، (إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) وليس المراد الجارحة جزما والله أعلم))

قلت انظر كيف أقر البيهقي على كلامه وجعله آخر ما يختم به الكلام على صفة الوجه وقد تقدم الكلام على إثبات البيهقي للوجه وما يلحقه من الزاماتٍ للأشاعرة

البرهان الرابع :نقل الحافظ في (13/401) عن البيهقي قوله (( قال ولأهل الكلام في هذه الصفات كالعين والوجه واليد ثلاثة أقوال: أحدها أنها صفات ذات أثبتها السمع ولا يهتدي إليها العقل، والثاني أن العين كناية عن صفة البصر، واليد كناية عن صفة القدرة، والوجه كناية عن صفة الوجود، والثالث إمرارها على ما جاءت مفوضا معناها إلى الله تعالى.
وقال الشيخ شهاب الدين السهروردي في كتاب العقيدة له، أخبر الله في كتابه وثبت عن رسوله الاستواء والنزول والنفس واليد والعين، فلا يتصرف فيها بتشبيه ولا تعطيل، إذ لولا إخبار الله ورسوله ما تجاسر عقل أن يحوم حول ذلك الحمى، قال الطيبي: هذا هو المذهب المعتمد وبه يقول السلف الصالح.
وقال غيره لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه من طريق صحيح التصريح بوجوب تأويل شيء من ذلك ولا المنع من ذكره، ومن المحال أن يأمر الله نبيه بتبليغ ما أنزل إليه من ربه وينزل عليه (اليوم أكملت لكم دينكم) ثم يترك هذا الباب فلا يميز ما يجوز نسبته إليه مما لا يجوز مع حضه على التبليغ عنه بقوله " ليبلغ الشاهد الغائب " حتى نقلوا أقواله وأفعاله وأحوله وصفاته وما فعل بحضرته، فدل على أنهم اتفقوا على الإيمان بها على الوجه الذي أراده الله منها، ووجب تنزيهه عن مشابهة المخلوقات بقوله تعالى (ليس كمثله شيء) فمن أوجب خلاف ذلك بعدهم فقد خالف سبيلهم وبالله التوفيق ))

قلت في هذا النص فوائد

الفائدة الأولى المباينة بين مذهب الإثبات والتفويض واعلم البيهقي قد اختار المذهب الأول

الفائدة الثانية اقرار الحافظ للإجماع الذي نقله الطيبي على اثبات الصفات

الفائدة الثالثة اقرار الحافظ لمن يقول ببدعية التأويل

البرهان الخامس : قال الحافظ (13/469) (( وقالت الأشاعرة كلام الله ليس بحرف ولا صوت وأثبتت الكلام النفسي، وحقيقته معنى قائم بالنفس وإن اختلفت عنه العبارة كالعربية والعجمية، واختلافها لا يدل على اختلاف المعبر عنه، والكلام النفسي هو ذلك المعبر عنه، وأثبتت الحنابلة أن الله متكلم بحرف وصوت، أما الحروف فللتصريح بها في ظاهر القرآن، وأما الصوت فمن منع قال إن الصوت هو الهواء المنقطع المسموع من الحجرة، وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر، وصفات الرب بخلاف ذلك فلا يلزم المحذور المذكور مع اعتقاد التنزيه وعدم التشبيه، وأنه يجوز أن يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه، وقد قال عبد الله بن أحمد ابن حنبل في كتاب السنة سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت، فقال لي أبي: بل تكلم بصوت، هذه الأحاديث تروى كما جاءت وذكر حديث ابن مسعود وغيره))

قلت في هذا النص فوائد

الأولى نقض شبهة منكر صفة الصوت

الثانية اظهار التباين بين عقد الأشاعرة وعقد الإمام أحمد

الثالثة عدم وصف الحافظ لمثبت الحرف والصوت بالتجسيم

البرهان السادس قال الحافظ في الفتح (13/405) (( قال ابن بطال: في هذه الآية إثبات يدين لله، وهما صفتان من صفات ذاته وليستا بجارحتين خلافا للمشبهة من المثبتة، وللجهمية من المعطلة، ويكفي في الرد على من زعم أنهما بمعنى القدرة، أنهم أجمعوا على أن له قدرة واحدة في قول المثبتة ولا قدرة في قول النفاة، لأنهم يقولون إنه قادر لذاته ويدل على أن اليدين ليستا بمعنى القدرة أن في قوله تعالى لإبليس (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) إشارة إلى المعنى الذي أوجب السجود فلو كانت اليد بمعنى القدرة لم يكن بين آدم وإبليس فرق لتشاركهما فيما خلق منهما به وهي قدرته، ولقال إبليس وأي فضيلة له علي وأنا خلقتني بقدرتك كما خلقته بقدرتك، فلما قال خلقتني من نار وخلقته من طين) دل على اختصاص آدم بأن الله خلقه بيديه، قال ولا جائز أن يراد باليدين النعمتان، لاستحالة خلق المخلوق بمخلوق، لأن النعم مخلوقة ولا يلزم من كونهما صفتي ذات أن يكونا جارحتين ))

قلت في هذا النص فوائد

الأولى انكار التزام مثبت اليدين باثبات الجوارح وبالتالي لا يلزمه الجسيم

الثانية نقض تأويل اليد بالنعمة أو القدرة

وهذه النصوص كلها أتيت بها ن شرح كتاب التوحيد من فتح الباري الذي ينصح به السقاف وهناك نصوص أخرى تركتها بغية الإختصار

واعلم أن هذا لا يعني أننا ننكر أن الحافظ قد وقع في زلاتٍ عقدية ولكنه كان معتدلاً في انحرافه عن الحق ومختلفاً عن الأشاعرة المعاصرين



الشبهة الرابعة والثلاثون



قال ابن الجوزي في ص 100وهو يعدد الأقوال التي يستنكرها على ابن حامد والقاضي وابن الزاغوني (( وقالوا ما سمعنا بذكر الرأس

وقالوا ويجوز أن يمس أو يمس ويدني العبد من ذاته ))

قلت لا وجه لاستنكار هذا عليهم فقولهم (( ما سمعنا بذكر الرأس )) صحيح إذ أنه لا يوجد في النصوص إثبات الرأس ولا نفيه

وقولهم بدنو العبد من ربه ففيه حديثٌ صحيح

قال البخاري في صحيحه 5745 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ : أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ : كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى ؟ قَالَ : " يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ ، فَيَقُولُ : عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ ، وَيَقُولُ : عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا ، فَيَقُولُ : نَعَمْ ، فَيُقَرِّرُهُ ، ثُمَّ يَقُولُ : إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ "

الشبهة الخامسة والثلاثون



نقل السقاف في ص98 قول القاضي أبي بكر بن العربي في العواصم ( 2/283) (( أخبرني من أثق به من مشيختي أن القاضي أبا يعلى الحنبلي كان إذا ذكر الله سبحانه يقول يقول فيما ورد من هذه الظواهر في صفاته تعالى :"ألزموني ما شئتم فإني ألتزمه إلا اللحية والعورة ))

قلت هذا كذب على القاضي أبي يعلى وشيخ ابن العربي ولو كان ثقةً عنده فقد يكون متهماً عند غيره وقد يكون أندلسياً مثل تمليذه _ ابن العربي _ ولم يدخل بغداد إلا بعد وفاة القاضي أبي يعلى الحنبلي البغدادي فيكون الخبر منقطعاً _ وهذه الإحتمالات كلها واردة لأن الراوي مبهم _



الشبهة السادسة والثلاثون



قال ابن الجوزي وهو يعدد الأوجه التي غلط فيها من صنف في الصفات في ص 104 (( أحدها أنهم سموا سموا الأخبار أخبار صفات وإنما هي اضافات وليس كل إضافة صفة فإنه قال سبحانه (( ونفخت فيه من روحي )) الحجر : 29 وليس لله صفة تسمى روحاً ))

قلت هذا من تخاليط ابن الجوزي رحمه الله إذ لو طردنا كلامه لكان اضافة السمع والبصر لله مجرد اضافة وليس صفةً

والإضافات إلى الله على قسمين

الأول اضافة ذات قائمة بنفسها إلى الله وهذه تكون اضافة تشريف مثل بيت الله وناقة الله

الثاني اضافة ما لا يقوم بذاته إلى الله مثل اضافة العلم والقدرة والسمع والبصر واليد والوجه إليه سبحانه فهذه تكون اضافة صفات

فمن سوى بين اضافة الذات القائمة بنفسها لله سبحانه وتعالى واضافة الصفة لله تعالى فقد هذى وخلط



الشبهة السابعة والثلاثون



وزعم السقاف في ص96 أن الله عز وجل لا كيف له

وهذه بدعة قبيحة فهمها الجاهل من قولهم (( بلا كيف )) ومعناها بلا تكييف يتضح هذا لمن جمع النصوص ولم ينتقي

وهذه العبارة قيلت في أخبار الصفات ولم تقل في الذات

وهذه البدعة القبيحة لو نزلناها على أصول القوم لأدت إلى اعدام الإله فنقول لهم لا نعقل موجوداً بلا كيفية

فإن قالوا نحن نعقل هذا

قلنا ونحن نعقل لله يداً لا تشبه أيدي المخلوقات

ونسألهم هل العلم والسمع والبصر وغيرها من الصفات التي تثبتونها لها كيف أم ليس لها كيف

فإن قالوا لها كيف شهدوا على نفسهم بمخالفة مذهب السلف _ على فهمهم السقيم _ لأن قول السلف (( أمروها كما جاءت بلا كيف )) يشمل جميع أخبار الصفات

وإن قالوا ليس لها كيف

قلنا فأنتم تعقلون صفات ليس لها كيف ولا أعرف أحداً من العالمين قال بهذا ولو قسنا الشاهد على الغائب _ على طريقتهم _

لقلنا لهم كلامكم هذا غير معقول فكل موجود له حقيقة وماهية تسمى الكيف

والخلاصة أن اجماع العقلاء منعقد على أن كل موجود له حقيقة وماهية اسمها الكيف

وقد تقدم عن بعض السلف قولهم (( والكيف مجهول )) ولم ينكر عليهم أحدٌ من السلف هذا القيل لأن نفي الكيف هو نفي للوجود أصلاً

وأما من يعقل موجوداً بلا كيف فقد كابر الحس والعقل والفطرة ولزمه اثبات الصفات فعلى مذهبه لا محظور من اثبات الصفات إذ لا كيفية فلا تجسيم ولا تشبيه



وقد جاءت السنة الصحيحة بإثبات الكيف لصفات الله عز وجل

قال الإمام الترمذي
2226 - حَدَّثَنَا هَنَّادٌ أخبرنا معاويةُ عن الأعمشِ عن أبي سُفيانَ عن أنسٍ قال:
كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلِيهِ وسَلَّم يُكثرُ أنْ يقول: يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّتْ قَلبي على دينِكَ فقلتُ يا نبيَّ اللهِ آمنَّا بكَ وبما جئتَ بهِ فهلْ تخافُ علينا؟ قال: نعمْ إنَّ القُلوبَ بينَ أصبُعينِ من أصابعِ اللهِ يُقلِّبها كيفَ شاءَ .
وفي البابِ عن النوَّاسِ بنِ سمعانَ وأمِّ سَلَمَةَ وعائشةَ وأبي ذرٍّ هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وهكذا روى غيرُ واحدٍ عن الأعمشِ عن أبي سُفيانَ عن أنسٍ وروى بعضهُمْ عن الأعمشِ عن أبي سُفيانَ عن جابرٍ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلِيهِ وسَلَّم وحديثُ أبي سُفيانَ عن أنسٍ أصحُّ.


وقال النووي في شرح صحيح مسلم (( فمعنى الحديث أنه سبحانه وتعالى متصرف في قلوب عباده وغيرها كيف شاء ))

قلت والتقليب من أفعاله سبحانه وأفعاله من صفاته وما زال العلماء يدخلون أخبار الأفعال في أخبار الصفات وعليه فأفعاله سبحانه داخلة في عموم قول السلف (( أمروها كما جاءت بلا كيف ))

وقوله (( كيف شاء )) اثبات صريح لوجود الكيفية

وفي الحديث الصحيح عند مسلم (( إذا أم أحدكم الناس فليخفف. فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض. فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء ))

والصلاة لها كيفية قطعاً

ولا فرق بين صفات الله عز وجل في هذا ومن فرق فعليه الدليل ونصوص السلف عامة والمحذور

وبهذا ينهدم بنيان التفوض



هذه بعض النقولات عن السلف و الأئمة الأجلاء رحمهم الله _ استفدتها من الأخ المقدادي _ :


قال الإمام حماد بن بي حنيفة (ت:176): ((قلنا لهؤلاء أرأيتم قول الله عز وجل ((وجاء ربك والملك صفاً صفا))

قالوا: أما الملائكة فيجيئون صفاً صفاً وأما الرب فإنا لا ندري ما عني بذلك ولا ندري كيف مجيئة . فقلت لهم: إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئة ، أرأيتم إن أنكر أن الملائكة تجيء صفاً صفا ما هو عندكم!؟ قالوا: كافر مكذب. قلت: فكذلك من أنكر أن الله سبحانه يجيء فهو كافر مكذب)) رواه أبو عثمان الصابوني ص64 وسنده صحيح.


وكلامه بين في اثبات الكيف ولا نعلم مخالفاً من السلف فهو لا يكلفهم بمعرفة الكيفية وعدم التكليف بمعرفة المعدوم محض هذيان



و قال الامام الترمذي في سننه لما روى حديث أبي هريرة "إن الله يقبل الصدقة، ويأخذها بيمينه فيربيها" :

"هذا حديث صحيح روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث، وما يشبهه من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا: قد ثبتت الروايات في هذا، ونؤمن به، ولا نتوهم، ولا يقال كيف
هكذا روي عن مالك، وابن عيينة، وابن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف.
وهكذا قول أهل العلم، من أهل السنة والجماعة.
وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه، وفسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وإنما معنى اليد ها هنا النعمة، وقال إسحاق بن راهويه: إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد، أو مثل يد، وسمع كسمع))

تنظر كيف فسر قول السلف (( أمروها كما جاءت بلا كيف )) بقولهم (( ولا يقال كيف ))

والنهي عن السؤال عن كيفية الشيء دليل وجوده

فلو سألتك (( أعندكم حديقة ))

فقلت (( لا ولا تسأل عن كيفيتها ))

لكان كلامك مختلاً ولأضحكت العقلاء عليك

ولكن لوقلت (( نعم ولا تسألني عن كيفيتها ))

لكان الكلام متزناً



و سئل الإمام أبو جعفر الترمذي - و هو غير صاحب السنن - عن نزول الرب فقال: (( النزول معقول ، والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعه.)) ) تاريخ بغداد (1/365) ، سير أعلام النبلاء (13/547) ، أقاويل الثقات(201) ، تاريخ الإسلام ، حوادث ووفيات (291-300) (ص245) ، مختصر العلو (ص231) ، وقال الألباني : إسناده صحيح.

و قال الإمام الحافظ الذهبي معلقاً أثر الإمام أبو جعفر الترمذي في النزول : (( صدق فقيه بغداد وعالمها في زمانه ، إذ السؤال عن النـزول ماهو ؟ عيٌّ ، لأنه إنما يكون السؤال عن كلمةٍ غريبةٍ في اللغة ، وإلا فالنـزول والكلام والسمـع و البصـر والعلـم والاستـواء عبـاراتٌ جليلـةٌ واضحـةٌ للسَّامع ، فإذا اتصف بها من ليس كمثله شيء فالصفة تابعةٌ للموصوف وكيفية ذلك مجهولة عند البشر وكان هذا الترمذي من بحور العلم والعُباد الورعين مات سنة 295 هـ )) أهـ . العلو ص 156


و بالمناسبة : هذا كلام ابن العربي المالكي :


(( وذهب مالك رحمه الله أن كل حديث منها - اي احاديث الصفات - معلوم المعنى ولذلك قال للذي سأله الاستواء معلوم والكيفية مجهولة )) عارضة ا لاحوذي (3/166)

وابن العربي أشعري المذهب وفهمه لمذهب السلف يناقض فهم السقاف فتأمل



وممن نسب إلى أهل الحديث إثبات الكيف أبو الحسن الأشعري


قال أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين (ص290-297). (( ذكر مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث، وجملة قولهم: الإقرار بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبما جاء عن الله، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لا يردون من ذلك شيئاً". إلى أن قال: "وأن الله على عرشه، كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وأن له يدين بلا كيف، كما قال تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ، وأن أسماء الله لا يقال إنها غير الله، كما قالت المعتزلة والخوارج، وأقروا أن لله علماً كما قال: { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} ، {وَمَا (ق68/ ب) تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} ، وأثبتوا السمع والبصر، ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة، وقالوا إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله، وأن الأشياء تكون بمشيئة الله، كما قال ربنا: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ } ".
إلى أن قال: "ويقولون إن القرآن كلام الله غير مخلوق، ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن الله ينـزل إلى سماء الدنيا فيقول: "هل من مستغفر" ، كما جاء الحديث، ويقرون أن الله يجيء يوم القيامة كما قال: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} ، وأن الله يقرب من خلقه كيف شاء ، كما قال:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ))
قلت تأمل قوله (( ويقرب من خلقه كيف شاء )) تجد ضالتك











الشبهة الثامنة والثلاثون



قال ابن الجوزي في ص107 (( فإن قال قائل ما الذي دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتكلم بألفاظ موهمة للتشبيه ؟ قلنا: إن الخلق غلب عليهم الحس فلا يكادون يعرفون غيره ، والسبب المجانسة لهم في الحديث فعبد قومٌ النجوم وأضافوا إليها المنافع والمضار ، وعبد قومٌ النور وأضافوا إليه الخير أضافوا الشر إلى الظلمة .....)) إلى أن قال (( فلو جاءت الشرائع بالتنزيه المحض جاءت بما يطابق النفي فلما قالوا صف لنا ربك نزلت (( قل هو الله أحد )) ولو قال لهم ليس بجسم ولا عرض ولا جوهر ولا طويل ولا عريض ولا يشغل الأمكنة ولا تحويه جهة من الجهات الست وليس بمتحرك ولا ساكن ولا يدركه الإحساس لقالوا : حد لنا بأن تميز لنا بين ما تدعونا إلى عبادته عن النفي وإلا فأنت تدعو إلى العدم

فلما علم الحق سبحانه ذلك جاءهم بأسماء من السمع والبصر ......إلى أن قال ابن الجوزي (( لأن المقصود الإثبات فهو أهم عند الشرع من التنزيه ولهذا قال للجاية أين الله وقيل له أيضحك ربنا ؟ قال نعم فلما أثبت وجوده بذكر الحسيات نفى خيال التشبيه بقوله (( ليس كمثله شيء ))

قلت هذا الكلام دليل على استحكام شبه الفلاسفة في عقل ابن الجوزي

فمفاد هذا الكلام أن الشارع خدع العامة ليؤمنوا بالله لأنهم لا يفهمون التنزيه ولا يفرقون بينه وبين العدم

ونلزم ابن الجوزي ومن يدعو لدعواه ألا يعلم العامة عقيدة التنزيه _ عندهم_ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم

فلا يعقل أن يكون العامة في عصرنا أفقه من العامة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم

ثم لنسأل هل كان في الصحابة من يفهم التنزيه ؟

فإن قيل لا

قلنا أفجهل الصحابة الذين أثنى الله عليهم في القرآن وأنتم علمتم

وإن قيل نعم

قلنا فلما لم يعلموا التنزيه للنابهين من التابعين كما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم للنايهين من أصحابه

وقول ابن الجوزي مجرد تخرص وجزم بأن الرسول يظهر خلاف ما يبطن دون دليل



الشبهة التاسعة والثلاثون



قال ابن الجوزي في ص 111 (( وكان الإمام يقول أمروا الأحاديث كما جاءت وعلى هذا كبار أصحابه كإبراهيم الحربي وأبو الحسن التميمي ))

قلت هنا يشهد ابن الجوزي على نفسه بمخالفة الإمام أحمد لأنه أكثر من التأويل في كتابه دفع شبه التشبيه

والتميميون الذي أثنى ابن الجوزي على أحدهم _ واعتقادهم واحد_ يخالفون ابن الجوزي في الإعتقاد

قال الإمام عبد الواحد بن عبد العزيز بن الحارث التميمي في ((اعتقاد الإمام أحمد)): (( وكان يقول : إن لله تعالى يدين ، وهما صفة في ذاته ليستا بجارحتين وليستا بمركبتين ، ولا جسم ، ولا جنس من الأجسام ، ولا صفة من جنس المحدود والتركيب والأبعاض والجوارح ، ولا يقاس على ذلك ، ولا مرفق ، ولا عضد ، و فيما يقتضي ذلك من إطلاق قولهم يد ، إلا ما نطق القرآن به ، أوصح عن رسول الله ? فيه . قال الله تعالى : { بل يداه مبسوطتان } . وقال رسول الله ? : (( كلتا يديه يمين )) . وقال الله عز وجل : { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } . وقال : { والسموات مطويات بيمينه } . ويفسد أن تكون يد : القوة والنعمة ، والفضل ، لأن جمع يد ايد ، وجمع تلك أياد ، ولو كان اليد عنده القوة لسقطت فضيلة آدم ، وثبت حجة إبليس )) .


قلت هذا الكلام فيه إثبات اليدين لله كما يثبتها القاضي أبو يعلى مع التحفظ على السلوب التي ذكرها إذ أنها لم تثبت على الإمام أحمد وهي بدعة



الشبهة الأربعون

وقال ابن الجوزي في ص132 (( أخبرنا علي بن محمد بن عمر الدباس قال أنبأنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمي قال كان أحمد بن حنبل يقول الإستواء صفة مسلمة وليست بمعنى القصد وليست بمعنى الإستعلاء
قال وكان أحمد لا يقول بالجهة للباري لأن الجهات تخلى عما سواها))

قلت هذا كذب على أحمد ورزق الله التميمي بينه وبين الإمام أحمد مفاوز فهذا السند معضل إعضالاً شديداً ( انظر ترجمة رزق الله في سير أعلام النبلاء (18/609) ط الرسالة )

والإمام أحمد يثبت العلو لله عز وجل

روى الخلال في السنة عن يوسف بن موسى القطان قوله قيل لأبي عبدالله : الله فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وعلمه وقدرته في كل مكان قال نعم

قلت هذا سند حسن وهو خير من ذاك المعضل

وهذا الأثر نقله عن كتاب السنة للخلال ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص116، برقم95). وأورده الذهبي في العلو (ص130)، وفي الأربعين في صفات رب العالمين (ص65، برقم 50). وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/496). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (200) وعزاه للالكائي

ولفظ الجهة من الألفاظ المجملة التي لم يتكلم بها السلف بنفي أو إثبات



الشبهة الحادية والأربعون



يكثر ابن الجوزي من القول أن المثبتين للصفات قد حملوها على مقتضى الحس

وهذا غير صحيح

فلو قالوا هذا لشبهوا صفات الله بصفاتهم

بل بعض الذين يرد عليهم ابن الجوزي يصرحون بأن لله يد ليست بجارحة

فكيف يكونون قد حملوها على مقتضى الحس والمعروف من المخلوقات وهو يقولون ليست بجارحة (مع التحفظ على هذا النفي )

ثم إن المعتزلي بإمكانه أن يلزم ابن الجوزي وغيره بكلامهم فيقول (( إثباتكم للسمع والبصر هو حملٌ منكم للنصوص على مقتضى الحس ))

فإن قالوا إنما حملناه على مقتضى اللغة منزهين رب العالمين عن مشابهة المخلوقات

قلنا وهذا مذهبنا في الصفات كلها

الشبهة الثانية والأربعون



قال السقاف في ص127 ((يقولون : استوى على العرش بذاته ، فمن أين جاءوا بلفظة " المبتدعة يقولون : لا نصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه ))



قلت وأي صفةٍ جديدة ثبتت لله عز وجل بكلمة ( بذاته ) هذه اللفظة إنما فيها تثبيت صفة و



قالها السلف لأن الجهمية يقولون بأن الله فوق العرش بعلمه وقدرته فقال السلف هذه اللفظة لدفع ذاك التوهم ولم يثبتوا بهذه اللفظة صفةً جديدة فلا تناقض قولهم (( لا نثبت إلا ما جاء في الكتاب والسنة ))



فهم إنما عبروا عما ثبت في الكتاب والسنة بلفظٍ يدفع الإيهام كمثل قولهم (( القرآن كلام الله غير مخلوق ))



قالوا : غير مخلوق لئلا يفهم من قولهم (( كلام الله )) إضافة المخلوق للخالق كقولنا (( ناقة )) بل أرادوا إضافة الصفة للموصوف كقولنا (( علم الله ))





وقفة في الدفاع عن الألباني



وزعم السقاف في صفحة 25من مقدمته على دفه الشبه أن الشيخ الألباني كان صحفياً ( أي أنه لم يتلقَ العلم على مشايخ وإنما أخذه من الكتب )
وفي إطلاق هذا القول ظلم للشيخ الألباني _ وهذا غير مستغرب من السقاف _
إذ أن الشيخ الألباني قد حفظ القرآن وتعلم التجويد والصرف والفقه الحنفي على والده
كما تلقى بعض العلوم الدينية والعربية على بعض الشيوخ من أصدقاء كالشيخ سعيد البرهاني إذ قرأ عليه كتاب (( مراقي الفلاح )) وبعض الكتب الحديثة في في علوم البلاغة
انظر كتاب (( الإنتصار للحق وأهل العلم الكبار )) للشيخ أحمد بن أبي العينين صفحة 23
ولم يكتفِ السقاف بهذا البهتان
حتى زعم _ في نفس الصفحة _ أن الألباني لا يعرف في العقيدة إلا كتب ابن تيمية
ويا ليت شعري من حقق السنة لابن أبي عاصم
واختصر العلو للذهبي
وحقق الإيمان لابن أبي شيبة
بل إن الشيخ مطلع على كتب المبتدعة كالكوثري والغماري والقضاعي وإلا كيف كتب تلك الردود عليهم وهو لا يقرأ كتبهم



وقفة أخرى



وقال السقاف متحدثاً عن مقدمة الشيخ الألباني لمختصره لكتاب العلو في صفحة 76 (( ووصف الله بما لم يرد في كتاب و لا في سنة كلفظ الجهة ))

قلت هذا كذبٌ صريحٌ على الشيخ رحمه الله

قال الشيخ الألباني في صفحة 69 من مختصر العلو (( ومنه يتبين أن لفظ الجهة غير وارد في الكتاب والسنة وعليه فلا ينبغي إثباتها ولا نفيها ))

هذا مذهب الشيخ الألباني في الجهة فقارنه مع افتراه كذاب البلقاء


 



 

No comments:

Post a Comment