Monday, April 12, 2010

مقابلة المكان بالزمان في رد الشبهات حول العلو


مقابلة المكان بالزمان في رد الشبهات حول العلو
عبد الباسط بن يوسف الغريب

إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
من المسائل المهمة التي ينبغي أن يستند إليها في مناظرة أهل البدع ورد شبهاتهم العقلية حول العلو ؛ مقابلة المكان بالزمان .

وهذه المسألة من الأهمية بمكان, وخصوصا إبراز وجه التناقض في مذهب من ينكر العلو ويرد ذلك بشبهات عقلية , ومن يسلم لجانب ويرد الجانب الآخر , فيسلم بالمسائل المتعلقة بالأولية والقدم ويرد الأخرى المتعلقة بالفوقية والعلو , وهذه بعض النكت المهمة في هذا الموضوع .

الأشاعرة يقرون بهذا التقابل من وجه
قال الغزالي في التهافت :" الاعتراض أنه هذا كله من عمل الوهم , وأقرب طريق في دفعه المقابلة للزمان بالمكان .. " . نقلا تهافت التهافت (91) لابن رشد .

التماثل بين الزمان والمكان من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
وهو من النفاسة بمكان لمن تدبرها وعرف المقصود منها , ووجه التماثل وكيفية استخدامه في الإلزام والمحاججة , وهي في ظني نقطة بالغة الأهمية .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وهو أن يقال :
قد تبين تماثل المكان والزمان وما يقدر بهما في لزومهما للموجود أو عدم اللزوم وفي انقسام الموجود إلى ما ذكر من القسمين في النوعين جميعا سواء قسم الموجود باعتبار ذاته أو باعتبار إضافته إلى القسم الآخر , فإذا قيل : الموجود إما أن يكون قديما أو محدثا فهو كما لو قيل إما أن يكون قائما بنفسه أو قائما بغيره أو قيل إما أن يكون مباينا أو محايثا .
وإذا قيل إما أن يكون مباينا أو لا مباينا ولا محايثا فهو كما لو قيل إما أن يكون قديما أو محدثا أو لا قديما ولا محدثا ....
ولو قيل : إما أن يكون حاصلا في المكان أو لا يكون فهو كما لو قيل إما أن يكون في الزمان أو لا يكون وهي تسمية صحيحة في الخارج إذا لم يرد بالمكان الأجسام أو صفاتها وبالزمان مقدار حركاتها وما يشبه ذلك فإن نفس أجسام العالم ليست في مكان بهذا الاعتبار ولا هي أيضا في زمان وكذلك الزمان ليس في زمان آخر .
وإذا قيل : إما أن يكون حاصلا في الحيز أو لا يكون فهو كما لو قيل إما أن يكون حاصلا في الدهر أولا يكون , والمراد بالدهر ما يقدر الذهن وجود أزمنة فيه .. .
وتسميته قديماً وأوّلاً مثل تسميته علياً وظاهراً .. .
وإذا قيل الموجود إما أن يكون متقدما على غيره أو محدثا بعده فهو كما لو قيل الموجود إما أن يكون عاليا على غيره بائنا عنه أو يكون داخلا فيه محايثا له قائما به ... .
ومن قال هو في الأمكنة المخلوقة فهو بمنزلة من قال [ليس] ذاته قبل الأزمنة , وذلك لا تنفصل ذاته عنها ولا تكون ذاته فوقها بمنزلة من قال هو مع الأزمنة المخلوقة مقارن لها لا تكون ذاته قبلها ولا يتقدم عليه .
والأول جحود لكونه الظاهر فوقها وهذا جحود لكونه الأول قبلها .
ومن قال ليس في الأمكنة ولا خارجا عنها فهو كمن قال ليس مقارنا للأزمنة ولا متقدما عليها .. .
وأما الجهمية .. حيث قالوا : لا هو داخل العالم ولا خارجه كما لو قالوا لا هو مع العالم ولا قبله .. .
ومن أجاب عن هذا بأن العقل الصريح يأبى تقسيم الموجود إلى ما [لا] يكون حاصلا في الحيز وإلى ما يكون ؛ فهو بمنزلة من قال : العقل الصريح لا يأبى تقسيم الموجود إلى ما لا يكون حاصلا في الذهن وإلى ما يكون .
وإذا كان هذا لا يمنع ما يعلمه العقل بفطرته من أنه إما أن يكون وجوده مقارنا للعالم أو متقدما عليه , فكذلك ما ذكره في الحيز لا يمنع ما يعلمه العقل بفطرته من أنه إما أن يكون وجوده داخل العالم أو محايثا له أو خارجا عنه مباينا له .
وكما لا يعقل موجود إلا قديم أو محدث فلا يعقل إلا قائما بنفسه أو بغيره .
وكما أن القديم ينقسم إلى القديم المطلق الذي لايجوز عدمه وإلى القديم المقيد وهو المسبوق بالعدم أو الممكن عدمه , فالقائم بنفسه ينقسم إلى المحتوم المطلق وهو الذي لا يجوز عدمه ولا يحتاج إلى غيره بحال , وإلى القائم المقيد وهو المحتاج إلى غيره والذي يقوم في وقت ويعدم في وقت .. .
ومن أعطى النظر حقه علم أن هؤلاء الملاحدة قلبوا الحقيقة ,ونفوا عن الرب التقدم الحقيقي ومنعوا إمكان التقدم الحقيقي بحال كما أنهم وملاحدة المتكلمين في العلو قلبوا الحقيقة فنفوا عن الرب العلو الحقيقي والمباينة الحقيقية بل منعوا إمكان العلو الحقيقي والمباينة الحقيقة ... والتقدم والتأخر قسيمان للمقارنة التي يعبر عنها بلفظ (مع ) فيقال هو متقدم عليه أو متأخر عنه أو هو معه .
وإذا كان كذلك فالتقدم والتأخر والمقارنة إنما هي بالزمان والمكان كما أنه المستعمل في ذلك إذا قلب الزمان والمكان وهي الألفاظ التي تسمى ظروف الزمان والمكان..
ثم قال بعد ذلك : فأما التقدم والتأخر بالمكان كقول سمرة بن جندب : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا ثلاثة أن يتقدم أحدنا , وكقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي في الصحيحين لما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم : ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم , ومنه الحديث في صلاة الخوف ذكر الصف المقدم والصف المؤخر .
وهكذا لفظ الأول والآخر يستعمل في المكان كما يستعمل في الزمان ... .
ثم دلل على ذلك .  بيان تلبس الجهمية (5|182-194)
هذا الكلام لشيخ الإسلام ينبغي تدبره وتكرار النظر فيه لفهم وجه الإلزام والمحاججة .

وجه إلزامات أهل البدع في إثبات علو الله على خلقه , وكيفية مقابلة ذلك بالزمان .

ا- المسألة التي أشرنا إليها سابقا في مقال مستقل , وهي مسألة علو الله علو مكانة ومنزلة , ومقابلة ذلك بالتقدم بالرتبة والمنزلة .
الفلاسفة المنتسبون للإسلام كابن سينا وغيره يرون أن هذا العالم موجب بالذات أي ملازم لذات الله أزلا ؛ أي يقارنه مقارنة العلة للمعلول , ولا يتقدم عليه ويرون أن العالم قديم بقدم موجبه .
وهؤلاء الفلاسفة يجيبون من أثبت لله أولية أو قدما بأن هذه الأولية والتقدم ليس تقدما حقيقيا , وإنما هو تقدم وأولية في المنزلة والمكانة ؛ ويستدلون على ذلك بأن لغة العرب تحتمل ذلك ؛ فالعرب تقول فلان يتقدم فلان , ويريدون به التقدم المعنوي وليس الحقيقي !
ومعلوم أن من الصفات السلبية التي يثبتها = الأشاعرة = لله = صفة القدم = وهي انتفاء العدم السابق ؛ وهو بمعنى الأولية والتقدم ؛ وقد اشتد الأشاعرة على خصومهم الفلاسفة في المسألة المتقدمة وهي مسألة قدم العالم ؛ وأثبتوا لله تقدما حقيقيا وليس فقط معنويا .

فيأتي الآن الإلزام :
وهو أن يقال لهؤلاء الأشاعرة ما تجيبون به أولئك الذين يجعلون تقدم الباري تقدم رتبة ومنزلة وليس ذاتيا حقيقيا ؛ نجيبكم به أهل السنة والجماعة أن علو الله على خلقه علوا ذاتيا حقيقيا ؟
فهذه المسألة شبيهة بذلك !
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فمن جعل علوه على العالم ليس إلا بالرتبة والقدرة ونحوهما ؛ فهو شبيه بمن جعل تقدمه على العالم ليس إلا بالرتبة والتوليد ونحوهما , وهذا في الحقيقة إنكار لكونه الأول وإثبات لمقارنة العالم له في الزمان , وذلك إنكار لكونه هو الظاهر وإثبات لمقارنة العالم له في المكان , وكلا القولين يعود إلى تعطيل الصانع في الحقيقة . بيان تلبيس الجهمية (5|178,179)

2- يقرر الأشاعرة أن الله لا داخل العالم ولا خارجه , وهذا مناف للمعقول , فتكون الإجابة أن هذا شبيها بمن قال : الله لا هو مع العالم ولا قبله أو لا قبل الزمان ولا بعده , وهذا الأخير لا يقر به الأشاعرة , فهذه بتلك .

3- أنهم يقولون لو كان الله في جهة , وكان الله ولا شيء معه( العالم ) ولم يتصف بالجهة ثم خلق العالم فاكتسب حينها الجهة , لكان العالم هو الذي أعطاه هذه الصفة أو المؤثر فيه في إعطائه الجهة ؛ إذ لم يكن متصفا بها .

والجواب : كان الله ولا زمان ثم خلق الزمان , فهل عندما خلق الزمان اكتسب صفة الأولية والقدم , فأنتم تقولون كان الله ولا زمان ولا مكان ثم خلق الزمان والمكان , فهذه بتلك .
فلما لم يؤثر في الزمان في إعطائه الأولية والقدم كذلك لم يؤثر في خلق المكان في إعطائه العلو والجهة .
قال شيخ الإسلام : والمقصود أن التقدم بالزمان لا يشترط أن يكون الزمان مؤثرا فيه . بيان تلبيس الجهمية (5|218)

4- قالت الأشاعرة هل كان الله قبل أن يخلق الجهات والعالم يوصف بالعلو والجهة ؟
والإلزام : وهل كان الله قبل خلق الزمان يوصف بالقدم والأولية فهذه بتلك .
كان الله و لم يكن زمان ولا مكان .

5- قالت الأشاعرة لو كان الله خارج العالم لكان إما أن يكون متصلا به لو أو غير متصل ؟
والجواب : وهل يلزم من إثبات الأولية والقدم مقارنة الله للزمان أو اتصاله به أو لا يلزم !
فهذه بتلك .

6- قالوا : ولو كان منفصلا , فهل هذا الانفصال يكون بمسافة متناهة أو غير متناهية ؟
والجواب : وهل لو كان متقدما على الزمان يكون بمسافة متناهية أو غير متناهة .

7- قالوا ولو كان فوق العرش لزم احتاجه إليه .
والجواب : ولو كان قبل الزمان للزم احتاجه إليه لاكتساب الأولية والقدم .
والشاهد أن هذه المسألة ينبغي أن يعتني بها طالب العلم السني , وهذه من أجوبة الإلزام التي التي تبين تناقضهم , ولا محيد لهم عنها .

والمسألة تحتمل أكثر من هذا بكثير ولكن هذه إشارات سريعة لهذه المسألة
والله أعلم .

No comments:

Post a Comment