Saturday, September 18, 2010

نفي الجهمية للعلو بحديث (أنت الظاهر فليس فوقك شيء,وأنت ‏الباطن فليس دونك شيء)

بسم الله الرحمن الرحيم

للكاتب جمال البليدي
‎‏ يستدل المشتغلون بعلم الكلام بقول النبي صلى الله عليه وسلم((أنت الظاهر فليس فوقك شيء,وأنت ‏الباطن فليس دونك شيء))(1) على نفي علو الله .‏

وهذا الإستدلال باطل من وجهين ‏‎:‎
الأول ‏‎:‎‏ قول النبي صلى الله عليه وسلم((أنت الظاهر فليس فوقك شيء,وأنت الباطن فليس دونك شيء))إثبات صريح ‏لفوقية الله على كل شيء,ونفيها عن كل شيء,فإن الظاهر معناه ‏‎:‎‏ هو العالي فوق كل شيء فلا شيء أعلى منه .وهذا غاية ‏الكمال في العلو أن لا يكون فوق العالي شيء موجود ,والله موصوف بذلك(2)‏


وكل شيء علا شيء فقد ظهر ,قال الله عزوجل((فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا))الكهف‎]97[‎
أي يعلو عليه(3).‏
ومنه قوله تعالى((وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ))‏‎]‎المعارج33‏‎[‎‏ أي يرتفعون ويصعدون ويعلون عليه(أي على ‏الدرج).‏
وقال تعالى ‏‎:‎‏ ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)) ‏‎]‎التوبة33‏‎[‎‏ أي ليعليه ,ومه ظهر الدابة ,لأنه عالى عليها.‏
ويقال ‏‎:‎‏ ظهر الخطيب على المنبر ,وظاهر الثوب أعلاه,بخلاف بطانته.وكذلك ظاهر البيت أعلاه.وظاهر ‏القول ماظهر منه وبان .وظاهر الإنسان خلاف باطنه ,فكلما علا الشيء ظهر(4).‏

قال ابن القيم رحمه الله ‏‎:‎‏ ‏
والظاهر العالي الذي ما فوقه ***** شيء كما قد قال ذو البرهان
‏ حقا رسول الله ذا تفسيره ***** ولقد رواه مسلم بضمان
‏ فاقبله لا تقبل سواه من التفا ***** سير التي قيلت بلا برهان
‏ والشيء حين يتم منه علوه ***** فظهوره في غاية التبيان
‏أو ما ترى هذي السما وعلوها ***** وظهورها وكذلك القمران(5)‏
الوجه الثاني ‏‎:‎‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏‎:‎‏ ((وأنت الباطن فليس دونك شيء)) ولم يقل ‏‎:‎‏ ((فليس تحتك ‏شيء)).‏
والمعنى ‏‎:‎‏ ليس دون الله شيء,لا أحد يدبر دون الله,لا أحد ينفرد بشيء دون الله,ولا أحد يخفى على الله,كل ‏شيء فالله محيط به,ولهذا قال ‏‎:‎‏ (ليس دونك شيء)) يعني ‏‎:‎‏ لا يحول دونك شيء ,ولا يمنع دونك شيء,ولا ينفع ‏ذا الجد منك الجد.....وهكذا(6)‏
قال ابن جرير : (( والباطن )) يقول : وهو الباطن لجميع الأشياء ، فلا شيء أقرب إلى‎ ‎شيء منه ‏، كما قال : (( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد‎ )) .

وقال الخطابي‎ : (( ‎الباطن )) هو المحتجب عن أبصار الخلق ، وهو الذي لايستولي عليه توهم ‏الكيفية ،‎ ‎وقد يكون معنى الظهور والبطون احتجابه عن أبصار الناظرين ، وتجليه لبصائر ‏المتفكرين‎ ‎، ويكون معناه : العالم بما ظهر من الأمور ، والمطلع على ما بطن من الغيوب‎ .

قال ابن القيم : وهو تبارك وتعالى كما أنه العالي على خلقه بذاته فليس‎ ‎فوقه شيء ، فهو (الباطن) ‏بذاته فليس دونه شيء ، بل ظهر على كل شيء فكان فوقه ، وبطن‎ ‎فكان أقرب إلى كل شيء من ‏نفسه .... وبطونه سبحانه إحاطته بكل شيء بحيث يكون أقر ب‎ ‎إليه من نفسه .. فما من ظاهر إلا ‏والله فوقه ، وما من باطن إلا والله دونه ... وعلا‎ ‎كل شيء بظهوره ، ودنا من كل شيء ببطونه ، ‏فلا توارى منه سماءٌ سماءً ولا أرضٌ أرضاً‎ ‎، ولا يحجب عنه ظاهر باطناً ، بل الباطن له ظاهر ‏، والغيب عنده شهادة ، والبعيد منه‎ ‎قريب والسر عنده علانية‎ .
---------
‏(1)رواه مسلم(2713).‏
‏(2)درء التعارض(7/11).‏
‏(3)التمهيد(8/97).‏
‏(4)مجموع الفتاوى(5/244).‏
‏(5) الكافية الشافية(ص113-114).‏
‏(6) شرح العقيدة الواسطية للعلامة العثيمين رحمه الله .‏
 


 

No comments:

Post a Comment